الجمعة 31-01-2025

أوباما ونتنياهو: خلاف عائلي..!!

×

رسالة الخطأ

د. فوزي الأسمر / الولايات المتحدة

أوباما ونتنياهو: خلاف عائلي..!!
بقلم: د. فوزي الأسمر

الخلاف القائم حاليا بين الرئيس الأمريكي، باراك أوباما، وبين رئيس وزراء إسرائيل، بنيامين نتنياهو، هو خلاف عائلي، على الرغم من محاولة بعض وسائل الإعلام الإسرائيلية والعربية وحتى الأمريكية، عرضه على أساس صراع سياسي بين أمريكا وإسرائيل.
وليس سبب الأزمة عدم تقديم المساعدات العسكرية والإقتصادية الأمريكية لإسرائيل، أو عدم دعمها سياسيا، أو التخلي عنها، أو إتخاذ مواقف تهدد أمن وسلامة هذه الدولة. فحتى الصحف العبرية تقول أن إدارة الرئيس أوباما أكثر إدارة قدمت المساعدات العسكرية لإسرائيل، ووصل التعاون الأمني والإستراتيجي والسياسي بين الدولتين إلى أرقام قياسية جديدة. (معاريف 14/9/2012).
وإسرائيليا، وصلت عمليات الإبتزاز ذروتها لدرجة أنه لم يعد هناك ما يمكن طلبه لا أمنيا ولا إستراتيجيا، ولا حتى في ما يتعلق بالقضية الفلسطينية، وقضية اللاجئين الفلسطينيين، ولا قضية القدس "الموحدة عاصمة إسرائيل الأبدية"، والغي التفكير حول إعادة النظر بإتفاقية كامي ديفيد، وسحبت مصر أسلحتها الثقيلة من شبه جزيرة سيناء حسب طلب إسرائيل. بإختصار فإن إسرائيل حصلت على كل شيء.
ولكن الجشع الإسرائيلي، على ما يبدو، ليس له حدود. فقد قرر رئيس وزرائها التقدم خطوة أخرى، بهدف فرض هيمنة تؤثر على المجرى السياسي الداخلي لأمريكا، أي التدخل في الحملة الإنتخابية الجارية الآن في الولايات المتحدة.
فقد بدأ نتياهو العزف على وتر "النووي الإيراني" محاولا دفع الرئيس الأمريكي أوباما الموافقة على المشاركة في قصف مواقع المنشآت النووية الإيرانية، وهو يعرف أن أوباما لا يستطيع فتح جبهة عسكرية جديدة خصوصا في ظل معركة الإنتخابات التي يعتبرها أوباما مصيرية بالنسبة له.
وكان نتنياهو على ما يبدو قد قرر "تلقين الرئيس الأمريكي درسا" مشيرا إلى الإستقبال الحافل الذي حظى به أثناء إلقاء خطابه في الكونغرس الأمريكي، معتقدا أن في استطاعته الإنتصار على الرئيس طالما الكونغرس يقف إلى جانيه. وأخطأ بذلك.
كما أخذ يشجع ويدعم، ويجمع الأموال لمنافس الرئيس أوباما من الحزب الجمهوري مت رومني، صديقه الحميم كما قالت ولا تزال تقول وسائل الإعلام الإسرائيلية والأمريكية. وقرر نتنياهو أن تجري هذه الأمور في إسرائيل مع حشد كبير من الصحافة العالمية. فحضر رومني إلى إسرائيل وقام ملياردير يهودي أمريكي إسمه شيلدن آدلسون، وتبرع سخيا لحملة إنتخابات رومني، الذي لم يترك موضوعا تريده إسرائيل دون الموافقة عليه علنا في الخطب التي ألقاها في إسرائيل.
وكانت هذه إشارة واضحة، ليس فقط للرئيس أوباما، بل للحزب الديمقراطي برمته أن نتنياهو قد أعلن الحرب على أوباما وبالتالي على حزبه. وكان لا بدّ من تحرك علني، فأرسلت الإدارة الأمريكية، وبشكل مستمر، رسائل إلى إسرائيل حملها مسؤولون كبار، في مقدمتهم وزير الدفاع الأمريكي، وقائد الجيوش الأمريكية المشتركة وغيرهما، في محاولة من الإدارة إحتضان الأزمة. ولكن كل هذه المساعي باءت بالفشل.
ولم يترك نتنياهو فرصة تمر دون شن هجوم شخصي على الرئيس الأمريكي وممثليه الدبلوماسيين. وهاكم على سبيل المثال ما نشرته صحيفة "هآرتس" (12/9/2012): "في نهاية الأسبوع الماضي أكد رئيس لجنة الإستخبارات في مجلس النواب الأمريكي وعضو الكونغرس (وهو جمهوري) مايك روجرز، أنه خلال اللقاء الذي جرى قبل أسبوعين بينه وبين رئيس الوزراء نتنياهو في القدس، شن نتنياهو هجوما سافرا على سفير أمريكا في إسرائيل، دان شابيرو، ووبخه بسبب سياسة أوباما بالنسبة للأزمة الإيرانية".
ولم يتوقف نتنياهو عند هذا الحد، فسرب من مكتبه خبرا يقول أنه سيحمل في رحلته إلى نيويورك، لحضور الدورة العادية للجمعية العامة للأمم المتحدة، فكرة التنسيق مع الرئيس أوباما والإدارة الأمريكية، لوضع خطوط حمراء بالنسبة للأزمة الإيرانية، والوصول إلى إتفاق. وعلى أثر ذلك طلب مكتب نتنياهو أن يعين له البيت الأبيض موعدا للقاء الرئيس الأمريكي.
خطوط نتنياهو الحمراء أنارت الضؤ الأحمر في واشنطن واعتبرت، ليس فقط الإدارة الأمريكية، بل أغلبية أعضاء الكونغرس من الحزبين الديمقراطي والجمهوري، وبعض المحللين السياسيين في وسائل الإعلام الأمريكية، أن هذا التصرف من جانب نتنياهو تدخلا سافرا في السياسة الداخلية الأمريكية. وردت وزيرة الخارجية هيلاري كلنتون على ذلك بقولها أن الولايات المتحدة لا تقبل أن تواجه مثل هذا "الإنذار الأخير".
ورفض البيت الأبيض تعيين لقاء بين نتنياهو وأوباما قائلا أن وقت الرئيس لا يسمح له بذلك. ولكن صحيفة "نشينول جورنال" الأمريكية رصدت أن الرئيس لديه متسعا من الوقت لإجراء لقاء تلفزيوني مع ديفيد ليترمان هو برنامج واسع الإنشار. وكانت هذه بمثابة صفعة يوجهها أوباما لنتنياهو.
تحركات نتنياهو هذه قد تُفهمه أنه مهما كان موقف الشعب الأمريكي، إلا أنه لا يسمح لعنصر أجنبي توجيه الإهانة لرئيسه. وانعكس ذلك في المقالات المتكررة خصوصا في مجلة "ذي نيويوركر" واسعة الإنتشار حيث كتب رئيس تحريرها ديفيد رامنك، وهو يهودي أمريكي، مقالا شن فيه هجوما كاسحا على نتنياهو وتصرفاته.
كما أسلفنا فإن هذا الصراع صراع عائلي، فالهجوم ليس موجها ضدّ إسرائيل، وتصرفاتها، بل ضدّ شخصية نتنياهو ولهذا فإن هذا الصراع سينتهي مع نهاية الإنتخابات الأمريكية، ولكن إذا نجح أوباما في الإنتخابات القادمة، وبقي نتنياهو رئيسا للوزراء فقد يكون هناك حديث آخر. ولعل ما قاله المحلل السياسي الإسرائيلي جدعون ليفي (هآرتس 13/9/2012) في مقاله "شكرا لك أوباما" يمثل بُعدا معينا حيث قال أن تصرفات أوباما قد: "أنقذت إسرائيل من خراب نفسها".

انشر المقال على: