يومَ استشهدَ "نسرُ باب العامود".. ابن شعفاط الحر "محمد علي" كوماندوز السكاكين
بعد عشرات العمليات الفلسطينية الفدائية ضدّ مستوطني وجنود الاحتلال الصهيوني، تأكد وهن وفشل الإجراءات الأمنية المشددة التي فرضتها حكومة بنيامين نتنياهو، ظناً منها بأنها ستتمكّن من احتواء نار الانتفاضة المشتعلة في صدور جيل الثورة.
اجتماعات عديدة، وطارئة، عقدها قادة الاحتلال في مجلسهم الوزراي المصغّر "الكابنيت"، لتتوالى قرارات تعزيز القوات الأمنية في شوارع وأحياء القدس المحتلة، تم استدعاء آلاف من عناصر الشرطة والجيش وحرس الحدود والوحدات الخاصة والكوماندوز البحري، وانتشروا بشكل خاص في المنطقة الشرقية من العاصمة، ليبدأ بعدها الإغلاق وحصار التجمعات والأحياء العربية، ومن ثمّ إطلاق التهديدات لمخيم شعفاط شمال القدس، والذي وصفته قيادة الكيان بـ"بؤرة الإرهاب".
بهذه القرارت والإجراءات، والتعزيزات، ظن قادة الاحتلال أنهم سيوقفون عمليات الطعن الفدائية، ولكن غاب عنهم، أن شاباً صغيراً كانت أمه قد لقبته بـ"نسر باب العمود" شحذ سكينه وبات ليلته عاقداً العزم على تمزيق كبرياء نتنياهو و حاشيته وجنوده، وتحطيم جبروتهم، وبالتحديد عند باب العمود وسط مدينة القدس.
محمد سعيد محمد علي "١٩ عاماً"، من قرية بيت ثول قضاء القدس، ولد لاجئاً في مخيم شعفاط، كان يعمل جزاراً في ملحمة تملكها عائلته ولها عدة فروع في البلدة القديمة بالقدس، وفي مخيم شعفاط، لطيف وخلوق و"أزعر" كما وصفه الأهل والجيران.
قبل يومين من استشهاد علي، تصدّى أهالي مخيم شعفاط لحملة عسكرية "إسرائيلية" ضخمة تزامنت مع تهديدات خاصة أطلقها ضد المخيم، واستقدم جيش الاحتلال آلاف الجنود والآليات العسكرية وطائرات الـ"هليوكبتر"، التي اقتحمت شعفاط، المخيّم الذي حارب ببضع قطع من السلاح و زجاجات "المولوتوف"، ليردع أرتالاً من العتاد العسكري.
في ذاك اليوم ارتقى شهيدان من مقاومي المخيم خلال اشتباكهما مع جيش العدو، الذي انسحب جاراً خيبته وأكثر من ١٠ اصابات في صفوف جنوده.
وسط هذا الجو المشحون بالبطولة والتحدي، استيقظ محمد علي صباح يوم الأحد 11 أكتوبر 2015، نظف ساحة منزله ورتب الحديقة وجلس يتناول طعام الغداء مع عائلته، ثم خرج من منزله قاصداً "الحلّاق"، لكنّه وجد مغلق الأبواب استجابة لدعوات المخيم بالإضراب لروح الشهيديْن، عاد للبيت، وارتدى معطفه الأزرق الجديد، عاقداً العزم لغرضٍ ما كان يعرفه وحده، خبأ سكيناً وراء ظهره وخرج... نحو القدس.
وفي القدس، مشى محمد علي وسط حشود الجيش بهدوء وثقة متجهاً إلى باب العامود، كانت الشوارع خالية من المستوطنين وكان الرعب واضحاً في كل تفاصيل المدينة، تابع محمد سيره كنسرٍ بنظرٍ شاخصٍ، فقط نحو السماء.
وصل محمد إلى ساحة باب العمود وجلس وسط ما يقارب الـ٣٠ جندي من الوحدة الخاصة "اليسام"، وانتظر...
سُرعان ما توجه اليه أحدهم وطلب منه إخراج هويته، بهدوء وطمأنينة وقف محمد، فارتعب الجندي وأجلسه مرة أخرى، واستدعى جنديين آخرين عملاً بمبدأ الجبناء "الكثرة تغلب الشجاعة".
طلب الجنود من محمد الوقوف مرة أخرى، هذه المرة كان محمد قرر أين سيضرب سكينه، وقف محمد سعيد محمد علي واستلّ بيده اليمنى سكينه من خلف ظهره، وباليسرى ثبت رأس الجندي الأول وضرب عنقه، حاول الجنديين الآخرين منع محمد وإيقافه، ولكن من يقدر على منع قدرٍ قد تحقق.
ضربتين من سكين محمد أسقطتا جنديّ اليسام أرضاً، هرع جنود اليسام الآخرين، كـ"المجانين"، من كل اتجاه فاتحين نيران أسلحتهم لقتل محمد، ومحمد ظل يضرب بسكينه بكل إقدام وشجاعة ليصيب اثنين آخريْن، وبعدها سقط جسده الطاهر على الأرض وارتقت روحه لتحلّق فوق سماء باب العامود، ليكون فعلاً وحقيقةً "نسر باب العامود".
قبل يوم من تنفيذ العملية رأى محمد إحدى نساء المخيم تبكي الشهيدين المنسي وصلاح، فقال لها "عقبالي"، فأجابته "اخرس"، فرد عليها محمد وقال "قربت" !
وقبل ساعات، عاد محمّد لمخيّمه بعد طول غياب، فقد كان القتلة يحتجزون جثمانه منذ تاريخ استشهاده، عاد وتحوّط بـ"زغاريد ومهاهات" أمهات وفتيات المخيّم الحرّ، وملامح رجاله المتمسّكة بصلابتها، فخراً و رضًا بقدر هذه الأرض، التي عليها ان تُقاوم حتى الرمق الأخير، لحريّتها الكاملة.