الجمعة 29-11-2024

النص الكامل لكلمة السيد نصر الله في ذكرى أسبوع الشهيد القنطار

×

رسالة الخطأ

موقع الضفة الفلسطينية

النص الكامل لكلمة السيد نصر الله في ذكرى أسبوع الشهيد القنطار

باسمه تعالى

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا خاتم النبيين أبي القاسم محمد، وعلى آله الطيبين الطاهرين، وصحبه الاخيار المنتجبين، وعلى جميع الأنبياء والمرسلين.

الإخوة والأخوات، الحفل الكريم، السلام عليكم جميعاً ورحمة الله وبركاته.

يقول الله تعالى في كتابه المجيد: "بسم الله الرحمن الرحيم من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدّلوا تبديلا ليجزي الله الصادقين بصدقهم ويعذّب المنافقين إن شاء أو يتوب عليهم إن الله كان غفورا رحيماً". صدق الله العلي العظيم.

في البداية أرحب بكم جميعاً في هذا اللقاء،وهذا الإحياء لذكرى شهيد قائد مقاوم ورمز، وأشكركم على هذا الحضور، وأجدد ـ باسم حزب الله والمقاومة الإسلامية وعائلة الشهيد ـ شكري وشكرهم لكل الذين باركوا وعزّوا وواسوا، سواء حضروا إلى أماكن التبريك في الضاحية أو في عبيه أو في اي مكان آخر أقيم فيه تبريك وتقبّل عزاء أو أصدروا البيانات أو أرسلوا البرقيات، وعبّروا بأي شكل من أشكال التعبير عن تضامنهم وموقفهم وتعاطفهم مع المقاومة وشهيدها وعائلة شهيدها.

أيضاً قبل الدخول إلى الكلمة، المضمون الأساسي فيها، أنا يجب أن أجدّد أيضاً توجيه التعزية إلى عوائل الشهداء الذين قضَوا في جرمانا واستشهدوا هناك إلى جانب الأخ الشهيد سميرالقنطار، وخصوصاً الإخوة من رفاقه المقاومين الذين كانوا معه في هذا الطريق واستشهدوا معه أيضاً في المكان نفسه.

ويجب أن نذكرفي لبنان أيضاً، ونحن في كل يوم، أو بين يوم وآخر نودّع شهداء الواجب الجهادي، شهداء الدفاع عن المقاومة وقضية المقاومة ومحورالمقاومة، نتوجه إلى عائلاتهم الشريفة أيضاً بالتبريك بشهادتهم وحصولهم على هذا الوسام وبالتعزية لفقدان هؤلاء الأحبة الذين يدافعون عنا جميعاً.

يجب أن أتوجه أيضاً إلى إخواننا وأصدقائنا وأحبتنا في الحزب العربي الديمقراطي، والإخوة في المجلس الإسلامي العلوي في لبنان، بالتعزية برحيل الأستاذ النائب السابق علي عيد، وإلى عائلته الكريمة وإلى جميع محبيه وأصدقائه، وأسأل الله سبحانه وتعالى أن يشمله برحمته وأن يمنّ على عائلته وأحبائه بالصبر والسلوان.

مجدداً أيضاً نبارك بالعيدين الكريمين المباركين للمسلمين والمسيحيين، عيد ميلاد السيد المسيح عليه السلام، وعيد المولد النبوي الشريف لخاتم النبيين أبي القاسم محمد بن عبد الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، نبارك هذا التزامن بين المناسبتين الكريمتين والجليلتين، وإن كنا نتطلع إلى اليوم الذي يستطيع فيه المسلمون والمسيحيون أن يعيشوا بحق أفراح الأعياد.

للأسف، نحن في هذه المنطقة منذ أكثر من 67 عاماً، لا نعرف طعم عيد ولا فرح عيد، وخصوصاً في هذه السنوات الأخيرة التي ابتُليت فيها منطقتنا وشعوبنا بحروب مدمرة تخدم هذا الكيان الذي أصاب منطقتنا وأمتنا ببلاء شديد منذ قيامه.

لكنّ في كل الاحوال نحاول أن نأخذ من العيد ومن كل عيد بركته وقيمته ومعناه ونحاول رغم الأحزان أن نصنع الفرح ورغم الدموع أن نصنع الابتسامة.

في هذه المناسبة الجليلة، وكما قلت في الخطاب الأول، أود أن أعطي الوقت للحديث عن الشهيد القائد سميرالقنطار، لنعطيه بعضاً من حقه، وأيضاً لندخل من بعض الصفات إلى المسؤوليات التي تترى علينا جميعاً، وهو الذي ـ كما قلت ـ أضحى مدرسة ورمزاً.

سأذكر عناوين من هذه الصفات ومن كل عنوان أدخل لمسؤولية:

ـ منذ بدايته، عندما كان شاباً يافعاً، صفة الشاب الجاد المسؤول المؤمن بقضية والذي يحمل همّ قضية ويقاتل من أجلها هذه هي الصفة الأولى، وهي البداية التي عرف الناس من خلالها سميرالقنطار. سمير كان يستطيع في شبابه، وفي ذاك السن، أن يخلد إلى الأرض ككثير من شباب عالمنا العربي والإسلامي، أن يبقى في قريته، في حيّه، بين أهله، ويفتش عن أي أمر آخر.

ولكنه اختار طريق المقاومة منذ صباه وهو يعبر عن كثير من الشباب اللبناني والعربي، خصوصاً الذي التحق في تلك السنين بفصائل المقاومة الفلسطينية ومنظماتها المقاتلة. ونذكر نحن كثيراً من الشباب الذين جاؤوا إلى لبنان في تلك المرحلة والتحقوا بهذه المنظمات، شباب سوريين وعراقيين وتونسيين وجزائريين ومن اليمن ومن كثير من بلدان العالم العربي. سمير هنا يعبّر عن ذاك الجيل من الشباب الجاد، الشباب المسؤول، الشباب الواعي الذي آمن بفلسطين وقاتل على طريق فلسطين واستشهد كثيرمنهم على أرض فلسطين.

انا أذكرفي بعض عمليات التبادل كنا نستعيد بعض جثامين أو رفات هؤلاء الشهداء العرب ونعيدهم إلى بلدانهم وإلى عائلاتهم، هذا يرتّب مسؤولية في هذا العنوان. نحن نعرف من عقود، هناك برنامج ثقافي وإعلامي وتربوي كبير وعريض، وفي إطار الحرب الناعمة كما تسمى، لإبعاد شبابنا وشباب شعوبنا وشباب أمتنا عن القضايا الكبرى وعن المسؤوليات الحقيقية وعن التصرفات الجادة، وإغراقهم في شؤون وشجون وقضايا وإلهائهم في ساحات لا ترسم مصيراً ولا تصنع مستقبلاً حتى لأشخاصهم. وأنتم تعرفون معنى هذا الكلام، ولا داعي لضرب الأمثلة. نحن نحتاج إلى هذه الروح المسؤولة والجادة التي عبّر عنها سميرالقنطار منذ انطلاقته في صفوف المقاومة الفلسطينية إلى فلسطين، حتى شهادته في صفوف المقاومة الإسلامية على أرض سوريا.

ثانياً: عنوان وصِفة الإستعداد للتضحية بلا حساب، وبلا حدود، هكذا كان سمير. العملية التي مضى إليها في بداياته هي من نوع العمليات التي تنتهي إما بالشهادة أو بالأسر، ونذكر نحن تلك العمليات التي كانت تحصل على أرض فلسطين، سواءً التي كان يذهب إليها المقاتلون من لبنان أو من مكان آخر أو داخل فلسطين، غالباً ما كانت تنتهي بالشهادة أو بالأسر، تماماً كما يحصل هذه الأيام في عمليات الطعن التي يقوم بها شباب وشابات فلسطين، تنتهي إما بالشهادة أو بالأسر غالباً.

الماضون في هذا النوع من العمليات هم أشبه بالذاهبين إلى العمليات الإستشهادية، يعني هو أخذ أقصى مدى، يعبّر عن أعلى درجة من الإستعداد للتضحية. هنا قوة المقاومة، هذه الروح هي التي تمثل جوهر المقاومة. لا مقاومة بلا تضحية وبلا استعداد للتضحية وبلا عطاء بلا حدود. البعض قد يقبل بفكرة المقاومة، وحقّها وحقيقتها، ولكنه لا يكون مستعداً للتضحية، لا بنفسٍ ولا بمالٍ ولا بعزيزٍ ولا حتى بماء وجهٍ،أو أن يتحمل موقفاً قاسياً أو صعباً أو إساءةً من هنا أو من هناك، بل يصل البعض من غير المستعدين للتضحية إلى التنكر للمقاومة وهو يعرف حقها، إلا أنه يجحد فقط ليتهرب من المسؤولية ومن العطاء.

في ذكرى سمير القنطار، نحن نحتاج إلى إستعادة روح التضحية والإستعداد للبذل، لأن هذا شرطٌ أساسيٌ لقيامة شعب ولاستمرار مقاومة، وتحرير أرض وصنع مستقبل وعزة أمة.

العنوان الثالث أو الصفة الثالثة: الصمود في السجن ثلاثين عاماً. كل واحد يستطيع أن يرجع وأن يفكر أو يتأمل قليلاً، الآن طبعاً الإخوة والأخوات الذين قضوا سنوات في السجون وفي المعتقلات من أنصار إلى الخيام إلى السجون الإسرائيلية المتنوعة داخل فلسطين المحتلة، أو في غيرها من السجون يدركون ماذا يعني أن يُسجن الإنسان وأن يؤسر وأن يُقيّد بالسلاسل والأغلال، ماذا يعني ثلاثين عاماً في الأسر؟ كلمة قد ُتقال، ولكنها تعبّر عن عمرٍ مليءِ بالصبر والتحدي والقوة والتحمّل، وهذه ميّزة سمير. ثلاثين عاماً قضاها بالأسر، لكن لا ترى في وجهه وفي إرادته إلا الصمود والتحمل والصبر، لا يتراجع ولا يتزلزل ولا يساوم ولا يخضع ولا يضعف أمام سجانيه، وأمام سنوات السجن الطويلة، ولا يتاجر ولا ييأس، وهذا هو المهم.

سأتكلم عن الأمل فيما بعد، لا ييأس، واحد محكوم بكذا مؤبد.. وبمئات السنين سجن، ولكنه كان يحمل الأمل الكبير بالتحررمن هذا الأسر، هذا شيء مهم جداً، لكن فلنبقَ بصفة السجن والصمود في السجن، حتى أصبح بحقٍّ عميد الأسرى اللبنانيين والعرب في السجون الإسرائيلية.

قلنا يستطيع أن يقدّر كم دخل إلى السجون وخرج من السجون من أسرى فلسطينيين ولبنانيين وعرب وغيرهم، ولكن مع كل فوج كان يخرج بإطلاق سراح أو بعملية تبادل ، كان سمير يبقى، ويمكننا أن نفترض أو أن نتحسس أو أن نتصور أو أن نستشعر مشاعر هذا الباقي في السجن وفي الأسر، هذا الجبل إبن الجبل، جبل العزيمة والصبر والصمود، وهذه الحالة تكررت ـ يمكن ـ عشرات المرات، كانت وحدها كفيلة بأن تحطم إرادة إنسان وأعصابه وقلبه وعاطفته، ولكنها لم تفعل ذلك، لكنها عجزت أمام سمير القنطار. إذاً هذا هو الصمود والصبر والتحمل.

رابعاً: الحيوية والإنتاجية حتى في سنوات السجن. بعض الأشخاص قد يُصابون بالتعب والملل والإحباط، يقضون أيامهم في السجون على قاعدة "أنا غير قادر أن أعمل شيئاً"، لكن سمير كان مدرسة، بطلب العلم وفي الدراسة، واحد سجين ومحكوم مؤبدات، ماذا يريد من الدراسة؟ وماذا يريد من الشهادات الرسمية؟ ببذل الجهد في داخل السجون، وفي رفع معنويات الأسرى، وفي المساهمة. أقصى ما يمكن أن يفعله أسير كسمير القنطار في سجنه هو أن يخاطب الفلسطينيين واللبنانيين والشعوب والمقاومين والمجاهدين ويحرّضهم ويعبئهم ويدعوهم إلى الصبر من موقعه كصابر، وإلى الصمود من موقعه كصامد، وإلى مواصلة الطريق وعدم المساومة من موقعه كمقاوم لا يساوم، وهذا ما فعله طوال السنوات، وخصوصاً في السنوات الأخيرة،ببياناته ورسائله وكلماته وإتصالاته.

الأمة والشعوب والمقاومون والأسرى والسجناء وكل من هو في ساحة تحدٍّ ومواجهة، هو دائماً بحاجة إلى خطاب التثبيت وخطاب التحريض وخطاب التمكين وخطاب التحفيز والاستنهاض، لأنه في مقابل هذا الخطاب، نحن نشاهد مئات الفضائيات العربية وغير العربية ومئات بل آلاف المنابر الإعلامية التي همّها الوحيد هو التثبيط، تثبيط العزائم ونقض الهمم وتوهين الإرادات ودفع المجاهدين والمقاومين وكل بيئة تحتضن المقاومة والجهاد إلى التراجع وإلى التخلف وإلى التخلي عن تحمل المسؤولية، هذا الدور كان يمارسه سمير وهو في سجنه خلف القضبان، كان ينبض بالحيوية وبالعمل وبالنشاط، ولم يتكاسل ولم يتعب ولم يهدأ في يوم من الأيام.

العنوان الخامس: من أهم صفات المجاهدين التي تمتع بها سمير القنطار هي صفة الإيثار. في أي مقاومة، عندما تدخل الأنانية، وعندما يصبح الشخص أولوية في نظر نفسه، في ترتيبه وفي برنامجه، وعندما تصبح مصالحه و سلامته وعنوانه واسمه هي الأولوية، هذا يعني أنه في خطر وأن المقاومة التي ينتمي إليها في خطر، في خطر معنوي، وفي خطر أخلاقي وفي خطر فكري، وبالتالي في خطر وجودي.

من أساسيات المقاومين أنهم يؤثرونبعضهم على بعض، يحمي بعضهم بعضا، يتقدم بعضهم بصدره ليحمي إخوانه الذين يمشون خلفه، يتحملون المسؤولية في الخطوط الأمامية ويتقدمون فيها، يؤثرون على أنفسهم، يؤثرون على أنفسهم ليس فقط بالمال بل يؤثرون على أنفسهم أيضاً في الحرية. هكذا كان سمير.

أنا شخصياً طبعاً تعرفت عليه بعد إطلاق سراحه، ولكن بكل صراحة أقول، إن الموقف الأهم في كل السنوات الماضية الذي ترك فيي وفي إخواني أثراً عظيماً من الناحية الروحية والأخلاقية هو عندما كنا نفاوض على تبادل أسرى ومعتقلين بعد عام 2000.

بعد عام 2000 تذكرون أنه قامت المقاومة الإسلامية بأسر ثلاثة جنود من منطقة مزارع شبعا بعدها بمدة تم أسر الضابط تاننباوم، ودخلنا في مفاوضات طويلة. منذ اليوم الأول للمفاوضات وإلى آخر يوم، المشكلة الحقيقية كانت سمير القنطار. طبعاً الإسرائيلي يقول للوسيط الألماني: مستحيل سمير القنطار، لا يمكن هذا الأمر.

حسناً، فاوضنا وامتدت المفاوضات وقتاً طويلاً وصار واضحاً "أنه خلص"، إما أن تنجز هذه العملية ويُطلق سراح هذا العدد الكبير من الإخوة، وخصوصاً اللبنانيين الذين كانوا قد قضوا مدداً طويلة في السجون، ومن جملة الذين كانوا تعرفونهم، سماحة الشيخ عبد الكريم عبيد، الأخ الحج أبو علي الديراني وآخرين.كانوا قد أمضوا سنوات طويلة وفي ظروف صعبة. وقفت العملية هنا، ونحن كان لدينا التزام بكل الأسرى اللبنانيين، وما أمكن من أسرى فلسطينيين وعرب. ماذا نفعل؟

هنا صرنا إمام إشكال أخلاقي من جهة وإشكال واقعي وعملي من جهة أخرى. العملية وقفت على شرط يقول الإسرائيليون إنه مستحيل، إما ان نترك سمير في السجن وبالتالي أنت لديك التزام أخلاقي كبير ومعلن في هذا الأمر، وإما أن "خلص" تقول لا، أنا لا أمشي وليبقَ كل الشباب في السجون.

واقعاً بالنسبة لنا القرار كان صعباً جداً. الذي أخرج الموقف هو نفس سمير القنطار بإيثاره، بروحه، بصدقه، باستعداده للتضحية، بتحمله المسؤولية، هو الذي أحلّنا من هذا الالتزام الأخلاقي. طبعا نحن لم نحلّ أنفسنا لاحقاً لكن في هذه العملية هو أرسل بشكل واضح جداً وقال: يا إخوان، الله يعطيكم العافية وبذلتم جهداً وفاوضتم لمدة طويلة. إذا كانت القصة تقف عندي أنا، أنا ليس لدي مشكلة، فليخرج الإخوة إلى الحرية، ولاحقاً "الله كريم"، وأنا أثق بكم وأثق بوعدكم.
هذا الإيثار، في الوقت الذي أي شخص غير سمير القنطار أمضى ثلاثين سنة، كان وقتها طبعاً أقل من 30 سنة لكن نتحدث بحوالي 24 سنة 25 سنة لا أعرف بدقة، ممكن حقه أن يقول لا يا أخي، "يسوا الإخوة ما يسواني، طوّلوا بالكم بعد، فاوضوا بعد، واضغطوا بعد، وخذوا وقتكم بعد، لمَ تتركونني؟".

وبعد إنجاز العملية كان من الممكن أن يصدر بيانات ويهاجمنا ويتهمنا. لكن سمير لم يفعل ذلك. من البداية، تصرف بشكل شريف ونبيل وبمستوى أخلاقي رفيع، وحتى بعد خروج الإخوة من السجن وبقائه هو، بارك لهم وأصدر بياناً وقال كلاماً طيباً ويعبر عن هذه الروحية.

برأيي، في كل ما سردت، هذا من أهم العناوين، من أهم الصفات التي يجب أن نتوقف عندها في مثل هذه المناسبة.
العنوان السادس هو الإصرار على مواصلة الطريق بعد خروجه من السجن. أنا أشرت لهذا الأمر سابقا. كان يستطيع سمير القنطار أن يأتي ويقول أنا ذهبت شاباً صغيراً، سُجنت وقاتلت وتحملت بالسجون ما شاء الله و30 سنة سجن وأسر، أدّيت قسطي للعُلى. انتهى الموضوع.

ولم يكن ليعتب عليه أحد، ولن يقول له أحد أنت هارب من الزحف أو متخلٍّ عن القضية. أبداً، كان يستطيع أن يعيش حياته الطبيعية ببيته وأهله وقريته وأصدقائه وناسه، وكان "أكثر من هيك" كان يستطيع أيضاً أن يبقى بهذا الخط، لكن لا يتحمل أو لا يدخل في المجال العسكري الذي يضعه مباشرة في دائرة الخطر. كان يستطيع. هو لديه رمزية معينة، له إسم كبير في لبنان وفي العالمين العربي والإسلام،ي ويدعى إلى مؤتمرات وإلى احتفالات على امتداد العالمين العربي والإسلامي. يستطيع أن يمضي باقي عمره يخطب من مؤتمر لمؤتمر ومن احتفال لاحتفال ومن مناسبة لمناسبة وهو صوت ولديه ثقافة وعنده مستوى أكاديمي عالٍ وفهم ولديه قدرة تعبير جيدة وبالتالي لا ينقصه شيء ويبقى في قلب المشروع المقاوم. لكن في هذا الجانب سمير لا.

حتى أنا، هذه واحدة من الأفكار التي طرحتها عليه، قلت له أنت اليوم لديك رمزية معينة، هذه الرمزية لم تأتِ بالمجان، جاءت نتيجة 30 سنة بالسجن. قلّما، إذا شاهدنا كل العالم العربي، أن نجد مثلاً هذه الخصوصية، أنت تستطيع أن تمارس دوراً استنهاضياً كبيراً جدا من خلال خطابك وكلماتك وبيانك ومشاركتك وحضورك. هو قال ليس لدي مانع، هذا أنا بما أستطيع عليه أعمل به، لكن أنا أريد أن أكون مقاتلاً مقاوماً عسكرياً في هذه المقاومة، وقال كلمته المعروفة: أنا أتيت من فلسطين لأعود إلى فلسطين. لا، أنا أود أن أقاتل الاحتلال ليس فقط بالكلمة إنما بالفعل الميداني. لذلك بعض الصور التي شاهدتموها وكانت تنشر لأول مرة، بعدها هو طلب سمير أن يلتحق بدورات عسكرية ليرفع كفاءاته. فعلاً ذهب وشارك بالعديد من الدورات، وكان لديه اهتمام خاص بسلاح ضد الدروع لأن الانطباع بذهنه الذي قاله لي عن أهمية هذا السلاح ودوره في حرب تموز 2006.

طيب أين يا سمير تريد أن تعمل؟ قال يا أخي أنا ابن الجبهة، إذا عمليات أنا حاضر أن اكون واحداً من العمليات أنا ابن الجبهة إن حدثت أي مواجهة أي حرب اي قتال حاضر ان أتواجد في الخطوط الأمامية. أنا حتى ناقشته على التواجد في الخطوط الأمامية. استهدافك هذا يشكل كسباً معنوياً، أنت مرّ على خروجك عدة أيام من السجن، بالنسبة للإسرائيلي حتى هذا التفصيل ناقشته معه، قال طيب يا أخي أنا ماذا استطيع أن اساعد داخل فلسطين، هذه أولويتي. إلى أن حصلت تطورات سورية وانفتح الأفق والمجال لانطلاقة مقاومة شعبية سورية، هنا سمير اعتبر أنه يستطيع أن يساعد. قال: هنا أستطيع أن أخدم نتيجة مجموعة خصوصيات معروفة، أنا أستطيع أن أقدم شيئاً مميزاً قد لا يتمكن منه آخرون. "اعملوا معروف" واسمحوا لي أن ألتحق بهؤلاء الإخوة المقاومين في سورية وأعمل معهم لنرى إلى أين يمكن أن نصل.

هنا بدأت، اسمحوا لي هنا أن أفتح هلالين قبل أن أنتقل للعنوان الأخير في مواصفات سمير القنطار، لكن هنا أفتح حديثاً مهماً في مسألة الصراع مع العدو هو موضوع الجولان.

منذ اللحظات الأولى التي أشار فيها السيد الرئيس بشار الأسد إلى فكرة مقاومة شعبية في الجولان أو عند الحدود السورية، في واحدة من الخطابات، وبدايات حركة شعبية من هذا النوع، تعاطى الإسرائيلي بحساسية مفرطة جداً مع هذا المشروع، يعني مشروع انطلاق أو تأسيس أو حركة مقاومة شعبية سورية على الحدود السورية وفي داخل الجولان.
وأنا منذ ذلك الحين، أنا والأخوة، كنا نتابع التعليقات الإسرائيلية والمتابعة الإسرائيلية التفصيلية والحثيثة على المستوى الأمني والسياسي والإعلامي، وأيضاً العسكري والميداني، لكل ما يتصل بتلك الجبهة.

أيضاً كنا نشاهد ردة الفعل الإسرائيلية أمام أي عمل بسيط كان يحصل في تلك الجبهة، قذيفة هاون، حتى لو نزلت في منطقة خالية، في فلاة، أو صاروخ 107 مثلاً، أو قذيفة مدفعية، أو إطلاق نار على الحدود، حتى لو لم تؤدّ إلى خسائر بشرية، كان الإسرائيلي يتعاطى مع الموضوع بتوتر عالٍ جداً وبرد فعل غير متناسب. لماذا؟ لأنه يريد أن يئد هذه المقاومة السورية وهذا المشروع المقاوم الجديد في مهده، يريد أن لا يسمح له بالنمو وبالحياة، لأنه يعرف ماذا يمثّل مشروع مقاومة شعبية سورية في مجمل الصراع القائم مع العدو الإسرائيلي.

ولذلك أيضاً كان يلاحق كل الأفراد الذين انتموا إلى هذه المقاومة، حتى لو لم يعملوا عمليات، حتى لمجرد الانتماء إلى هذا التشكيل، كان يعرّضهم للغارات أو للقتل أو للتصفية أو للاعتقال، وهذا يدل على مدى حساسية العدو الإسرائيلي في هذا الأمر. طبعاً الإسرائيلي دائماً يحاول أن يعطي الأمور أبعاداً خارجية، يعني عندما يتحدث عن المقاومة في الجولان أو عند الحدود السورية مع الجولان هو دائماً يحاول أن يلبسها لبوساً إيرانياً، ويقول إيران والجمهورية الإسلامية في إيران والحرس الثوري الإيراني وما شاكل، لأن العدو الإسرائيلي هو أصلاً لا يعترف بمقاومة وطنية، لا في فلسطين ولا في لبنان ولا في سوريا ولا في أي مكان، كل من يقاتل إسرائيل في نظر إسرائيل هو عميل إيراني.

لا يجوز الخضوع لهذه التوصيفات والتصنيفات الإسرائيلية، ما كان يجري وما زال يجري منذ اليوم الأول هو إرادة سورية، إرادة سوريين، سمير وبعض الأخوة من أمثال الأخوة الذين قتلوا واستشهدوا قبل عام في منطقة القنيطرة كان لهم دور المساندة والمساعدة ونقل التجربة والوقوف إلى جانب هذه المقاومة السورية الفتية التي تعلق عليها الآمال ويخشاها العدو أيما خوف وخشية. ولذلك نجد أن مستوى التهديد الإسرائيلي عالٍ جداً ومرتفع جداً سواء من نتانياهو أو من يعلون أو من آخرين عندما يتصل الأمر بهذه المقاومة هناك.

لماذا يتعاطون مع الجولان بهذه الحساسية؟ لأنهم لا يريدون أن يفتح باباً من هذا النوع، ليس فقط من أجل تحرير الجولان، بل في الحد الأدنى من أجل إعادة الجولان المحتل إلى الخارطة السياسية والإعلامية والشعبية والوجدانية. كلنا تابع ويعرف كيف أن نتانياهو خلال السنوات الماضية بذل وما زال يبذل جهوداً عند الإدارة الأميركية وعند حكومات غربية من أجل الحصول على اعتراف دولي بضم الجولان إلى دولة الاحتلال، إلى إسرائيل، بحجة أن الوضع في سوريا أصبح منهاراً وغير آمن ويريد أن يستفيد من كل الوضع الداخلي في سوريا من أجل أن يحصل على اعتراف دولي بضم الجولان بشكل نهائي إلى كيان العدو.

من يتطلع إلى الجولان ويفكر بالجولان بهذه الطريقة، من قام بضم الجولان وينظر إليه اليوم إضافة إلى قيمته الاستراتيجية عسكرياً وإلى أهميته مائياً وإلى الحديث الجديد عن الطاقات أو النفط أو ما شاكل الموجود فيه أو الذي يمكن أن يستكشف، بالتأكيد هو لن يتحمل حتى الحديث أو الكلام ولو الشعار عن مقاومة سورية في الجولان أو عند الحدود مع الجولان. ولذلك كانت جريمة سمير القنطار، وكان ذنبه كبيراً إلى هذا الحد الذي يتجاوز فيه العدو الإسرائيلي كل الضوابط ويخترق قواعد الاشتباك ـ كما يقال ـ ويقوم بقصف جرمانا في ريف دمشق في مبنى سكني ليقتل سمير والإخوان، إخوته الذين كانوا معه، ويعتبر أن هذا المستوى من المغامرة يستحق لأن الموضوع على درجة عالية من الأهمية. أن يبقى سمير على قيد الحياة، أن يبقى أمثال سمير على قيد الحياة ممّن يتحملون مسؤولية أساسية في هذا المشروع، أعني مشروع المقاومة الشعبية السورية في الجولان وعند الحدود مع الجولان، الأمر يستحق من الإسرائيلي هذا المستوى من المغامرة.

الآن البعض يقول، لأنه سأعود في الآخر لموضوع رد الفعل والرد المحتمل وما شاكل، البعض يقول لا يمكن، الإسرائيلي كان عنده تقدير خاطئ، هو لم يتصور أن حزب الله مثلاً سيتبنى سمير القنطار إلى هذا المستوى، سيأخذ المسألة بهذه الجدية، سوف يرفع السقف إلى هذا الحد، هو لعله اعتبر أنه بالنهاية قد يكون الأمر يختلف عن شهداء آخرين. وإذا لاحظتم في وصية سمير، عندما يقول دماؤنا متساوية، الإسرائيلي لا يفهم الأمور هكذا، لأن عقليته هكذا، هو لا يفهم عقلنا، لا يفهم أخلاقنا، لا يفهم انتماءنا. على كل حال، البعض يقول إن الإسرائيلي أخطأ في التقدير، لكن في كل الأحوال، أنا برأيي، أخطأ أو لم يخطئ، هو يتصرف على قاعدة أن هذا ملف حساس جداً لا يمكنه أن يتسامح فيه.

حسناً، بالطرف المقابل، بناءً على هذا الكلام كله يرتب مسؤولية، وهو أن يتعاطى الجميع أيضاً مع ملف المقاومة السورية الشعبية بأنه ملف حساس ومهم وعلى درجة عالية من الأهمية والخطورة، وفي الحد الأدنى هذا الملف وهذا المشروع يمكنه أن يعود بالجولان إلى أن يطرحها بقوة على خارطة المعادلة السياسية والإعلامية والشعبية والوجدانية على مستوى العالم وعلى مستوى المنطقة في الوقت الذي يريد فيه العدو الصهيوني أن تصبح هذه الأرض نسياً منسياً ويستغل كل الظروف القاسية لضمّها نهائياً إلى الكيان.

سابعاً، ولا تنتهي الصفات ولكن أنتهي عند هذه الصفة. سابعاً، الأمل، الأمل بتحرير فلسطين، الأمل بالعودة إلى فلسطين، الثقة المطلقة بزوال الاحتلال وزوال إسرائيل من الوجود، هذا جزء أساسي من المعركة أيها الأخوة والأخوات، بل هو قلب المعركة وحقيقتها.

هنا في هذا المجال أيضاً هناك صراع قوي، صراع ثقافي وروحي ونفسي بين جبهتنا، جبهة المقاومة على امتدادها في كل المنطقة وبين العدو الإسرائيلي.

العدو منذ الأيام الأولى لاغتصابه لفلسطين وعلى مدى 67 عاماً، العدو يعمل وما زال يعمل، من أجل أنيفقد الفلسطينيون وشعوب المنطقة كل أمل بزوال الاحتلال وزوال إسرائيل، الذي يسميه الاسرائيلي "كيّ الوعي"، العمل على وعينا، على وعينا وعلى لاوعينا ، على إرادتنا وعلى فكرنا وعلى عقلنا وعواطفنا وأحاسيسنا وعزمنا وإرادتنا، هذه الحرب النفسية، الحرب الثقافية النفسية الفكرية، سمّوها ما شئتم، لأن من يفقد الأمل، انتهى كل شيء عنده.

أساساً في أي جبهة، عندما تريد أن تلحق الهزيمة مثلا بكتيبة أو بلواء أو بفرقة أو بجيش، أنت لا تحتاج أن تقتل الجميع أو تدمر دباباته كلها وآلياته، وتمسحه عن وجه الأرض. لا، يكفي أن تصيب إرادة القتال في هذا الجيش، أمله في الانتصار، ثقته بنفسه وبقدرته على الصمود وعلى تحقيق الإنجاز، حتى ينهار هذا الجيش أمامك، ولذلك رأينا الكثير من الجيوش التي هُزمت وعشرات الآلاف من جنودها وضباطها أسرى، ودباباتها ومعسكراتها انهارت، إلخ..

هنا المعركة القائمة منذ 67 عاماً، الاسرائيلي إلى أين يريد أن يوصل الفلسطيني ويوصلنا جميعاً؟ يريد أن يوصلنا إلى مكان ليقول نتيجة كل المعطيات والتطورات والمعادلات والأحداث وووو.. إلى أنه يا جماعة ليس لديكم أمل، لا يوجد أي أمل، هذا الكيان باق، هذا كيان أبدي، لذلك تلاحظون أنهم يستعملون عبارة "عاصمة ابدية لإسرائيل" كأن إسرائيل أبدية ويفتشون لها عن عاصمة أبدية. هذه ليست كلمة بالصدفة أو زلة لسان، هذه كلمة مدروسة ومحسوبة جيداً، هذا كيان قوة، هذا كيان يمتلك رؤوساً نووية، هذا كيان يمتلك أقوى جيش في النطقة، أقوى سلاح جو في المنطقة، ويعدّ من أوائل جيوش العالم، هذا كيان يحظى بدعم دولي منقطع النظير، هذا كيان تقف خلفه الولايات المتحدة الأميركية التي ترفض حتى أن يُدان في مجلس الأمن على جرائمه وإرهابه، هذا كيان، هذا كيان.. عندها ليس لديكم أي أمل، لا يوجد أي أمل ولا أي فرصة ولا أي بقعة ضوء، أي ثغرة في الجدار الهائل، لا يوجد أي إمكانية، ولا أي أفق، هذا الذي يريد أن يوصلنا إليه الإسرائيلي وعمل على أن يوصلنا إليه الإسرائيلي، ويوجد أناس وصلوا إليه.

ولذلك، في كل السلوك الإسرائيلي، منذ البدايات، من العصابات الإرهابية قبل ال 48 إلى ال48 إلى المجازر، إلى الحروب، إلى الدمار، إلى التهجير، إلى زج عشرات الآلاف من الفلسطينيين في السجون، وأنه يجب على كل فلسطيني أن يدخل إلى السجن وأن يخرج ثم يدخل ثم يخرج ثم يدخل، إلخ.. هذا جزء من المنهجية الإسرائيلية، إلى ـ كما قلت ـ التهجير، إلى الحصار، إلى التجويع، إلى الجهد السياسي والإعلامي، كله سيوصل إلى نقطة يقول للفلسطيني، لا يوجد أمل، عليك أن تيأس. كأني بالإسرائيلي اليوم يقول للفسطينيين ولكل من تعنيه قضية فلسطين والصراع مع العدو الإسرائيلي.

أيها الفلسطينيون، أيها اللبنانييون والسوريون وبقية شعوب المنطقة الذين لكم أرض محتلة، ويشكل هذا الكيان تهديداً عليكم، لا تنتظروا شيئاً، لا من مجلس أمن دولي ولا مجتمع دولي ولا من عرب. من أجلكم، من أجل نسائكم وأطفالكم الذين يتم إحراقهم في الضفة الغربية بالمواد الحارقة، من أجل مقدساتكم المهددة بالانتهاك والمصادرة، من أجل شعب بكامله في الداخل وفي الخارج يعيش أسوأ الظروف الإنسانية والحياتية والسياسية والأمنية، لا تنتظروا عاصفة حزم من العرب، لا تنتظروا إعادة أمل، لا تنتظروا تحالفاً إسلامياً عسكرياً، لا تنتظروا ائتلافاً دولياً لمكافحة الإرهاب، فإسرائيل شريك في الحرب على الإرهاب، إسرائيل شريك يعترف بها العالم في الحرب على الإرهاب، ويعترف بها بعض الأنظمة العربية في الحرب على الإرهاب، إسرائيل عند هؤلاء خارج تصنيف الارهاب، ما يجب أن نتنظروه من الأنظمة العربية هو ما شاهدتموه خلال 67 عاماً، تكريس اليأس وليس إعادة الامل، عواصف الوهن والضعف والتخلي والتراجع والخذلان، كل هذا من أجل ماذا؟ من أجل أن نيأس.

لكن هنا، مدرسة المقاومة ومدرسة سمير القنطار تقول: المقاومون، شعب المقاومة، لا مكان لديهم لأي يأس. عندما نأخذ من النموذج الشخصي من شخص مسجون 30 عاماً ومحكوم عدة مؤبدات، وبالمنطق لا يوجد أفق لأن يخرج من السجن، ولكنه لم ييأس. الشعب الفلسطيني اليوم، شابات وشباب فلسطين اليوم، يعبّرون اليوم عن هذه الحقيقة.
لنقرأ قليلاً في الموضوع النفسي، بعد 67 سنة، حروب ومجازر ودمار وتهجير وتشتيت وسجون وحصار وتجويع، مفترض هذه الأجيال الفلسطينية الجديدة أن تكون في عالم آخر.

عندما تأتي لأي شاب أو شابة فلسطينية، ماذا يجب أن يكون طموحه؟ الهجرة إلى أستراليا، إلى كندا، إلى المانيا، أصلاً باب الهجرة مفتوح. الآن إذا الشعب الفلسطيني، في الداخل أو في الخارج، أي أحد يأخذ قراراً بالهجرة ويلجأ إلى أي مكان في العالم، العالم يفتح أبوابه مع تسهيلات، إذا تسأل أي شاب وشابة فلسطينية، يجب أن تكون كل المعطيات الموجودة في المنطقة، ليس اداء ال 67 سنة، بل ما يجري الآن في المنطقة من سورية إلى العراق إلى اليمن إلى البحرين إلى ليبيا إلى مصر إلى إلى إلى.. يجب أن يكون مدعاة لليأس عند هؤلاء وبالتالي التخلي.

ولكن ما هي الأجوبة؟

مثلان جديدان، أمس على التلفزيون، لم ألحق أن أتأكد من الاسم، فلذلك لا أحب أن أقول أسماء خاطئة، لأنه أنا عادةً أغلط بالأرقام، بالأسماء لا أخطئ، فتاة فلسطينية صغيرة في السن، كانت في السجن، خرجت من السجن، فتاة صغيرة كانت بالسجن، يعني يجب أن تخرج محطمة، وهذا طبيعي جداً، أنها هي في السجن ومن دون أهلها، ويكفي الإرهاب النفسي، لتخرج هذه الفتاة محطمة ومتوترة وواهنة وضعيفة ونادمة، لكن أمس وفي مقابلة تلفزيونية لها، كانت تلفّ القدم على القدم وتقول: سوف يأتي اليوم الذي يخرج فيه هؤلاء من بلادنا، يخرج فيه الصهاينة من بلادنا، هذا هو الأمل. قبل أيام أيضاً شاهدت على التلفزيون مقابلة كان يجريها ـ ولا أعرف إن كان إسرائيلياً أو أجنبياً، لكن التلفزيون الاسرائيلي هو من بثّها ونقلتها الفضائيات، مع عائلة الزوجة وأولاد أحد الشهداء الجدد في عمليات الطعن والدهس، والأولاد أعمارهم متفاوتة، لكن كلهم صغار في السن، 12 و14 و15 و9 وهكذا، هذا وهو يجادلهم وهم يجادلونه: هذه أرضنا، هذا حقنا، أنتم من يجب أن تخرجوا من أرضنا. هذه معركة الأمل، مقابل كل هذا الخذلان العربي، مقابل كل الفضائيات ووسائل الإعلام العربية التي تكتب من عشرات السنين أنه لا يوجد لا أمل ولا أفق، يجب أن نقبل بالذي يعطوننا إياه الأميركيون والصهاينة، "يجب أن لا نعلّي السقف"، يجب أن نتسامح في بعض حقوقنا، يجب أن نجد حلاً للاجئين، العودة إلى فلسطين هي أمر محال، كعودة سمير القنطار من فلسطين إلى لبنان.

هذا التخذيل وهذا التثبيط هو أيضاً هذا. العربي هو يخدم المنهجية الإسرائيلية .نحن معنيون، هذا جزء من المعركة، معركة الأمل ومعركة الثقة.

هناك منطقان:

ـ منطق يقول: إسرائيل قدر لا مفر منه، ويجب أن نتعاطى مع هذا القدر بمنطق الإستسلام، والقبول، والخضوع والتعايش معه، والقبول بشروطه وتداعياته.

ـ منطق آخر بالعكس تماماً يقول: إسرائيل ستزول من الوجود حتماً.

دعونا نرى أيً منهما منطقي أكثر، أنا أقول لكم: "الثاني منطقي، الأول غير منطقي".

الثاني منطقي ـ ليس لي علاقة بالنبؤات مع إنه في بعض الأحيان يستفيد بعض العلماء من آيات قرأنية، ويختلف معهم الناس بتفسير الآيات، إتركوا هذا البحث على جنب ـ بناءً على تجارب التاريخ والشعوب، بناءً على السنن والقوانين الحاكمة في التاريخ والمجتمعات، أي قوة إحتلال طوال التاريخ تستطيع أن تبقى 30 سنة، وخمسين سنة، ومئة سنة، ومئتي سنة، لكن في النهاية ستزول ولو كانت جزءاً من إمبراطوريةٍ عظمى، فكيف إذا كانت تحتل جزيرة في وسط محيط هائل؟ تاريخ قوى الإحتلال وتجارب الإحتلال هو هذا .

الدولة التي لا تستند إلى قوتها الذاتية في مقابل المحيط وإنما تتكئ على قوة خارجية كالولايات المتحدة الإميركية في إقتصادها، في أموالها، في مليارات الدولارات التي تقدم لها، في الأسلحة المتطورة، في الحماية السياسية والأمنية والعسكرية وعلى كل صعيد، عندما تضعف القوة الحامية والداعمة سوف يتآكل، ويهون، ويهزل هذا الكيان، وتسهل إزالته.

مقدرات شعوبنا ومنطقتنا، المقاومة في لبنان والمقاومة في فلسطين، بإمكانيات متواضعة، استطاعت أن تصنع الإنتصارات من عام 1985، إلى عام 2000، إلى عام 2006، إلى تحرير قطاع غزة، إلى الصمود في مواجهة الحروب الإسرائيلية، وهي إمكانيات متواضعة، فكيف إذا تمت الإستفادة من جزء من الإمكانيات الحقيقية في هذه الأمة؟
مثل واقعي: لا نريد جيوش العرب ولا نريد أموالهم ولا شيء، فقط الذين يقاتلون الآن ـ أريد أن أقول يقاتِلون ويقاتَلون، حتى لا أستعمل عبارة يتقاتلون لأنها تتضمن شيئاً من المساواة الظالمة ـ الذين يقاتِلون ويقاتَلون الآن في سوريا، في العراق، وفي اليمن، لو قمنا فقط بجمع هؤلاء، مع الإمكانات، والسلاح، والعديد، والأموال التي يصرفونها، هؤلاء وحدهم يكفون لإزالة إسرائيل من الوجود، لوحدهم.

ليس لي حاجة ببقية الجيوش العربية، وبقية الأمة العربية، وبقية الأمة الاسلامي.

إذاً المنطق، السنن، القوانين، المعادلات الطبيعية تقول: "هذا كيان إلى أفول، إلى زوال". الآن لا أريد أن أدخل في بحث عن وضعه الداخلي، واهترائه، وإنهياره الأخلاقي على كل صعيد. على كل صعيد يوجد إنهيار أخلاقي في هذا الكيان، هذا الكيان "نزول" هذا الكيان ليس "طلوع"، لا يفكر أحد بأن هذا الكيان "كيان طلوع"، أبداً.

نحن بحاجة إلى تعزيز هذا الأمل، وبالتالي اليوم دعوة الأمل هي الدعوة إلى الثبات، إلى الثبات على الموقف، إلى الثبات في المقاومة، إلى الصبر، إلى البقاء في الأرض، وهذه هي مسؤولية الشعب الفلسطيني.

واليوم ندائي إلى كل الفلسطينيين وغير الفلسطينيين: واحدة من المعارك المفتوحة التي نخوضها الآن وهي مسؤوليتنا
جميعاً، انظروا إلى ما يريده الإسرائيلي، لديه نتيجتان يريد أن يصل إليهما:

1ـ إما شعب فلسطيني يقبل أن يعيش في ظل الإحتلال، طبعاً لا يوجد (حلّ) دولتين، عند اليمين، وعند نتانياهو، وعند الليكود، وحتى عند جزء كبير ممّن يُسمون أنفسهم اليسار الإسرائيلي لا يوجد (حلّ)دولتين. إن قيام دولة قابلة للحياة، فلسطينية، كيان فلسطيني حقيقي، هذا غير وارد عند الصهاينة. المشروع الاسرائيلي للفسطينيين هو واحد من اثنين، إما أن تقبلوا إن اردتم أن تبقوا هنا، تعيشون وأقصى ما ستحصلون عليه هو حكم ذاتي، إداري، محدود، ليس هناك دولة وكيان.

2ـ البديل الثاني الذي طالما قالوه ولكن بالأمس عبّر عنه وزير إسرائيلي، بالأمس بالتحديد ماذا قال؟ قال: لا يوجد شيء إسمه فلسطين، فليغادر الفلسطينيون إلى السعودية، والأردن، والكويت، والعراق، هذه دول هو أسماها، على أساس أرض الله واسعة، يعني "ضاقت بعينكم" يا عرب، ويا مسلمين، ويا مسيحيين هذه القطعة التي اسمها فلسطين، "بيعونا اياها" .

طبعاً يوجد ناس بالعرب يتكلمون بهذه الطريقة، أن أرض الله واسعة، ما شاء الله.

النقيض الطبيعي للمشروع الصهيوني هو أصل البقاء في الأرض، بقاء الفلسطينيين في أرضهم، حتى ولو لم يقوموا بأي شي، لو لم يطعنوا بسكين، ولا قاموا بإطلاق الرصاص، ولا نظموا اعتصاماً ولا مظاهرة. بقاء الفلسطينيين في أرض الـ 48، بقاؤهم في الضفة، بقاؤهم في غزة ولو تحت الحصار، بالرغم من كل ظروف الحياة القاسية، هذا هو أساس المقاومة وعنوان المقاومة، هذا الذي يمكن أن يبنى عليه من أجل بقاء القضية الفلسطينية، وإلا لو لم يعد هناك شعب فلسطيني في فلسطين لضاعت القضية، هذا الذي يمكن أن يبنى عليه في كل وقت لتنطلق مقاومة فلسطينية متجددة، أو إنتفاضة فلسطينية متجددة. ولذلك صمود الفلسطينيين اليوم، بقاؤهم في أرضهم هو المقاومة الحقيقية وأساس وأصل وماهية المقاومة، فكيف وهم يضيفون إلى هذا الأساس تظاهراً، واعتصاماً، وحضوراً، وصوتاً مرتفعاً، ووعياً كبيراً، وإرادةً صلبةً، ومقاومةً مسلحةً، ودهساً، وطعناً، وإرعاباً للجنود وللمستوطنين.

ومسؤولية الأمة أن تساعد الفلسطينيين ليبقوا في أرضهم، أن تؤمن لهم مقومات الصمود. الذي لا يستطيع أن يقدم لهم السلاح أو أن يوصل لهم السلاح، هذا العالم العربي والإسلامي مليء بالمال وبالإمكانات وبالخيرات، وفّروا هذا المال الذي ترسلونه إلى هذا البلد وذاك البلد لتدمروه، أرسلوه إلى الفلسطينيين ليبقوا في أرضهم، في بيوتهم، في حقولهم. هذه اليوم هي مسؤولية كبيرة وخطيرة جداً.

أيها الإخوة والأخوات: هذا الأمل بالتأكيد اليوم أكبر من أي زمان مضى ايضاً بفعل الانتصارات، انتصارات المقاومة في لبنان وفلسطين خلال السنوات القليلة الماضية.

على كل حال، إستشهد سمير القنطار وهو يحمل هذا الأمل في قلبه، ويدون هذا المعنى بحبره في وصيته، الرد على إغتياله قادم لا محالة، الرد على إغتياله قادم لا محالة، أنظروا، عند الحدود من الناقورة من البحر، إلى مزارع شبعا إلى جبل الشيخ لآخر موقع إسرائيلي في الجولان المحتل، أين هم جنود وضباط وأليات العدو الإسرائيلي؟ أليسوا كالفئران ـ أو لأكبّر حجمهم أكثر ـ أليسوا كالجرذان المختبئة في جحورها؟ هذا الذي يهدد ويرعد ويتوعد، وأخرجوا لنا باللأمس وزير الدفاع، وزير الحرب الإسرائيلي، ليقوم بإطلاق خطاب مباشر موجّه لي أنا. أين جنودهم، أين ضباطهم، أين آلياتهم؟ إذا كنتم تستهينون بسمير القنطار فلماذا يخيفكم دمه إلى هذا الحد؟ إذا كنتم تستهينون بمقاومة سمير القنطار فلماذا يخيفكم تهديدها إلى هذا الحد؟ إذا كان تقديركم وقراءتكم للمقاومة، وإنشغالاتها، وأولوياتها قراءة صحيحة، فلماذا أنتم مرتعبون إلى هذا الحد؟ ومن واجب الإسرائيليين كما هم قلقون الأن، هم قلقون عند الحدود، قلقون في الداخل، وقلقون في الخارج، ويجب أن يقلقوا عند الحدود، وفي الداخل، وفي الخارج.

التهويل علينا كما حصل أمس وفي الأيامالقليلة الماضية، أنا أقول لهم لن يجدي نفعاً، هذا التهويل لن يجدي نفعاً، إذا كان هناك أحد أخطأ بالتقدير أو يخطئ بالتقدير هو الإسرائيلي وليس نحن.

بالنسبة إلينا سأكون واضحاً جداً في جواب كل ما قاله الإسرائيليون خلال هذه الأيام من تهويل ومن تهديد، هذا لن يمسّ بإرادتنا وتصميمنا على العمل، أياً تكن التبعات. أقول للصديق وللعدو، أياً تكن التبعات والتهديدات التي طبعاً لا نخافها، أياً تكن التبعات والتهديدات نحن لا نستطيع ولا يمكن أن نتسامح مع سفك دماء مجاهدينا وإخواننا من قبل الصهاينة في أي مكان في هذا العالم.

نحن قرارنا حاسم وقاطع منذ الأيام الأولى، والمسألة أصبحت في يد المؤتمنين الحقيقيين على دماء الشهداء ومن نصون بهم الأرض والعرض والباقي يأتي.

هذه معركة مفتوحة أساساً مع العدو، هي لم تغلق في يوم من الأيام ولن تغلق في يوم من الأيام، هل يمكن لحساب القدس وفلسطين ومجازر دير ياسين وقانا والشيخ راغب والسيد عباس والحاج عماد وحسان اللقيس وسيل من شهدائنا وشهداء بقية الفصائل وشعبنا وبقية الشعوب أن يُغلق عند منعطف طريق أو عند محطة تهديد؟

استشهد سمير في هذه المعركة واستراح. أنا شخصياً بعد كل هذه السنين وهذه التجربة وما تعلمناه يتبدل عندي منذ مدة طويلة الشعور إلى شعور بالغبطة، أنا أغبط هذا الشهيد القائد، أغبط كل هؤلاء الشهداء الذين رزقهم الله سبحانه وتعالى وسام الشهادة، أغبطهم على رحيلهم من هذه الدنيا الفانية برأس مرفوع وهامة شامخة ووجه نوراني، أغبطهم على الحالة التي ينتقلون فيها إلى الله سبحانه وتعالى مجللين بدمائهم الزكية، هكذا يُبعثون وهكذا يُحشرون، شهداء نورهم يسعى بين أيديهم.

عندما استشهد سمير، نعم يستطيع الآن أن يقول لقد أديت قسطي للعلى، انتقل إلى جوار الأنبياء والصديقين والشهداء والصالحين، وحسُن هؤلاء رفيقا، وبقيت دماؤه ووصيته وقضيته ومعركته، نحن سنصون هذه الدماء وسنحفظ هذه الوصية وننتصر لهذه القضية ونواصل هذه المعركة من أجل لبنان، من أجل فلسطين، من أجل سوريا، من أجل المقدسات، من أجل الأمة، وإنا لمنتصرون إن شاء الله.

رحم الله شهيدنا القائد وتقبله الله في الشهداء وجزاكم الله خير الجزاء، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

انشر المقال على: