«اليسارية».. صوت اليسار العربي في الفضاء!
محمد خروب
من المتوقع أن تنطلق قناة فضائية جديدة تحمل اسم «اليسارية» خلال الايام القليلة المقبلة ( ان لم يكن غداً, رغم ان المؤشرات لا تشي بذلك), بعد فترة بث تجريبي استقطبت خلاله (المحطة) متابعين شدّهم ما تبثه من قصائد لمظفّر النواب, واغنيات نضالية تنعش الروح في نفوس الذين لم تنل منهم فضائيات الظلامية والكذب والفتنة والتغريب والاستسلام والذائقة الهابطة, اضافة بالطبع الى رسومات ناجي العلي ومقتطفات من اقوال مناضلين كغسان كنفاني, ناهيك عما يحفل به شريطها الاخباري المحدّث باستمرار, من اخبار تمكّن المشاهد الرافض مغادرة بثها التجريبي, أن يبقى على اطلاع بآخر المستجدات, رغم أن ألوان الشريط وبنط الخط, لا يفيان بالغرض ولا يعكسان حرفية أو جهوزية أو حتى متابعة حثيثة, مع التذكير بأن قرار اطلاق المحطة كان نتاج الدورة الثانية من اللقاء اليساري العربي الذي عقد في شباط 2011.
في انتظار انطلاقة المحطة التي كان مقرراً أن تبدأ في الذكرى الثلاثين لانطلاقة المقاومة الوطنية اللبنانية «جمّول» في 16/9/1982, التي دشّنتها احزاب يسارية لبنانية في مقدمتها الحزب الشيوعي, فإن السؤال الذي يتبادر الى الذهن فور الاعلان عن مشروع اعلامي جديد, صحيفة ورقية أم الكترونية, إذاعة FM أو محطة تلفزيونية, ما الجدوى من اطلاق مشروع كهذا, وكيف لمن «يدّعي» الاستقلالية أو اليسارية أو حتى الحياد أن «ينافس» في اجواء اعلامية كتلك التي يعيش فيها المواطن العربي, والذي بات رهينة كل هذه الغثاثة والضحالة والفجور والانتهازية والارتباط الخارجي والعمالة المكشوفة, التي تروّج لقيم الاستسلام والتطبيع والثقافة الاستهلاكية وتتفيه ثقافة المقاومة والتندّر على الاشتراكية والعدالة الاجتماعية وحقوق المرأة, وفصل الدين عن الدولة واشاعة الحريات الشخصية والعامة وتداول السلطة سلمياً, ومحاربة تحالف السلطة ورأس المال ورفض أي تخل من الدولة عن أبسط مسؤولياتها تجاه مواطنيها وحقهم في التعليم والطبابة والخدمات والسكن, وعدم الخضوع لوصفات الصندوق والبنك الدوليين اللذين يزيدان الفقراء فقرا والاغنياء غنى, والاهم من ذلك كله هو دفع الدولة للتخلي عن دورها واعتماد سياسة الخصخصة, وسيلة لادارة الظهر الى الغالبية العظمى من المفقّرين والمهمشين والشرائح الادنى في الطبقة الوسطى؟
ثمة اذا حاجة لكل ما هو يساري في الفكر والسياسة والاقتصاد والاجتماع والتربية والاكاديميا والاعلام ومنظمات المجتمع المدني وفي الثقافة بكل اجناسها وابوابها، حتى لا يبقى الظلاميون واليمينيون والانتهازيون وانصار الاستعمار الجديد ومنظرو النيوليبرالية في مقدمة المشهد وحتى تجد الاغلبية الصامتة (التي ملّت الصمت وعيل صبرها) منبرا ومنصة سياسية واعلامية للتعبير عن ارائها, وفضاء رحبا يكشف لها الحقيقة ويكنّس مخلفات هذا التحالف غير المقدس بين السلطة ورأس المال ورجال الدين الذين يعيدون انتاج الاستبداد ولكن هذه المرة بعمائم ولحى ودشاديش وفتاوى.
اليسارية, إن انطلقت وهي ستنطلق, يفترض ان تكون جديدة بكل ما تعنيه الجدّة من جدية، وانفتاح وفكر ديالكتيكي يرفض الجمود ويستخلص الدروس والعبر من تجارب السنوات الطويلة المريرة منها والمفرحة (على قلتها) التي مر بها اليسار العربي باجنحته المختلفة (ودائما المتصارعة ومعظمها متكلس وجامد).
واليسارية... يفترض وبالضرورة ان تتخلى عن لغة الشحن والتجييش والتحشيد, وخصوصا لغة التنظير والسفسطة الكلامية التي لم تعد تلاقي قبولا او صبرا لدى الجمهور العربي الذي وقع ضحية فضائيات الرخاوة والجنس والترويج الاستهلاكي وتسليع كل شيء (وليس المرأة وحدها) كذلك الفضائيات التي تعتبر الخيانة وجهة نظر وترى ان مهمتها الاولى هي اجتثاث العروبة والحاق ما تبقى من الشرق الاوسط وشمال افريقيا (اذ ليس ثمة عالم عربي في عرفهم)، بعواصم الغرب الامبريالي كي يتكرموا ببسط الحماية علينا!! وعندما تسألهم حماية ممن؟ لا يجيبون, فلم تعد اسرائيل عدوا وليس ثمة حاجة لمواصلة معاداة اميركا التي ستبقى الدولة الاعظم (في نظرهم بالطبع).
اليسارية... هي نقيض كل هذا التراث القذر الذي بات يحيط بنا من كل جانب, وما الاعتداء الذي تعرض له مقر القناة في بيروت وتدمير استوديوهاتها ومعداتها والاعتداء على العاملين فيها مؤخراً سوى دليل على ان الظلاميين، يسوؤهم ان يخرج نقيضهم الذي سيفضح ارتكاباتهم ويعرّي مقارفاتهم ويضيء على اوكار الفتنة والتآمر التي يعيشون فيها.. فهل تكون اليسارية عند مستوى الظن بها؟
... نأمل ذلك