![](https://wbpalestine.com/sites/default/files/styles/article_image/public/d_._fwzy_lsmr_4.jpg?itok=QSZLcNbB)
من المستهدف: النظام أم سورية
بقلم: د. فوزي الأسمر
بعد مضي أكثر من سنة ونصف على القتال الدائر في سورية، وبعد أن تبين مواقف الأطراف المتقاتلة هناك، وبعد أن فشلت كل المحاولات الدولية لوضع حد لسفك الدماء، أصبحت هناك صورة شبه واضحة لما يجري.
ويمكن القول أن المستهدف سورية وليس النظام. ورغم أن البعض يعتقد أن سورية هي النظام والنظام هو سورية، إلا أن المخطط المرسوم هو أكبر من النظام وأهدافه تشمل الكثير من الأبعاد السياسية والمخططات الإقليمية.
النظام السوري إرتكب الكثير من الأخطاء، في مقدمتها القمع البوليسي، وعدم السماح بالمشاركة السياسية لأحزاب ومنظمات سورية، والسيطرة الحزبية، وتقاعس عن إدخال إصلاحات دستورية تفتح المجال أمام تطور في السياسة الداخلية، وغيرها من الأمور التي كان واجب النظام التعامل معها.
فعندما بدأ التمرد، رُفعت شعارات تطالب بالإصلاح، فوجد هذا التمرد تأييدا شعبيا عربيا وأجنبيا. ولكن مع تطور الأحداث تبين ان المستهدف هي سورية وليس النظام. ففي محاضرة مغلقة، والتي ضمت عددا من ممثلين عن الإدارة الأمريكية وبعض المثقفين الأمريكيين، وبعض المثقفين العرب، وكنت من بين الذين حضروا هذه المحاضرة التي ألقاها السفير السوري السابق في واشنطن، عماد مصطفى، قال أنه قد إستدعي لوزارة الخارجية الأمريكية حيث حملته رسالة إلى حكومته تقول: "نحن على إستعداد لتهدئة الوضع في سورية ولكن هناك ثلاثة شروط: الأول الإبتعاد عن المحور الإيراني، والثاني وقف دعم المقاومة الفلسطينية وإخراج المنظمات الفلسطينية من دمشق، والشرط الثالث وقف الدعم لحزب الله". وقال السفير أنه حمل الرسالة إلى المسؤولين في دمشق وجاء الرد أن ما تطلبه واشنطن هو تدخل في الشؤون الداخلية للدولة. ولم يعترض أي من ممثلي الإدارة الأمريكية على هذا الكلام، ولم يحاولوا نفيه، مما يثبت أن السفير كان دقيقا في أقواله.
ولهذه الشروط الثلاثة دلالات كثيرة، في مقدمتها خدمة إسرائيل. وتبين أن المعارضة السورية منقسمة، واهدافها مختلفة، فالذين يعيشون داخل سورية يطالبون بالإصلاح السياسي والإقتصادي والإجتماعي، في مقدمة ذلك حرية التعبير والتنظيم السياسي والتعديل الدستوري وغيرها. في حين طالبت (ولا زالت) المعارضة الخارجية بإسقاط النظام بأي ثمن، دون أن تقدم البديل العملي له، كما لم تقدم برامج إقتصادية أو إجتماعية أو حتى سياسية. ولسنا بحاجة إلى إثبات ذلك، فأخبار هذه المعارضة منتشرة في صحف كثيرة.
كما أن المعارضة الخارجية سارعت في بناء جسور بينها وبين إسرائيل، حيث أجرى رموزها مقابلات مع وسائل الإعلام الإسرائيلية، معربين عن أملهم عندما يستلمون الحكم بإقامة علاقات سلام معها. كما أخذت تطالب بالتدخل الأجنبي، أمر لم يجد آذانا صاغية. كما أن هذه المعارضة لم تنجح في عقد مؤتمر ناجح، حيث انتهت كل المؤتمرات التي عقدتها، بمزيد من الإنقسام بينها.
هذا النهج أدى إلى أبتعاد بعض الدول الغربية عن مؤازرة المعارضة، خصوصا بعد أن تبين أن هناك الكثيرين من المقاتلين المرتزقة، وأن عناصر من منظمة القاعدة قد بدأت وما يسمون أنفسهم بـ "المجاهدين" المتواجدين داخل سورية. قفد نشرت صحيفة "واشنطن بوست" (20/8/2012) مقالا مطولا على عرض صفحتها الأولى عنوانه "دورالمجاهدين يزداد في سورية". ويتحدث المقال عن مجموعة إسمها "جبهة النصر" وهي تابعة لمنظمة القاعدة، ويضيف كاتب المقال أن هذه الجبهة أخذت تزداد ظهورا على الساحة في الفترة الأخيرة.
هذه الظاهرة، على ما يبدو، أثارت القلق لدى الإدارة الأمريكية، حيث قررت هذه الإدارة التراجع عن تعهدها في دعم المتمردين بأسلحة ثقيلة، وعدم التدخل في ما يجري هناك. وقد نشرت صحيفة "واشنطن بوست" (3/9/2012) مقالا مطولا كان عنوانه: "مسؤول (أمريكي): من الأرجح أن أمريكا لن تتدخل في سورية.
وتضيف كاتبة المقال: "وقال المسؤول الأمريكي، إن ما يستعمله المتمردين من أسلحة هي التي جعلت تقدمهم ثابت، أنهم يستعملون أسلحة حصلوا عليها من جيش الحكومة السورية وتلك التي وصلتهم (من الخارج) دفعت ثمنها دول من الخليج. ولكن المسؤول الأمريكي أعرب عن قلقه من أن اسلحة ثقيلة لإسقاط الطائرات أو تدمير الدبابات الحكومية قد تصل إلى أيدي المتطرفين من بين المنظمات المقاتلة.
والسؤال الذي يطرح نفسه أمام كل عربي وكل إنسان يريد أن ينظر إلى الأمور بمنظار إيجابي وواقعي هو: ما هدف المرتزقة في الحرب الدائرة في سورية؟ ولماذا هذا الإصرار على إستمرار القتال، حيث كان في الإمكان إحتواء الأمر؟ إذن هناك أهداف أخرى.
الهدف الأساسي هو تمزيق سورية الدولة وخلق دويلات طائفية أو عرقية فيها. تماما كما حدث في العراق حيث لم يكن صدام حسين الهدف، بل القضاء على العراق كدولة موحدة وتشجيع الطائفية، رغم أنه ظاهريا كان الحديث يدور حول الهدف صدام.
كما أن الهدف في ليبيا لم يكن معمر القذافي بل ليبيا الدولة حيث إنهارت البنية السياسية فيها ولم تقم مجموعات المعارضة بإعادة بناءها. العامل المشترك بين العراق وليبيا هو عامل النفط، والسيطرة على مقدراته تقف على قمة اولويات الدول الغربية.
ولكن سورية ليست دولة نفطية ولكنها دولة لها حدود مع إسرائيل، وتقف حجر عثرة في طريق تنفيذ المشروع الاستعماري المسمى "الشرق الأوسط الجديد"، وتقف إلى جانب المقاومة، ولهذا فإن زوالها ككيان موحد، وتمزيق النسيج الإجتماعي فيها هدف إسرائيلي/ غربي سام. فنجاح هذا الهدف يعني زوال القضية الفلسطينية عن خارطة الصراع في المنطقة، وشرذمة المقاومة الفلسطينية والعربية.