الجمعة 31-01-2025

إلى أين المسير ؟

×

رسالة الخطأ

لميس اندوني

إلى أين المسير ؟
لميس اندوني

وصلنا إلى النقطة التي كنا نخشاها؛ فلقد تفاقمت الأزمة السياسية الاقتصادية إلى درجة ضاقت معها الخيارات، ليس لأنه لم يكن هناك خيارات بالأصل، بل لأن السلطات الرسمية حصرت نفسها في التمسك بنهج ثبت فشله، والأسوأ أنه نهج يعيد إنتاج الأزمات بدلاً من حلها.
لم يكن هناك ، ولا يوجد، في الأصل، من حل سحري، أو حتى سهل، لكن لم تكن هناك محاولة أصلاً لإيجاد حلول جذرية وبديلة، بل كانت الأولوية دائماً لحماية هيمنة التركيبة القائمة على تغييب الإرادة الشعبية وإقصاء، وحتى منع، المشاركة الواسعة والتمثيل الحقيقي، في مؤسسات الدولة وبالأخص مجلس النواب.
غياب الشفافية والمكاشفة لم يكن أبداً صدفة، فنظام الصوت الواحد، وتزوير الانتخابات كانت شروطا ضرورية لتمرير سياسات وصفقات، مضرة بالمصلحة الوطنية، وكأنه إذا بقي الأمر مستوراً لن يكون هناك تبعات ولا تداعيات.
الغريب في هذا المنطق، أن الصفقات، خاصة المتعلقة بعمليات الخصخصة وحقوق ورسوم التعدين، كان لا بد أن تستنزف موارد دخل الدولة ، وبالتالي كانت ستؤدي إلى انكشاف الاقتصاد الأردني وضرب المستوى المعيشي لمعظم الفئات الاجتماعية ، بمن فيها الطبقة الوسطى، أي أنه لم يكن من الممكن، الاستمرار بالتغطية على ما حدث ويحدث، خاصة أن حجم المديونية والعجز عاد يقترب وبسرعة من نسبة مقلقة ومخيفة.
تجاهل الجهات الرسمية، للتململ الشعبي وحقائق الأزمة الاقتصادية، كان قرارا سياسياً غير مفهوم، بالاستمرار بنفس النهج السياسي والاقتصادي وكأن شيئاً لم يكن.
فلجأت إلى الأسلوب القديم، بمحاولة صنع "ولاء وإجماع زائفين"، من خلال قانون انتخاب إقصائي، تحت شعار تقويض نفوذ الإخوان المسلمين، لكنه يهدف بالأساس إلى ضرب التمثيل الشعبي حتى لا يكون هناك أي رقيب على الأداء الحكومي والرسمي، وبالتالي لا تكون هناك أي مساءلة أو محاسبة.
فرض قانون الانتخاب، كان المؤشر القاطع على انعدام القرار بإحداث تغييرات سياسية تكون مقدمة لمعالجة الأزمة الاقتصادية الاجتماعية ، أي بإيجاز لا إصلاح ولا حتى مراضاة ولو شكلية للاستياء والقلق الشعبي المتزايد.
مرت فترة كانت هناك شكوك حتى داخل الحراك، في جدوى التركيز على قانون الانتخاب، على أساس أن المعاناة الاقتصادية أهم.
لكن المسائل مترابطة، فكيف يكون هناك تغيير في النهج الاقتصادي دون تحقيق تمثيل حقيقي، يضمن الرقابة على أموال الدولة ومصالح الشعب، ويُخضع صانعي القرار ومنفذيه إلى المساءلة والمحاسبة؟ عدا أن معالجة الأزمة الاقتصادية الاجتماعية بحاجة إلى تغيير سياسي جذري يصل بموجبه أشخاص ذوو صدقية و رؤية وطنية إلى مراكز صنع القرار، بدلاً من تعيينات تعتمد أغلبها على المحسوبية، و على تحالفات أمنية ، مالية بيروقراطية، لحصرها في دائرة تزداد ضيقاً يوماً بعد يوم؟
المحير في الأمر هو على ماذا كانت تعتمد الجهات الرسمية؟
لن أدعي أنني أعرف الجوب ولكن لا بد من الاجتهاد: يبدو أن الجهات الرسمية تعتمد على ما تراه رصيدا للدور الإقليمي الذي يراه الغرب، وبالتالي الدول والجهات المانحة والدائنة ، من خليجية وغربية، للأردن، وإذا صح ذلك فإننا نخوض مغامرة كبيرة، إذ للقروض والمنح مستحقات سياسية وتداعيات لا تحمد عقباها.
نفهم أن الموقع الجغرافي السياسي( الجيو بوليتكي) للأردن يضعها تحت ضغوط ابتزازية هائلة، ولكن من غير المقبول والمعقول، حتى لو تناولنا الأمر من منظور الفئات ، المجازفة بالاستقرار وفقدان الثقة لضمان الدعم الخارجي، غير المضمون أصلاً.
فالدعم الخارجي ليس بديلاً عن الشرعية الداخلية ، لا بل مضراً بشروطها؛ والدول الغربية، لا يعنيها كيف تحقق الأنظمة الحليفة طلباتها، سواء السياسية منها أو الاقتصادية، فهي ، خاصة بعد الثورات العربية، جاهزة لإيجاد البديل والتعامل معه.
الجهات الرسمية أيضا تعتمد على الحل الأمني، "الناعم" في البدء ، وإن كان يتحول إلى الخشونة والشراسة في أي لحظة، والقمع لن يفيد إلا بتسارع وتيرة الرفض والغضب.
الصورة الأكثر سيريالية، أنه وبعد أن كادت أزمة رفع الأسعار تدفع إلى انفجار، يعود المسؤولون إلى التبشير بالانتخابات، على أساس قانون تغييب المواطن، وكأنه الحل المنتظر.
لم يعد هناك ثقة، لدى معظمنا في أن هناك أي مستمع أو مجيب.
لكننا نعتمد على تعبيرات الإرادة الشعبية التي لا بد أن تثق بقدرتها وإرادتها، بتوجيه الرسالة الأوضح بأنه آن أوان الحسم.
فبالرغم من صعوبة المأزق الاقتصادي فهناك أفكار واقتراحات، من معارضين ورجال دولة ومختصين، قد تكون مدخلاً عملياً لبدء العلاج، لكنها بمفردها أو بمجموعها، لا تفيد دون قرار بتغيير النهج السياسي، ومفتاحه الموقف من قانون الانتخابات الذي أصبح رمزاً للاستهانة بالإرادة الشعبية، واختباراً للصدقية، فهناك حاجة عاجلة للمباشرة في تنفيذ اقتراحات عملية، لا تحتمل التأجيل، لإنقاذ الوضع الاقتصادي المتدهور، لكن الأساس هو إرادة سياسية تستطيع كسب ثقة الناس بإمكانية النظام على التغيير .

انشر المقال على: