عاشق على أسوار القدس " رواية للكاتب المقدسي عادل سالم، صدرت في تموز 2012 عن دار الجندي للنشر والتوزيع في القدس، وتقع الرواية التي يحمل غلافها لوحة"الاسراء والمعراج"للفنان خالد المحرقي في 259 من الحجم المتوسط.
وهذه ليست الرواية الأولى لكاتبنا فقد سبق وأن صدرت له رواية"عناق الأصابع" في القاهرة قبل أكثر من عام، ثم أعيد نشرها في القدس وصدرت طبعتها الثانية عن دار الجندي بداية هذا العام.
المضمون: تتدحث الرواية عن سرحان المقدسي الفلسطيني المولود في القدس عام 1960 وسافر عام 1980 الى امريكا لدراسة القانون، وحصل على الجنسية الأمريكية وعمل محاميا هناك، وعاد الى القدس عام 1990 وتزوج مقدسية فلسطينية وسافر بها الى أمريكا وتحديدا الى شيكاغـو، حيث واصل عمله هناك كمحام، وأنجبا ولدين وبنتا، وفي العام 2005 قرر وأسرته العودة الى القدس ليتعلم أبناؤه فيها، وليواصل حياته في مدينته ووطنه، غير أن المحتلين الاسرائيلين لم يسمحوا له بالاقامة في مدينته، وألغوا بطاقة هويته التي تسمح له بالاقامة في المدينة حسب قوانين المحتل. فلجأ الى القضاء حيث صدر قرار من المحكمة بالسماح للزوجة وللابن الصغير بالاقامة المشروطة بعدم مغادرة المدينة لمدة عامين متتاليين، في حين رفض السماح لسرحان ولابنه البكر، فبقي سرحان في المدينة واستنجد بالسفارة الأمريكية كي تساعده لكنها خذلته، فأعاد اليهم الجنسية الأمريكية كي يبقى في مدينته، لكن ذلك لم يسعفه وبقي بدون إثبات لهويته الى أن قتله جنود الاحتلال على أسوار القدس عند باب العمود الباب الرئيس للمدينة المقدس. وما بين عودته الى مدينته عام 2005 واستشهاده فيها عام 2007 حدثت معه أمور كثيرة.
عاشق القدس: من يدخل القدس ولو لساعات يعشقها، فهي مهد الديانات السماوية، وشاهد على عبق تاريخ عريق تجري سرقته وتشويهه، وهي نبع حضارة لشعبها العربي الذي بناها قبل ستة آلاف عام، فما بالكم بمن ولد وترعرع فيها، فبطل الرواية -وأتخيله الكاتب نفسه- عاشق للقدس بكل جوارحه، فالمدينة تسكن عقله ووجدانه، لذا فقد ترك عمله كمحام ناجح في شيكاغو وعاد الى مدينته التي يعشقها ليعمل في تحضير الفلافل والحمص وبيعها ليعتاش من ذلك، لذا رأيناه يجوب بزوجته وأطفاله القدس القديمة ليعرفهم على أسواقها ومعالمها التاريخية والحضارية، وليصلي وإياهم في المسجد الأقصى، ويظهر معرفته الدقيقة بالمدينة المقدسة التي ولد فيها وتعلم في مدارسها، إنه يعرفها أكثر من أيّ دليل سياحي لا تربطه بالمدينة إلّا التكسب من مهنته.
لقد أبدع الكاتب فيما كتبه عن أبي حسن شاهين، ذلك البائس الذي عرفه المقدسيون وكل من ارتادوا المدينة.
والكاتب في روايته هذه لا يطرح قضية شخصية، بمقدار ما يطرح قضية وهموم المقدسيين الفلسطينيين، منذ وقوع مدينتهم تحت الاحتلال الاسرائيلي في حرب حزيران 1967 العدوانية، وما تبع ذلك من ضمّ اسرائيل للمدينة من جانب واحد، وفي مخالفة واضحة للقانون الدولي ولقرارات الشرعية الدولية، فقامت بهدم حارتي الشرف والمغاربة المحاذيتين لحائط البراق-الحائط الغربي للمسجد الأقصى- وبناء حيّ استيطاني يهودي مكانهما، كما قامت بمصادرة الأراضي الفلسطينية لتحيط المدينة المقدسة بسوار استيطاني، وفي نفس الوقت تقوم بعملية تطهير عرقي للمقدسيين الفلسطينيين من خلال قوانين جائرة لا مثيل لها في العالم كله. فالمحتلون يعتبرون المقدسيين الفلسطينيين مقيمين في مدينتهم التي توارثوها عن آبائهم وأجدادهم منذ آلاف السنين، حتى حصولهم على جنسية دولة أخرى، حيث يتم سحب الاقامة منهم، ولم تتوقف الأمور عند هذا بل تتعداه، فمن يغادر المدينة لسبع سنوات بغض النظر عن أسبابه كالعلم أو العمل، فان اقامته في المدينة تلغى حتى وإن لم يجد مكانا آخر يقيم فيه، كما أن الفلسطيني الذي يسكن خارج حدود البلدية –حسب التقسيمات الادارية للمحتل-كأن يسكن في احدى القرى أو المدن الفلسطينية المجاورة يفقد حقه في الاقامة في مدينته.
أخطاء: وقع الكاتب في عدة أخطاء ما كان يجب أن تقع لو أعاد مراجعة روايته، ويبدو أنه كان متسرعا في انهاء الرواية والخلاص منها بعد أن اختمرت فكرتها في ذهنه، ومن هذه الأخطاء: في صفحة 16 كتب بأن سرحان بطل روايته ولد في القدس القديمة عام 1960، والتحق في المدرسة البكرية "وظل هناك حتى تخرج من المدرسة العام 1967، حيث جاهد للحصول على "فيزا"طالب للدراسة في الولايات المتحدة الامريكية" فكيف يكون ذلك؟ وكيف تخرج من المدرسة وهو في السابعة من عمره؟ أم أن هناك خطأ مطبعيا؟
وعندما تحدث ص111 عن عقبة بو مدين عند باب السلسلة نسبها الى الرئيس الجزائري الراحل هواري بومدين، وهذا خطأ تاريخي أيضا، والصحيح أنها نسبة الى:"“أبي مدين الغوث” التي أوقفها على الفقراء والمحتاجين من أبناء الجالية المغاربية في مدينة القدس سنة 720 هجري الموافقة لـ1320 ميلادي،".
وفي نهاية الصفحة 185 وبداية الصفحة التي تليها وقع في خطأ آخر عندما تساءل:"كيف يمكن لدولة تمنح سكان القدس بطاقة رسمية تعترف بهم كمواطنين أينما سكنوا أو درسوا ثم تعود بعد أكثر من ثلاثين سنة لتقول لهم:انتهت اقامتكم ارحلوا عن بلدكم" وهذا غير صحيح أيضا، فاسرائيل لم تعترف يوما بسكان القدس العربية كمواطنين بل كمقيمين وقد تكلمنا عن ذلك سابقا، ونضيف بأن اسرائيل قد سحبت اقامة أربعة عشر ألف مقدسي فلسطيني، منذ وقوع المدينة تحت الاحتلال في حرب حزيران 1967، وهي في طريقها لسحب هويات وحق الاقامة لمئة وخمسين ألفا آخرين تقع بيوتهم خارج جدار التوسع الاحتلالي.
وفي الصفحة 108 وقع في خطأ آخر عندما تحدث عن مخبزي محفوظ ابو سنينة وعبدالجواد السلايمة في حارة الشرف، وردّ بقاء المخبزين بدون هدم الى"ربما حرصت اسرائيل على عدم التعرض الى الأبنية التي تملكها الأوقاف الاسلامية، وهي دائرة دينية تعترف اسرائيل بوجودها حتى لا تثير مسألة دينية" وهذ تفسير خاطئ جدا، والشواهد على ذلك كثيرة جدا، فاسرائيل هدمت حوالي 540 قرية وتجمع سكاني فلسطيني في الأراضي التي قامت عليها في أيار 1948، هدمتها بمساجدها وقبورها، وهدم وتجريف مقبر’ مأمن الله"ماميللا" في القدس الغربية ليس ببعيد، مع أنها تحوي رفات علماء وأعيان القدس عبر التاريخ، ورفات سبعين ألف مقدسي هم جميع سكان المدينة الذين قتلهم الفرنجة عندما احتلوا المدينة عام 1087م، وجميع بيوت حارتي الشرف والمغاربة التي هدمت في العام 1967 هي ملك للوقف الاسلامي، وحتى المسجد الأقصى مع ما يمثله من جزء من العقيدة الاسلامية لم ينج من اعتداءاتهم، فحفروا تحت أساسلاته، ولم تتورع بلدية الاحتلال من اتخاذ قرار قبل بضعة أسابيع يعتبر ساحات وباحات المسجد الأقصى حدائق عامة.
البناء الروائي: هذا العمل على أهميته هو أقرب الى الحكايات والتقارير الصحفية منه الى الرواية.
وماذا بعد؟ كل ما يكتب عن القدس له أهمية كبيرة كون المدينة تتعرض رالى حملة كبيرة ومتواصلة لمحو كل ما هو عربي واسلامي فيها، وواضح جدا من هذا العمل مدى تعلق الفلسطينيين بمدينتهم التي تشكل عنوان عروبة وطنهم، كونها العاصمة الدينية والسياسية والتاريخية والحضارية لهذا الشعب العظيم الذي تكالبت عليه قوى الظلم والعدوان.
6 سبتمبر-ايلول-