الجمعة 31-01-2025

ثقافة الكراهية والعنصرية

×

رسالة الخطأ

د. فوزي الأسمر

ثقافة الكراهية والعنصرية
بقلم : د. فوزي الأسمر

لا يولد الإنسان عنصريا أو محملا بالكراهية ، بل يكتسبها عن طريق الثقافة التي يتلقاها ، ولهذا السببفإنه في التصرفات العنصرية والكراهية العمياء لا يمكن إتهام فاعليها فحسب بل يجب التطلع إلى مفكريها ومشجيعها والمحرضين عليها.
فقد رأينا ذلك في مجتمعات مختلفة ، ولعل الأسلوب الذي إتبعه المهاجرون إلى القارة الأمريكية بعد إكتشافها ، مع السكان الأصليين ، حيث خاضوا ضدهم حرب إبادة جماعية ، نابع من ثقافة عنصرية . ومعاملة الرجل الأبيض الأمريكي للسود الأمريكيين نابع من كراهية واحتقار . وطبعا يمكن التحدث عن الفكر والفلسفة النازية ، التي رأت أن ترتب الشعوب حسب أصولها مشيرة إلى تفوق البعض عقليا عن غيرها . وهناك أمثلة أخرى كثيرة على ذلك.
فتاريخ إسرائيل مليء بالعنصرية والكراهية منذ قيامها . فأحيانا يأخذ طابعا رسميا ، وأحيانا طابعا شخصيا . ونورد هنا بعض الأمثلة للتذكير فقط : مجزرة كفر قاسم يوم 29/10/1956 ، حيث قتل حرس الحدود بأوامر عليا 49 عربيا كانوا عائدين من عملهم بينهم بعض النساء الحوامل . مجزرة يوم الأرض وقعت يوم 30/3/1976 وقتلت قوات الجيش الإسرائيلي 6 أشخاص . المجزر التي قام بها بعض المستعمرين اليهود يترأسهم الحاخام باروخ غولدشتيان،حيث دخلوا مسجد الحرم الإبراهي في الخليل يوم 25/2/1995 ، وقتلوا 29 مصليا داخل المسجد . مجزرة شفا عمرو التي وقعت يوم 4/5/2005 ، وقتل فيها أربعة أشخاص . وهناك العشرات غيرها.
وقد ذكرتني هذه المجازر بما كتبه البروفيسور إسرائيل شاحاك ( رحمه الله ) في كتابه " الديانه اليهودية وتاريخ اليهود " حيث جاء فيه أن قتل الأغيار ( أي غير اليهودي ) من جانب اليهودي لا تعتبر جريمة يعاقب عليها.
ونشهد في هذه الأيام إعتداءات متكررة من عصابات المستعمرين اليهود ضدّ فتيان عرب ، وأيضا داخل ما يسمى بالخط الأخضر . فقد قامت مجموعة من هؤلاء المجرمين بالإعتداء على شاب عربي في مدينة القدس وانهالوا عليه ضربا وتجمع المارون حولهم ولم يحرك أحدهم ساكنا ، وكاد هذا الفتى أن يموت لولا تدخل طالب طب من جامعة القدس وأنقذ حياته.
وتعالت اصوات المجرمين وهم يضربون الفتى بعبارات عنصرية تنم عن كراهية وحقد على غرار :" إنه عربي : ليموت " و " عربي ... هذا مرض خبيث يجب التخلص منه " و "العربي الجيد هو العربي الميت " وغيرها من الشعارات العنصرية . لقد كانت هذه حادثة واحدة من عدد من الحوادث المماثلة التي قامت بها هذه العصابات مؤخرا،من بينها قذف سيارة تكسي أجرة بزجاجة حارقة أدت إلى إصابات عدد من المسافرين من بينهم بعض الأطفال . هذا العمل دفع صحيفة " واشنطن بوست " (26/8/2012 ) بنشر مقال إمتد على طول ثلاثة أرباع صفحة عن هذه العمليات معطية القراء الأمريكيين صورة عما تقوم به هذه العصابات.
وقد أدانت الصحف العبرية هذه العمليات ، وهاكم بعض عناوين المقالات التي نشرت :" إفتتاحية " هآرتص " ( 21/8/2012 ) " شريعة الينش " ( لينش تعني مجموعة تقوم بقتل إنسان بدون محاكمة ) . و " اليهودي الجيد يكره العرب " ( هآرتص 22/8/2012 ) و " أن تكون إسرائيليا ــ إكره العرب " ( هآرتص 27/8/2012 ).
إن هذه الأعمال يقوم بها فتيان لم يندمجوا بعد في الحياة السياسية أو العسكرية أو حتى الإجتماعية ، ولهذا فإن الأفكار التي يحملونها نابعة من الثقافة التي يتلقونها . فبالإضافة إلى السياسة الإسرائيلية العامة التي تتعاطى مع فلسطينيي 1948 ، والتي بسببها سرقت أراضيهم ، ومنعتهم من الحصول على حقوقهم الكاملة ، وواكبتها تبريرات للمجازر التي قامت بها إسرائيل ضدّهم ، هناك حملة تحريضية واسعة تدعو حتى إلى ممارسة عمليات القتل ضدهم.
فإذا نظرنا إلى السنوات القليلة الماضية نرى التحريض قد بدأ يأخذ طابعا علنيا . فمثلا عندما سئل الحاخام موشه ليفنغر عن مقتل 29 مصليا في الحرم الإبراهيمي قال :" إن مقتل العربي يؤسفني بالقدر الذي يؤسفني فيه قتل ذبابة " ( من مقال إسرائيل شاحاك : الشريعة اليهودية ) . وفي عام 2009 صدر كتاب كتبه إثنان من قادة الفكر الديني في إسرائيل الحاخام إسحاق شبيرا بالإشتراك مع الحاخام يوسي إلتصور يحمل عنوان " تورت هملكخ " (النظرية الصحية ) يقول فيه أنه :" مسموح بقتل أي من الأغيار( غير اليهود ) الذين يشكلون خطرا على شعب إسرائيل ، حتى لو كان صبيا أوطفلا ، فالأطفال يشكلون عقبة في طريق إنقاذ الجنود وهم أيضا يعاونون الأعداء ، لذا فقتلهم مسموح لأنهم يسببون ضررا لإسرائيل".
لقد إتهمت إسرائيل الفلسطينيين ( والعرب بشكل عام ) أنهم يقومون بالتحريض ضدها وضدّ اليهود .ولكن الأحداث الأخيرة كشفت حقيقة الفكر العنصري المعادي للعرب وأصبح من الصعب عليها إتهام الفلسطينيين بالتحريض ، في الوقت الذي تبارك فيه الحكومة الإسرائيلية ، بشكل غير مباشر، وأحيانا بشكل مباشر ، العمليات الهمجية التي تقوم بها عصابات المستعمرين ضدّ المزارع الفلسطينية والمنازل الفلسطينية والسكان الفلسطينيين ، تمشيا مع قول حاخام الجيش الإسرائيلي العميد الركن أفيشاي رتنسكي ، إبان الحرب على غزة :" لا يهمنا ما ينشر في وسائل الإعلام عن عملية الرصاص المسكوب فهدفنا في الحرب كان الهجوم والسحق والتدمير وليس الأسر أو أية مهمة أخرى".

انشر المقال على: