![](https://wbpalestine.com/sites/default/files/styles/article_image/public/images_160.jpg?itok=Yi0dJDtf)
"الثلاثاء الحمراء"
لتذكر الأمّة دوما أن في الجهاد حياة , وإن الأمّة التي يكثر شهداؤها هي الجديرة بالبقاء.
وان الأمة التي تقف أمام الاستعمار والسياسة الغاشمة مكتوفة الأيدي محكوم عليها بالفناء .
الشهيد فؤاد حجازي
كثرت الأحداث التي يحيي ذكراها الفلسطينيون وكل العرب عبر النضال الطويل الذي دام لأجيال. فكما يذكّرنا يوم 15 أيّار بإنهاء الاحتلال البريطاني عام 1948 ويصادف ذلك اليوم المشئوم ‘النكبة الفلسطينيّة’ وإعلان تأسيس الكيان الصهيوني الغاشم في 14 ايار1948 , كذلك نحيي يوم 5 حزيران الذي يذكّرنا بيوم بدء الهجوم على بقيّة فلسطين في الضّفّة الغربية والجمهوريّة العربيّة السوريّة وجمهوريّة مصر العربيّة , والذي أسفر عن احتلال باقي فلسطين . لكن يوم 17 حزيران الذي كاد الفلسطينيّون أن ينسوه., هو أيضا يوم مميز في تاريخ شعبنا. إنّه اليوم الذي طلب منّا الشهيد فؤاد حجازي أن نحييه في ذكرى تعليق شهداء الثلاثاء الحمراء على أرجوحة المجد في سجن عكّاء.
فإثر هبّة البراق يوم 14 آب عام 1929, هب الفلسطينيون للدفاع عن مقدساتهم ردا على تحدّيات الصهاينة. قام الفلسطينيّون العرب بالهجوم على الغرباء المنتهكين للحرمات على أرضنا الطاهرة. فقاموا بتدمير مستعمرات والردّ على الصهاينة في كلّ من القدس والخليل ونابلس وصفد ويافا وحيفا. وأسفر ذلك عن تدمير ست مستعمرات تدميرا كاملا. وسقط في هبّة البراق التي دامت أسبوعين 91 شهيدا وشهيدة وجرح 181 من العرب. أمّا اليهود فقد سقط منهم 133 وجرح 339 صهيوني وصهيونيّة.
وكان من أهم نتائج هبة البراق مأسسة العمل النسوي في فلسطين. فقد تداعات الناشطات لعقد مؤتمر تأسيسي لكافة نساء فلسطين في القدس عقب هبة البراق واسست فروع له في كافة المدن الفلسطينية.
أصدرت محاكم حكومة الاستعمار البريطاني في فلسطين الحكم بالإعدام على ثلاثة شباب فلسطينيين هم فؤاد حجازي من صفد وعطا الزير ومحمد جمجوم وكليهما من الخليل. وللتظاهر بعدم التّحيّز للصهاينة, حكمت سلطات الاحتلال البريطاني على يهودي موظّف في مصلحة الشرطة بالإعدام بسبب قتل كلّ أفراد عائلة عربيّة البالغ عددهم ستّة أفراد بدم بارد . لكنّ سرعان ما خفّض الحكم عليه لاحقا لخمسة عشر عاما, ثمّ نال عفو عنه بعد فترة قصيرة.
لكن بالمقابل نُفِّذ حكم الإعدام بالأبطال الفلسطينيين الثلاثة , فؤاد حجازي وعطا الزير ومحمّد جمجوم في صباح يوم الثلاثاء الموافق 17 حزيران عام 1930 في قلعة عكّاء. تسابق الأبطال الثلاثة يومها على مَن سيلاقي وجه ربّه قبل الآخر وأصبحوا أسطورة في النضال والفداء. وقد خلّدهم الشاعر الفلسطيني إبراهيم طوقان بقصيدة عصماء أسماها ‘الثلاثاء الحمراء’. وكان الفلسطينيّون المتجمّعون خارج سجن عكّاء ومنهم أمهات الشهداء وشقيقاتهم يزغردن كلّما رفع العلم الأسود فوق القلعة التاريخية دلالة على أتمام تنفيذ حكم الإعدام كما جرت العادة عند تعليق المناضلين وغيرهم أيّام الثلاثاء. وكالعادة قامت سيدات الاتحاد النسائي العكيّات باحتضا ن الأمهات الكليمات واستضافتهن في محاولة للتخفيف عنهن بعد فجيعتهن بأحبابهن قبل عودتهن إلى بلداتهن مع أكفان أحبائهن. كان فرع الاتحاد النسائي يستضيف كل أمهات السجناء في عكا اللواتي يأتين لزيارة أقاربهن في سجن عكاء . فالمسافات بعيدة والمواصلات غير متوفرة من مدن وقرى فلسطين. هذا ما قالته لي رئيسة الاتحاد لمدينة عكّاء المرحومة رقيّة حقي- الكرمي عقيلة شاعر فلسطين المعروف المرحوم أبي سلمى .
كان الشهيد الشاب فؤاد حجازي أستاذا لم يكمل العقد الثاني من عمره. وقد ترك وصيّته للأمّة العربيّة ككل ولوالدته ولكلّ من شقيقيه أحمد ويوسف. وكُتبت وصيّته بحضور السيّد سليم عبد الرحمن. وأصرّ الشهيد على أن يسلّمها المستر ستيل – مفتّش السّجن المركزي في عكّاء - لعائلته. وهنا نورد مقتطفات مما جاء فيها في مثل ذلك اليوم الذي كثر فيه الشهداء على أبواب فلسطين.
كتب الشهيد فؤاد حجازي لوالدته وكأنّه يخاطب كلّ أمّهات شهداء اليوم وأمس والغدّ قائلا :
" لا تجزعي يا أمّاه ! فإنّ الأحرى بك أن تقولي ليت ألف فؤاد مثل فؤاد كي يقوموا بالواجب نحو بلادهم ... . إنّ الأمّة التي تقف أمام الاستعمار والسياسة الغاشمة مكتوفة الأيدي محكوم عليها بالفناء , وجدير بها أن يمحى اسمها من الوجود. ولتذكر الأمّة دوما أن في الجهاد حياة , وإن الأمّة التي يكثر شهداؤها هي الجديرة بالبقاء."
وإلى الأمّة العربيّة كتب مخاطبا إيّاها:" إنّ وصاياي على جانب عظيم من الأهمّية ...فأكرر رجائي بالعمل بموجبها والمثابرة على الكفاح حتّى تنال البلاد استقلالا تامّا يضمن الوحدة العربيّة . فلا رعاية ولا وصاية ..."
وإلى شقيقه أحمد قال:
" تأثرت كثيرا من قولك حين زيارتك لي أنك ستأخذ بثأري. فهذا يا حبيبي لا يعنيك أنت لأنيّ لست بأخيك وحدك بل أنا قد أصبحت أخا الأمّة وابن الأمة جمعاء.
إن يوم شنقي يجب أن يكون يوم سرور وابتهاج وكذلك يجب إقامة الفرح والسرور في يوم 17 حزيران من كلّ سنة . إنّ هذا اليوم يجب أن يكون يوماً تاريخيّاً تلقى به الخطب وتنشد فيه الأناشيد على ذكرى دمائنا المهراقة في سبيل فلسطين والقضية العربيّة ."
لم يكتب لفؤاد حجازي ورفاقه أن يروا الثورات والهبّات والانتفاضات المتلاحقة التي يهدر الشهداء دماءهم يوميا ويعاني الموقوفون منهم في سجون الكيان الصهيوني المحتل لسنين ولا يزال الشعب الفلسطيني يخوض حرب تحرير كامل الأرض الفلسطينية من البحر إلى النهر . فأليكم يا شهداء الثلاثاء الحمراء عشرة ملايين تحية من شعبكم الصامد.
نهيل عادل عويضة
" وصيّة الشهيد فؤاد حجازي" ,جريدة الشعب ,عدد 800 الصادرة في دمشق بتاريخ 22 حزيران