جان عزيز - الأخبار
من العيب على الفريق السياسي الذي ينتمي إليه ميشال سماحة، أن يناقش في مضمون الاتهام المسوق ضده، أو أن يسأل حتى عن وجود دليل أو توافر برهان، فيما عملاء إسرائيل الويكيليكسيون يحملون ألقاباً رسمية رفيعة، وفيما مهربو أدوات الموت بمستوعبات البواخر يعيشون على نفقة هيئة الإغاثة، وفيما قتلة «فشات الخلق» يختالون بالصوت والصورة بين حلبا والطريق الجديدة. الأولوية المطروحة على هذا الفريق، أن يسأل ويعرف ويكتشف لماذا ضُرب ميشال سماحة؟ وجواب تلك اللماذا على مستويين، عام وخاص.
في المستوى العام، ضُرب ميشال سماحة لأنه منذ أسابيع قليلة، تغيرت قواعد الاشتباك في الصراع الدائر حول الحدث السوري. وباتت القواعد الجديدة أقرب إلى ما يشبه لعبة ملاكمة على حلبة بلا حبال وفي مباراة بلا حكام. بدأ الأمر بعد «انقلاب» بندر في الرياض، الذي أُعلن عنه صحافياً في 19 تموز الماضي، بعد يوم واحد على محاولة «الانقلاب» في دمشق، عبر تفجير الاجتماع الأمني في 18 من الشهر نفسه. بعد هذين التاريخين، لكأن هناك من بات يعتقد في قرارة نفسه أن اللعبة صارت على إيقاع واحد: إما قاتل وإما مقتول. والوقائع على الأرض تشير فعلاً إلى ما يشبه هذا المسار. فالغرب متراجع في شكل واضح في الموضوع السوري. ومقالات ماكين وليبرمان لا تثير لدى إدارتهما إلا الاستياء، لإدراكها أنها مجرد ترويج انتخابي مضاد ومضلل. أما الموقف الفعلي لواشنطن، فيترجمه آرون ميلر بدقة في أوراقه الأخيرة، فيما فلتمان غائب، وهوف، المسؤول الفعلي هذه الأيام عن ملفي سوريا ولبنان، مهتم بالغاز والحدود. وهو لا ينفك يتساءل عن إمكان استثمار تلك الثروات في ظل الفوضى التي تخلفها الأحداث غير المفهومة بالنسبة إليه. هكذا صار المشهد السوري متروكاً لتهديدات إردوغان وأصوليي بندر في شكل أساسي. ويبدو أن الاثنين أدركا دخولهما في سباق عكس الساعة. كل يوم يصمد فيه الأسد، يُنتقص من عمر «السلطان المريض» في أنقرة، ومن طموح «المليك غير المتوج» في الرياض. والسباق ضد الوقت فعلي واقعي ووقائعي. كل المؤشرات على الأرض تدل عليه. فماذا إذا انتصر الحكم السوري في معركة حلب أيضاً؟ أيّ تسريع للأزمتين التركية والسعودية سينتج عن ذلك؟ أكراد تركيا جاهزون لثأر عمره عقود. علويوها بدأوا يكتبون في أوروبا: نحن 25 مليون إنسان بلا حقوق. ليبراليو أنقرة باتوا يترحمون على زمن العسكر، بعدما صدقوا لعقد كامل أن عدالة وتنمية ممكنتان تحت عمامة. بدليل كتابات رائد هؤلاء، جانكيز شاندر هذه الأيام، فيما العسكر أنفسهم يصحون على «ميغالومانيا» إردوغان، وينامون على أصوات رفاق السلاح، جنرالات جيش أتاتورك المرميين في سجون الإسلاميين.
أما ناحية بندر، فالوضع ليس أفضل. العوامية تعوم على سقوط حواجز الخوف، والقطيف تقطف ثمار «الربيع»، والبحرين محيط كامل من ذاكرة دوار اللؤلؤة، فيما صحة الملك مطابقة لصحة المملكة. حتى إن طرفة تتردد في بيروت مفادها أن وليد جنبلاط يبحث عن فتوى لتقصير رمضان. فهو موعود بزيارة الملك بعد الفطر. ويخشى أن يبلغه خبر نعيه قبل أن يبلغ سعيه.
لكل تلك الأسباب، سقطت كل الخطوط الحمر، فاستعيدت تجربة «زوار الفجر» العثمانية، في منزل ميشال سماحة في الجوار المتنية. لماذا هو بالذات؟ هنا ينفتح المستوى الخاص للحدث: لأن سماحة هو الأكثر معرفة والأقل حصانة. فهو وحده يعرف كل صحافي أجنبي دخل سوريا منذ 18 شهراً، وقبل الأشهر تلك. وحده من دأب على جلسات «بريفينغ» و«ديبريفينغ» مع كل منهم، ساعات وساعات. متهم هو بأنه يقنعهم، يغسل أدمغتهم، فيما يقول هو إنه يفتح أعينهم على كل المشهد، فينقلون وقائع شاملة، غالباً ما تحظرها وسائلهم بديموقراطية العم سام الخاصة، وأحياناً يهددون في عملهم وحتى في حياتهم.
وميشال سماحة يعرف من هو المسؤول اللبناني الذي «شغَّلته» استخبارات أجنبية لتسجل اتصاله الهاتفي ببشار الأسد، بهدف تحليل صوت الأخير وحالته النفسية. وهو يعرف في أي دقيقة غادر رياض حجاب مكتبه عصر الأحد الماضي. وكيف وزع مهمات اليوم التالي وحدد مواعيده، قبل أن يذهب إلى بيته. لينتقل من هناك بذريعة الإفطار مع إخوته في بنايات الـ 14. ويعرف كيف هرب، وتعثر سير هربه، فبات متخفياً ليلتين في ريف درعا، قبل أن يتسلل إلى الأردن.
ولماذا ميشال سماحة لا غيره؟ يعترف البعض بخجل وأسى: لأنه مسيحي، ومن مذهب مسيحي لامس الأقليات. تماماً كما في الزمن السوري. يومها لم يجرؤوا إلا على مسيحيين. حتى وقف رفيق الحريري نفسه في بكركي نفسها ليقول عن سمير جعجع «إنه مجرم». كذلك في الزمن الضد السوري، المسيحيون وحدهم أهداف ممكنة... عيب هذا الإحساس حتى. تماماً كما العيب في السؤال عن تهمة ميشال سماحة. أما الصمت، فكل العار.