![](https://wbpalestine.com/sites/default/files/styles/article_image/public/download_193.jpg?itok=nGfBybPC)
متى يحطم اليسار الفلسطيني عنق الزجاجة..؟؟ الكاتب:محمود التعمري أن يضعك الآخرون في قفص ويغلقوا من حولك كل المنافذ، فهذه مسالة لها أسبابها وعواملها وظروفها المختلفة..واهم هذه الأسباب هو التفاوت والاختلال في القدرات والإمكانيات وموازين القوى .فمثلا حين يكون المرء أسيرا أو معتقلا أو سجينا فان ذلك يعني أن قوة أخرى اكبر حجما وأكثر فعلا وأوسع قدرة هي التي استطاعت السيطرة عليه واحاطتة بقيودها وجدرانها وأسوارها وأسلاكها الشائكة،وبالتالي فرض إرادتها وجبروتها وقوانينها عليه وفق مصالحها وسياساتها وأهدافها.. ولكن المثير للدهشة والباعث على التساؤلات الكبيرة،هو رؤية البعض يضعون أنفسهم طواعية ،ليس في سجون ومعتقلات وخلف حصون ،وإنما في زجاجات ضيقة الأعناق من الصعب على من بداخلها الخروج منها أو التحرر من ضيقها ،هذا إذا كُتب له أن يبقى على قيد الحياة أو إذا بقي عنده شيئا من القدرة على الحصول على بعض الأوكسجين من اجل التنفس..وهو ما يشكل موتا بطيئا وإقداما اختياريا على الانتحار،وهذه مسألة مثيرة ومدعاة لطرح العديد من الأسئلة والتساؤلات،واقل ما يُقال عنها أنها هروبا محزنا ومخزيا في مواجهة ما تنتجهُ الحياة من أحداث وقضايا وتناقضات وأمور مختلفة، وهذه بدورها لها أسبابها وعناوينها الكثيرة والمتعددة، خاصة حين يتعلق الأمر بما نعنيه ونقصده في مقالتنا هذه .. ليس تجنيا على الحقيقة إذا ما قلنا أن اليسار الفلسطيني بكل أطيافه ومكوناته،يعيش أزمة عميقة وحقيقية ليس على صعيد بعينه وإنما على كل الصعد المختلفة ،في الفكر والتنظيم والقيم الثورية والوطنية والسياسية، وعلى مستوى التربية الأخلاقية التي تتعلق بالمبادئ والسلوكيات والعلاقات الجماهيرية.واعتقد أنها جزء من أزمة اليسار في العالم، وإحدى نتائج تفكك معسكر قوى الثورة ،وبالذات معسكر منظومة الدول الاشتراكية،وقد انعكس هذا الوضع ليس على اليسار الفلسطيني فقط بل على كل أطياف اليسار العالمي.. وقد ترددت كثيرا قبل الكتابة في ذلك ،وتساءلت عن أي يسار يمكنني الكتابة والحديث..هل اكتب عن اليسار الذي كان في يوم من الأيام ثوريا وطلائعيا وجذريا وقويا وصمام أمان للوضع الوطني برمته..؟ أم اكتب عن يسارا قال عنه الشاعر الوطني الكبير "مظفر النواب" .." أي يسارا غبيا هذا الذي يساوم حتى على دمه..."..؟ أو اكتب عن يسار منبطحا على بطنه يلعق ما طاب له من الأحذية..؟ لقد وضع اليسار الفلسطيني نفسه في مواقع ومواقف لا يحسد عليها ،وللحقيقة نقول انه لم يدر بخلدنا في يوم من الأيام أن تصل قوى اليسار الفلسطيني إلى هذا المستوى المثير للشفقة ،في الوقت الذي كنا فيه على يقين بان هذا اليسار سيشكل بديلا حتميا لكل القوى التنظيمية والسياسية الأخرى في قيادة الثورة والنضال وحركة الجماهير المناضلة،وبالتالي سوف يكون قائدا للمرحلة الجديدة من البناء والاعمار وفي عهده ستقام الدولة الفلسطينية العتيدة...!!؟؟ ولكن يبدو أن الأمنيات شيء وواقع الحال شيء أخر، لا يمت الواحد منهما للأخر بصلة. إن المتتبع لمسيرة اليسار الفلسطيني على مدى عقدين من الزمن سيدرك دون ريب إلى أي منحدر وصل إليه هذا اليسار في تعاطيه مع كل القضايا التي عاشتها وتعيشها القضية الوطنية الفلسطينية ،التي على ما يبدو صار يتفاجا بأحداثها ومسبباتها ونتائجها،مما أوقعه في مطبات حزازير الجدات قي ليالي الشتاء والبرد القارص،أو كما قال الشاعر الكبير " عمر الفرا " عندما كان ينتظر فتاة لا يعرفها ولا يعرف شكلها أو اسمها ولم يسبق له أن رآها من قبل " من هنا تأتي.. أم من هنا.. أم من هناك.. لست ادري.."،وقد نسي هذا اليسار مقولة " لينين " المشهورة، " إن مصيبة الشيوعيين هي أنهم يتنبئون بالأحداث قبل وقوعها "،- أنا أسف لقد اعتقدت انه ما زال عندنا شيوعيين -.. واقسم أنني لم اسمع يوما أن يسارا حقيقيا " يحرد" ويضع نفسه في زجاجة ضيقة بمحض إرادته،ويبتعد عن معارك تقرير المصير التي طالما صفق لها في العلن وفي الخفاء، أو يضع نفسه في حجر حاكم أو شيخ أو أية أو روح من أرواح الله وآياته ، في الوقت الذي يتطلب فيه الوقوف في ناصية الموقف الوطني وفي معمعانه وعمقه والى جانب الجماهير التي يتفذلك اليسار الفلسطيني ويدعي انه يمثلها ويعبر عن مصالحها.. إن الوضع الفلسطيني لا يحتمل مزيدا من الانقسام والتشرذم والتناحر دون وجود لغنائم،ونعتقد أن الغنيمة الكبرى التي يجب أن نضعها في سلم أولوياتنا هي التعاضد والتلاحم والوحدة حتى لو اختلفنا على تكتيك هنا أو اجتهاد هناك أو تهديد متنوع الأشكال،في ظل موازين قوى يعرف اليسار الفلسطيني أنها ليست لصالحنا لا من بعيد ولا من قريب،ولكننا نجد أنفسنا جزء لا يتجزأ من حركتها إن كان سلبا أم إيجابا..بدون كذب وبدون نرجسية قاتله وبدون حبس الذات في قنينة أو زجاجة تؤدي إلى الموت أو الانتحار .. ونرجو أن لا يغيب عن ذهنية القائمين على أهرامات اليسار الفلسطيني، أن للكادحين والمضطهدين والمظلومين وحتى المنتمين لهذا اليسار ما يقولونه إذا ما اُخذ رأيهم فيما يجري وفيما يُتخذ من قرارات ومواقف وسلوكيات لا تخدم الموقف الوطني العام وتدعمه وتقويه وتزيد من صلابته.. وان لا يبقى هذا اليسار حبيس مواقفه الارتجالية وردات أفعال ميكانيكية،ورهنا بمواقع وجوده التنظيمية ،أو مصالح فئوية وفردية ضيقة تُسئ لصورته في أذهان شعبه.. إن ما نطمح الى رؤيته وملامسته هو أن يُحطم هذا اليسار عنق الزجاجة الضيق حتى يتمكن من عبق هواء الحرية ورائحة الوطن ويلتحم مع جماهير شعبه التي انفصل عنها وما عاد يرى أو يسمع أو يعرف أهدافها ومطالبها ومواقفها..وان يتحرر من عصا الطاعة لحكام وشيوخ مغتصبين هنا وهناك في الوطن وخارجه....؟؟!!