السبت 18-01-2025

إسرائيل بحاجة إلى سلّم أولويات جديد

×

رسالة الخطأ

موقع الضفة الفلسطينية

إسرائيل بحاجة إلى سلّم أولويات جديد
بقلم: عوفر شيلح

العملية قرب كرم سالم، أول من أمس، هي بلا شك استثنائية من حيث طريقة العمل، الجسارة، وبالاساس لأنها وجهت ليس فقط ضد إسرائيل، بل وايضا بشكل مباشر ضد قوات مصرية. وكان هدفها على ما يبدو ليس فقط القتل او الخطف في طرفنا، بل وايضا محاولة دق اسفين بين إسرائيل ومصر، ونشر الفوضى في المنطقة. وهكذا فانها ترتبط بطريقة عمل "القاعدة" ومحافل الجهاد العالمي في اماكن كالعراق أو افغانستان. وتحاول هذه القوى استغلال الوضع الذي يسود فيه الاضطراب اصلا، ومن خلال عمليات استعراضية واسعة ودفعه الى التفاقم أكثر فأكثر وضعضعة محافل الحكم، في هذه الحالة بالذات الحكم المصري.
وعلى المستوى العملياتي الصرف، فان حجم العملية وبدئها بفعل عنيف وصاخب في الاراضي المصرية سهّلا من عمل الجيش والمخابرات الإسرائيلية المهني والناجح. فمن الاسهل العثور – مسبقا وبالتأكيد بعد بدء اطلاق النار في الطرف المصري – على حجم كبير كهذا من الحركة والاستعداد من العثور على نفق يحفر على مدى اشهر، مثلما حصل في عملية اختطاف جلعاد شاليت. من الاسهل ضرب مركبتين تحاولان التسلل عبر الجدار من العثور على منفذ وحيد ينطلق من منطقة مدنية، مثلما حصل غير مرة في "يهودا" و"السامرة"، او خلية صغيرة تتسلل عبر نقطة ضعف في منظومة الدفاع. وهذا لا يقلل في شيء من الانجاز الذي حققه من كشف ومن عمل في الميدان، ولكن القاعدة هي أنه كلما كانت العملية اكبر وأكثر "عسكرية" يكون أسهل على الجيش المدافع، وبالتأكيد المزود بوسائل متطورة، كالجيش الإسرائيلي ان يتصدى لها.
فضلا عن المسألة التكتيكية، يُطرح السؤال عن معنى عالم التهديدات الجديد الذي تواجهه إسرائيل. من الواضح أنه
ي كل الحدود، بما في ذلك تلك التي في جانبها الاخر دولة يوجد لنا معها اتفاق سلام، ينشأ وضع من ضعف النظام العربي المقابل، مع تصاعد ميول العنف، في حالة سيناء، تطرف ديني وبالاساس عداء للنظام المصري (جذوره تعود الى ما فعل ولم يفعل نظام مبارك بالنسبة للبدو في سيناء). من الواضح أن وضعا فوضويا كهذا بالفعل يغري محافل هذه هي طريقة عملها. ولكن يمكن ايضا الادعاء بان هذا الوضع الجديد يهدد إسرائيل وسكانها اقل من العالم القديم الذي كانت فيه خلف الحدود جيوش نظامية.
كلمتا "الجهاد العالمي" تبدوان مخيفتين، ولكن خلفهما يقف فكر وربما أيضا تقاسم لمصادر التمويل، الالهام، والتدريب، وليس كيانا موحدا وقويا. توجد "القاعدة" في حالة دفاع منذ 11 ايلول 2001، ولم تتجسد رؤية عالم غربي يجرفه تسونامي ارهاب. محافل الارهاب هذه تنمو أساسا في المكان الذي تورط فيه الغرب في وضعية محلية اشكالية، وأولا وقبل كل شيء في العراق. البدو في سيناء، او الخلايا التي عادت من العراق الى سورية وستحاول المس بإسرائيل، يشكلون تهديدا على أمننا أقل بكثير من جيش مصري أو سوري، أو صواريخ "حزب الله"، التي هي ايضا قادرة على أن تضرب الجبهة الداخلية، ولكنها لا تشكل خطرا حقيقيا على وجود الدولة وحدودها.ليس المطلوب هو تخويف الكلمات الكبيرة، بل الفحص السليم من عناصر الامن الإسرائيلية، بتعابير الكلفة والمنفعة. وزير الدفاع ايهود باراك محق حين يقول ان نصيب الامن من اجمالي الانتاج انخفض جدا في العقدين الاخيرين؛ المشكلة هي أن ليس واضحا دوما كم من الميزانية القائمة يستثمر في الرد على التهديد الحقيقي، وكم منه لا يزال يغذي منظومات كان هدفها العالم القديم ذا القوة. رئيس الوزراء السابق، ايهود اولمرت، هو الاخر تحدث عن ذلك، مؤخرا، حين شكك بالحاجة الى منظومات باهظة الثمن جداً اشتريت لأغراض الأمن.
سيكون بمثابة خطأ إذا أدى الفهم بأنه توجد تهديدات جديدة فقط الى حملة مشتريات وتوسع، وليس الى فحص بارد الروح عما يجب اليوم وما لا يجب. ولا يدور الحديث فقط عن المال، بل وايضا عن اعداد المجندين والغرض منهم، المنفعة الحقيقية من المنظومات التي استثمر فيها الكثير جدا في الماضي، مفعول مفاهيم العمل ومنظومة التهديدات التي يقصد بها ما قرره غابي اشكنازي إذ قال "اننا دائما نستعد للحرب الكبرى والامن الجاري تابع لها". أمن الحدود، خلافاً لأمن الجبهة الداخلية الإسرائيلية وربما ايضا لوضعها في العالم غير التقليدي، أفضل بكثير مما في الماضي؛ سؤال كم من المقدرات يجب الاستثمار فيها لا يمكن أن يتلخص في "نأخذ ما يوجد، ونضيف ما ينبغي لان الجهاد العالمي على مداخلنا".

انشر المقال على: