مسرحية زون 6
نبيل الجولاني/القدس
/استنفرت أعصابنا ونَظَّمَت أرواحنا وغَسَلَتنا
عُرضت مُؤخراً على خشبة المسرح الوطني الفلسطيني/الحكواتي/ بالقدس مسرحية زون 6(zone 6) المسرحية من تأليف الفنانين: حسام أبو عيشة،كامل الباشا وابراهيم جابر ابراهيم ، وهي عبارة عن اسكتشات تحكي عن الحياة اليومية الفلسطينية بشكل كوميدي ، تَخلل هذه المشاهد المتعددة تقديم مقاطع من أغانٍ شعبية ووطنية وتراثية بطريقة الاكابيلا (بدون موسيقى) قام بالتمثيل الفنانين المبدعين : كامل الباشا ، حسام أبو عيشة ، شادن سليم ، ياسمين همار ، داود طوطح وعلاء أبو غربية . وكان رمزي الشيخ قاسم قد أدار وأشرف على التقنيات والاضاءة ، والمسرحية من اخراج : عادل حكيم وكامل الباشا.
ان الفنان المبدع الذي يمتلك التجربة يتحكم في الفكرة ويُحولها الى أداءٍ وحركة على خشبة المسرح ، أي يُحول المادة الى شكل ويقوم بترويض الواقع ، ليس الهدف من الترويض هو التعايش - بقدر ما هو رفض للواقع - ما دام الواقع هنا غير طبيعي وغير مقبول - وقد لمسنا ذلك في مجموعة من العبارات والمشاهد المتناقضة (المتخالفة) في المسرحية وكان الترويض هنا من باب التهكم ، ويحمل في طياته دعاوي الى التحريض والتغيير ورفض الوضع الذي أصبح عادياً وهادئاً بحيث أصبحنا أمام عجزنا وضعفنا ولا مسؤوليتنا ولا انتمائنا الحقيقي وبفعل الفساد والإفساد الذي يلفنا نعتاد على يوميات الحزن العادي والقهر العادي والموت العادي والاحتلال العادي والاحتجاج العادي والتبرير العادي والتمرير العادي والتنظير العادي ، اذن أراد الفنان هنا سواء كان ممثلاً أم مُخرجاً أن يُفَعِل الجدار الرابع في المسرح وينقله من دور المتفرج الى دور المشارك في التمثيل والتفعيل والتأمل والاقناع والاكتشاف ، والمساهمة في كتابة النص واخراج وانتاج نص جديد مُغاير ومُطور للذين شاهدوه ، نصاً يطرح أسئلة جديدة من أجل خَلق واقع جديد . مَليئ بالحب الحقيقي والانتماء الحقيقي حيث تشتعل الحواس التي تُؤدي الى مراحل التفاعل والفعل المنتج والابداع والحرية .
ان المسرحية تكشف عن جوانب مهمة من كفاح الانسان الفلسطيني لتحقيق انسانيته ضمن نمط أعلى من الوعي ومن التفكير حتى يكون له أثراً وتأثيراً في الحياة برُمتها ، فكل فصول المسرحية رموز مُضيئة وأفاق يَتحتم عليها أن تُضيئ وتُغير كل جوانب وضعنا الراهن بشكل واعٍ وعميق وشامل حتى نخرج من الانماط التي اعتدناها.
ولكنني في نفس الوقت أَربئُ بأن نعتاد هذا النمط من الرموز الجنسية التي كانت مُكررة وممجوجة في عدة مشاهد من المسرحية التي شاهدناها.
مع أنني أدرك أنها وِظِفَت أحياناً في خدمة النص وأحياناً أخرى كانت رمزاً لغرائز الحياة التي تحركت وتطلبتها أحداث المسرحية الامر الذي كان لا بُد منها . ولكن هناك أمرٌ أخر وهو أنه كان مُبالغ فيها الى درجة أنها كما أسلفت أضحت ممجوجة ومُكررة وفي رأيي ان مشهداً واحداً أو مثلاً واحداً كان يكفي حتى تصل الفكرة الى مبتغاها .
خاصةً وأننا نرى في هذا الوضع الراهن الذي نعيشه توجهاً قوياً عند الكُتاب (كتاب الرواية والقصة) باقتحام الجنس في كتاباتهم حتى يُعززوا صفة الكتابة لديهم ويصلوا الى الشهرة بسرعة خاطفة وخاصةً اذا كانت الكتابة صادرة عن (كاتبة /امرأة ) فيُقال انها جريئة في كتابتها فيُقبِلُ القُراء على مطالعة انتاجها بشكل كبير ، وهذا في رأيي ان دل على شئ فإنما يدلُ على نزوعهم ونزوعها نحوالحرية المغلوطة وليس دليل على نُضج انتاجها وتجربتها كأديبة التي ترنو من خلاله الى حرية الرأي والتعبير والمواقف المبنية على الفكر والمنطق.
يأتي هذا ونحنُ في حالة انهيار وتراجع فكري وخلقي وقيمي نعيشه الان في غالبية المستويات ، فيه هبوط في أدائنا السياسي والثقافي والاقتصادي والعلمي والعملي والمجتمعي وبالتالي الجنسي.
اذ كُنا في الماضي نتغنى ببطولاتنا وانجازاتنا واكتشافاتنا أما اليوم فقد أصبحنا فقط نتناسل ونتكاثر بأعضائنا التناسلية فقط .
ان مهمة الفنان تعتمد على حرية الاختيار بين الصدق التاريخي والواقعي وبين الصدق الفني حتى يصل بالمشاهد الى ذروة التنوير والتأمل وكشف حقيقة جديدة ، في الواقع تُعطيه حرية فسيحة للتصور والايحاء والالهام وتسليط الضوء على ما يُريد ايصاله الى وجدان المشاهد ويجعله يكتشفها وهذا ما لمسناه في العروض والمشاهد المتعددة للمسرحية التي نحن بصددها.
واذا ما أدركنا أن الادب الساخر يبقى هو الاكثر عُمقاً فانه يجدر بنا أن نُفرق بين السخرية التي تحمل في طياتها نقداً موضوعياً بَناءً ، وبين السخرية المبتذلة التي تأخذ صورة هزلية سطحية . فعلى السخرية ان لا تفقد جمالياتها الفنية ومدلولاتها وأبعادها المتعددة وهذا ما لمسناه في العرض الذي شاهدناه حيث كانت السخرية نقداً موضوعياً بَناءاً ، وقد وجدنا أيضاً في هذا السياق و في هذا العرض المسرحي الذي شاهدناه عل خشبة المسرح الوطني الفلسطيني /الحكواتي فنانين ذوي مواهب فَذة استطاعوا أن يُسلطوا الضوء على عدة قضايا وزوايا من خلال قالب فني مُحكم ومُتهكم ، ممتلكين رؤية جديدة وإدراكاً عميقاً للواقع وخيال متوقد وقدرة عالية في التأثير والتعبير والأداء على خشبة المسرح حيثُ أجاد الفنانين المذكورين اّنِفاً أنهم كانوا في مستوى النص تجاوزوا عَجزنا وتَجاوزوا الازمنة ، وأثبتوا أن تساقط أوراق الشجر ليس وحده هو الذي يصنع الخريف.