في إشكالية العلاقة الأردنية - الفلسطينية
لميس اندوني
الرسالة التي وجهتها شخصيات أردنية من أصل فلسطيني إلى الملك، والضجة التي ثارت حولها ، تدل على عمق الشرخ المجتمعي الذي وصلنا إليه ليس فقط بين مكوني الشعب الأردني بل لغياب لغة الحوار الهادئ والموضوعي بين فئات المجتمع الواحد.
الجدل الدائر هو نتاج عملية التفتيت المجتمعي التي أدت إليها سياسة "فرق تسد" لعقود، كما هو مؤشر إلى أن معظم الفئات تحس بالغبن والتهميش إن كان على أساس طبقي أو مناطقي أو جراء تمييز بين مكوني المجتمع.
أخطر ما في الأمر أن معظم الطروحات السائدة، تتعامل على أساس أن الظلم لا يحل إلا بترجيح كفة أحد المكونين على الآخر، وأن هناك تناقض مصالح بين الفئتين لا بد من مواجهته بحراكات ومبادرات منفصلة- بدل من أن تجمعها حركة حقوق مدنية ومواطنة تنشد سيادة دولة القانون وإحقاق العدالة الاجتماعية.
طبعا لا يمكن إهمال البعد الطبقي للموضوع لكن من الخطأ تصوير الوضع بأن الأردنيين من أصل فلسطيني كلهم أغنياء ومُستغِلين، وأن الأردني هو الفقير- فمن يعتقد ذلك لم يسمع بجيوب الفقر في عمان، أو أغمض عينيه عندما يمر في وادي الحدادة وأحياء أخرى في شرقي عمان، ولا يعرف الحياة لمعظم اللاجئين الفلسطينيين في المخيمات.
عدا أنه لا يجوز أن نتغاضى عن بعض من يطرحون مما يرونه بأنه مصالح "الهوية الوطنية" الأردنية هم أيضاً من الميسورين ، وبعضهم شغل مواقع نفوذ في الدولة، ومنهم من لم يزر يوماً جيوب الفقر في المحافظات إلا لغايات انتخابية.
في الوقت نفسه هناك بعض الشخصيات الفلسطينية، التي لا تستطيع أن ترى العوز في المحافظات وقراها، أو حتى في المخيمات ،وهناك أيضاً من يعتقد أن "الشرق الأردني" ، بما أنه لا يتعرض لنفس المعاملة في الدوائر الحكومية، بأنه محمي بحكم أصله ومنبته.
من الطبيعي أن تنظر كل فئة إلى نفسها، في غياب وعي جمعي بطبيعة الظلم، خاصة أن مفهوم المواطنة كأحد أسس الدولة المدنية غائب ومُغيَب.
للأسف فأن مفهوم دولة المواطنين ،بدلاً من دولة الرعايا ، لم يتكرس في ذهن النخب والفئات الشعبية سواء، وإن كانت شعارات الحراك الشعبي " مواطنون لا رعايا" و "حقوق لا مكارم " تدل على بدء وعي عميق، ولكنها أي الشعارات يجب أن تترجم إلى رؤية وبرنامج وطني لا يستثني أيا من فئات الوطن ، ولكن ذلك يتطلب نبذ أي عصبوية إقليمية أو مناطقية.
نعم من حق أي أردني من اصل فلسطيني ثريا كان أم فقيرا، أن يتكلم عن مظالمه ويطالب بإنهاء التمييز، دون أن يتم اتهامه بأنه أداة في مؤامرة عالمية، لكن مشكلة الرسالة أنها طرحت هذه المظالم وكأنها منفصلة عن المظالم الأخرى، فشعر الشرق الأردني الذي يكافح من أجل لقمة عيشه، بأنها موجهة ضده، أو على الأقل خالية من الإحساس بوضعه- خاصة أن السياسة الرسمية نجحت إلى حد بعيد بإحداث تباعد بين مكونات المجتمع.
في الوقت نفسه إن بعض الطروحات، حتى داخل جزء من الحراك، تحوي نفساً إقليمياً ضد الفلسطينيين متجاهلة تاريخ الأردن وتلوم ضمنياً الفلسطينيين عن الأزمة الاقتصادية الاجتماعية في البلاد.
نعم أن المسؤولية تقع على كل الحكومات المتعاقبة، ويتحمل مسؤولون ، بغض النظر عن أصولهم، وزر السياسات التي أوصلتنا إلى هذا الوضع، أو يتحملون مسؤولية الصمت على سياسات نُفذت على عهدهم وإن لم يشاركوا في وضعها.
أنا أجد من الصعوبة تَقبل احتجاجات بعض المسؤولين الأردنيين من أصل فلسطيني حول الحقوق المنقوصة، أين كنتم وأين كانت أصواتكم، في الثمانينيات عندما كأن يتم مصادرة جوازات سفر، أردنيين (فلسطينيين وشرق أردنيين)- واعتقال الكثير منهم- دون تمييز بسبب آرائهم أو انتماءاتهم؟
وهذا ينطبق أيضاً، على بعض الشخصيات "الشرق الأردنية"، كانت وما زالت متنفذة، التي تتحرك على أساس إنقاذ البلد من النفوذ الفلسطيني، وتبرير سياسات التمييز، فبعضكم كان شريكاً أو على الأقل صامتاً تجاه سياسات القمع ، التي كانت تمارس ضد النشطاء السياسيين، أين كانت أردنيتكم حينها؟
أنا أعلم بأنني سأهاجم من جهات مختلفة،لكنني لا أستطيع إلا أن أكون صادقة باجتهادي، خاصة في ذكرى وفاة والدي، خليل يعقوب أندوني، ألذي أصر على أن تكون نشأتي وطنية أردنية- فلسطينية ، وفلسطينية –أردنية، وهو لم يكن يرضى أن يكون هناك تناقض بين المصلحتين الأردنية والفلسطينية.