دراسة: الاحتلال يتبع أسلوب الخنق الاقتصادي لتهجير المقدسيين
في دراسة هي الأولى من نوعها منذ سنوات، أكد أستاذ علم الاجتماع في جامعة القدس في القدس المحتلة – كلية هند الحسيني- عزمي أبو السعود أن هناك انعكاسات خطيرة للسياسات الصهيونية المبرمجة على المقدسيين وعلى الوضع الديمغرافي في القدس، مشيراً إلى خطورة الوضع في المدينة من حيث الشعور بالأمن والأمان الشخصي والاقتصادي والاجتماعي.
وحذر أبو السعود من ارتفاع مقلق في معدل الجريمة في المدينة ناجم بشكل مباشر وغير مباشر عن سياسات الاحتلال الرامي إلى تهويدها وطرد أكبر عدد من سكانها لحسم قضية القدس قبل بحث وضعها على طاولة المفاوضات.
وقال أستاذ علم الاجتماع في دراسة أعدها على مدار العام الماضي ونشرها اليوم الأحد بعنوان "أثر سياسات الاحتلال الصهيوني على رفع معدلات الجريمة في مدينة القدس المحتلة " أن هدف الدراسة التعرف على أثر سياسات سلطات الاحتلال على أهل القدس وسكانها، وعلى الوضع الاقتصادي والاجتماعي والمشاكل الاجتماعية والاقتصادية المترتبة على السياسات الصهيونية.
ومضى أبو سعود يقول: "إنه لتحقيق هذه الأهداف استخدمت الدراسة منهج المسح الاجتماعي للوقوف على ملامح المشكلة ووصفها وصفاً علمياً، ولتغطية الجانب التطبيقي من هذه الدراسة، وللإجابة على أسئلتها واختبار فرضياتها، اعتمدت الدراسة على عينة عشوائية عنقودية بلغت 296 أسرة تم اختيارها من أحياء من مدينة القدس، واستخدمت الدراسة أداة الاستبيان كأسلوب لجمع البيانات".
وأشار إلى أن الدراسة أظهرت أن من أهم السياسات الصهيونية المقلقة للمواطنين الفلسطينيين في القدس هي سياسة بناء المستوطنات وهاجس الاستيطان كعامل طرد وإحلال، وسياسة بناء الجدار الفصلي العنصريّ، والسياسات الهادفة إلى المس بالمقدسات وخاصة دعوات هدم المسجد الأقصى المبارك وبناء الهيكل المزعوم، وفرض الضرائب الباهظة، والحواجز الأمنية والطرق الالتفافية.
وبينت النتائج أن 86 % من المقدسيين قد تعرضوا لمضايقات من قبل السلطات الصهيونية، وأن أكثر أنواع المضايقات التي يتعرض لها السكان في مدينة القدس حسب درجة تكراراها تتمثل في المضايقات التي يتعرض لها السكان عند مراجعتهم للدوائر الرسمية الصهيونية في الحاجات اليومية، والمضايقات التي يتعرض لها المقدسيون من قبل الجيش والمخابرات على ( الحواجز الأمنية، المداهمات، الاعتقال)، والمضايقات المتعلقة بالغرامات المالية المترتبة على المخالفات، واعتداءات من قبل المستوطنين اليهود، واستخدام اليهود لكاميرات المراقبة في الشوارع والممرات داخل مدينة القدس بهدف التضييق عليهم وكبت حرياتهم العامة.
وأوضح أن 55 % من أفراد عينة الدراسة قد تعرضوا لاعتداء من قبل السلطات وجيش الاحتلال، وكان من أكثر أنواع الاعتداءات التي يتعرض لها المواطنون في مدينة القدس المحتلة حسب درجة تكراراها الاعتداء اللفظي (العنف اللفظي) بالترتيب الأول، والاعتداءات على الممتلكات الخاصة، والاعتداء بالضرب، وأخيرا اعتداءات أخرى وكان من أهمها استخدام القوة لمنع المصلين دخول ساحات الأقصى المبارك، وإغلاق المحال التجارية بالقوة وتدمير الممتلكات وسلب المقتنيات خلال الحملات الاستخبارية الصهيونية وعدم مراعات المشاعر الدينية وحرمة البيوت.
وعن المشاكل الاقتصادية أظهرت نتائج الدراسة أن المجتمع المقدسي المحافظ يعاني بدرجة مرتفعة، حيث احتلت مشكلة ارتفاع أجور السكن في المدينة المرتبة الأولى، في حين جاءت في المرتبة الثانية مشكلة ارتفاع أسعار السلع والخدمات، ومن بين المشاكل الاقتصادية الأخرى التي يعاني منها السكان تمثلت في كثرة الديون ونقص الأجور وقلة فرص العمل، وارتفاع أجور النقل والمواصلات وأسعار الوقود، وأظهرت النتائج بأن جميع المشاكل الاقتصادية التي يعاني منها السكان في مدينة القدس العربية والتي شملها هذا المحور جاءت بدرجة موافقة مرتفعة، وتعكس هذه النتائج خطورة السياسات الصهيونية التي اتبعها الكيان الصهيوني في الاستيطان والضغط على المواطنين وما ينتج عنها من مشاكل اقتصادية بين السكان في مدينة القدس.
وأكد أبو السعود أن هذه النتائج تثبت أن الكيان الصهيوني يتبع أسلوب الخنق الاقتصادي للفلسطينيين في القدس ليشكل أحدى الوسائل التي تلجأ إليها من أجل اقتلاعهم من المدينة ودفعهم الى الهجرة وخلق حالة من الملل والقهر، مما يضمن قبولهم لأي عرض تتقدم به دولة الفصل العنصري والاحتلال.
وأوضح أبو السعود أن النتائج أظهرت أن سياسة الكيان الصهيوني في حرمان المقدسيين الفلسطينيين من فرص التعلم والعمل في المدينة قد أدى إلى وقوع 78% من سكان القدس تحت خط الفقر، وتشير هذه النتيجة على أن الوضع الاقتصادي في المدينة سيبقى مستمرا بشكله الحالي ما دامت السياسات الصهيونية تعمل على سلب فرص المقدسيين في التعليم، ما يعني استمرارية مستوى الدخل لديهم تحت خط الفقر.
ودلت النتائج المتصلة بمحور الأوضاع الأمنية في مدينة القدس، من حيث درجة شعور السكان في المدينة بالأمن، بأن النسبة الأكبر من أفراد عينة الدراسة 33 % لا تشعر بالأمن كما أن الذين يشعرون بدرجة قليلة من الأمن بلغت نسبتهم 31 %، والذين يشعرون بدرجة متوسطة من الأمن فبلغت نسبتهم 27 %، مقابل 9 % ممن يشعرون بالأمن في المدينة.
وأظهرت النتائج أن 40.8 % من أفراد عينة يعتقدون بأن الوضع الأمني في مدينة القدس مضطرب، والذين يشعرون بأن الوضع الأمني سيئ بلغت نسبتهم 37.4 %، والذين يعتقدون بأن الوضع خطير فبلغت نسبتهم 10.2 %، مقابل 11.6 % ممن يعتقدون بأن الوضع الأمني آمن في المدينة.
وحسب النتائج تبين أن المكان المفضل للسكن بشكل آمن في مدينة القدس من وجهة نظر أفراد عينة الدراسة وبالترتيب الأول السكن خارج المدينة القديمة وفي الضواحي خارج الجدار بالترتيب الثاني.
وفي ضوء النتائج التي تم التوصل إليها فقد اقترحت الدراسة عدداً من التوصيات التي يمكن أن تسهم في الحد من آثار مساهمة السياسات الصهيونية على الوضع السكاني، النفسي، الأمني، الاقتصادي، الاجتماعي، وأنواع الجريمة وبالتالي في الحد من الآثار السلبية على سكان القدس.