37 عاما على مجزرة مخيم تل الزعتر
بعد 54 يوم من الحصار المطبق، وفي 12/8/1976 أُسقِط تل الزعتر، سيبقى التاريخ وخريطة التوزيع الجغرافي والديموغرافي للاجئين الفلسطينيين في لبنان، شاهدان على وجود مخيم للاجئين الفلسطينيين في لبنان الذي دُمِّر في العام 1976 إبان الحرب الأهلية التي اجتاحت لبنان لمدة 17 سنة، ومن سينسى القصص المرعبة لقناص بئر الماء، ومدرسة الدكوانة، وحوالي 500 شخص ماتوا قتلاً واختناقاً في ملجأ المخيم، منهم أكثر من خمسين لاجئ من عائلة حمزة.
37 سنة مرت على اغتيال المخيم، لتنضم مجزرة تل الزعتر لبقية المجازر التي ارتكبت بحق مخيمات لبنان، والسمة المشتركة بينها "الإفلات من العقاب"، فلا يزال المجرمون طلقاء يجولون بيننا. تأسس المخيم عام 1949 بعد مرور عام على نكبة فلسطين ويقع في شرق مدينة بيروت بالقرب من حرش ثابت ومساحته 56646 متر مربع.
يقدر عدد شهداء المخيم بحوالي 3000 غالبيتهم من المدنيين من الأطفال والنساء وكبار السن من أبناء اللاجئين، عدا عن عدد كبير من المفقودين الذين لم يعرف مصيرهم حتى الآن. قُدِّر عدد المقيمين في المخيم في ذلك الوقت بحوالي 17 ألف لاجئ، يعيش معهم حوالي 13 ألف من اللبنانيين الفقراء الباحثين عن لقمة العيش، بالإضافة الى أعداد قليلة من السوريين والمصريين والأكراد، فحوالي 22% من مصانع لبنان كانت في المنطقة المحيطة بالمخيم.
نكبة جديدة عاشها اللاجئون من سكان المخيم، تشتت العائلات، منها من سارع لمغادرة لبنان، ومنها من انتقل للعيش في المخيمات الأخرى والمناطق والتجمعات، لا سيما في ثلاثة عشر تجمعاً استوعبت العدد الأكبر، لتضم مهجري تل الزعتر ومخيم النبطية (في منطقة صيدا: البركسات، الطوارئ، التعمير، الفوار، الهمشري، المدينة الصناعية، أوزو، العودة، درب السيم، في بيروت: تجمعي شاتيلا وغزة، في طرابلس شمال لبنان: مبنى أبو نعيم في البداوي وحي المهجرين في مخيم نهر البارد الذي دمر في العام 2007 ويعاد بناؤه في الوقت الحالي)، وانضم للتجمعات لاحقاً مهجرين إبان الاجتياح الإسرائيلي الى لبنان في العام 1982، وبعد ذلك مهجرين جدد انضموا من مخيمات وتجمعات منطقة صور بعد حصار المخيمات في النصف الثاني من ثمانينيات القرن الماضي.
سُوِّي المخيم بالأرض، ليس فقط بسبب 55 ألف قذيفة استهدفت المخيم لا بل أكملت المهمة جرافات خاصة استُحضرت للغاية، ولم توافق الدولة اللبنانية على إعادة إعمار المخيم، والغريب بأن لا موقف تم رصده من قبل وكالة الاونروا تجاه ما جرى للمخيم ولاجئيه.
يقول محمد علي ميعاري من قرية عكبرة في فلسطين، "كنت حينها في الخامس عشرة من عمري، كنت أسمع جدتي تقول إبان الحصار بأن من يخرج من المخيم فهو مولود جديد، وحصل الخروج الجماعي للناس، خرجت مع المقاتلين، أما أخي سليم الذي يكبرني بسنة، خرج برفقة عمتي جدتي، وعند مرورهم من أمام حاجز للكتائب أخذوا أخي، ولم تشفع له استغاثة وتوسلات عمتي وجدتي وبكائهما، "خلص روحوا من هون أحسن ما أكومِكم"، قال العسكري، كما اخبرتني عمتي لاحقاً. توفيت جدتي وهي تسأل عن سليم وتِدْعي على اللي أخذوا منها، وبقيت عمتي تتذكر وتبكي هول الحدث الى أن توفيت هي الأخرى في العام 2003، وحتى الآن لم نسمع شيئ عن أخي سليم أو عن الكثير من المفقودين".
على الرغم من مرور 37 سنة، مخيم تل الزعتر، لا يزال موجوداً بركامه وذكرياته الأليمة، ولاجئين لن يسامحوا أو ينسوا من قتل ذويهم وذاكرتهم، حتى لو لم يعودوا موجودين في المخيم.