المفاوضات الفلسطينية الاسرائيلية لا نهاية لها
محمد محفوظ جابر
عندما بدأ يسيرقطار المفاوضات الفلسطينية الاسرائيلية في مدريد عام 1991 اعلن اسحق شامير رئيس الوزراء الصهيوني "سأفاوضهم لعشرات السنين، حتّى لا يجدوا ما يفاوضون عليه" بهذه الكلمات التي سارت على هديها الحكومات الاسرائيلية المتعاقبة على السلطة ظل قطارالمفاوضات يسير ويتوقف في محطات مختلفة من مدريد الى اوسلو ، ثم واشنطن ، واي ريفر الى طابا ولكن لم يصل الى محطة نهائية له، وفي هذه الاثناء قامت الحكومات بمصادرة الاراضي وبناء المستوطنات عليها متخذة من المفاوضات ستارا يغطي اعمالها ،هذه هي الإستراتيجية التفاوضية الإسرائيلية :هدر الوقت وتمريره لبناء المزيد من المستوطنات لابتلاع الارض الفلسطينية وتثبيت ذلك امر واقع يصعب تغييره .
واليوم في حكومة ناتنياهو الاخيرة حملت تسيبي ليفني ملف المفاوضات وعندما كانت رئيسة الوزراء شنت حربا عدوانية لابادة الشعب الفلسطيني في غزة عام 2008 ولم تقدم شيئا في المفاوضات سوى قولها إن 'الحرب في غزة' أمر ضروري من أجل استمرار المفاوضات مع الفلسطينيين ، ولا يعقل ان تقدم شيئا اليوم وهي جزء من تحالف يميني يريد ضم الضفة الشرقية لنهر الاردن الى" اسرائيل"، حسب برامج احزاب الحكومة الائتلافية ورأسها ناتنياهو وفي ظل مجتمع اصبح متطرفا بنسبة 51% ، بينما لا يوجد في الكنيست قوة برلمانية قادرة على القيام بالضغط على الحكومة للتفاوض.
في مقابل هذا الواقع الصهيوني الرافض للمفاوضات نرى الجانب الفلسطيني يقدم التنازلات تلو التنازلات الى ان يصل الوقت الذي لا يجد ما يفاوض عليه تماما كما قال شامير.ورغم عدم حصوله على شيئ الا ان الرئيس عباس استعد للتنازل عن حق العودة عندما اعلن انه لايحق له العودة الى مدينته صفد في فلسطين المحتلة عام 1948 ولكن يحق له زيارتها كسائح اجنبي. وتضع السلطة الفلسطينية اليوم شرط وقف الاستيطان الصهيوني في الضفة الفلسطينية للعودة الى المفاوضات ،علما بأنها سبق ووضعته حينما توقف قطار المفاوضات في محطات سابقة ثم تنازلت عنه تحت شعار تجميد بناء المستوطنات الذي لم يطبق عمليا،وقبل ايام استضافت منظمة التحرير الفلسطينية قيدات حزبي الليكود وشاس بدعوة من امين سر اللجنة التنفيذية ياسر عبد ربه في عمل تطبيعي غير مبرر سوى انه خضوع لاملاءات جون كيري وبلا مقابل .وترى السلطة حسب تقرير د. صائب عريقات انه يجب العمل مع وزير الخارجية الامريكي جون كيري في اطار مهمته لاستئناف عملية السلام واذا ما افشلت الحكومة الاسرائيلية جهود الوزير كيري واصرت على الاستيطان وتدمير مبدأ الدولتين –لاحظوا- سوف تقوم السلطة ب" تفعيل شامل وسريع لكافة ادوات انضمام دولة فلسطين لعضوية المنظمات الدولية ومواثيقها ودعوة اسرائيل (سلطة احتلال) لتتحمل مسؤولياتها.بعد كل سنوات الاحتلال والمعاناة من القتل والاسروالدماروالتهويد الذي تعيشه فلسطين سوف يدعوها الرئيس عباس سلطة احتلال ولا يبدو انه يشعر بأن ذلك متأخرا جدا ولذلك لا يحدد وقت لتنفيذ ذلك.المهم في الامر انه سوف يرضي جون كيري في النهاية رغم ان الولايات المتحدة تعارض بشدة انضمام فلسطين لأي من المنظمات والمواثيق الدولية بل تعرضت السلطة الفلسطينية للعقوبات الامريكية عندما طرحت ذلك ،ولا يغيب عن بالنا ان كل عملية فشل للمفاوضات تحمل الادارة الامريكية الجانب الفلسطيني مسؤولية الفشل دائما وكأنها تملك امكانية افشال شيء.
اما الموقف الامريكي
فإن الادارات الامريكية المتعاقبة قدمت للكيان الصهيوني كل ما يريد من دعم عسكري وامني واقتصادي وضغط على العرب ليعترفوا به ولكن اطماع "شايلوك"الجديد ناتنياهو لا تنته ابدا كما ان المفاوضات لن تنته ابدا. وقد وضعت الإدارات الأمريكية مخططات لإحلال" السلام " ولكنها تركت تنفيذها لاتفاق الطرفين ولأن الطرف الصهيوني اقوى فقد استغل الوقت لتنفيذ مخططاته الاستيطانية ليفرض الامر الواقع دون تقديم اي شيء للفلسطينيين وكان الحال كمن يقدم خاروفا لذئب للتفاهم معه.
ورغم ان "اسرائيل " هي التي تفشل المفاوضات لكسب الوقت الا ان الولايات المتحدة لم تفكر يوما بمعاقبة ابنها العاق على تصرفاته بل عاقبت الضحية بدل الجلاد .ولذلك تمادى الجلاد وأخذت "إسرائيل" ترفض علنا كل الاقتراحات الأمريكية المتعلقه بكسر الجمود القائم في المفاوضات. بل تخطى ناتنياهو ذلك بالهجوم العلني على اوباما في تصريحات اربكت العلاقات الامريكية الاسرائيلية.
وهنا جاء التصريح عن لسان مسؤول أمريكي كبير قوله في (3/6/2013) " لقد قدّر وزير الخارجية جون كيري بأن الإسرائيليين والفلسطينيين غير جديين بالنسبة للتقدم في مسيرة السلام، لذا فإنه سيتوقف ويترك الموضوع كله "، وهذه هي المرة الاولى التي تحمل ادارة امريكية "اسرائيل " المسؤولية ولو بالمشاركة.
اذن لماذا عاد كيري الى المنطقة ؟
في مؤتمر هرتسيليا الاخير اكد التقرير ان المشاركين في المؤتمر توصلوا الى ان اهتمام الولايات المتحدة في "الشرق الاوسط" بدأ يتقلص لأنها منشغلة بأزماتها الداخلية وان وجهتها الاستراتيجية تتجه نحو شرق اسيا واوروبا وان التهديد الاكبر لها هو الصين وكوريا الشمالية.لذلك فإنها تعمل على اغلاق ملفات "الشرق الاوسط"من افغانستان الى فلسطيين مرورا بالعراق .للتخلص من الاعباء المالية والبشرية التي انهكتها.نحن اذن امام مرحلة جديدة في السياسة الامريكية تحتاج الى قراءة متأنية فهل ستمارس الضغط على الكيان الصهيوني ام تتخلى عن ادارة المفاوضات بإدخال شركاء دوليين لتتهرب من المسؤولية التي تحملتها منذ انشاء الكيان الصهيوني ؟ ورغم ذلك المفاوضات لن تنته لأن الحل ليس في اطارها فالصراع هو صراع وجود وليس صراع حدود.