السيطرة على الحكم هي الهدف دائما
د. فوزي الأسمر
لا أدري كم عدد الذين فاجأهم تصرف الرئيس المصري محمد مرسي، في خطوته قطع العلاقات الدبلوماسية مع سورية وإغلاق سفارتها في القاهرة. فكل من تابع تاريخ جماعة الإخوان المسلمين منذ تأسيسها في عام 1928 (أسسها الشيخ حسن البنا) لم تفاجئه خطوة الرئيس مرسي، بل يمكن القول انها كانت متوقعة تمشيا مع أوامر الأسياد.
فهذه الخطوة ومثلها من الخطوات الأخرى التي قامت بها هذه الجماعة، لا تخدم إلا إسرائيل والــــدول الغربية، والدول العربية الهــــادفة إلى إشعال نار الطائفية والمذهبية والفتنة بين شعوب المنطـــقة، من أجل تحقيق أهداف حزبية، فهي تتاجر بالدين لتزيد من تأثيرها على الإنسان العربي بشكل عام والمصري بشكل خاص.
وتاريخ الاخوان يشير أيضا إلى هدفهم، وهو السيطرة على الحكم بأي ثمن، وتحويل مصر إلى دولة مثل أفغانستان، لأن ولاءهم الأول ليس للوطن، بل ضياع البُعد القومي للوطن، وبالتالي ضياع الهوية المصرية.
وكان القائد جمال عبد الناصر قـــــد قال في أحد خطبه: ‘حاولت التعامـــل مع الإخوان ولكن بــــكل أسف وجدت فكرهم يتلخص في الوصول إلى السلطة بأي ثمن، ولا يوجد أي مستقبل لديهم في رفعة وإعلاء الوطن’.
وكان الزعيم عبد الناصر قد وصف الإخوان في أكثر من خطاب له بأنهم خونة يعملون ضدّ مصلحة الوطن. ولعل المقطع التالي الذي قيل قبل أكثر من 40 سنة، يعبر عما نقول. قال عبد الناصر في أحد خطبه (كل المقاطع وردت في خطب ناصر الموجودة على يوتيوب وهي متاحة لكل من يرغب في سماعها) قال انه ‘في عام 1954عندما كنا نقوم بمفاوضة الإنكليز للجلاء، كان الإخوان يعقدون اجتماعات سرية مع أعضاء من السفارة البريطانية. وطلبوا منهم التفاوض معهم لأن في استطاعتهم السيطرة على السلطة’… ‘الإخوان المسلمون هم عملاء، عملاء لحلف بغداد’ قال عبد الناصر.
ولرش الرماد في العيون قرر الإخوان إقامة حزب سياسي يستطيعون من خلاله تحقيق أهدافهم في السيطرة على الحكم في البلاد. وبالفعل فقد أقاموا حزبا أطلقوا عليه اسم ‘حزب الحرية والعدالة’ وأعلن عن قيامه رسميا يوم 6/6/2011. ولكن سرعان ما سقط القناع وظهر وجهه الحقيقي، فلا حرية ولا عدالة تسود الحكم بعد أن تسلمه الإخوان. تسلم مرسي الحكم وأول ما فعله هو إعطاء نفسه سلطة مطلقة، قراراته لا تلغى ولا تناقش، بدلا من القيام بتنفيذ ما تعهد به للشعب المصري أثناء حملته الانتخابية. ومن ثم بدأ بإدخال تغييرات على المناصب المهمة في البلاد وتسليمها لأعضاء من الجماعة، كان آخرها تعيين 17 محافظا من الإخوان، مما أدى إلى زيادة التوتر في الشارع المصري. فلو كان الرئيس مرسي قد تعلم ممن سبقوه لعرف أن ‘الجماهير هي القوة الحقيقية، والسلطة بدون الجماهير هي مجرد تسلط معاد لجوهر الحقيقة’، (جمال عبد الناصر).
فالرئيس مرسي غير قادر، أو ربما لا يريد، تجاوز الأيديولوجيات كي يستطيع أن يصبح رئيسا لكل الشعب المصري، وبالتالي يرفع شأن الوطن عربيا وعالميا.
وهناك أسباب كثيرة تمنعه من التقدم في الاتجاه الصحيح للشعب المصري، من أهمها أنه يخضع لأوامر المرشد العام لحركة الإخوان في مصر د. محمد بديع عبد المجيد سامي، وهو المرشد الثامن لجماعة الإخوان بعد أن انتخب يوم 16 كانون الثاني/ يناير 2010.
ويمنح منصب المرشد العام، المرشد صلاحيات مطلقة. ولا يمكن القيام بأي تحرك إخواني من دون موافقته شخصيا، وهذا معناه أن السياسة التي تسير عليها حكومة الإخوان في مصر هي بأوامر من جانب المرشد، بمعنى آخر فإن مكتب المرشد العام هو في الواقع القيادة التنفيذية العليا للإخوان المسلمين، وهو المشرف على سير الدعوة والموجه لسياستها وإرادتها.
فإذا ما وضعنا كل هذه الحقائق في رزمة واحدة، يتبين لنا أن الإخوان المسلمين في مصر يعملون من أجل تحقيق أهداف معينة، يأمرهم بها مرشدهم، لا علاقة لها بمصلحة الوطن. فإذا كان من مصلحة الجماعة أن تغلق السفارة السورية (لا الإسرائيلية على سبيل المثال) فهذا ما سيحصل بغض النظر عن الثمن الذي سيدفع، وعن الذين سيدفعونه، ولهذا كان قرار المرشد العام بوجوب قتل الزعيم عبد الناصر، وبالفعل كانت هناك محاولة لاغتياله أثناء إلقائه خطابا في ميدان المنشية في الإسكندرية عام 1954. وفشلت والقي القبض على فاعلها، الذي اعترف بانتمائه للإخوان، وأن الأوامر صدرت عن مكتب المرشد العام. ولم تكن هذه المحاولة الوحيدة، بل كانت هناك محاولة أخرى في 1965، بالاشتراك مع الموساد الإسرائيلي والمخابرات الغربية، ولكنها باءت بالفشل أيضا.
لماذا هذا التصرف من جانب الإخوان؟ هل بسبب أن جمال عبد الناصر كان يعمل من أجل مصلحة الشعب المصري ومن أجل مصر ومن أجل حرية الشعوب العربية كلها؟ ألم يقم ببناء السد العالي ومنح الفلاحين أراضي كي يستطيعوا العيش بكرامة؟ ألم يرفع اسم مصر والعرب عاليا في العالم، وعمل مع كل من تيتو ونهرو على إقامة، ولأول مرة في التاريخ، أكبر قوة ثالثة في العالم؟ ولكن الإخوان لم يروا ذلك لأنه لا يتطابق مع أفكارهم ولهذا قرروا اغتياله. لقد قال عبد الناصر: ‘الخائفون لا يصنعون الحرية والمتمردون لن تقوى أياديهم المرتعشة على البناء’. لهذا السبب لم يقم الرئيس مرسي بتنفيذ أي من التعهدات التي قطعها على نفسه أمام الجماهير أثناء حملته الانتخابية.