الجمعة 31-01-2025

العراق: صحوة أم تأنيب ضمير؟

×

رسالة الخطأ

د. فوزي الأسمر

العراق: صحوة أم تأنيب ضمير؟
د. فوزي الأسمر
2013-03-13

عشر سنوات مرت على الغزو الأمريكي للعراق، ومع ذلك، فإن الشعب الأمريكي لا يزال متأثرا من نتائج تلك الحرب بدرجة لا تقل عن تأثره بحرب فيتنام، رغم أن عدد القتلى من الجنود الأمريكيين في فيتنام فاق بكثير عددهم في العراق، ورغم أن تكاليف الحرب في فيتنام أقل من مصاريف الحرب في العراق.
ولكن التأثير النفسي لحرب العراق، كان أكبر بكثير على الإنسان الأمريكي من حرب فيتنام، وذلك أن الإنسان الأمريكي المغرور بقوة جيشه، وجد من الصعوبة قبول هزيمة من مقاتلي المقاومة العراقية. ولهذا فإن ما يدور في عقلية الأمريكي ليست صحوة ولا تأنيب ضمير بل هو شعور بنوع من الإحباط خصوصا وأن الوضع في أفغانستان لا يزال يقض مضجع الأمريكيين والذين يرون كرامتهم تداس من جانب مقاتلين غير منظمين،ولعل هذا هو أحد الأسباب الرئيسية في القرار الذي إتخذه الرئيس باراك أوباما بالنسبة للإنسحاب من أفغانستان في العام القادم.
وعندما قررت إدارة الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش غزو العراق في شهر نيسان (أبريل) عام 2003، وذلك على أثر حوادث 11 أيلول (سبتمبر) 2001، والتي ذهب ضحيتها الآلاف من المواطنين الأمريكيين، عندما قرر ذلك، بثت أجهزة الإعلام الأمريكية تبريرات الإدارة الأمريكية الرسمية لهذا الغزو. وقد حبكت هذه التبريرات بشكل يتقبلها العقل الأمريكي حيث كانت خليطا من الإنتقام والتخويف والغطرسة والقوة العسكرية.
ومن بين هذه التبريرات: إستمرار حكومة الرئيس صدام حسين في عدم تطبيق قرارات الأمم المتحدة المتعلقة بالسماح للجان التفتيش عن الأسلحة الكيماوية بمزاولة أعمالها في العراق.
وإستمرار العراق بتصنيع وامتلاك أسلحة الدمار الشامل. وكما هو معروف فإنه قد تبين أن هذا الموقف كان مجحفا، فحتى يومنا هذا لم يعثرعلى أية صناعة أو إنتاج لهذا النوع من الأسلحة الفتاكة.
كما إتُهم العراق أن له علاقة مع تنظيم القاعدة. ولكن تبين أن هذا الإتهام باطل، وبرهنت الوقائع أنه كان يوجد عداء بين الطرفين. فنظام صدام حسين كان علمانيا، في حين تنظيم القاعدة هو تنظيم ديني.
ومن جملة ضمان مسيرة الإقناع، بثت الدعاية الأمريكية أن أحد الأهداف هو منع صدام حسين من إستعمال سلاح النفط ضدّ أمريكا وبعض حليفاتها، خصوصا بعد قراره عام 2000 تغيير العملة المتداولة في سوق النفط العراقي من الدولار إلى اليورو.
هذا التحول بإستعمال العملة أثر على المصالح الشخصية لبعض شركات الأعمال، وشركات الأسلحة الكبرى في الولايات المتحدة. وكان من المضحك إصرار الرئيس جورج دبليو بوش أن يبررالحرب على العراق كإنتقام من جانبه لمحاولة صدام حسين إغتيال والده جورج بوش، وذلك إبان الزيارة التي قام بها بوش الأب إلى الكويت في عام 1993.
ومنذ الأسبوع الأول للإحتلال الأمريكي للعراق، تبين أن هناك أهدافا كثيرة خلف هذا الإحتلال، وليس فقط تطبيق الشعار الشعبي الرائج: 'التخلص من صدام حسين' وفتح الأعين على الثروات الطبيعية للعراق، وفي مقدمتها السيطرة على البترول والتحكم بأسعاره في اسواق النفط العالمية. وأطلقت قوات الإحتلال الأمريكية شعارا سمته 'تطبيق الديمقراطية' والذي كان هدفه في الواقع خلق صراع داخلي، فقام الإحتلال بتغذية التفرقة الطائفية والعرقية والقبلية، حتى يتمكن من القبض بيد من حديد على مجريات الأمور. ولكنه فشل في كل تحركاته، واندلعت حركة مقاومة لم يتوقعها الغازون.
ولكن الغطرسة الأمريكية دفعت الرئيس بوش في الثاني من شهر أيار (مايو) 2003، أن يظهر على متن البارجة الأمريكية المشهورة 'أبرهام لنكولن' ويعلن أن الحرب في العراق قد إنتهت، وأعترف بوش في مذكراته أنه إرتكب حماقة بهذا العمل.
ولكن الأمور لم تسر حسب أهواء بوش،واندلعت مقاومة في العراق إستمرت حتى خروج آخر جندي أمريكي من أرض العراق. فقد أعلن الرئيس باراك أوباما إنتهاء الحرب يوم 15/12/2011 وخرج آخر جندي أمريكي يوم 18/12/2011 وكانت وسائل الإعلام الأمريكية تنشر بين الحين والآخر عن عدد القتلى من الجنود وأحيانا مع صور بعضهم، ولكنها لم تنشر عدد الجرحى.
واخيرا قامت صحيفة ' واشنطن بوست ' بنشر مقال مطول في عددها يوم 10/3/2013 نشر فيه الكاتب الكثير من التفاصيل وكان عنوانه: 'قبل عشر سنوات بدأت حرب العراق' ويعطي الكاتب الأرقام التالية: لقد كلفت هذه الحرب الولايات المتحدة 800 مليار دولار (كلفت حرب فيتنام 686 مليار). و32221 جنديا جريحا رقم ينشر لأول مرة. والجريح هنا هو من خسر عضوا من أعضاء جسده أو أثرت الحرب على حالته النفسية، وليـس الشخص الذي جرح في الحرب وعفي منه. ووصل عدد القتلى 4475 مجندا.
ويتساءل الكاتب: 'هل إنتصرنا؟ وهل حققنا الأهداف التي من أجلها خضنا هذه الحرب؟ والعنوان الداخلي للمقال: 'لقد تخلصنا من صدام حسين فما قيمة هذا الإنجاز مقابل الثمن الذي دفعناه؟'. لهذه الأسباب وغيرها فإن درس العراق مهم جدا مهما حاول المسؤولون الأمريكيون التخفيف من ثمنه، وسوف تتذكره الأجيال القادمة كدرس من أصعب الدروس في تاريخ أمريكا. وإفساح صحيفة على مستوى 'الواشنطن بوست' هذه المساحة الكبيرة لمقال عن حرب العراق بما واكبها من مجازر وفضائح جنسية خصوصا في سجن 'أبو غريب' وتدمير البنية التحتية للبلاد وسرقة ثروته البترولية والقطع التاريخية النادرة من المتاحف العراقية.
ومع كل ذلك لم يمتنع الأمريكيون من السير قدما بإستراتيجيتهم الشرق أوسطية فنرى أصابعهم عاملة بشكل مستمر في سورية ولبنان ومصر والأردن ودول شمال أفريقيا وغيرها من الدول التي تتواجد عناصر غير المؤيدة فيها للسياسة الأمريكية.

انشر المقال على: