الأحد 24-11-2024

خواطر حول شخصية ابي سالم في برد الصيف للكاتب جميل السلحوت

×

رسالة الخطأ

محمد عليان

خواطر حول شخصية ابي سالم في برد الصيف
للكاتب جميل السلحوت

ربما من غير المعتاد تناول شخصية واحدة من بين مجموعة من الشخوص الروائية في العمل الواحد وذلك لان الشخصية تتطور وتنمو فكريا وثقافيا وجسديا في اطار المنطق العام للحدث الروائي ومن خلال العلاقة بين مختلف الشخوص الروائية .
ولكنني آثرت الكتابة عن هذه الشخصية تحديدا لانها كانت الابرز والاكثر اقناعا في الروايتين السابقتين " جنة الجحيم " و " هوان النعيم " وهي الشخصية الرئيسة والاكثر ديناميكية في برد الصيف التي تشكل الجزء الرابع من سلسلة روايات للكاتب .
شخصية ابي سالم في روايات الكاتب السلحوت هي شخصية نمطية واقعية تتكرر في كل المراحل والحقب التاريخية ، وهي التي تقتنص الفرص وتستغل المناسبات والتغييرات لصالح رفاهيتها ومصالحها الشخصية ..
في رواية " جنة الجحيم " استغل ابو سالم الفرصة خير استغلال ونسج علاقات شخصية مع المرشحين لملجس النواب ووافق ان يكون " ذيلا " لاحد المرشحين مقابل مبالغ من المال كانت تشكل ثروة في تلك الايام . ونحج الكاتب في ان يرسم للقاريء شخصية غير محبوبة ، انتهازية ، مثيرة للكراهية واحيانا مقززة ولكنها شخصية ضرورية لشرح مرحلة معينة من المراحل التي تناوالها الكاتب في روايته .
وفي " هوان النعيم " كان ابو سالم الشخصية الاكثر اقناعا ، فقد توجه فورا للتعامل مع سلطات الاحتلال بعد حرب حزيران مباشرة ، وكأني بالكاتب يريد القول ان ابا سالم في " جنة الجحيم " الذي كان يسعى نحو المال والجاه دون اعتبار للكرامة والشرف سيواصل انحطاطه في رواية " هوان النعيم " وسيمعن في الذل والهوان سعيا وراء مكاسب شخصية آنية . وكانت بداياته المذلة مع المخابرات وتوريطه جنسيا في " هوان النعيم " هي التي رسمت شخصيته النمطية ووضعته في نقطة اللا عودة .
وكان من المنطق ان تلعب هذه الشخصية الدور الابرز في الرواية الجديدة " برد الصيف " والتي تمثل فترة زمنية لعام كامل من الاحتلال .. هذا العام الذي شهد احداثا وارهاصات سياسية واجتماعية كانت مفصلية في حياة مجتمعنا الفلسطيني .
في برد الصيف تطورت شخصية ابي سالم واخذت منحى آخر وهو التعامل مع جهاز المخابرات الاسرائيلية وتقديم معلومات استخبارية عن منظمات فلسطينية ودول عربية مجاورة وكذلك عن افراد قاموا بنشاطات سياسية وحزبية في القدس ومنطقة " جبل المكبر " ( مكان الرواية ) . وهذا المنحى جاء كنتيجة طبيعية للتطور الفكري والسياسي والاجتماعي لشخصية ابي سالم عبر ثلاث مراحل روائية ( قبل الحرب ، اثناء الحرب ، بعد الحرب ) .
وكانت هذه الشخصية قد نمت وتطورت في الروايات الثلاث مستغلة المناخات التالية :
1. المناخ الاجتماعي : استغل ابو سالم الوسط الاجتماعي الذي كان سائدا في فترة ما قبل الحرب وهو المجتمع القبلي البدوي المتعصب الذي كان ينتصر لابنائه حتى لو كانوا على خطأ ورأينا كيف انه استطاع تجنيد شباب القبيلة للتوجه الى اريحا والوقوف الى جانب احد المرشحين مقابل مبلغ من المال . وقد وجد ابو سالم في القبيلة حماية له من قبل المعارضين الذين طالما تصدوا له واعترضوا على سلوكه مثل داود وخليل .
وفي اطار هذا المناخ لم يستطع افراد القبيلة نبذ وطرد ابي سالم من الاجتماعات واللقاءات رغم علمهم انه كاذب وجاسوس ، فهو يعد من كبار العائلة وشخصياتها المهمة .
2. المناخ الاقتصادي : لقد نمت شخصية ابي سالم في اجواء من الفقر والجوع وقلة الامكانيات واستغل ذلك لتبرير الكثير من مواقفه المتخاذلة ، فهو يعمل من اجل المال وبالنسبة له فان الغاية تبرر الوسيلة ، فاذا كانت خيانته تجلب له المال فليكن ، وسيتوقف الناس عن اتهامه اذا ما اصبح ميسورا يملك المال والجاه .
3. المناخ السياسي : لقد استغل ابو سالم حالة القلق والاضطراب واللايقين التي سادت بعد الحرب مباشرة . فبينما اعتقد البعض ان اسرائيل الى زوال بعد ايام او اشهر كان ابو سالم يعتقد انها باقية والى سنوات طويلة ، لذلك لا مناص من التعامل مهعا واستغلال وجودها ولو من باب الوقوف مع القوي . وربما كان المناخ السياسي هو المناخ الذي منح ابا سالم فرصة التطور والامعان في عمالته مع المخابرات الاسرائيلية . فهو يستطيع جمع معلومات استخبارية عن نشطاء واشخاص وتنظيمات وغير ذلك ، مقابل المال او امتيازات اخرى . وهذا المناخ كان تربة خصبة لنو الكثير من امثال ابي سالم ، الامر الذي لا يزال رائجا حتى اليوم .
4. المناخ الجنسي : احسن الكاتب استخدام هذا المناخ في الجزئين الاخيرين ، فقد بدا تعطش ابو سالم للجنس واضحا وجليا ما دفع رجل المخابرات الى استغلاله على نحو جيد وناجح . سواء في الصفحات الاخيرة من " هوان النعيم " او في "برد الصيف " التي تعرض فيها ابو سالم الى مواقف جنسية بارزة وواضحة الدلالة .
لا ادعي العمق في هذه العجالة التي تهدف الى القاء شعاع خفيف من الضوء على هذه الشخصية المثيرة للجدل والتي كانت ولا تزال تشكل خطرا على النسيج الاجتماعي لشعبنا الفلسطيني ، والتي استطاع الاحتلال استغلالها لتمرير الكثير من سياساته ومخططاته ..
وربما لم يعد ابو سالم اليوم فردا انما مؤسسة ايضا .

ورقة مقدمة الى ندوة اليوم السابع
محمد عليان

انشر المقال على: