الأحد 24-11-2024

حارة المغاربة في القدس

×

رسالة الخطأ

موقع الضفة الفلسطينية

حارة المغاربة في القدس
وقف سنة 589هـ/1193م – 592هـ/1195م

موقع الحارة
يقع المكان الذي كانت تقع عليه حارة المغاربة في الجانب الجنوبي الغربي لمدينة القدس إلى الغرب من المسجد الأقصى المبارك بالقرب من حارة الشرف وحارة اليهود وحارة باب السلسلة
حدود الحارة
يحد حارة المغاربة من جهة الجنوب سور القدس وباب حارة المغاربة، ومن الشرق الزاوية الفخرية ويليها المسجد الأقصى، ومن جهة الشمال المدرسة التنكزية وقوس ولسون المعروف بأقواس تنكز الحاملة للمدرسة التنكزية وعلى صفّها تربة الأمير حسام الدين بركة خان والمكتبة الخالدية، ومن جهة الغرب حارة الشرف (تحولت اليوم إلى حارة لليهود)، وكان يمكن الوصول إليها عبر زقاق يفصل بين زاوية المغاربة وتربة الأمير بركة خان المعروفة كذلك بالمكتبة الخالدية
تأسيس حارة المغاربة
دأب المغاربة على زيارة بيت المقدس منذ ما قبل الاحتلال الفرنجي لمدينة القدس سنة 493هـ/1099م، فقد اعتادت جماعات من أهل المغرب العربي القدوم لبيت المقدس للتبرك بمسجدها والصلاة فيه، وتزايدت أعداد المغاربة والأندلسيين الذين فضّلوا الإستقرار في هذه الديار المقدسة خصوصاً بعد استرجاع القدس من الفرنجة سنة 583هـ/1187م، ومرةً أخرى بعد ضياع الأندلس سنة 898هـ/1492م
وقد ساهم المغاربة في حركة الجهاد الإسلامي ضد الفرنجة وكان لهم دورٌ بارزٌ في فتح بيت المقدس وكسر شوكة الفرنجة في فلسطين، ولذلك طلب الناصر صلاح الدين الأيوبي من سلطان المغرب يعقوب المنصور مد يد العون وتزويده بأساطيل بحرية كي تُنازل أساطيل الفرنجة، فجهّز سلطان المغرب أسطولا كبيراً لمساندة الجيش الإسلامي في المشرق العربي)2)
وقد أسكن الناصر صلاح الدين الأيوبي أعداداً من المغاربة في بيت المقدس بعد انتصار المسلمين في معركتي حطين وفتح بيت المقدس على الفرنجة، ثم أوقف الملك الأفضل نور الدين علي بن صلاح الدين المساكن المحيطة بحائط البراق على مصالح الجالية المغربية المجاورة في القدس بُغيةَ التسهيل عليهم في إقامتهم، ومنذ ذلك التاريخ أخذ هذا المكان من مدينة القدس يُعرف باسم حارة المغاربة
وقف حارة المغاربة
أوقف الملك الأفضل نور الدين أبو الحسن علي النجل الأكبر للناصر صلاح الدين الأيوبي حارة المغاربة على مصالح طائفة المغاربة المقيمين في القدس إباّن سلطنته على دمشق (589هـ/1193م – 592هـ/1195م) حين كانت القدس تابعةً له بُغيةَ تشجيع أهل المغرب العربي على القدوم إلى القدس والإقامة فيها ومساعدة سكاّنها المغاربة الذين فضّلوا الإستقرار والمجاورة بالقرب من مسجدها المبارك، ولذلك كتب مجير الدين(3): " ووقف أيضاً حارة المغاربة على طائفة المغاربة على اختلاف أجناسهم ذكورهم وإناثهم، وكان الوقف حين سلطنته على دمشق وكان القدس من مضافاته"
لقد أعيد تسجيل كتاب وقف الملك الأفضل نور الدين علي على حارة المغاربة مرتين، الأولى كانت في 24 رجب سنة 666هـ/1267م، والثانية في 26 شعبان 1004هـ/1595م وفيما يلي نص الوقفية
"شرط واقف محلة المغاربة قُيّد بإذن مولانا .. شجاع الدين أفندي قاضي القدس الشريف .. وهذا الكتاب متصل الثبوت والتنفيذ بحكم الشرعية إلى يومنا هذا وقُيّد في اليوم السادس من شعر شعبان سنة ألف وأربع
بسم الله الرحمن الرحيم يشهد من أثبت اسمه وشهادته آخر هذا المحضر وهم يؤمئذ من الشهود الأمناء الأحرار العقلاء المسلمين الذكور الأخيار من أهل علم ومخبره بما يشهدون به شهادة عرفوا صحتها وتحققوا معرفتها .. لا يشكّون فيها ولا يرتابون .. ويلقون الله بأدائها إنهم يعرفون جميع الحارة المعروفة المسماة بحارة المغاربة الكائنة بمدينة القدس الشريف .. الحد الأول وهو القبلي ينتهي إلى سور مدينة القدس الشريف وإلى الطريق المسلوكة إلى عين سلوان والحد الثاني وهو الشرقي ينتهي إلى حائط الحرم الشريف والحد الثالث وهو الشمالي ينتهي إلى القنطرة المعروفة بقنطرة أم البنات والحد الرابع وهو الغربي ينتهي إلى دار الإمام .. شمس الدين قاضي القدس الشريف ثم إلى دار الأمير عماد الدين بن موسكي ثم إلى دار الأمير حسام الدين قايماز
ويشهد شهوده أن هذه الحارة المعينة أوقفها السلطان الملك الأفضل نور الدين علي بن السلطان الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب ابن شادي رحمهما الله تعالى على جميع طائفة المغاربة على اختلاف أوصافهم وتباين حرفهم ذكورهم وإناثهم كبيرهم وصغيرهم فاضلهم ومفضولهم ليسكنوا فيها في مساكنها وينتفعوا بمرافقها على قدر طبقاتهم وما يراه الناظر عليهم وعلى وقفهم من ترتيب ذلك وتفضيل من يفضله وتقديم من يقدمه بحيث لا يتخذ شيء من المساكن ملكاً ولا احتجازاً ولا بيعا وقفاً مؤبداً شرعياً ماضياً جارياً على هذه الطائفة المغاربة
ويشهد شهوده أن النظر على ذلك وفي كل جزء منه وفي ترتيب أحواله ووظائفه أوموره راجع إلى من يكون شيخاً قُدوةً من المغاربة المقيمين في كل عصر وأوان بالقدس الشريف يتولى ذلك بنفسه وله أن يُولّي من اختار وآثره ويستنيب عنه من يقوم مقامه وله عزله إذا أراد
ويشهدون به وبذلك كتبوا شهاداتهم في اليوم الرابع والعشرين من شهر الله رجب الفرد سنة ست وستين وستمائة
مساحة حارة المغاربة
شغلت حارة المغاربة مساحة تقدّر بخمسة وأربعين ألف متر مربع، وهي بذلك تشكّل ما نسبته (5%) من مساحة القدس القديمة
مباني حارة المغاربة
ضمّت الحارة عشرات المباني التي يعود تاريخ بعضها إلى العصر الأيوبي كان أشهرها المدرسة الأفضلية ، وقد بلغ عدد المباني الأثرية التي هدمتها جراّفات الإحتلال الإسرائيلي (135) بناءً أثرياً امتدت فوق الساحة التي أخذ يطلق عليها اليهود فيما بعد ساحة المبكى، وتكشف خارطة أفقية للقدس قبل تدمير الحارة المباني الأثرية التي كانت قائمة فيها وطرق حارة المغاربة
الشكل العام للحارة
تأخذ حارة المغاربة شكلاً مربعاً يتخلّله منشآت أثرية وتاريخية قديمة يعود بعضها إلى العصر الأيوبي، ويتخلل هذه المنشآت عقبات وأزقة معوجة وضيقة تصل أرجاء الحارة بعضها ببعض، ويتوزع على جانبي كل عقبة أو طريق أو زقاق في هذه الحارة عدد من المباني المتلاصقة التي يعلوها في بعض الأحيان قناطر وبوائك مع ظهور قليل للقباب مما ميّز المدرسة الأفضلية التي كانت تعلوها قبة مرتفعة عن غيرها من المباني فعرفت بمدرسة القبة؛ وصفها كامل العسلي(5) قائلاً: " وتتخذ الحارة شكلا مستطيلا تتخلله طرق مبلطة ضيقة ، وجميع منازل الحي ملاصقة بعضها لبعض .. وهي أبنية قديمة تشتهر بآبارها وغرفها الصغيرة وجدرانها السميكة ، كما تشتهر بصغر مداخلها .. ومن ضمن أبنيتها مبان تاريخية اسلامية يرجع بعضها إلى زمن المماليك
لمحة تاريخية
ترجع الأهمية التاريخية للموضع الذي أُقيمت عليه حارة المغاربة إلى العصر الأموي حين أنشأ الأمويون عدداً من القصور الملاصقة لسور المسجد الأقصى المبارك من الناحيتين الجنوبية والجنوبية الغربية، ويرجع تاريخ تأسيس حارة المغاربة إلى العصر الأيوبي، وقد عُرفت حارة المغاربة باسمها بعد أن أوقفها الملك الأفضل، وحافظت على عروبتها وإسلامها منذ أن تأسست بعيد الفتح الصلاحي لمدينة القدس، وسكن المغاربة في حارتهم ولم يغادروها حتى داهمت جراّفات الإحتلال الإسرائيلي بيوتهم لتدمرها بتاريخ 11-12-13 حزيران سنة 1967م، وكان مما ميّز موقع الحارة وجود الزاوية الخُتنية القريبة منها، تلك الزاوية التي أوقفها صلاح الدين الأيوبي على الشيخ جلال الدين محمد بن أحمد ابن محمد الشاشي (نسبةً إلى شاش التي عُرفت لاحقاً بطشقند) في 18 ربيع الأول سنة 587هـ/1191م)
الأهمية الدينية
جاء دخول النبي محمد عليه الصلاة والسلام مدينة القدس من بابها اليماني كما ورد في رواياتٍ تاريخية (أصبح موضعه يعرف بباب المغاربة) تأكيداً على المكانة التي تميّز بها هذا الموضع القريب جداً من الحائط الذي ربط فيه براقه الشريف،وينقل مجير الدين(7) رواية الإسراء بقوله : " ثم انطلق بي جبريل حتى دخلت المدينة من بابها اليماني (الجنوبي) فأتى قبلة المسجد ، فربط بها البراق ودخلت المسجد من باب تميل فيه الشمس والقمر " ، ويضيف قائلاً :" قال مؤقتو بيت المقدس لا نعلم بابا بهذه الصفة إلا باب المغاربة
وقد ارتبط تاريخ الحارة بوجود حائط البراق الشريف(8) الذي كان هو الآخر من جملة الأوقاف التي شملها وقف الملك الأفضل نور الدين علي بن الناصر صلاح الدين الأيوبي، كما أنّها كانت قبلةً لأهل المغرب العربي ممن رأى منهم أن يُجاور في المسجد الأقصى ويرابط في القدس ليختم حياته هناك، ومقصداً للصوفية من أتباع كل من أبي مدين الغوث الحفيد والشيخ الزاهد عمر المصمودي وغيرهما، كما شهدت الحارة ملتقىً لأتباع المذهب المالكي بسبب تمركزهم فيها ووجود المدرسة الأفضلية التي أوقفها الملك الأفضل
وقد احتضنت الحارة عدداً من المؤسسات الدينية والوقفية التي لعبت دوراً بارزاً في الحركة العلمية والفكرية والدينية في القدس إبانّ العصر الأيوبي ثم العصرين المملوكي والعثماني؛ ذكرها مجير الدين :" حارة المغاربة وهي بجوار المسجد من جهة الغرب ونسبتها إلى المغاربة لكونها موقوفة عليهم وسكنهم بها"
وتميزت حارة المغاربة بجملة من الأوقاف الكبيرة التي ضمنت استمرار وتدفّق المعونات والأموال والصدقات على مستحقيها من الأصول المغربية المقيمين فيها والواردين إلى القدس المقيمين في زوايا الصوفية فيها كزاوية أبي مدين الغوث الحفيد مؤرخ وقفها في 28 شهر رمضان سنة 720هـ/1320م، وزاوية الشيخ الناسك عمر بن عبد الله المصمودي المؤرخ وقفها في ثالث شهر ربيع الثاني سنة 703هـ/1303م، وقد ازدهرت أوقافها في العصر المملوكي حين ظهرت أوقاف أبي مدين والمصمودي، وراح سكاّنها ينخرطون في الحياة الدينية في القدس لا سيما إمامة السادة المالكية في القدس، وقد ظهر منهم علماء وفقهاء وشيوخ دين كان لهم دورٌ بارزٌ في تاريخ القدس الذي أخذت ملامحه تتكشف على نحوٍ تفصيليٍ بعد ازدياد الإهتمام بالكشف عن وثائق سجلات المحكمة الشرعية في القدس ووثائق الأرشيف العثماني في استنبول
حائط البراق الشريف (11)
يقع حائط البراق الشريف غربي المسجد الأقصى المبارك، ويشكل امتداداً للجدار الغربي للمسجد الأقصى المبارك، ويعرف باسمه هذا لأن النبي العربي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم ربط براقه ليلة الإسراء والمعراج بجوار هذا الحائط
يبلغ طول الحائط حوالي 48 متراً، وارتفاعه حوالي 17 متراً فاصلاً حارة المغاربة عن المسجد الأقصى المبارك، وقد دخل هذا الحائط في وقف أبي مدين الغوث الحفيد، كما أنّه يعد جزءاً لا يتجزأ من المسجد الأقصى المبارك
وقد كان أمام هذا الحائط قبل سنة 1967م رصيفاً طوله 3.35 متراً وعرضه 3.35 متراً كان يقف عليه اليهود للصلاة منذ فترةٍ غير طويلة، ولما حاولوا إحداث تغيير على وضع الرصيف وإحضار كراسي وأدوات أخرى تفجرت ثورة عارمة في فلسطين في سنة 1929م عرفت بثورة البراق، ولهذا السبب اقترحت الحكومة البريطانية على لجنة الإنتداب الدائم التابعة لعصبة الأمم تعيين لجنة دولية لدراسة هذه القضية والتحقيق في ادعاء اليهود بملكية حائط البراق
عُيّنت اللجنة الدولية في أيار سنة 1930م وقضت اللجنة في تقريرها في كانون الأول سنة 1930م أنه " للمسلمين وحدهم تعود ملكية الحائط الغربي للبراق الشريف ولهم وحدهم الحق العيني فيه لكونه يؤلف جزءاً لا يتجزأ من ساحة الحرم القدسي الشريف التي هي من أملاك الوقف، وللمسلمين أيضاً تعود ملكية الرصيف الكائن أمام الحائط وأمام المحلة المعروفة بحارة المغاربة المقابلة للحائط لكونه موقوفاً حسب أحكام الشرع الإسلامي لجهة البر والخير"
لقد حوّلت سلطات الإحتلال هذا الحائط بعد تدمير حارة المغاربة في سنة 1967م إلى حائطٍ للبكاء وعرف لديهم بحائط المبكى ثم قامت بتوسيع الرصيف المقابل للحائط وتحويل ما تدمّر من آثار حارة المغاربة إلى ساحة تعرف اليوم بساحة المبكى
وتذكر الموسوعة اليهودية أن الحائط الغربي – حائط البراق – قد أصبح جزءاً من التقاليد الدينية اليهودية منذ سنة 1520م نتيجة لهجرة اليهود من الأندلس وبعد الفتح العثماني للقدس وفي ذلك اعتراف من اليهود أنّ هذا الحائط لم يكن مقدساً لدى اليهودية قبل ذلك التاريخ
المدرسة الأفضلية
كانت تقع في وسط الحارة؛ أوقفها الملك الأفضل نور الدين علي أبو الحسن بن السلطان الناصر صلاح الدين يوسف الأيوبي في سنة 589هـ/1192م من جملة ما أوقفه من أراضٍ عُرفت بحارة المغاربة؛ نسبت هذه المدرسة للملك الأفضل فعرفت بالأفضلية، وقد ضمّت الأفضلية رفاة أحد الأولياء الصالحين المعروف بالشيخ عيد، وقد أدّت المدرسة الأفضلية منذ العصر الأيوبي دورها في الحركة الفكرية والعلمية في القدس بين المالكية المغاربة المقيمين في القدس والزائرين إليها
مقام ومسجد الشيخ عيد
كان المقام والمسجد يقعان في المدرسة الأفضلية، ويُنسب الموضع إلى أحد الأولياء الصالحين من شيوخ المغاربة في القدس يُعرف بالشيخ عيد؛ ذكره الرحاّلة الشيخ عبد الغني النابلسي حين زار القدس سنة 1101هـ/1689م فقال: " ومررنا في الطريق على مزار الشيخ عيد رحمه الله تعالى فوقفنا عنده وقرأنا الفاتحة له، ودعونا الله تعالى برفع المشقّة عن المسلمين والشدّة ..
باب حارة المغاربة
استعمل باب المغاربة منذ تأسيس الحارة ليكون مدخل ومخرج المغاربة المجاورين في القدس والمقيمين في حارة المغاربة، ويقع هذا الباب في السور الجنوبي للمسجد الأقصى، وقد ذكره مجير الدين في سنة 900هـ/1494م قائلاً: " وأما الأبواب التي للمدينة: فأولها من جهة القبلة باب حارة المغاربة ..
باب المغاربة )المطل على المسجد الأقصى)
يعد باب المغاربة آخر الأبواب الغربية للمسجد الأقصى المبارك ويحده من الجنوب زاوية أبو السعود المعروفة بالزاوية الفخرية، وهو يصل بين حارة المغاربة من جهة وبين المسجد الأقصى المبارك من جهة أخرى، وقد أعيد بناؤه في زمن السلطان محمد بن قلاوون في سنة 713هـ/1313م، ثم استولت سلطات الإحتلال الإسرائيلي على مفتاح الباب منذ العام 1967م بحجة أنه يؤدي إلى ساحة البراق الشريف الذي يسميه اليهود بحائط المبكى
تدمير حارة المغاربة وتشريد أهله
كانت أياّم 11و12و13حزيران من العام 1967م تواريخ شؤمٍ أخرى على مدينة القدس، فقد هدمت جرافات الإحتلال الإسرائيلي حارة المغاربة بأكملها التي عرفت عبر التاريخ أنها من أقدم حارات القدس الأثرية، وكان مجموع المباني التي جُرفت آنذاك (135) بناءً أثريا.

انشر المقال على: