الخميس 21-11-2024

تحليل ازدهارُ الاقتصادِ الصهيونيّ والاحتلال بلا تكلفة: هل انتهت هذه المعادلة؟

×

رسالة الخطأ

موقع الضفة الفلسطينية

تحليل ازدهارُ الاقتصادِ الصهيونيّ والاحتلال بلا تكلفة: هل انتهت هذه المعادلة؟

الإثنين 03 ابريل 2023 | 11:26 م

بوابة الهدف - ترجمة خاصة

شقّ بنيامين نتنياهو طريقه السياسي من خلال بوابة الاقتصاد، ومنصبه وزيرًا للمالية؛ ليقود أوسع عملية خصخصة وانقضاض تاتشري على "دولة الرفاه" محاولًا الجمع بين الليبرالية الجديدة والفصل العنصري، وهي وصفةٌ بقيت ناجعة، حتى قرّر نتنياهو بنفسه الانقضاض على أحد عمودي تجربته السياسي، أو بالأحرى درة تاج مجده السياسي: الاقتصاد، ليصطدم مشروعه وخلطته العجيبة بجدارٍ داخليٍّ يستعصي تتجاوزه. والسؤال هو: بينما يكشف الاحتجاج العام عن الضعف الاقتصادي، فهل يمكن أن يشير هذا الضعف أيضًا إلى انفتاحٍ في النضال ضد الاحتلال والفصل العنصري؟ هنا ترجمة مقال نمرود فلاشينبرغ في 972mag.

بعد أشهرٍ من الاحتجاجات والضغط الاقتصادي، أعلن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو يوم الإثنين الماضي أنّه سيوقف مؤقّتًا المرحلة التالية من إصلاحه القضائي. وقد جاء هذا الإعلان بعد ليلةٍ من خروج مئات الآلاف من "الإسرائيليين" إلى الشوارع في جميع أنحاء الكيان، بعد إقالة نتنياهو وزيرَ حربه يوآف غالانت ) إقالةً لن تدخل حيز التنفيذ حتى الآن بانتظار تسوية)، وبعد إجراءٍ مشتركٍ من قبل الشركات الكبرى والهستدروت، أكبر نقابة عمالية "إسرائيلية" - التي كانت مترددةً في الانضمام الاحتجاج على الإصلاح القانوني - صباح الإثنين.

وهذه الأزمة هي تتويجٌ لعدة أشهر من الحرب الاقتصادية التي شنّتها قطاعاتٌ كبيرةٌ من المجتمع "الإسرائيلي"، وخاصةً النخب ضد الحكومة. ويكشف هذا الصدام الداخلي عن ضعفٍ مفاجئٍ في الاقتصاد "الإسرائيلي" المزدهر الذي تقوده التكنولوجيا. الآن، يبقى السؤال: هل يمكن أن يشير هذا الضعف أيضًا إلى انفتاحٍ في النضال ضد الاحتلال والفصل العنصري؟

في كل السنوات التي قضاها رئيسًا لوزراء "إسرائيل"، كان أهم إنجازات بنيامين نتنياهو هو جعل الاحتلال يبدو غير مؤلم، أو على الأقل بلا تكلفة. في عهده، ازدهر الاقتصاد "الإسرائيلي"، ويرجع الفضل في ذلك إلى حدٍّ كبيرٍ إلى قطاع التكنولوجيا الفائقة المزدهر. حيث قامت الدولة بتحسين علاقاتها الدبلوماسية وتوسيعها - فتح أسواق جديدة لتصدير البرمجيات والأمن السيبراني، وتطوير العلاقات الأمنية مع الشركاء الإقليميين، وجعل التكنولوجيا العسكرية لا غنى عنها للعديد من البلدان حول العالم.

تمّ وصف النموذج الاقتصادي "الإسرائيلي" منذ أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين من قبل المؤرخ الاقتصادي آري كرامبف بالنيوليبرالية الانعزالية. هذا هو مشروع نتنياهو: اقتصادٌ موجّهٌ للتصدير من المفترض أن يبني مرونةً جيوسياسيّة من خلال استراتيجية تجارة متنوعة، ونسبة منخفضة للديون إلى الناتج المحلي الإجمالي، واحتياطيات كبيرة من العملات الأجنبية. يتطلب هذا النموذجُ أيضًا إلغاء الضوابط التنظيمية بشكلٍ صارمٍ وخفض الإنفاق الاجتماعي، مما يؤدي إلى تفاقم عدم المساواة وتعميق الفقر. وبينما انهار نظام الرفاهية، ارتفع الاستثمار الأجنبي، و لم يتم تقسيم ثروات "إسرائيل" الجديدة بالتساوي، لكن النخبة الاقتصادية كانت راضية.

من خلال هذا النموذج، يمكن "لإسرائيل" تنويع مخاطرها ومصالحها الاقتصادية حول العالم وتقليل اعتمادها إلى حدٍّ ما على علاقات نتنياهو الأمريكية، و مع زعماء العالم، مثل فلاديمير بوتين وناريندرا مودي، التي تستند ليس فقط على ولعه بالقوميين العدوانيين المتشابهين في التفكير، ولكن على استراتيجيّة إعادة التوازن إلى موقع "إسرائيل" في المجال العالمي، مما يجعلها شريكًا تجاريًّا وعسكريًّا مرغوبًا فيه.

وبينما كان للحملة الدولية من أجل التحرر الفلسطيني تأثيرٌ على الرأي العام العالمي، إلا أنها لم تستطع أن تشكّل تحدّيًا حقيقيًّا لهذا النموذج الاقتصادي. و فشلت حركة المقاطعة إلى حدٍّ كبيرٍ في رفع التكلفة الاقتصادية والدبلوماسية على حكومة "إسرائيل" وسكانها لدعم الاحتلال وترسيخه، وأصبحت بدلًا من ذلك أداةً مانعةً لنزع الشرعية عن الأصوات المؤيدة للفلسطينيين من قبل منظمات الإسبارا الممولة تمويلًا جيّدًا .

من جانبها، لم تروج السلطة الفلسطينية لإجراءاتٍ اقتصاديةٍ ضد "إسرائيل" بسبب اعتماد الضفة الغربية على الاقتصاد "الإسرائيلي" وخنقها من الاحتلال العسكري. لذلك، بينما كانت الحكومات "الإسرائيلية" تتحرك إلى اليمين منذ عقود، وتعيق الاحتلال وترسيخ نظام الفصل العنصري، لم تتضرر الدولة اقتصاديًّا، وعززت موقفها الدبلوماسي فقط.

ومن المفارقات، أن ما فشلت حملة BDS حتى الآن في تحقيقه يتم دفعه الآن من قبل "الإسرائيليين" اليهود: النخب التي أصبحت متطرفةً بسرعةٍ في صراعها ضد محاولة الإصلاح القانوني للحكومة "الإسرائيلية". وتهدد الآثار الاقتصادية الحتمية للإصلاح للنموذج النيوليبرالي الانعزالي، الذي كان قائمًا منذ فترةٍ طويلةٍ على صناعة تصدير قوية وإفلات دولي من العقاب. وقد نجح نتنياهو في تطعيم الاقتصاد "الإسرائيلي" ضد الضغوط الخارجية، لكنّه حتى هو غير قادر على التعامل مع الصراع الداخلي الحالي.

مخاطر حقيقية:

يوم الثلاثاء الماضي، نشرت شيرا غرينبرغ، كبيرة الاقتصاديين في وزارة المالية "الإسرائيلية"، تقريرًا يشير إلى أنه إذا تم تمرير الإصلاح القانوني بالكامل، فقد ينخفض ​​الناتج المحلي الإجمالي "لإسرائيل" بما يصل إلى 270 مليار شيكل على مدى السنوات الخمس المقبلة. وتشير تقديراتٌ أخرى لمسؤولين في الوزارة نفسها، قدّمت إلى وزير المالية بتسلئيل سموتريتش في وقتٍ سابقٍ من هذا الأسبوع، إلى خسارةٍ سنويّةٍ قدرها 100 مليار شيكل. حاول سموتريتش التعتيم بالقول إنه تم عرض الفرص والمخاطر في الاجتماع، لكن مصادر في الوزارة ناقضته قائلة لصحيفة لكالكاليست : "من غير الواضح ما هي الفرص التي يتحدث عنها الوزير. كان هناك اتفاقٌ داخل الغرفة على أنّ هذه المبادرات يمكن أن تسبب ضررًا جسيمًا للاقتصاد الإسرائيلي ".

كما دقت المؤسسات المالية الدولية ناقوس الخطر بشأن الإصلاح المقترح منذ شهور؛ إذ حذرت وكالة التصنيف الائتماني موديز من أنّ الإصلاح قد يمنع رفع التصنيف الائتماني "لإسرائيل"، مشيرةً إلى أن التغييرات المخطط لها "يمكن أن تشكل أيضًا مخاطرَ طويلةَ الأجل على الآفاق الاقتصادية لإسرائيل، ولا سيما تدفقات رأس المال إلى قطاع التكنولوجيا الفائقة المهم" و نشرت صحيفة الإيكونوميست، الاقتصادية الرائدة في العالم، ومقياسًا لمواقف النخبة التجارية العالمية، مؤخّرًا قصة غلاف بعنوان: "هل سيكسر بيبي إسرائيل؟ و" هناك إجماعٌ دوليٌّ ناشئٌ على أن الحكومة الجديدة يمكن أن تغيّر بشكلٍ كبيرٍ مسار الرأسمالية "الإسرائيلية".

الافتراض الأساسي لوزارة المالية "الإسرائيلية" وموديز والإيكونوميست، هو أن الدول غير الديمقراطية تضر بالأعمال التجارية. و هذه، مع ذلك، أسطورةٌ ليبراليّة: العديد من البلدان غير الديمقراطية هي مراكز أعمال ضخمة. أفضل الأمثلة هم حلفاء "إسرائيل" الجدد في الخليج. حيث في كثيرٍ من النواحي، يمكن للسلطوية أن تخدم الرأسمالية بشكلٍ جيّد.

علاوةً على ذلك، لا يمكن تعريف "إسرائيل" نفسها في الوقت الحاضر على أنها دولةٌ ديمقراطيةٌ؛ لأنها تحتجز الملايين تحت السيطرة العسكرية بينما تحرمهم من حقوقهم الأساسية. لكن المستثمرين لم يظهروا أبدًا أن لديهم مشكلةً حقيقيةً مع الاحتلال. ومن ثمَّ، لن يكون الانكماش الاقتصادي المتوقع رد فعل بسيط على تقلص المساحة الديمقراطية في "إسرائيل"، بل نتيجة صراعٍ اجتماعيٍّ داخليٍّ عميقٍ داخل "إسرائيل" يعرض مخاطر اقتصادية للمراقبين الخارجيين.

إن ديناميكية الهلع في الأشهر الأخيرة هي نبوءةٌ تتحقق من تلقاء نفسها. فالعديد من النخبة "الإسرائيلية" في وضعٍ قتالي، ويقودهم قطاع التكنولوجيا العالية. و يشارك عمال التكنولوجيا، من المديرين والموظفين إلى المستثمرين، بعمق في الاحتجاجات ضد الحكومة. إنهم يتحدثون عن نهاية الديمقراطية "الإسرائيلية" ومستعدون لبذل جهودٍ كبيرةٍ لوقف خطط الحكومة.

في الوقت نفسه، يقومون بالتحوط من مخاطرهم الشخصية من خلال التفكير في وجهات الهجرة أو نقل أموالهم إلى الخارج. حيث تشير التقارير الأخيرة إلى نزوحٍ جماعيٍّ لشركات التكنولوجيا الفائقة إلى اليونان أو قبرص أو ألبانيا، حيث عقدت 80 شركة تكنولوجيا "إسرائيلية" اجتماعًا الأسبوع الماضي لفحص خطوةٍ محتملة. يشتري عمال التكنولوجيا الفائقة الأثرياء عقارات في البرتغال، خوفًا من استمرار الإصلاح. و هذه الاستعدادات الداخلية توجه رسالةً للنظام المالي الدولي مفادها أن الأزمة حقيقيةً وأن "إسرائيل" ليست رهانًا آمنًا.

إنه أيضًا الاحتلال:

الإصلاحُ القانوني المخطط له هو جزءٌ من تحوّلٍ أوسع نحو هيمنة اليمين المتطرف على السياسة الإسرائيلية. من بين أمورٍ أخرى، تم تصميم الإصلاح لإضفاء الشرعية على ضم الضفة الغربية وتمكين المزيد من اضطهاد المواطنين الفلسطينيين، وكذلك اليساريين "الإسرائيليين". كان من الممكن أن تكون الاستراتيجية السياسية المحسوبة بشكلٍ أكبر لحكومة نتنياهو هي تهدئةُ القضية الفلسطينية قدر الإمكان، مع دفع الخطة القانونية. من خلال فصل قضايا الديمقراطية الإسرائيلية "الداخلية" عن القضية الفلسطينية، ربما كان من الأسهل صدّ حركة الاحتجاج والضغط الدولي.

لكن أعضاء ائتلاف نتنياهو يرفضون فصل هذه القضايا، فهم يوضحون أن همهم الأساسي في دفع عجلة الإصلاح هو معاقبة الفلسطينيين بشكلٍ أكثر وحشية، ويتحسرون على أن المحكمة العليا تجعل من الصعب للغاية هدم المنازل أو ترحيل الفلسطينيين. الخطاب العنصري الذي يردده وزراء الحكومة كل يوم، وتزايد عنف الدولة في الضفة الغربية الذي قتل نحو 80 فلسطينيًّا منذ بداية العام، ومذبحة المستوطنين في حوارة التي أشاد بها وزراء الحكومة، كل هذا يشير إلى أن هذه حكومة متعصبةٌ، مصممةٌ على إشعال النار في المنطقة. وهذا بدوره يضر بسمعة نتنياهو زعيمًا نيوليبراليًّا فعالًا ذا توجّهٍ تجاري. إنه ليس مسيّطرًا، ويبدو أن القوى المزعزعة للاستقرار على جميع الجبهات - الاقتصادية والاجتماعية والعسكرية - لا يمكن إيقافها.

يبدو أنّ الاحتجاجات الداخلية والضغوط الدولية نجحت في تجميد موجة الإصلاح القضائي ولو مؤقتًا. وفقًا للعديد من المحللين الاقتصاديين، فإن الكثير من الضرر قد حدث بالفعل؛ إذ أدى عدم الاستقرار في الأشهر الأخيرة وتطرف الحكومة إلى إبعاد العديد من المستثمرين، وعدّ الاقتصاد الإسرائيلي محفوفًا بالمخاطر. و حتى لو توقف الإصلاح، فإنّ "إسرائيل" في طريقها نحو انكماشٍ اقتصاديٍّ كبير.

من الناحية العملية، نشهد تصدع التحالف المهيمن حيث لسنوات، استند مشروع نتنياهو للنيوليبرالية الانعزالية إلى كون "إسرائيل" استثمارًا جيّدًا للغاية لا يمكن تفويته. كان من المفترض أن تتعارض قوة "إسرائيل" الاقتصادية والاستراتيجية مع الإجماع الدولي ضد المستوطنات لصالح حل الدولتين. ومن ثمَّ، كان رأس المال العالمي الذي سمح للاقتصاد "الإسرائيلي" بالازدهار عنصرًا أساسيًّا في النضال الدبلوماسي ضد القضية الفلسطينية - ونجح لفترةٍ طويلة.

إذا كان الاقتصاد يمرّ بتراجعٍ حاد، فقد يكون لذلك تداعيات على نظام الفصل العنصري. مع اندلاع الفوضى الاجتماعية والاقتصادية، ربما نشهد أول تصدّعاتٍ تتشكلُ في إفلات "إسرائيل" من العقاب على المسرح العالمي.

انشر المقال على: