نعم ارتكبت خطيئة التطبيع مع الكيان الصهيوني ووقعت في المصيدة.. اشعر بالندم.. وانا مدين بالاعتذار
موقع الراية
9 ديسمبر، 2022
كتيه- د. رامي عزيز/أكاديمي وباحث مصري
شهدت السنوات الأخيرة، نمو متزايد في السقوط في فخ التطبيع مع الكيان الصهيوني، وهنا أتحدث عن الأشخاص، ناهيك عن الدول التي سقطت في ذلك. وكاتب هذه السطور للأسف الشديد كان أحد هؤلاء الأشخاص، الذين وقعوا في هذا الفخ، وبالرغم من تعدد الدوافع، واختلاف الأسباب والمسارات التي تؤدي للسقوط في فخ التطبيع، ولكن هذا لا يبرر السقوط في فخ التطبيع، ولذا يمكننا القول تعددت الأسباب والنتيجة واحدة وهي السقوط في خطيئة التطبيع.
السلام كطعم لاصطياد المطبعين
يعد الحديث عن السلام بمثابة الطعم الذي يتم من خلالها اصطياد المطبعين، من خلال الترويج بأن التقارب على المستوي الشعبي، سيسهم في سد الفجوة الموجودة، وسيضيق الهوة، ويسمح للشعوب أن تتعرف علي بعضها عن قرب، مما سيؤدي إلي خلق حالة من الحوار؛ التي ستؤدي بدورها إلي حلحلة الجمود؛ ووصولاً إلي الغاية المنشودة، و التي تتمثل في تحقيق السلام بين العرب و الكيان الصهيوني، وبالفعل قمت في العام ٢٠١٦ بقبول دعوة وجهت لي من وزارة خارجية الكيان الصهيوني، لزيارة الكيان ضمن وفد مكون من ٦ أشخاص، من الصحافيين والأكاديميين العرب المقيمون بأوروبا، وقضيت هناك أسبوع متجولة بين المدن المختلفة، بدأت رحلتي من مدينة القدس (المحتلة)، (وليس هنا مجال لاستعراض تفاصيل الزيارة، وأن كان ذلك أمر مهم، ولكن سنتركه لمقال أخر بإذن الله.)
والتقيت ضمن ذلك الوفد في القدس (المحتلة) مع دبلوماسيين وأعضاء بالكنيست؛ صحافيين؛ وأكاديميين ونشطاء في المجال العام، وكانت الملاحظة الرئيسية هي محاولة تجنب الحديث عن الفلسطينيين ومعاناتهم، ليس هذا فحسب، بل التهرب من الحديث عن أي أمور تخص القضية الفلسطينية؛ و مستقبل عملية السلام مع الفلسطينيين، وكان الأمر كله يركز علي تسريب صورة إيجابية لنا؛ عن الكيان الصهيوني، وتسويقه كدولة ديمقراطية متقدمة تحترم حقوق الإنسان، ومقارنة حقوق الإنسان والتطور الموجودة به؛ بالدول العربية المجاورة، وأن الوضع لديهم أفضل بكثير من الدول المجاورة، ناهيك عن الحريات الدينية الممنوحة للعرب والمسلمين، وكيف أن أحوال العرب والمسلمين في الكيان الصهيوني أفضل بكثير من أحوال نظرائهم في العالم العربي.
وبالطبع استمعت ومن كانوا معي كثيراً لوصف الكيان الصهيوني بعبارة “الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط”، ومضت الرحلة بتفاصيلها الكثيرة والمتلاحقة، والتي استغرقت أسبوع، وعقب عودتي مباشرة، قام المتحدث باسم جيش الكيان الصهيوني، بنشر صورة جمعتني به خلال تلك الرحلة، الأمر الذي أدي إلي تعرضي لحالة كبيرة من الهجوم من وسائل الإعلام العربية، ليبدو الأمر وكأنه توريط مخطط له لضمان البقاء في (فخ/مصيدة) التطبيع، فشدة الهجوم الذي تعرضت له، جعلتني غير قادر عل الفكاك من مصيدة التطبيع بعد تلك الزيارة، ولا أريد أن يفهم من يقرأ تلك السطور، أني أذكر تلك التفاصيل؛ بحثاً عن مبرر لتبرير خطيئة التطبيع، التي أستمرت لعدة لسنوات، وصلت خلالها لعلاقات وطيدة؛ مع المؤسسات البحثية، الأكاديمية و مراكز التفكير الصهيونية علي مستوي العالم، حتي وصلت لمنصب مدير لبرنامج الشرق الأوسط في أحد هذه المراكز البحثية، الخاصة بدراسات معاداة السامية.
سقوط القناع (الوجه القبيح)
بعد أن يضمن الصهاينة توريط المطبعين في فخ التطبيع، من خلال صناعة عداوة بينهم وبين مجتمعاتهم، يبدأ الحديث عن السلام يختفي شئياً فشئياً حتي يتلاشى تماماً، ولا تستمع منهم إلا لأحاديث مليئة بالكراهية للفلسطينيين و العرب والمسلمين، والأخر بشكل عام، وسيل من الافتراءات وادعاء المظلومية والنواح، كوسيلة لترهيب كل من يحاول كشف ممارساتهم الغير أخلاقية والغير قانونية، مستخدمين في ذلك العديد من الاستراتيجيات والوسائل، وأسهل تلك الاستراتيجيات والوسائل، كيل الاتهامات لمن يختلف معهم؛ أو يفضح ممارساتهم بأنه “معادي للسامية”، والتمادي في خلط الأوراق وتزييف الحقائق، بادعائهم أن انتقاد الكيان الصهيوني أو الصهيونية، جزء لا يتجزأ من “معاداة السامية”، و أختراعهم لمصطلحات مثل “معاداة إسرائيل” و “معاداة الصهيونية” وتسويقها في الأوساط البحثية والأكاديمية الغربية لمحاولة شرعنتها، ودمجها لتصبح جزء لا يتجزأ من “معاداة السامية”، حتي تكتسب في وقت لاحق القوة القانونية من خلال إصدار التشريعات التي تعاملها معاملة معاداة السامية، لتكون أداة فاعلة لإخراس منتقدي الكيان الصهيوني والصهيونية، إلي الأبد بقوة القانون.
وبعد صناعة الفرقة والقطيعة بين المطبعين ومجتمعاتهم، يقوم الصهاينة باستخدام المطبعين كأبواق لهم في الأوساط الغربية، لنشر رهاب الإسلام/العرب (الإسلاموفوبيا/العربفوبيا)، وتسويق روايات أن ما يقوم به الكيان الصهيوني من أعمال وحشية، مخالفة للقانون الدولي ضد الفلسطينيين العزل، هو أمر ضروري لمواجهة وصد إرهاب ووحشية العرب، الذين لو تركهم الصهاينة بدون ممارسات عقابية ولم يتعاملوا معه بوحشية، قد يصل الأمر إلي تكرار “المحرقة/الهولوكست” ولكن هذه المرة في نسخة إسلامية/عربية، وطبعاً هذا الكلام عار تماماً من الصحة، ولكن الصهاينة يعرفون جيداً كيفية ممارسة الضغوط؛ التي تصل لحد الابتزاز علي الغرب خصوصاً أوروبا، التي تورطت في المحرقة وقتل اليهود، لأخرساها، وإسكاتها وجعلها تغمض عيناها عن الممارسات العنصرية والوحشية الممنهجة؛ التي يمارسها جيش الاحتلال بحق الفلسطينيين العزل.
الخروج من الفخ (المخاض الصعب)
من خلال السنوات الماضية، التي كنت فيها جزء من منظومة التطبيع في الشرق الأوسط، ولا أبالغ إذا قلت وعلي المستوي الدولي أيضاً، وذلك بحكم إقامتي في الدول الغربية، وحصولي علي درجات الماجستير والدكتوراه من جامعة روما ، وعملي كزميل زائر في جامعات في أوروبا وأمريكا، أثناء دراستي للدكتوراة، بالإضافة إلي عملي كباحث ثم كمدير لبرنامج الشرق الأوسط في أحد المراكز البحثية الأكاديمية الصهيونية؛ المتخصصة بدراسات معاداة السامية في الولايات المتحدة، ومساهمتي في كبري مراكز الأبحاث الصهيونية بالولايات المتحدة (لا أذكر كل ذلك علي سبيل الفخر، بل للإيضاح).
أتاح لي كل هذا التعامل عن قرب مع كثير من المطبعين من الدول العربية، من خلفيات أكاديمية وإعلامية، من العاملين في الجامعات و مراكز الأبحاث والصحافة والتليفزيون، وللأمانة، البعض ليس بالقليل من هؤلاء، يشعر بعدم الرضي/الندم عن خطوة التطبيع التي قام بها، وبعضهم كان يدرك حقيقة أنه سقط في فخ محكم، القليل جداً تحدث عن ذلك بنوع من المواربة، ولكن الغالبية العظمي منهم رغم حالة الضجر وعدم الرضي/الندم، أثر البقاء صامتاً، محاولاً الابتعاد من خلال التسلل بهدوء، ولكن حتي محاولات التسلل كان يرصدها الصهاينة ويحاولوا منعها بكل السبل.
ولذا فضل كاتب هذه السطور بعد مدة طويلة من أتباع إستراتيجية التسلل الهادئ، التي أثبتت أنها لن تفلح ولن تجنبه المواجهة، اللجوء إلى إستراتيجية الصدمة من خلال الخروج القوي وكسر الفخ، مما عرضه لموجة كبيرة من التشويه والابتزاز الأمر الذي وصل لنشر الأكاذيب، بل والتهديد، ولكن كل هذا ليس مهم، لأن الخروج من فخ التطبيع هو بمثابة الولادة الجديدة، ولادة سيكون مخاضها صعب، ولكن ثمناها حياة جديدة، بعيداً عن دعم كيان لا يحترم الإنسانية ولا القانون؛ ولذا فهي تستحق.
وأخيراً أود أن أتقدم بالاعتذار لكل من تضرر بشكل مباشر أو غير مباشر؛ من تطبيعي مع الكيان الصهيوني، وعلى الرغم من أن التطبيع مع ذلك الكيان الصهيوني خطيئة، (ولكن) هنا يحضرني الحديث النبوي «كلُّ بني آدم خَطَّاءٌ، وخيرُ الخَطَّائِينَ التوابون».