الخميس 12-12-2024

الحرب الإيرانية الإسرائيلية مستبعدة رغم قرع طبولها

×

رسالة الخطأ

بقلم: هاني المصري

الحرب الإيرانية الإسرائيلية مستبعدة رغم قرع طبولها
بقلم: هاني المصري

في الآونة الأخيرة تقرع قيادات إسرائيلية طبول الحرب مع إيران، في نفس الوقت الذي أفادت المصادر فشل الجلسة الأولى من الجولة السابعة للمفاوضات في جنيف بين إيران والدول الخمس زائد واحد.
فقد أبلغ بني غانتس، وزير الحرب الإسرائيلي، كبار المسؤولين الأميركيين بأنه أصدر تعليماته إلى رئيس الأركان والجيش بالاستعداد لعمل عسكري ضد البنية التحتية النووية الإيرانية.
وقال الجنرال الإسرائيلي إيال زمير، الذي كان نائبًا لرئيس الأركان حتى الصيف الماضي، إن إسرائيل ستضرب فورًا إيران في حال امتلكت قنبلة نووية، موضحًا أن إيران لن تتوقف عن طموحها النووي إلا إذا واجهت تهديدًا واضحًا بردعها، وأنه على الرغم من أن إسرائيل تفضّل أن تقود الولايات المتحدة هذا التهديد، لأن لديها الجاهزية والقدرة، إلا أن على إسرائيل أن تتصرف وحدها إذا لم تتحرك واشنطن، مضيفًا: أعرف الخطط، ولدينا القدرة على القيام بذلك.
هذا الجنرال إما واهم، وإما يستخدم هذه الأقوال للتهديد، وهذا هو الأرجح، من دون نية لترجمتها على أرض الواقع. فلو كان لدى إسرائيل القدرة والثقة الكافية بإمكانية الانتصار لما ترددت وامتنعت طوال عشرات السنين عن ضرب إيران ومفاعلها النووي، وفعلت مثلما فعلت مع المفاعلَيْن النوويين العراقي والسوري.
ما شجع إسرائيل على التصعيد أن إدارة بايدن بحاجة إليه، بدليل أنها شرعت في وضع خطة بديلة عن المفاوضات، وأنها لن تنتظر الاتفاق مع إيران إلى الأبد، بل تعتبر أن المفاوضات تقترب من الفرصة الأخيرة.
وأكد مسؤول إسرائيلي كما جاء في صحيفة "يديعوت أحرونوت" عدم معارضة أميركا لشن هجوم إسرائيلي على إيران، وأكد ذلك مصدر ديبلوماسي رفيع لصحيفة "هآرتس"، حيث قال عندما حدد غانتس الموعد النهائي للضربة لإيران: لم يعارض المسؤولون الأميركيون ذلك.
يستهدف التصعيد والتهديد بالحرب خدمة المفاوضات أكثر ما يشق طريق الحرب، فكما يقال إذا أردت السلام عليك أن تستعد للحرب، لسبب بسيط، لأن إسرائيل تدرك أنها غير جاهزة لخوض الحرب مع إيران وحدها، لأنها لن تتمكن من تدمير البنية التحتية النووية الإيرانية بسرعة بضربة واحدة ومن دون رد إيراني، ما يفتح الطريق لحرب إقليمية غير مضمونة النتائج، ولا تريدها واشنطن، خصوصًا بعد أن أكدت إدارة بايدن إستراتيجيتها التي بدأتها إدارة أوباما، وهي إعادة تنظيم تواجدها، أو بالأحرى تراجعها في منطقة الشرق الأوسط، تمهيدًا لانسحاب مزيد من قواتها فيها.
فإيران ليست العدو الرئيسي للولايات المتحدة، وإنما الصين، كما قال الوزير الإسرائيلي نحمان شاي، مضيفًا أن واشنطن ليست لديها مشكلة في أن تصبح إيران دولة نووية، بل يمكن أن تتعايش مع ذلك في سلام.
كما أن تل أبيب وواشنطن استفادتا ويمكن أن تستفيدا من البعبع الإيراني لابتزاز العرب، كما نلاحظ في الهرولة نحو عقد "اتفاقات أبراهام"، التي تعبر عن تفضيل التحالف مع إسرائيل تحت وهم بأنها ستقف معهم في مواجهة إيران في أي حرب مقبلة، والأهم في مواجهة النفوذ الإيراني المتزايد في المنطقة الذي يشكل الخطر المباشر القائم لإسرائيل، ما يجعل البرنامج الصاروخي الإيراني والطائرات المسيرة لا تقل خطورة عن القنبلة النووية الإيرانية.
لعل حكام الخليج بدأوا باستيعاب، خصوصًا بعد استهداف إيران منشآت نفطية في السعودية في عهد دونالد ترامب من دون رد أميركي، بأن لا أحد يريد أن يحارب إيران كرمال عيونهم، وأن الحرب إذا اندلعت ستكون وبالًا عليهم (أي العرب) أكثر من أي طرف آخر، كما يظهر بأنهم كفوا عن حث الإدارة الأميركية على الحرب وعلى عدم العودة إلى الاتفاق مع إيران، وبدأوا ينسجون خيوط العلاقة مع إيران بتردد واستحياء من دون أن يعني ذلك تخليهم عن مواقفهم والتحالف مع أميركا وإسرائيل، ولا الأخذ بالمثل "اللي ما بتقدر تهزمه التحق به" كما يروج البعض، بل هو نوع من التكيّف التكتيكي مع المتغيرات الحاصلة، واستعداد لما يمكن أن يحدث إقليميًا ودوليًا، وقبول لسياسة احتواء إيران والسعي لإسقاطها أو تغييرها من الداخل، والاكتفاء بالعقوبات والحرب ما بين الحروب، أي تكيف مع التغييرات التي شهدتها ويمكن أن تشهدها المنطقة ضمن تغليب المصلحة والحفاظ على الذات على أي شيء آخر.
لن تتمكن إسرائيل وحدها من شن الحرب على إيران، وهي تعرف ذلك جيدًا، ولن تسمح لها واشنطن بأن تفعل ذلك إذا فكرت بهذه المغامرة وتوريطها بحرب لا تريدها، فقد منع أوباما نتنياهو مرتين من الإقدام على عمل عسكري ضد إيران من شأنه أن يشعل حربًا لا أحد يستطيع الثقة بالفوز بها وضمان نتائجها، ولن يتردد بايدن في منع نفتالي بينت ووزير حربه عن القيام بذلك، وهو - أي بينيت - ليس حرًا بالقيام بذلك حتى داخل حكومته في ظل الخلافات التي تستعر داخلها وداخل الجيش والأجهزة الأمنية حول جدوى الحرب، إذ يوجد داخل الحكومة والجيش والأمن معسكر قوي يرفض الحرب، أو يرفضها الآن، ويحذر منها، ويحمل نتنياهو مسؤولية الخطأ الذي ارتكبه عندما ضغط على ترامب ودفعه لإلغاء الاتفاق النووي، ما أدى إلى دفع البرنامج النووي الإيراني إلى الأمام، لدرجة كان متعذرًا حصول ذلك إذا لم يتم إلغاء الاتفاق.
إن حصول إيران على القنبلة النووية ليست نهاية العالم، مع أنه يمكن أن يفتح سباق تسلح نووي في المنطقة، فهي يمكن أن تؤمن نفسها لجهة عدم الإقدام على تدميرها إذا كان أحد يريد ذلك، فالهدف على ما أعتقد لم يكن تدميرها، ولا شطبها من الخارطة، ولا تقسيمها، وإنما احتواؤها بتغيير نظامها أو سياسته، فهي رغم صمودها المثير منهكة من الحصار الخانق والعقوبات الممتدة منذ انتصار الثورة الإيرانية، ولن تستطيع أن تستخدم القنبلة النووية إذا حصلت عليها، لأن استخدامها يعني نهايتها، وحصولها على القنبلة لن يمنع بالضرورة الحروب بالوكالة والحرب بين الحروب والحرب السيبرانية، ولا يلغي الحاجة إلى العقوبات الاقتصادية والحصار كشكل من الحرب البديلة من الحرب العسكرية.
ما سبق يعني أن احتمال التوصل إلى اتفاق كلي أو جزئي لا يزال قائمًا بدرجة لا بأس بها، وإن ليس مؤكدًا، كما أن سيناريو استمرار المفاوضات لمدة أطول لا يزال محتملًا كذلك، بما في ذلك اللجوء إلى مجلس الأمن، خصوصًا إذا حصل تغيّر في الموقفَيْن الصيني والروسي يسمح بعدم استخدام الفيتو لمنع صدور قرار دولي ضد إيران، لأن سيناريو الحرب أسوأ سيناريو، ومستبعد جدًا ولا أحد يريده (مع ضرورة عدم استبعاده كليًا لأن التاريخ مليء بالحسابات والتقديرات الخاطئة).
ما يعزز ما سبق أن إسرائيل رغم الدمار الذي أحدثته عجزت عن تحقيق أهدافها في العدوان العسكري على لبنان في العام 2006، وعن تحقيق أهدافها في العدوان المتكرر على قطاع غزة، فكيف ستحقق النصر على إيران مع تزايد احتمال فتح جبهات عدة عليها في وقت واحد؟ حيث يمكن أن تسقط آلاف الصواريخ يوميًا على الجبهة الداخلية الإسرائيلية غير المنيعة، والتي لن تحتمل.
الأقرب للحصول أن الحكومة الإسرائيلية بلجوئها إلى التهديد بالحرب تساعد المفاوض الأميركي على الوصول إلى اتفاق، أو على بقاء العقوبات والحصار، وهو لا يريد أن يهدد بالخيارات الأخرى، بينما خيار المفاوضات لم يستنفد كليًا، فيستفيد من الطرح الإسرائيلي لخيار الحرب.
إن إيران تتحلى بضبط نفس مثير للانطباع، لدرجة تثير حتى حنق بعض حلفائها، وذلك في أنها ترد أحيانًا على العمليات العسكرية والسيبرانية الإسرائيلية التي تستهدفها في سوريا والعراق وإيران نفسها، ولا ترد غالبًا، لأنها لا تريد الحرب، وتدرك الخلل في موازين القوى ضدها، خصوصًا إذا شاركت أميركا إسرائيل في الحرب ضدها، لا سيما وهي تتقدم على طريق تحقيق أهدافها، ولكن بأثمان باهظة جدًا، حيث أفشلت حتى الآن مختلف المحاولات لإسقاط النظام أو تغييره من داخل إيران.
وختامًا، ما دامت إسرائيل لديها أكثر من 200 قنبلة نووية وتريد أن تحتكر السلاح النووي لخدمة أن تصبح الدولة المركزية المهيمنة في المنطقة، فمن حق إيران وغيرها من دول المنطقة أن تسعى للحصول على السلاح النووي، فهذا يصب في صالح شعوب وبلدان المنطقة، شريطة التعاون المشترك فيما بينها، والابتعاد عن الهيمنة والطائفية، بما يكفل ألا تكون إسرائيل الدولة النووية الوحيدة، وخصوصًا أنها تجسد مشروعًا استعماريًا استيطانيًا عنصريًا احتلاليًا إحلاليًا يمثل التهديد الأكبر لأمن المنطقة واستقرارها.

انشر المقال على: