الخميس 05-12-2024

قراءة في مبادرة منيب المصري ومجموعته في منتدى فلسطين

×

رسالة الخطأ

حاتم استانبولي

قراءة في مبادرة منيب المصري ومجموعته في منتدى فلسطين

حاتم استانبولي

تناولت الصحف عن رجل الأعمال الفلسطيني منيب المصري أنه قام بجولة لقاءات شملت رام الله وغزة وإسطنبول؛ التقى فيها رئيس السلطة وقيادة حماس والفصائل لعرض مبادرته من أجل المصالحة الفلسطينية.
المبادرة حسب تصريحاته تقوم على أساس ثلاثة محاور:
١- المحور الأول: حول الشرعية الفلسطينية، حيث أكدت أن منظمة التحرير الفلسطينية هي الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني والطرف المسؤول عن السلطة، وحددت المهمة الوطنية، وهي إقامة الدولة الفلسطينية على ال٦٧ وعاصمتها القدس الشرقية، أما عن حق العودة فأشارت إلى السعي لتطبيق قرار ١٩٤ الصادر عن الأمم المتحدة. كما أوردت أن المقاومة يجب أن تقوم على أساس قرارات الشرعية الدولية ضمن استراتيجية جمعية ومرجعية شرعية واحدة التي من حقها أن تحدد شكل النضال الفلسطيني في كل مرحلة، ولم تشر المبادرة إلى عنوان مهمة المرحلة أنها تحرر وطني.
2. المحور الثاني: أكدت على ضرورة إعطاء الفصائل تفويضًا للرئيس محمود عباس للتفاوض باسم الشعب الفلسطيني وضرورة عودة حماس عن نتائج الحسم العسكري وعودة الشرعية للمعابر وبررتها تحت عنوان السيادة الفلسطينية. كما أشارت المبادرة إلى ضرورة إعادة تشكيل الهيئة العليا للتفاوض على أن تشمل جميع القوى. كما أكدت أن شرط المشاركة في أية حكومة فلسطينية مستقبلية هو الموافقة على الاتفاقيات والمعاهدات الموقعة (وردت في المبادرة تحت عنوان الالتزامات). كما اشترطت المبادرة على ضرورة حل المليشيات الفصائلية والخاصة والعائلية وجمع السلاح ضمن جدول زمني محدد، ولكنها لم تتطرق إلى الجهة التي ستسلم لها الاسلحة الفصائلية، خاصة أنها تعتبر مخالفة لما نصت عليه اتفاقات أوسلو وملحقاتها الأمنية. هذا يفرض سؤالًا على السيد منيب المصري: هل سيدعم إنشاء جيش فلسطيني موحد توكل له مهمة الدفاع عن السيادة الفلسطينية؟
بالطبع هذا لن يحصل لأنه يعلم أن مهمة الأمن محصورة بالاحتلال والأجهزة الامنية للسلطة التي يجب عليها التنسيق وأخذ التعليمات من الأجهزة الإسرائيلية، هذا ما يحصل منذ أن استلم محمود عباس الرئاسة، وهي إحدى أهم الالتزامات الفلسطينية بالنسبة لإسرائيل.
كما ورد فيها، حول وضع خطة لإصلاح منظمة التحرير الفلسطينية؛ تعرض على الدورة الجديدة للمجلس الوطني الفلسطيني، الذي سيشكل من قبل القوى المسيطرة على رئاسة المجلس واللجنة التنفيذية التي ستعتمد التمثيل النسبي والانتخاب، حيث أمكن ذلك.
أما ما طرح بين هذه الأفكار، من انتخابات، وتمثيل نسبي، وخضوع الأقلية للأكثرية، والاسرى والمعتقلين، وإعادة إعمار غزة، فهي رتوش تجميلية للمبادرة؛ مشروطة بالموافقة على الالتزامات الموقعة.
من الواضح، أن جوهر المبادرة ومحاورها؛ تقوم على أساس إعادة تشريع رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس (بعد الانتكاسات السياسية والأمنية والأخلاقية والشكوك في شرعيته الشعبية)، بهدف إعطاء دفعة لإحياء عملية التفاوض، التي تتطلب حسب الشروط الإسرائيلية-الأمريكية، إعطاء تفويض جديد للرئيس عباس، والتزاماته التي وقعها (اتفاقات اوسلو وملحقاتها)؛ التفويض شرط مطلوب من قبل كافة القوى والفصائل الفلسطينية. بعد إعطاء هذا التفويض، لا يوجد مشكلة أن يكون في اللجنة العليا للتفاوض ممثلين عن حماس والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين والجهاد الإسلامي؛ إذا ما قبلوا بهذه الاشتراطات، ولن تكون هنالك أي معضلة للرباعية للاعتراف بهذه الفصائل وحذفها من قوائم الإرهاب الأوروبية والأمريكية. (هذا ما قدمه منيب المصري لحماس في إسطنبول؛ اعتراف الرباعية مقابل الموافقة على الالتزامات الفلسطينية الموقعة مع إسرائيل)، هذا هو ذات الفخ الذي نصب للفصائل في المجلس الوطني الفلسطيني (مجلس المصالحة وإعلان الدولة) في الجزائر، الذي أعطى وفوض الرئيس عرفات، وكانت مدخلًا له للتوقيع على اتفاقات أوسلو (المُضحك المُبكي أنهم فوضوه ولم يحذفوا من قوائم الإرهاب، بل زاد الضغط عليهم).
أما عن أشكال النضال الفلسطيني الذي أشارت له المبادرة، فهي تقوم على أساس حل الفصائل المسلحة (المليشيات الفصائلية)، التي أشير لها بالمليشيات المسلحة في إشارة واضحة لإفراغها من جوهرها الوطني التحرري.
من الواضح أن جوهر المبادرة؛ يقوم على إعادة ترتيب البيت الفلسطيني، بما يتوافق مع معطيات فضاء الرؤية الأمريكية - الإسرائيلية وعربها المطبعين معها؛ الفضاء الأمريكي الإسرائيلي، الذي يرى أن التطورات الميدانية على الأرض الفلسطينية لا تؤهل لقيام دولة فلسطينية، بل يجب تشجيع إسرائيل من أجل تحسين الشروط المعيشية للفلسطينيين (الحل الاقتصادي) وضرورة إعطاء دفعة لمحمود عباس (لقاء وزير الدفاع غينتس مع عباس)، هذا ما طلبه الرئيس جو بايدن من رئيس الوزراء الإسرائيلي بينت في لقاءهما في البيت الأبيض. بينيت الذي بدا مرنًا؛ يريد أن يميز نفسه عن سلفه، ليخرج السياسة الإسرائيلية من أزمتها مع الإدارة الأمريكية؛ عبر إعادة تموضعها خارج إطار الخلاف بين الديمقراطيين والجمهوريين. لذلك، فإن ما تطرحه المبادرة من سقف إقامة دولة فلسطينية على حدود ال٦٧ وحق العودة من خلال القرار ١٩٤، هو مدخل غير واقعي، في ظل الموقف الأمريكي الإسرائيلي، الذي أخرج عنوان الدولة الفلسطينية من أجندته السياسية، في ظل حملة التطبيع العربي؛ الموقف الأمريكي العربي يلعب في إطار ما وضعته إدارة ترامب وصفقته القرنية. هذا الشعار الذي ورد في المبادرة لا يعكس الواقع القائم، وهو تكرار لذات الشعار في ظروف سياسية مختلفة، هذه الظروف التي تتطلب عودة عن هذا الشعار لصالح شعار إنهاء الاحتلال الإحلالي عن فلسطين. لقد جرب هذا الشعار وقدمت التنازلات تحت سقفه وهو كان مدخلًا لاتفاقات أوسلو، ولكن أثبتت المعطيات أن الحب من طرف واحد لا يعمل، بل هو مدخلًا للابتزاز السياسي والأمني والأخلاقي. هذا الشعار يحمل تنازل مجاني تقدمه المبادرة بدون أي مقابل، وهو في الجوهر إهداء فلسطين ال٤٨ للاحتلال الإسرائيلي الإحلالي.
المبادرة تعتبر مدخلًا لتأكيد تشريع الاحتلال الصهيوني الإحلالي لفلسطين وتشريع لجرائمه اليومية؛ من قتل واعتقال وتعذيب وحصار للشعب الفلسطيني؛ ناهيك عن إنها تعطي تبريرًا وشرعية للتطبيع العربي.
المدخل الصحيح لإعادة الوحدة الوطنية هو أن تقوم على أساس الحق الفلسطيني الذي يقوم على أساس تحقيق عدالة المخيم، وليس على أساس متطلبات ايجاد حلول تشرع الاحتلال الإحلالي واحتلال الأرض الفلسطينية؛ المدخل الصحيح هو إعادة الوضع على ما كان قائمًا قبل اتفاقات أوسلو التي هي السبب الرئيسي في الخلافات الفلسطينية المركبة؛ سياسيًا واجتماعيًا وأخلاقيًا. إن سحب الاعتراف الرسمي الفلسطيني المجاني بإسرائيل؛ يعطي دفعة قوية للوحدة الفلسطينية ويربك الموقف الأمريكي الإسرائيلي وأعوانهم العرب. هذا الموقف الأمريكي الإسرائيلي الذي يسعى لإعادة إعطاء شرعية جمعية فلسطينية للالتزامات المجانية السياسية والاقتصادية والأمنية التي وقع عليها الرئيس عباس في أوسلو وواشنطن وباريس مرورًا بالقاهرة وخليج العقبة وشرم الشيخ، هذه الالتزامات التي أوصلت القضية الفلسطينية إلى ما هي عليه، وهي السبب الرئيسي للانفصال والتفتت والانشقاق ولا لزوم لأية لجنة تبحث في أسباب التشرذم والانفصال؛ فالسبب الرئيس هو اتفاقات اوسلو وتوابعها واستحقاقاتها السياسية والأمنية والاجتماعية.
إن المقاومة الوطنية الفلسطينية هي العامل الحاسم للوحدة الشعبية والوطنية، هذا ما وضحته مواقف جماهير الشعب الفلسطيني في كل أماكن تواجده؛ دعمًا لمعاركه ونضالات قواه وفصائله الوطنية، هذه الفصائل ليست مليشيات مسلحة؛ إنها فصائل وطنية لها رؤية سياسية واقتصادية وعسكرية.
المبادرة بالجوهر هي رؤية الفريق التفاوضي الذي وضع القضية الفلسطينية في السلة الأمريكية الاسرائيلية وتوابعها العربية، والمبادرة تسعى لتمرير بنود صفقة القرن، خاصة بما يخص السلاح المقاوم والابقاء على سلاح التنسيق الأمني الذي لا يشهر إلا في وجه المقاومين والمعارضين الفلسطينيين.
المدخل للإصلاح يبدأ من إصلاح المنظمة وإعادة بناءها وانتخاب قيادة جديدة؛ بعيدًا عن الالتزامات المجانية وتحميل الاحتلال الإحلالي وداعميه؛ ثمن احتلالهم ومطالبة الأمم المتحدة بتنفيذ قراراتها الشرعية بدءًا من قرار ١٨١ واستحقاقاته و١٩٤ واستحقاقاته و٢٤٢ واستحقاقاته.
الفلسطينيون يجب أن يخرجوا من عقلية الخلاف حول شكل الاحتلال والاستغلال بكل أشكاله السياسية والعسكرية والاقتصادية والاجتماعية، ولا فرق بين ادوات الاستغلال والاحتلال؛ إن كانت إسرائيلية أو فلسطينية من حيث الجوهر. لا مشكلة جدية بين رؤوس الأموال (الكمبرادورية) الفلسطينية المرتبطة مصالحها بالمصالح الأمريكية - الإسرائيلية واعوانها العربية من حيث الجوهر، هذه الفئة تهمها مصالحها المالية والتسهيلات التي ستمنح لها إذا ما وظفت كأداة سياسية لتمرير الرؤية الأمريكية الإسرائيلية وتوابعها العربية.
المبادرة تحمل في جوهرها تشريعًا للاحتلال والاتفاقيات ووظيفتها خلق حالة من الحوار والجدل والإرباك الداخلي الفلسطيني حول الصيغ التي يجب اعتمادها في إطار الالتزامات الموقعة مع الاحتلال الإحلالي لإخراج عملية التفاوض من أزمتها والضغط على الفصائل والقوى الفلسطينية لركوب حنطور التفاوض العبثي.
المعادلة التي تحكم مبادرة الشعب الفلسطيني بسيطة؛ عدالة المخيم = زوال الاحتلال الإحلالي، هذه معادلة ممكن تحقيقها إذا ما تم اعتماد الأدوات والوسائل التي تجعل استمرار تكلفة الاحتلال عبء عليه وعلى داعميه؛ فالولايات المتحدة لن تستطيع أن تستمر في دعم الاحتلال، وستصبح إسرائيل عبئًا عليها في المدى المنظور، لما تعانيه من مديونية وأزمات داخلية؛ يعاني منها المواطن الأمريكي (الذي يعاني من أزمة كورونا وانعكاساتها ومتطلباتها المالية في مساعدة المواطنين الأمريكيين)؛ المواطن الأمريكي لن يقبل استمرار دفع ثمن الاحتلال وهنا يأتي الدور الإعلامي للفلسطينيين في الداخل الأمريكي والأوروبي لتوضيح أن استمرار دعم الاحتلال الإحلالي هو أحد أسباب معاناتهم من حروبهم العبثية في العراق وأفغانستان وسوريا و اليمن التي تخاض نيابة عن الاحتلال الإسرائيلي؛ الحروب العدوانية هي السبب في هجرة الملايين من أوطانهم؛ هربًا من الحروب العدوانية العبثية للتحالف الغربي، هذه الحروب التي تمول من أموال الضرائب للمواطنين، لتذهب إلى حسابات الشركات الأمنية التي تنهب هي وأعونها البلدان التي غزتها، هي حروب تفقر الشعوب المعتدية والمعتدى عليها وتغني شركات الأسلحة والشركات الأمنية والمتعاقدين والأعوان المحليين. إن جميع اللاجئين في دول العالم هم نتاج الحرب الغربية بالوكالة عن الاحتلال الإسرائيلي؛ المسؤول الأول عن تفشي الإرهاب في المنطقة العربية والإسلامية منذ مائة عام.

انشر المقال على: