حول مهرجان القوائم الانتخابية
طلال عوكل
2021-04-05
بسلام انتهت مرحلة تشكيل وتسجيل ومصادقة لجنة الانتخابات على كل القوائم التي تقدمت للترشح. ست وثلاثون قائمة انتخابية مرشحة للتنافس على مئة واثنين وثلاثين مقعداً، ما يعني أن كل خمسة عشر مرشحاً تقريباً يتنافسون على مقعد واحد.
سبعة فصائل فقط من أصل ثلاثة عشر فصيلاً معترفاً بها وتشارك في جلسات الحوار الوطني هي من تقدمت بقوائم انتخابية.
طبعاً ومن وجهة نظري فإنني لا أرى في القوائم الثلاث التي تنبثق عن حركة فتح، فصائل مستقلة، فبصرف النظر عن تفسير وأبعاد هذا الواقع، إلاّ أن الجميع مُصرّ على كونه منتميا للحركة وحريصا على مستقبلها ومكانتها الوطنية وتاريخها وهويتها النضالية والسياسية.
موضوعياً فإن هذا المهرجان الكبير لعدد القوائم المتقدمة للترشح، يعكس مدى حيوية المجتمع السياسي الفلسطيني، والحماسة الجارفة للمشاركة في المسؤولية الوطنية وإحداث التغيير المطلوب في الحياة السياسية.
بالتأكيد ثمة أمل يحدو كل من ترشح في قائمة انتخابية، من أنه سيحظى بمكانة في المجلس أو أنه يرغب ويأمل في أن يحظى بهذه المكانة زملاء له يرى فيهم الكفاءة.
ولكن هل يمكن تفسير هذه الظاهرة المهرجانية فقط من خلال الحماس والالتزام الوطني والرغبة في التغيير؟ بالتأكيد ثمة عوامل أخرى ينبغي على المستويات السياسية، والفصائلية والباحثين، قراءتها بعمق من حيث الدوافع والدلالات والمآلات.
ومن الواضح أن التساؤل بشأن هذه الظاهرة أخذ يجذب اهتمام الصحافيين والمراقبين، الذين بدؤوا في البحث عن إجابات للأسئلة التي يطرحها هذا الملف.
مبدئياً يمكن ملاحظة أن هذا الاهتمام الواسع بالترشح يعكس تزايد الهوة بين فئة السياسيين التقليديين، أصحاب التجربة الطويلة وبين الشباب، الذين سبق لهم أن استجمعوا بعضاً من قواهم وحاولوا تغيير الواقع لكنهم اصطدموا بالسلطات، وبصلابة الصخور التي تحول دون طموحاتهم في المشاركة السياسية.
لعل كل الفصائل، أبدت حرصاً، على إشراك أكبر عدد ممكن من كوادرها الشابة في قوائمها الانتخابية، هذا عدا الخطاب النظري المكثف حول أهمية دور الشباب وأهمية إشراكهم في القوائم المترشحة.
غير أن مشاركة الشباب لم تقتصر على ما تكرمت به الفصائل، على كوادرها الشابة، وإنما لوحظ وجود قوائم شبابية مستقلة تقتحم الصعب وتتقدم للترشح، وبالاستناد إلى الشباب فقط، وهو أمر يستحق الاحترام والتقدير مشفوع بأمل كبير في إمكانية فوزهم بعدد معقول من المقاعد.
ثمة حالة عدم رضى إن لم يكن أكثر من ذلك من قبل فئات واسعة من المجتمع عن دور الفصائل والسلطات، يصل أحياناً إلى حد الغضب والرغبة في معاقبتها ولا سبيل لذلك سوى الانتخابات.
في هذا السياق نعود إلى السؤال الذي يتصل بعدد الفصائل الغائبة عن العملية الديمقراطية، ولم تقدم قوائمها، وبعضها لا يصدر عنها أي صوت أو تعبير عن موقفها إزاء هذا الملف، وكأنها غير موجودة، أو أن الأمر لا يعنيها من قريب ولا من بعيد.
فصيل واحد هو جبهة النضال الشعبي الفلسطيني من بين تلك الفصائل قدم تبريراً غير منطقي لعدم تمكنه من التقدم بقائمة منفصلة باسمه حيث ألقى اللوم على حركة فتح، التي لم تقبل فعلياً شراكته في مواقع مضمونة، ولم تبق له وقتاً كافياً لتقديم قائمته قبل إقفال باب استقبال قوائم الترشيح.
في الأصل فإن الانتخابات تشكل غربالاً، للقوى والفعاليات، فمن لا يتجاوز نسبة الحسم يترتب عليه أن يلملم أوراقه ويذهب إلى البيت، أو يجد له طريقاً آخر، للنضال.
ولكن ماذا عن هذه الفصائل، وهل ستواصل التمسك بأدوارها فقط استناداً إلى تاريخها النضالي، قبل أن نتحدث عما إذا كانت الوقائع ستقدم حكمها في اتجاه، تجاوز تلك الفصائل واحتسابها جزءاً من الظواهر القبلية التي يحكمها شيخ معترف به، وتقاليد قد لا تختلف كثيراً عن السياسة؟
ثمة استثناء بالتأكيد، عنوانه حركة الجهاد الإسلامي، التي تتبنى رؤية مختلفة لموضوع الانتخابات، في ظل الاحتلال، وموضوع المشاركة في السلطة أو السلطات، حيث تترفع عن المشاركة فيما تقول إنها سلطات أوسلوية.
هنا لا حاجة للتأكيد على أن حركة الجهاد، تؤكد حضورها السياسي والكفاحي، والشعبي من خلال إمكانياتها ودورها، وخطابها السياسي وبحيث لا ينطبق عليها ما ينطبق على الفصائل الأخرى التي أقصت نفسها أو أقصيت من المشاركة في الانتخابات.
بعض هذه الفصائل إن لم تكن كلها، تملك رصيداً نضالياً، لكنها لم تعد تملك رصيدا شعبيا، أو إمكانيات كفاحية يمكن أن تبقيها على خارطة الفعل السياسي، ولذلك بات عليها أن تجد لنفسها حلولا كالاندماج في فصائل أخرى حتى لا تعفي مناضليها من واجباتهم الوطنية.
المجلس التشريعي إذا قدر له أن يرى النور سيكون جزءاً من قوام المجلس الوطني الفلسطيني، فهل تكفي أوزان تلك الفصائل لأن تفرض وجوداً فاعلاً لها في المجلس الوطني حين سيتم الاتفاق على إعادة تشكيله من خلال الانتخابات حيثما أمكن وبالتوافق حيث لا يمكن إجراء الانتخابات؟
هكذا فإننا نصل إلى سيناريو تشكيل المجلس التشريعي القادم، فبصرف النظر عن كل ما يقال أو يمكن تسجيله من ملاحظات على دور الفصائل ومسؤولياتها، عن الواقع الرديء الذي تعاني منه القضية ويعاني منه الشعب الفلسطيني إلا أنها لا تزال تحظى بمكانة ودور كبيرين ولا يجوز إنكاره أو أن يتمنى أحد غيابه.
الفصائل ستحصل على العدد الأكبر من المقاعد ولكن أيا منها من غير المحتمل أن يحظى بأغلبية تمكنه وحده من تشكيل الحكومة أو إدارة الشأن العام الفلسطيني.
هذا المجلس المرتقب سيحظى بتميز غير مسبوق من حيث التنوع السياسي، بحيث يشكل ميداناً حقيقياً لحياة برلمانية نشطة ومختلفة، وميداناً لحوار لا ينقطع بين كل أطراف وأطياف العمل السياسي الفلسطيني. ولكنه أيضاً سيقدم تجربة جديدة للتحالفات والشراكات، التي أضحت ضرورة لمن سيقود المرحلة القادمة، ما يعني أن لكل مقعد في المجلس أهميته ودوره الفاعل، وهذه ستكون إحدى بشائر التغيير المرتقب.