الانتخابات الفلسطينية واحترام الاختلاف: الثقافة الديمقراطية
فيحاء عبد الهادي
2021-04-04
"قد أختلف معك في الرأي، ولكني مستعد أن أدفع حياتي ثمناً لحقك في التعبير عن رأيك". فولتير
هل يمكن القول بوجود ثقافة ديمقراطية؟
وهل احترام الاختلاف هو جزء من هذه الثقافة؟
أؤمن أن هناك أهمية كبيرة لإثارة موضوع الثقافة الديمقراطية في فلسطين، ونحن على أبواب الانتخابات التشريعية والرئاسية والمجلس الوطني.
*****
ثقافة الديمقراطية مفهوم وفلسفة وتجربة إنسانية، وحين تترسَّخ في حياة الشعوب؛ تساهم في محاربة الاستبداد، والوصول إلى مجتمعات حرّة، يختار الفرد فيها قياداته بشكل حرّ، دون الخضوع لأي سلطة سياسية أو مجتمعية أو ثقافة مجتمعية سائدة.
والثقافة الديمقراطية تربية وسلوك، يحتاج الإنسان إلى تعلمها منذ الصغر، في البيت وفي المدرسة وفي الحياة الاجتماعية، وهذا لا يعني أن الفرصة فاتت لمن لم يتعلمها منذ الصغر، حيث يمكن أن تؤدي الممارسات الديمقراطية، والوعي بأهميتها، إلى التدريب عليها، وخصوصا اذا تمّ تبنيها تبنياً واعياً من قبل العديد من المؤسسات والأفراد.
وهذا ما يجعل المساواة ركناً أساساً من أركان الديمقراطية؛ إذ لا يمكن أن يتشدّق الإنسان بالديمقراطية؛ بينما يقمع الشريك والأبناء في البيت، ويعتمد مبدأ الأوامر وليس الحوار.
كذلك في المدرسة؛ لا بد من تربية ديمقراطية، تقوم بها مؤسسات تربوية، تتبنّى ثقافة تنويرية نقدية، تنسجم مع هذه التربية، تفتح أبواب المعرفة الإنسانية أمام الطلاب؛ معرفة تتضمّن نبذ التعصب، واحترام حق الإنسان في التعبير، والمشاركة، ورفض التسلط والتنمّر.
ومن الطبيعي أن تنعكس التربية على الحياة الاجتماعية والسياسية؛ حيث قبول الاختلاف، ونبذ التمييز بسبب العرق أو اللون او الجنس أو الدين، ونبذ المفاهيم القبلية، واحترام القانون؛ الأمر الذي يؤسِّس لعلاقة مختلفة بين المواطنين/ات، والسلطة السياسية، علاقة قائمة على الاحترام والحرية والكرامة الإنسانية، والعدالة؛ عوضاً عن علاقة قائمة على الخوف والخضوع والاتكالية؛ الأمر الذي يعزِّز المشاركة السياسية، ويكرِّس دولة القانون والحريات.
*****
من الضروري أن نفكر في العمل الديمقراطي بشكل شمولي، لأن إجراء الانتخابات لا يشكل سوى آلية من آلياته، مع التأكيد أن مفهوم الديمقراطية الحقيقي، لا يكمن فقط في صناديق الانتخابات؛ بل في الوعي الجمعي.
والانتخابات فرصة يجدر اغتنامها لنشر الثقافة الديمقراطية، التي تشمل إشراك الكل الفلسطيني في عملية اتخاذ القرار، واعتماد مبدأ المشاركة، وتداول السلطة السياسية، والمساواة امام القانون، والتعددية السياسية، واحترام الاختلاف والتنوع، بأشكاله كافة.
ولا يمكن لديمقراطية ان تترسَّخ دون مشاركة مجتمعية حقيقية؛ مجتمع مدني وأحزاب سياسية ونقابات مهنية، من المفترض أن تشكل نموذجاً للممارسة الديمقراطية، من حيث الربط بين النظرية والممارسة، وأن تقدِّم دليلاً ملموساً على إيمانها بأسس العمل الديمقراطي؛ الذي يعني تداول السلطة، والمشاركة في اتخاذ القرار، والمساواة بين المرأة والرجل؛ مما يفتح الباب على مصراعيه نحو دمقرطة المجتمع.
ولا شك أن تغلغل الثقافة الديمقراطية في المجتمع، وإدماجها بشكل رئيس في مناهج التعليم، - التي تحتاج مراجعة شاملة لمضامينها، بشكل علمي ومدروس -، يساهم في تعزيز مفهوم المواطنة، والمساواة، واحترام حقوق الإنسان، وإعمال العقل، والحوار، وسيادة القانون، ونبذ الأبوية بتجلياتها، والتعصب، والاستبداد، والجهل، والتخلف، ويحفظ حقوق الأقليات؛ ما يساهم في توفير أجواء صحية، تسمح بممارسة العمل الديمقراطي، بحرية، دون الرضوخ لضغوط سياسية أو اجتماعية.
كما يساهم نشر الوعي بهذه القيم والمفاهيم بين المواطنين/ات؛ في تعزيز مبدأ تداول السلطة، عبر الانتخابات، ومبدأ الحرية في اختيار ممثلي الشعب، وفي إقامة نظام سياسي عماده العدل والمساواة.
*****
وبعد،
ماذا عن الثقافة الديمقراطية والحرية؟
المثقف الديمقراطي لا يمكن أن يكون سوى إنسان حرّ، ولذا لا يمكن أن يقبل أن يعيش في بلد مستعمَر أو بلد يعيش تحت نظام استبدادي؛ ومن هنا يصبح النضال ضد الاحتلال الاستعماري، والاستبداد، ضرورة وليس اختياراً.
وبالتوازي يصبح النضال لتغيير الثقافة السائدة، واستبدالها بثقافة ديمقراطية أمراً لا بديل عنه.
حيثما تكون الثقافة ديمقراطية؛ تكون حرية الوطن وحرية الإنسان.