الأحد 02-02-2025

ألبوم الإخفاء والموسيقى المستقلة: الفني والاجتماعي

×

رسالة الخطأ

فيحاء عبد الهادي

ألبوم الإخفاء والموسيقى المستقلة: الفني والاجتماعي
فيحاء عبد الهادي
2019-10-06

هل يمكن أن يقاوم الشباب شروط اليأس التي تحيط حياتهم كالسوار بالمعصم؟
هل يمكن أن يعبِّروا عن أنفسهم بحرية في عالم يصادر الحريات، ويكفِّر المختلف، ويحرِّم المباح، ويقلب الحقائق، ويزيِّف التاريخ؟!
هل يمكن أن يغنّوا للحب، في عالم تسوده الكراهية، والحقد، والخوف؟ ويكرَّم فيه الفاسد، ويكافَأ المرتشي، والقاتل، والسارق، والمتحرِّش، وتفقد الكلمات معانيها؟!
وأن يغنّوا للمساواة، في عالم يمارس التمييز الطبقي والجنسي والإثني والديني؟
وللعدل في ظلِّ الظلم؟ وللوحدة في ظلِّ التشظّي؟
هل يمكن استعادة القيم الإنسانية عبر الفن؟
*****
وإذا كانت الموسيقى هي من أكثر الفنون قدرة على التأثير في نفوس الناس، وخاصة الشباب، فماذا عن الألبوم الموسيقي «الإخفاء» - الذي أنتجته شركة مستقل، وتمّ إطلاقه في مصر، يوم 23 أيلول 2017، وطاف البلاد العربية وبعض الدول الأوروبية خلال الأعوام: 2017- تشرين الأول 2019-؟
هل استطاع مشروع الإخفاء أن يعبِّر عن بعض أفكار الشباب العربي؟ وهل استطاع التأثير في المشهد الموسيقي العربي والعالمي؟ حتى أنه استحق نيل جائزة أفضل مجموعة في الروك الإفريقي، في جوائز الموسيقى الإفريقية، 2018.
*****
كيف عبَّر الموسيقيون عمّا يعتمل في نفوسهم؟
على مهل، وبحرفية عالية، وعلى مدى ثلاث سنوات؛ اجتمعت قامات إبداعية عربية، - لكل منها مشروعه الخاص-؛ لتخرج بهذا العمل الموسيقي الجماعي المتميز، من غناء: مريم صالح (مصر)، وتامر أبو غزالة (فلسطين)، وألحان وتوزيع: موريس لوقا (مصر)، وتامر أبو غزالة، ومريم صالح، وأشعار كاتب قصائد الشعر العامي ميدو زهير (مصر).
«يأتي كل من مريم صالح وموريس لوقا وتامر أبو غزالة من خلفيات مختلفة مكرَّسة في الموسيقى العربية البديلة، لكن دروبهم استمرت بالتقاطع فعملوا إلى جوار بعضهم البعض مستقين من مصادر الإلهام ذاتها، كتقديمهم ترجمات مختلفة لموسيقى المهرجان المصرية».
*****
يفاجئنا الموسيقيون، حين نستمع إلى ألبوم الإخفاء، بموسيقى صاخبة، وكلمات حزينة، تعبِّر عن ألم فتَّت آمالهم وأحلامهم، وتركهم نهب مشاعر متناقضة؛ سخرية لاذعة وألم وحزن. يغنون عذاباتهم على إيقاع راقص مجنون، وكأنهم الحبشي الذبيح، الذي يرقص من شدة الألم.
هناك حالة كاملة للأغنية، على حد تعبير «تامر أبو غزالة».
«الجديد في الألبوم يكمن في اختيار الكلمات الحزينة والألحان الصاخبة وامتزاج الإيقاعات المبهجة مع المحتوى الكئيب، الألبوم ككل حالة غير مفهومة وجديدة وصادمة بالنسبة للمستمع، ولكنه يحوي في الوقت نفسه مقاطع موسيقية متنوعة تذهب بك إلى مساحات مختلفة».
وهو ألبوم مخادع إلى حد ما، كما عبَّرت «مريم صالح».
«فهو يدعوك للانغماس والغرق فيه، كأنه إلى جانبك، لكن هذه ليست الحقيقة، لأن كلا من الموسيقيين كانت لديه أفكاره الخاصة التى تتصارع وتلتوى داخل رأسه، لذلك كان من الطبيعي أن يخرج الألبوم إلى النور وهو يحتوي على الكثير من الغموض».
ويقع في السياق التاريخي للموسيقى المعاصرة بامتياز، على حد تعبير «جورجيت عيسى»:
«ليس فقط لأنه من ضمن الإنتاجات الموسيقية التي تقع في خانة «الموسيقى التجريبية المعاصرة»، والموجودة بكثرة وبتنوّع حول العالم، لكن أيضًا لكون موسيقييها يمثّلون نموذج الموسيقي المعاصر».
*****
نستطيع أن نفكّ بعضاً من رموز الألبوم، عبر محاولة فهم الصراع الذي يعتمل في نفوس الشباب، والذي عبَّر عنه الشاعر بالكلمات، والموسيقيون بالألحان، التي تستخدم بعض عناصر الموسيقى الشعبية الرائجة، ما يربط الفني بالاجتماعي بشكل مبدع:
«نفسي فَ عقلي بتناكِف/ وقَلبي فِ الهوي مخالِف/ وَآنا مِ الصَّعبِ أَتَآلِف/ بَحاوِل بسِّ مش عارف».
تنبع حيرتهم من المعرفة وعدم المعرفة في آن: «وأنا شايف/ أنا عارف/ بس مش عارف».
لم تعد تكفيهم الإجابات الجاهزة، واليقينية، والتفاؤل الاستراتيجي؛ فالإيقاع مكسور، والوهم يدقّ يدقّ على الأسماع، والظلم مَشاع، ما دام أشقاء يوسف ينزلون بهم إلى قاع البئر/ ولا من منقذ :
«مَكسور يا إيقاع أربع تِرباع/ بتدُقِّ الوَهم على الأسماع/ ف الكِدب شِيطان ف الظُلم دراع/ مانتَ السُلطان والخَلق مَشَاع/ مَوِّتنا بَطيئ والعَب طَقاطِيق ماحنا الغَوغاء ولابُدّ نطِيق/ نزِلنا البير زَحَاليق زَحَاليق والقَلب كبير والصِدر يساع».
وحين يستجمع الشباب شجاعته، وقوة قلبه، ليبدي رأيه علانية، ويفضح فنون الغش، والفساد، والظلم، والاستبداد؛ يعيق طريقه أقرب الناس إليه؛ ليلجم خطواته، ولا يعود قادراً على البوح:
«كنت رايح. كنت رايح/ كنت عازم إني اقول/ كنت طايب كنت صايب/ كان في قلبي شوق مهول
فجأة اعانى من الحبايب/ فجأة يقفِش رجلي غول/ فجأة واقِف فجأة غايِب/ فجأة يمتنع الدخول/ رغم إني كنت رايح/ كنت عازم إني اقول/ يبدو أن الهمّ واسع/ يبدو أنى مش هَقول».
تعلو صوت الموسيقى الصاخبة في بعض أغنيات الألبوم لتزعجنا، كما أراد لها الفنانون أن تزعجنا، وأن تقضّ مضاجعنا.
هل أرادوا أن يدقوا ناقوس الخطر؟ وينبِّهونا إلى صخب الواقع وجنونه، الذي لا نلتفت إليه أحياناً، ونحن نمارس حياتنا اليومية؟
عبر الفن يكسر الفنانون/ات القواعد المألوفة، ويمارسون التجريب الفني. ينطلقون، ويجربون، ويغامرون، ويحلمون، ويتحرّرون.
يقاومون شروط قهرهم، ويقاومون الأحادية، والسلطات المطلقة، والقوالب الجاهزة، ويخلقون لأنفسهم عالماً يعبِّرون به عن أنفسهم بحرية، ويمارسون فيه إنسانيتهم.

انشر المقال على: