الانتخابات الصهيونية شأن داخلي: والفلسطينيون مخدوعون كالعادة
الخميس 07 مارس 2019
بوابة الهدف - أحمد مصطفى جابر
في خضم المعركة الانتخابية الصهيونية للفوز بمقاعد الكنيست 21، تجد الإعلام في "إسرائيل" وخصوصا الناطق بالعبرية، وهو الأكبر بما لايقاس مع البث بالإنكليزية، أو العربية (اللغة التي لها مكانة خاصة حسب قانون القومية سيء الصيت) يتحدث عن كل شيء، من تسيير المواصلات يوم السبت، إلى تأجير الأرحام لمصلحة الرجال المثليين، ولكن ولا كلمة واحدة عن الاحتلال "الإسرائيلي" المستمر منذ 52 عاما، أو عن حصار غزة، والقتل البطيء لسكانها.
وأيضا هناك الكثير من الكلام عن ضرورة الإطاحة بنتنياهو، لأن فترة حكمه، أدت حسب النقاد إلى تعرية "إسرائيل" وكشف الكثير من حقائق نظامها العنصري حول العالم، يجب الإطاحة بنتنياهو، ليس بسبب الاحتلال، وليس بسبب تجويع الفسلطينيين وقتلهم وحصارهم وقمعهم، وليس بسبب قانون القومية العنصري، بل لأنه أساء لوجه "إسرائيل" وصورتها.
الفلسطينيون إذا هم الغائب الأكبر عن نقاش الانتخابات الصهيونية، طبعا كانت هناك ثغرة مفاجئة، عندما ترشح بيني غانتز، ولكنها سرعان ما تلاشت، بدون أي نتائج تذكر مع إعلان قائمته برنامجها السياسي، حيث حضر الفلسطينيون هنا ولكن بشكل سلبي، حيث لادولة فلسطينية ولاقدس، ولا لاجئين، ولكن تعزيز الفصل ضمن منظومة الفصل العنصري، حيث لسان حال السياسي الصهيوني، الجنرال السابق: هم هناك ونحن هنا وهناك، الاحتلال سيستمر، ولن يتغير أي شيء في حياة الفلسطينيين في الضفة، نفس رتابة الاحتلال القتلة، منذ غولدا مائير وانتهاء بغانتز أو عودة رابحة لنتنياهو.
لذلك كله، وفي غياب أي نقاش جوهري، حول التحديات الحقيقية في الكيان، يبرز هذا التصويت الانتخابي وكأنه ليس أكثر من استفتاء جماهيري هائل على بنيامين نتنياهو، يبقى، أو لايبقى، دون أي حديث عن تغييرات جوهرية ربما قد تحدث عند الإطاحة به، ما يعني أن النظام سيستمر، رغما عن كل شيء ولكن بدون نتنياهو، وبوجوه قد تكون مقبولة أكثر على الصعيد العالمي، وقد تكون أكثر قدرة على مواصلة خداع القيادة الفلسطينية وإغراقها في أوهام السلام.
الخدعة الكبرى، هي ما تسوقه أوساط صهيونية بل وعربية وفلسطينية، عن أن نتنياهو هو المسؤول الأساسي عن كل السياسات التي استهدفت الفلسطينيين، وكل القوانين العنصرية المعادية وبالتالي فإحضار وجه آخر، لم يفعل شيئا حتى الآن (إذا تجاهلنا كونه مجرم حرب) سيكون مناسبا لتبييض سمعة الكيان، رغم أن الحقيقة التي يتجاهلها الميع إن نتنياهو أصلا كان من أكبر المعارضين لعدد كبير من القوانين التي مررت بدعم يساري أحيانا، وكان وراءها مشرعون ليسوا فقط من الليكود.
بالتالي، من المتوقع إذا فاز غانتز، مثلا أن يتآكل الضغط الدولي على الكيان الصهيوني، بحكم ذهاب الرجل الذي يتهم عادة بمناهضته للديمقراطية وتماثله مع قادة سلطويين من أمثال ترامب، في تجاهل كامل لحقيقة أن نتنياهو كقائد فرد ليس هو المشكلة، بل مشكلة نظام دولة قائمة على الاحتلال المستمر والتمييز العنصري برمتها.
صحيح أن سقوط نتنياهو قد يؤدي إلى تفكك التحالف اليميني المتطرف غير المسبوق، وربما ستجد الأحزاب الدينية التي تزعم أنها لن تشارك ائتلافا مع يائر لابيد، عربة "كشروت" مناسبة لها في قطار الحكومة الجديدة، ولكن هذا كله يعني الداخل "الإسرائيلي" ولايعنينا كفلسطينيين، ولن يؤدي بالضرورة إلى عكس لسياسة العامة لليمين الحاكم، لأن كلا الحزبين المتنافسين، االيمين بقيادة نتنياهو، و(أزرق-أبيض) بقيادة غانتز قالما بتشويه حقائق القضية الفلسطينية، وتضليل الجميع حولها، والجميع يعود إلى مستنقع "الإجماع القومي الصهيوني".
على ماذا يراهن الآملون بالتغيير إذا، على حزب يقوده من أصل أربعة ثلاثة جنرالات، هم في الواقع مجرمو حرب، هذا أمل عجيب وغير مفهوم، ويبدو أن أساسه يرتكز فقط على الإطاحة بنتيناهو لاأكثر.
كل هذا يضع الأوهم المبنية على الانتخابات الصهيونية في زاوية ليس فقط كونها أوهاما بل نوعا من الخداع المتعمد الذي يواصله النظام السياسي الصهيوني منذ سلعين عاما، و52 عاما من عمر الاحتلال، يصبح الرهان الفلسطيني على شيء يأتي من نظام الاحتلال نوعا من الخنوع والاستسلام، في غياب برنامج وطني فلسطيني موحد يكون قادرا على التعاطي مع الاحتلال بغض النظر عمن يحكم دولته.