إذاعة المنسق فخ تنصبــه "إسرائيل" لإسقاط الفلسطينيين
المصدر:الامارات اليوم
زهير دوله - غزة
01 فبراير 2019
«صورة جنود يهود يساعدون مسنة فلسطينية للمرور عبر معبر الكرامة في الضفة الغربية، وصورة أخرى لشرطي يسمح لشبان بالمرور عبر حاجز قلنديا إلى القدس من دون تفتيش وانتظار».
ما سبق ذكره لم يحدث على أرض الواقع، بل هي مواد إعلامية ضمن الدعاية المضادة، التي تنشرها صفحة المنسق الإسرائيلي على موقع التواصل الاجتماعي «فيس بوك»، والتي تطورت إلى إذاعة تبث أثيرها في المناطق المحتلة عبر مراحل عدة، كانت النهائية في مطلع يناير الماضي.
ففي ساعات الصباح يصدح صوت فيروز عبر أثير إذاعة المنسق، وبعد فترة قليلة يظهر صوت مذيع إسرائيلي يتحدث باللغة العربية مقدماً برامج اجتماعية يخاطب فيها الفلسطينيين لمعرفة مشكلاتهم، والسعي لحلها مع الدوائر المختصة، وفي منتصف الليل تبث أغاني لوديع الصافي وأم كلثوم.
هكذا قدمت «إذاعة المنسق» نفسها أمام الفلسطينيين بأنها اليد الحانية التي تتلمس أوجاعهم، وأنها تسعى لحل مشكلاتهم، لكن هي في الحقيقة أحدث وسائل منسق شؤون الحكومة الإسرائيلية في المناطق الفلسطينية المحتلة، وآخر ابتكارات جهاز الشاباك الإسرائيلي لجمع أكبر قدر من المعلومات، واختراق كل البيوت الفلسطينية في القدس والضفة الغربية وحتى قطاع غزة.
ويتولى منصب المنسق الإسرائيلي حالياً كميل أبوركن (58 عاماً)، وهو عربي من قرية عسفيا الواقعة شمال الخط الأخضر، واختارته إسرائيل لإدارة الإذاعة ليس من قبيل الصدفة، بل لتكريس الدعاية أمام العرب المعجبين بصفحة المنسق على موقع التواصل الاجتماعي «فيس بوك»، والقائلة «إن إسرائيل لا تميز بين عربي ويهودي، بل هي عادلة لكل مواطنيها».
اتصالات مجانية وحلول
يقول الصحافي خالد معالي من مدينة سلفيت في الضفة الغربية لـ«الإمارات اليوم»، متحدثاً عن آلية عمل الإذاعة وفقاً لمتابعته الخاصة لعملها منذ انطلاقتها: «في خطوة خطيرة، أطلق منسق الحكومة الإسرائيليّة في الأراضي الفلسطينيّة بثه الإذاعي للتواصل مع الفلسطينيين، وسيكون البث أسبوعياً في المرحلة الأولى (كل يوم خميس)، على أن يصبح لاحقاً بشكل يومي، بذريعة استقبال مشكلات الفلسطينيين، للمساهمة في حلها».
ويضيف أن «الحكومة الإسرائيلية لإحكام سيطرتها بالكامل على الفلسطينيين من خلال الإذاعة الموجهة إليهم باللغة العربية، فإنها تتيح إمكانية الاتصال المجاني، لاستقبال مكالمات محلية من مواطني الضفة الغربية والقدس، لإيجاد حلول لمشكلاتهم المتعلقة باستخراج تصريح سفر للخارج، والبحث عن عمل، إذ تدعي أنها ستعمل على إيجاد حلول للمشكلات مع الوزارات الإسرائيليّة، ما ينشر الإذاعة بين الفلسطينيّين، ويوجد لغة مشتركة لهم مع المنسق».
ويشير معالي إلى أن انطلاق «إذاعة المنسق» مرت بثلاث مراحل: الأولى كانت انطلاقة البث الأول في 20 ديسمبر الماضي على شبكة الإنترنت، وفي السابع والعشرين من الشهر ذاته أطلق البث الثاني، ليكون البث الأخير والنهائي في الرابع من شهر يناير الماضي.
وركزت «إذاعة المنسق» في أسابيعها الثلاثة الماضية على بث الأغاني العربية القديمة لكبار المطربين مثل أم كلثوم، وصباح فخري، وعزيزة جلال، وغيرهم، تحضيراً لبث برامج تعالج مشكلات الفلسطينيين، وتسعى في حلها عند بدء البث الكامل على مدار الساعة.
معلومات استخباراتية
ودشن الاحتلال الإسرائيلي عام 2015 صفحة المنسق عبر موقع التواصل الاجتماعي «فيس بوك»، التي يوهم فيها منسق أنشطة الحكومة الإسرائيلية الفلسطينيين بأنه يهتم بالتواصل الإنساني معهم بذريعة تقديم الخدمات، وتسهيل تنقلهم عبر المعابر التي تسيطر عليها إسرائيل، وتقديم النصائح والإرشادات، وتظهر تلك الصفحة لكل الفلسطينيين بواسطة الإعلان الممول، وذلك قبل أن يتم إطلاق الإذاعة التي تحمل الاسم نفسه.
ويقول رئيس قسم الإعلام في جامعة الأمة بغزة عدنان أبوعامر: «لا ينفك المنسق الإسرائيلي الجنرال كميل أبوركن عن التدخل في الشؤون الفلسطينية، والتدقيق في كل تفاصيل حياتهم، وتجلى ذلك بصفحته على (فيس بوك) التي أنشأها سلفه يوآف مردخاي قبل أربع سنوات، فهو يدرك أن إذاعته تستطيع الوصول لأكبر شريحة من الفلسطينيين».
ويشير إلى أن «إذاعة المنسق» تستغل حاجة الفلسطينيين الذين يريدون الحصول على تصاريح عمل داخل أراضي الداخل المحتل، وهناك من يرغب في الحصول على رخصة بناء في القدس، ومن يحتاج إلى دعم زراعي، إذ إنها توصل لهم رسالة مفادها أنها تسعى لكسر الحواجز بينهم وبين إسرائيل.ويؤكد أن «إذاعة المنسق» تعمل وفق أجندة أمنية لإسقاط الفلسطينيّين وتجنيد العملاء، كما تهدف لمتابعة المعلومات والأخبار من الفلسطينيين، وسيستخدمها لبث روايته المستندة لرؤية الجيش الإسرائيلي لدورها كإذاعة.
ويوضح أبوعامر أن الإذاعة تشكل خطراً كبيراً على الفلسطينيين، فالمنسق يعمل معه فريق متكامل للاستماع إلى مكالمات المتصلين، وتحليلها، والتدقيق في كل المعلومات المقدمة من قبلهم.
وتعد «إذاعة المنسق»، بحسب أبوعامر، محاكاة لتجربة الإذاعة الإسرائيلية باللغة العربية في السبعينات والثمانينات، حين بثت برامج بالعربية، منها «استوديو واحد، وأريد حلاً، وعلى ذوقي، وملفات القضاء»، وحظيت بمتابعة آلاف الفلسطينيّين والعرب، ليكتشفوا لاحقاً أن مقدمي تلك البرامج ضباط مخابرات إسرائيليين، نجحوا في إسقاط عدد من المستمعين في حبائلهم الأمنية.
حملات مضادة
وللحد من خطورة «إذاعة المنسق» من التغول الإسرائيلي في عقول الفلسطينيين، أطلق نشطاء فلسطينيون حملة على مواقع التواصل الاجتماعي لمقاطعة صفحة وإذاعة المنسق الإسرائيلي، وحملت وسم «إحنا أو المنسق».
ويقول منسق الحملة الفلسطينية الأسير المحرر معتصم سقف الحيط من مدينة نابلس في الضفة الغربية، «إن الصفحات الإسرائيلية الناطقة بالعربية تجد تفاعلاً واسعاً من قبل الفلسطينيين، دون إدراكهم لخطورة الإعجاب أو التعليق أو المشاركة في مثل هذه الصفحات، خصوصاً عند النظر إلى أن هذه الصفحات تديرها أجهزة استخبارات وفرق متخصصة من الجيش تتابع عن كثب تعليقات الفلسطينيين وتوجهاتهم السياسية والفكرية».
ويضيف: التعليقات التي نراها على صفحة المنسق تثير الاستفزاز، لذلك شعرت بمسؤولية ملحة، لإنشاء الحملة، بشكل يدفع الناس إلى الاستجابة لمطلب إزالة خاصية الإعجاب، والتنبه لخطورة الأمر.
ويتابع القائمون على صفحة «إذاعة المنسق»، بحسب سقف الحيط، حملة «إحنا أو المنسق»، فعندما نشر المشرفون على الحملة الفلسطينية فيديوهات تدعو الفلسطينيين إلى إزالة زر الإعجاب عن الصفحة، جاء الرد من المنسق عبر منشور جاء فيه «ستحتفل قريباً بنصف مليون إعجاب.. كونوا معنا»، ثم ختمه بوسم: نصف مليون لا يخطئون.