الخميس 28-11-2024

الشاعر عبد الناصر صالح : ذاكرة الشعر .. ذاكرة الوطن

×

رسالة الخطأ

موقع الضفة الفلسطينية

الشاعر عبد الناصر صالح : ذاكرة الشعر .. ذاكرة الوطن
محمود حامد كاتب فلسطيني من سوريا

ستظلّ فلسطين تمنح شعراءها فسحةً من الكلام الجميل، وتلهم عشّاقها قصائد الحنين والوجد، وتبعث الآه في صدور الذين يحبونها حدّ الوله، والذّوبان، لأنها قدر الرحمن المبارك لأبنائها، ولأنّ جذورهم نبتت من ثراها الطيب الشّذيّ، هكذا يفتح الزمن عينيه ليجد التّوأمة الخالدة بين الأرض وناسها، والجذور وثراه
, فيمدّ لهم بساط الحياة ليعمّروها، ويملؤون رحبها الواسع بما تفيض الأيدي من عطاء الله، وما تفيض الصدور من حبّ وعشق للأوطان، وما تفيض محابر الشعراء من قصائد تتغنّى بكينونة الوجود والخلود.
نصوص الشاعرعبد الناصر صالح، تحمل روح الوجدان الحيّ، وروعة الكلمة الوطنية المقاومة، وروح المعاصرة الرّاهنة، قصائد استلهمها الشاعر من جماليات الوطن الزاخر بروعة: الجمال والجلال، والناهض من جنون الأحداث قوياً صابراً ثائراً على همجيّة الطغيان والغاصبين، صامداً في وجه العواصف والمحن، موصولاً بشعبه للأبد: إرادةً ثابتةً بالحقّ، مؤمنةً بالنّصر، مخلصةً لليقين الإلهي المحتّم بصبحٍ العزّة والفتح القريب!!! وفي اللحظة الموجعة الحاسمة، تنهض فلسطين الحبيبة، فلسطين الأنثى... فلسطين الوطن، وهي تبرز في جماليات الوجود جميعها: قصيدةً /صبوةً/ كينونةً تخطر ببال عشاقها المبدعين:
"... يمّمت وجهي نحوها
وأضأت ليل قصيدتي من فيض نظرتها،
لكأنّ بي عطش التّراب لخطوها
سمّيتها عمري المؤجّل،
بوح ذاكرتي الخصيبة."
*
... هكذا تحرّك الصّور ذاكرة المتلقي تجاه نبض الشاعر بأنثاه /الأرض/ فلسطين!! وهي تمثل الجذور المغروسة في: - ترابها الوطن – بينما يذكرنا الشاعر بغربتنا، ووحشة المنفى التي ستظلّ كالقيد الدّامي في خطانا التي تراوح مكانها... منذ ستين عاماً وأكثر، ولكي يعبّر الشاعر عن ديمومة وحيوية الحياة في جذورنا الفلسطينية انتماءً أبدياً، وهويّةً وطنيةً حاضرةً فينا عبر الزمان، فإنّ فلسطين هي عمرنا المؤجل، والمؤجل هنا تعني المستمرّ في أجيال الوطن المتعاقبة والقصيدة الفلسطينية: هي فلسطين... ذاك الوهج الذي يغزل الشعراء قصائدهم من فيض وميضه المتوهج من خلال نظرتها الحادّة /الحارّة/ الموجعة/. وإذا كنا شوقها الدّامي الذي تنزفه بحدّة ذلك الشوق، فالتراب الذي تمشي فوقه ليس أقلّ شوقاً وعشقاً منّا لخطاها، وأمّا الخصوبة هنا، فهي دلالة الخصب في هلالنا الأخضر الخصيب... لا حدود لعطائه، ونعمياته التي جاءت بما لم تجد بمثله بقعة أخرى في الوجود، أنبتت بفضل مبدعها: أنبياءها، وتاريخها، وحضارتها، وناسها كذلك، ناسها الذين حفظوا ورعوا عهدها... عبر الدّهر كله، وذادوا عنها بما ملكوا من قوة وعتاد، وبذلوا الغالي، والنّفيس لأجلها... ناسها /الفلسطينيون/ أبناؤها الحقيقيون!!!.

... والشاعر عبد الناصر صالح: واحد من شعرائنا الوطنيين والمناضلين في ميداني: خندق التحرير، وخندق القصيدة المقاومة، يكتب النصوص الشعرية الوجدانية، وسخّر قصائده من أجل الوطن، وقضايا أمته، أسلوبه يميل للحداثة الشعرية، والدلالات القريبة من الرّمز الجليّ الواضح والمفهوم، وصوره مستقاة من واقع القضية والحدث الفلسطيني بتفاصيله ويومياته، وآثاره التي خلّفها خلال 63 عاماً من عمر النكبة المشؤومة، وإذا كانت قصائده تميل للأسى والحزن والوجع، فهي تميل أكثر للتفاؤل والأمل والمستقبل المشرق، وحكم الوجع وجداني لعمق المأساة، وعمق التفاؤل قدري لارتباطه بوعد الله بالفتح والنصر والصّبح القريب، وفلسفة الشعر تحمل روح المعاصرة الراهنة:
"... شاهدت سحاباً يحمل مطر نبوءاتٍ
فصرخت بلادي
وفتحت نوافذ عشقي السريّة
أبحرت بأعماق الموج القادم من عينيك
فأدركني دمك المنثور على الأصداف وجبهات الماء
ناديتك: ماذا قالت عنقاء الجثث المصلوبة فوق ترابك؟!!
ماذا قالت أسراب الفينيق المحروقة فوق صخورك
أشلاءً أشلاء!!؟
ماذا قالت أرواح الشّهداء!!؟"
*

... بعد هذه المقدمة الموجعة بأسئلتها حدّ الفاجعة: موج دامٍ، جبهة الموت المائي كجبهة الموت البرّي: دم، أشلاء، جثث مصلوبة، أسراب فينيق محروقة.. أشلاء... أشلاء... شهداء!!! لغة شعرية فلسطينية متداولة لدى غالبية الشعراء، وأحاديث – ناس الوطن العاديين – دلالة عميقة لتذكير الأجيال بما جرى ويجري فوق التّراب الفلسطيني... البداية للتذكرة، والعبرة، وفيما بعد تحمل أجزاء القصيدة التالية: التفاؤل والأمل فيما يأتي:
"... عمّدتك جسدي ودمي
ووهبتك عمري الباقي في اللّوز، وفي الزّيتون،
منحتك نهر دمي الجاري
ماءً صافيةً لسهولك،
قلبي تفاحة عصر الفقراء
وقنبلة الزّمن الآتي
هل صرت لموتك عنواناً
أم مأوى للحزن الماطر من عينيك؟!!
هل أعشق وطني؟
يحرقني نبض العشق!!"
*
... المقطع التالي: - دلالة البذل الخالدة من أجل الوطن... أغلاه الأجساد والدّماء، والعمر الذي يوهب لا يذهب سدىً، ولكنه يثمر حياةً جديدةً، خالدةً في جذور اللوز والزيتون من الرموز الخالدة للوطن العربي... الفلسطيني!!! والتفاحة تبرز دائماً لفعل ما، ونتيجة ذلك الفعل، حيث هي تفاحة الحظ لنا وقنبلة الآتي ضد الأعداء، ثم الدلالة الخالدة لعشق الوطن... والتي تسري في الأجيال بتوارث نبض العشق!!!
... حمولة من الأحداث الجسام، ظلّت الحامل الضاري لشعرنا الوطني، تصبح الكلمة فيه مفتوحةً على احتمالات ضارية كذلك، وساعة الكتابة عقداً من النزف المفتوح على الدّم والشعر، وسكة العمر تسير بمحاذاة الموت والهمّ اليومي للفلسطينيين حيث تواجدوا: من خيمة المنفى إلى شوارع عواصم الشتات والغربة والاغتراب، وعبر هذا كله، فإنّ الفكر المقاوم ظلّ رائعاً وقوياً، وصامداً ضد عواصف الذبح والخراب، والقصيدة المقاومة لم تغب عن ساح وخندق نضالها، وشعبنا أنتج أجيالاً مقاومةً لم يشهد لها التاريخ مثيلاً، وظلّ شعرنا يدور في هذه الفضاءات اللاصقة بالروح والوجدان والمشاعر حدّ المستحيل: فضاءات الشعب الأسطورة، والجيل الأسطورة، والولد الأسطورة:
"... إنّه الولد المتماثل في طلعة النّجم
والوطن / الحلم ديدنه
عائدٌ من فصول الشّقاوة
ما ألقت الحرب أوزارها لينام
وما زال سرب الحمام
حزيناً على شرفات النّوافذ
يحرس قلب المدينة، يؤنس وحشتها
وهي تعبر أشرعةً فوق نقع العواصف
أيّ متاريسٍ يعبرها الطفل!!؟،
أيّ ميادين سوف يعانقه رملها!!؟،
أيّ طلحٍ سيلمس أهدابه!!؟،
في أيّ زاويةٍ سيعدّ الكمين!!؟،
*
تراءى له ظلّه في الحدائق،
صوت غزالته،
وجهها المتألّق، ماس جدائلها،
شكل أصحابه يقطفون الحجارة عن شجر البرق،
لم تكشف الرّيح أسرارها بعد،
(فلينكسر خوفه بالغناء المضرّج بالشّوق،
ولينطق صوته بالصّهيل الّذي يتوحّد"!!!
***
.... تمثل النماذج التي بين أيدينا من القصائد الرّؤية الشعريّة لدى عبد الناصر صالح، وكثافة الصور عبر مشاهد مؤثرة تنطبع عميقاً وبعيداً في ذاكرة المتلقي، وتترك أثرها فيه بإيحاءاتها، وحركية صورها، بما يؤكد قدرة الشاعر صالح على جذب قرائه لشعره بقبول معقول و جيد. تجربة الشاعر جزء من نضال الشعر الفلسطيني في ساح الكفاح الذي انبثقت منه تلك القصائد، ومن روح الإلهام، أو الإستلهام الوطني المؤثر والمعبّر والذي صاغ شعره من نزف جراحه، وعمق الأفكار التي نسجت قصائدها لتبقى دويّ نشيد الوجدان على امتداد الزمان كله، وتعاقب الأجيال , خلال رحلة العمر شعراً وكفاحاً.

صدرت للشاعر عبد الناصر صالح مجموعات الشعر التالية: الفارس الذي قتل قبل المبارزة،
داخل اللحظة الحاسمة ،خارطة للفرح ، المجد ينحني أمامكم، نشيد البحر ، فاكهة الندم ، مدائن الحضور والغياب.
... تجربة الشاعر عبد الناصر صالح إضافة مهمة لشعرنا العربي الفلسطيني تحمل رؤاها ومشاهدها من واقع مأساة فلسطين، وروح المقاومة الرائعة الطريق الوحيد للتحرير والعودة... شعر وطنيّ وإنسانيّ يحمل بذور القصيدة الحقيقية المعاصرة بكيانها الوطنيّ العربيّ الأصيل.
.... تسجل سيرة الشاعر عبد الناصر صالح حركة حياة تلك السّيرة من خلال النسيج الوطني والشعري والنضالي لأحد شعراء فلسطين المعاصرين، والذين بذلوا قيمة ما تستحق فلسطين من بذل وعطاء.
-عبد الناصر صالح: مواليد طولكرم – فلسطين بتاريخ 12/10/1957م.

انشر المقال على: