الجمعة 22-11-2024

بين حل الدولتين وحل الدولة الواحدة دراسة نقدية

×

رسالة الخطأ

تأليف: محمود فنون
بين حل الدولتين وحل الدولة الواحدة
دراسة نقدية
تأليف: محمود فنون
2018/2/11
2
المؤلف: محمود فنون
الكتاب: بين حل الدولتين وحل الدولة الواحدة دراسة نقدية
الناشر: مركز المشرق/العامل للدراسات الثقافية والتنموية
Palestine Research and Publishing Foundation
USA ,91221 Glendale, CA ,5025 P.O.Box
رام الله المحتلة
2018
تدقيق لغوي: سوسن مروّة
بين حل الدولتين وحل الدولة الواحدة
3
الإهداء
إلى
أمّي وزوجتي
بين حل الدولتين وحل الدولة الواحدة
4
المحتويات
تقديم د.عادل سمارة
مقدمة المؤلف
القسم الأول: نهاية حل الدولتين
سقوط حل الدولتين لشعبين
«البدء » وسلامة كيلة
التنظير على لسان عرب وفلسطينيين:
سقوط وهم الدولتين
ما هي الصهيونية
هناك استثناء قامت به العصبة الشيوعية:-
مقترحات الكونت برنادوت:
نهاية حل الدولتين
ماجد كيالي ونهاية حل الدولتين
أحمد قطامش يدلي بدلوه
أصحاب الصرخة
محمود الشيخ مع الإنتقال إلى حل الدولة الواحدة:-
بين حل الدولتين وحل الدولة الواحدة
5
أحمد حسدية ضد حل الدولتين:-
نديم روحانا
غانية ملحيس ونهاية حل الدولتين:
«مساهمة » راضي الجراعي في سقوط حل الدولتين
عوض عبد الفتاح
مبادرة كندي عام 1961 م
القسم الثاني: حل الدولة الواحدة
الوثيقة التأسيسية
الوصول للدولة الديموقراطية العلمانية الواحدة
فهم ورقة الصرخة للصراع
ورقة الصرخة دعوة للتعايش والتطبيع
أزمة القيادة الفلسطينية
التسوية الجارية: رؤيا جديدة – عملية جديدة لتسوية الصراع
دولة واحدة بمجتمعين منفصلين ومتشابكين.
أساليب قطامش لتحقيق الهدف
الميثاق الوطني الفلسطيني يحدد
عودة استكمالية مع قطامش
ورقة عوض عبد الفتاح
راضي الجراعي
ماجد كيالي والدولة الواحدة
خاتمة
بين حل الدولتين وحل الدولة الواحدة
6
ملحق رقم 1
قيس عبد الكريم/أبو ليلى كسرنا تابو شعار التحرير الكامل
ملحق رقم 2
اليهود والصهيونية وتغيير العقيدة
ملحق رقم 3
النكبة وحل الدولة الواحدة
ملحق رقم 4
في شعار الدولة الواحدة –الرفيق غازي - أمد
المصادر وثبت المراجع
بين حل الدولتين وحل الدولة الواحدة
7
تقديم
د. عادل سمارة
لكل مرحلة شروطها، والمرحلة وليدة حدثٍ تكون المرحلة نفسها بمثابة تجلّيه الرئيسي
وبالطبع لها شرطها علينا. هذه المرحلة وليدة حدث هو الاستعمار الاستيطاني
الصهيوني الإشكنازي كتخليق رأسمالي غربي في حقبة الإمبريالية لمخلوق مشوه
بالمطلق. كائن لا شبيه له حتى في المستوطنات الرأسمالية البيضاء الأخريات. كيان
من عبيد للإمبريالية من رئيس الوزراء إلى المثقف وصولاً إلى إثيوبي تطرد جثمانه مقابر
الإشكناز. لم يكن للشعب الفلسطيني والأمة العربية سوى خيار مواجهة هذه المرحلة
لأن شرط بقائنا يكمن في المقاومة.
هذا هو كتاب الرفيق محمود فنون، ببساطة «الحياة مقاومة ». لذا يحار المرءُ بين
الكتابة عن الكتاب أم عن المؤلف، ولا يطلق القلم سوى اندماجهما معاً.
حين تقرأ هذا العمل، تجد نفسك أمام مناضل من الشخصيات النمطية في القضايا
الأساسية. من فئة المثقف المشتبك الذي لا يتقاعد، وليس من فئة المثقف الذي حتى
إذا ناضل، فلأجل رِفعة شخصه، لذا تنتهي هذه الفئة إلى تقسيم عمرها إلى ثلثه في
الأسرة والمدرسة وربما الجامعة، وثلثه في عمل وطني وثلثه أو أكثر إما ندماً على ما أنفقه
على الوطن، أو بحثاً عن مردود عمَّا بذله، أو قرار السقوط في التطبيع سواء تطبيع
الدولة أو الأختين/الدولتين.
هذا الكتاب أول عمل تناول تفصيلاً هذا السقوط المدوي والمغلَّف بالافتخار، والعقلانية.
سقوط يقوم على قرار إهداء الوطن للعدو. وهو القرار أو الموقف المحظور بالمطلق على أي
شخص سواء كان قائدا، مثقفا مواطنا أو حتى منتخباً، لأن مصير الوطن لا يخضع
للتصويت. وعليه، يكون هذا الإهداء للعدو بمثابة طبعات متتالية لوعد بلفور.
يأخذك هذا الكتاب إلى حقيقة أن دُعاة الدولة والدولتين إنما يتوجهون إلى العدو،
بين حل الدولتين وحل الدولة الواحدة
8
بل الأعداء، وليس إلى الشعب صاحب القضية الوحيد. إنهم فرق طالبي الاعتراف من
الأعداء، الاعتراف بهم، وليس بحق الشعب في وطنه. فرق تتقن الثرثرة والتنميق والمكابرة
وتضخيم اللغة الجوفاء وتجويف الوعي ضمن ما يمكن للمرء تسميته استدخال الهزيمة
«وإظهاره عبر الاستقواء بالضعف ». بمعنى »نحن لن نرمي اليهود في البحر، لا بد
من المساواة في فلسطين، ليس هناك ملعبٌ لهم وملعبٌ لنا، على الأمم المتحدة تحمُّل
مسؤوليتها، العرب تخلَّوا عن فلسطين »...الخ. هذا السخاء بدون رصيد هو إستقواء
بالضعف لا أكثر مهما تفنن هؤلاء في تدوير الزوايا.
يتساءل المرء، من أين أتى هؤلاء بكل هذه الأكوام من محتويات «إسطبلات أوجياس .»
ليجد الإجابة كما قيل: «من فمك أُدينُك .»
«... وعوض عبد الفتاح صريح حيث يقول بأن إحياء فكرة الدولة الواحدة جاءت على
أيدي « ثلة من الأكاديميين المرموقين، فلسطينيين ويهودٍ إسرائيليين، وكذلك يهود من
جنسيات أميركية وبريطانية، إلى ترويج الفكرة »(. واضح أنت إذن، في إتقان ما علَّمك
مَن علَّمك.
لا يصعب على المرء التقاط مأزق هذه الفرق، فكلما أمعن الأعداء في طعن الحق
الفلسطيني كلما فاضت كتاباتهم عن طاقة مواقع الإعلام حتى الافتراضي منها،
والذي سِعته بلا حدود. لأنها علاقة السيد بعبده الذي يجلده كلما لاحظ عليه بعض
التلكؤ لا سيما حين يقرر السيد تنفيذ مشروعه الأخطر. وإلا ما معنى التفجع على
السلام بفيض الكتابة تواكباً مع قرار الولايات المتحدة اعتبار القدس عاصمة العدو؟
وعلينا أن ننتظر تسونامي الكتابة بعد قانون «القومية » المدَُّعاة تبريراً، وتغليفاً، ومداراةً
وتثبيطاً للعزائم.
هذا هو الكتاب الأول الذي تناول في ثناياه معظم ما كتبه مستدخلو الهزيمة، وعرضه
بأمانة وأدب، وذكرهم/ن بالأسماء. فمن جهة، كان هذا العمل الأول الذي تناول سقوط
فلسطينيين سقوطاً مريعاً وبالتفصيل. ولم يتوكأ على سقوط حكام ومثقفين عربا
وعرض كل هذه العورات كما هي، وبأدب. وربما كان أهم ما في هذا العرض النقدي هو ذكر
أسماء هؤلاء. لماذا؟
بين حل الدولتين وحل الدولة الواحدة
9
يزعم ذوو العيوب الوطنية أن ذكر أسماء المطبعين هو درجة من شخصنة الأمور.
وهذا هُراء خبيث. فالتطبيع هو اصطفاف في صف الأعداء ضد الوطن مما يجعل تعريف
الناس بحقيقة هؤلاء عملا وطنيا ومقاوما. فكشف أسماء هؤلاء هو تحصين للشباب
هم/هن من الانقياد للمطبعين مأخوذين بإعجاب بهم دون معرفة، لا سيما وأن المطبعين
يُخفون أنفسهم ويُغلِّفون لغتهم بالاستقواء بالضعف كما أشرنا. مثلا، بعبارات من
نمط «فور الضم سنبدأ المطالبة بالمساواة »! يا للهول! ألم يُطالب أسلافهم من الحزب
الشيوعي راكاح بالمساواة منذ عام 1948 ؟
يكشف الكتاب مخاطر مثقفي الطابور السادس الثقافي عبر الرد على شخوص
هذا الكتاب الذين يحاولون البقاء في عين الاحترام الشعبي كما كان بعضهم حين كان
يناضل! إنهم يستلحمون للحفاظ على قيمة خاصة بهم، يسميها البعض «رأس
المال الرمزي » الذي لا أراه إلا ضمن البعد المادي معبراً عنه برمزية ما. وللبقاء في موقع
قيادي، يكون على هؤلاء وجوب الكذب، سواء بالثرثرة عن «الإنسانية، المساواة، التسامح،
التفكير الجديد...الخ .»
ولعل التفكير الجديد، وهو مقولة إدوارد سعيد، هو حجر الزاوية في معظم ما قاله
هؤلاء. إنه استبدال النضال بناعم الكلام الذي يمتص شحنتك الثورية، وينفخك بشيء
ما، لا يمكن لمسه ماديا وتطبيقياً. لذا، يثرثرون عن تخلي الصهاينة عن علاقة القوة
التي يتمتعون بها. رغم أن هذا مُحال، إلا أن الكاتب يلتقط هذا الخبث بتذكير أهل
التطبيع بأن المشكلة ليست في العلاقات بيننا وبينهم بل في اغتصاب وطن، كأرض
وبيت ومصدرعمل وإنتاج ودخل وإعادة إنتاج الخير لأجل البقاء المجتمعي. هذا ناهيك
عن مأزق يقع كبرزخ مليء بعذابات شعبنا بين اليوم وإلى حين يقرر الصهاينة القبول
بعلاقات جديدة ليست سوى تقليل احتقارهم لنا. أما الذين منهم يحلمون بأن سقوط
الرأسمالية العالمية سوف يُنجز لنا سقوط النظام الصهيوني، فحبذا لو يقولون لنا....
متى!
تعلمتُ من الكتاب الكثير. وهذا ما سيقرأه ذوو العقول الحصيفة بين ثنايا الكتاب.
وليس لي، في مساحة محدودة أن أذكر سوى ملاحظتين فقط:
الأولى: في المقارنة المتأنية لمواقف هؤلاء المطبعين في الماضي ولاحقاً. أي حينما كان
بين حل الدولتين وحل الدولة الواحدة
10
بعضهم في صفوف المقاومة حتى انتقالهم إلى مواقع هي ضد المقاومة، ضد الذات،
التي ب لنا الكاتب أنهم كانوا سابقاً ضد ذاتهم الحقيقية، التي هي الآن. أما بعضهم
الآخر، فلا تاريخ له.
والثانية: لقد فهمت بجلاء أين يكمن سرُّ تخاذل كثيرين عن شجب مختلف دعاوى
التطبيع مجسدة في «الدعوة لتفكير جديد بديلا للمقاومة، مبادرات، مؤتمرات،
مقترحات، أوراق، «نداء وصرخة من الأعماق » التي أُحاكم لرفضي لها. تخاذل اتضح في
تجاهل مقصود لخطورة كافة هذه السقطات وكشف عن طابور سادس ثقافي، بل حتى
عن جناح سِريٍّ له.
هذا العمل، كما تقول أدبيات الحرب، هو أحد جيوب المقاومة التي تتكون من مجموعات
محدودة العدد، جريئة، تضحوية، يُنيط بها قادة الجيش مهمة البقاء وراء خطوط جيشهم
المنسحب إثر هزيمته كي يُعيقوا اَحلق جيش العدو بهم، كي يتمكن الجيش المهزوم من
إعادة الاصطفاف ليبدأ الهجوم المعاكس مجدداً.
هكذا قرأت هذا العمل، وهكذا هو عمل وكاتب.
بيت عور الفوقا - رام الله - الأرض المحتلة
21 تموز 2018
بين حل الدولتين وحل الدولة الواحدة
11
مقدمة
بدأت الكتابة في شباط 2018 وسبق وعبرت عن أفكار الكراسة في كتابات قصيرة
متفرقة، وفكرت في جمعها معا بعد استكمال مجموعة حيثيات هي من لزوميات
تبيان الموقف الوطني من طروحات التسويات السياسية. طروحات رأيت أنها تمس سلبا
بالرواية الفلسطينية المتعلقة بقضية الاستيطان اليهودي في فلسطين، بل إنها في
خدمة الاستيطان وتتساوق معه ولكن بطريقة تساعد على إدخال الهزيمة في الذهنية
والثقافة الفلسطينية التحررية.
وقد سبق لي أن توصلت لخلاصة لجميع مبادرات ومشارع التسوية التي طرحت لمعالجة
الصراع العربي الصهيوني والقضية الفلسطينية.
ومفاد هذه الخلاصة أنها جميعها تأخذ من حقوق الشعب الفلسطيني لصالح
الاستيطان اليهودي وفي خدمة المشروع الإمبريالي الصهيوني، وتتساوق مع برنامج
تهويد فلسطين. كما أنها تعطي اليهود، المستقدَمين تنفيذا لمشروع تهويد فلسطين،
تعطيهم أحقية جزئية أو كلية في فلسطين وتناغما مع أطوار إقامة كيانهم الإحتلالي
الإستيطاني الإقتلاعي.
كما أنها درجة عالية من الخضوع لسياسات الدول الغربية، صاحبة المشروع أصلا،
ودعمٌ له أو خضوعٌ مذلٌّ لإملاءت القوة النافذة وصاحبة التأثير من الدول الاستعمارية
والدول الرجعية العربية والأعوان من كل شاكلة وطراز.
كما أن جميع أطروحات التسوية وما يحصل حولها من تفاعلات، وأخذ وردٍّ ومن أوهام
وآمال، كلها كانت تطرح بينما المشروع الصهيوني قيد التنفيذ ويتقدم.
بين حل الدولتين وحل الدولة الواحدة
12
ثم أن هذه المشاريع كانت تستهدف المساس بالموقف الثوري وبالعقلية والذهنية
الفلسطينية والعربية التحررية دون أن تحمل أية جدية في شقها المتعلق بمعالجة الشأن
الفلسطيني.
كان هذا الأمر هكذا دوما، ومنذ أن بدأت لجان التحقيق الغربية بالوصول إلى فلسطين
للتعرف على حقيقة القضية وتحت لبوس الحق والعدل وحقوق الإنسان وحقوق الشعوب
في تقرير المصير والتحقيق في الأحداث الجارية. وبعد ذهاب اللجنة ونشر قراراتها أو
حجبها، ظل المشروع الصهيوني يتقدم ويتراكم ويتبلور دون توقف. والجزئيات التي كان
يحتويها التقرير والنتائج والتي تظهر بعض التعاطف مع الشعب الفلسطيني، كلها
كانت من أجل استكمال الصورة دون أن تجد حظها في الممارسة أو تقديم أدنى خدمة
للجانب الفلسطيني، بينما كان كل ما هو في صالح استمرار الإنتداب البريطاني
واستكمال برنامج التهويد واستقدام المهاجرين اليهود مستمرا وبكل الوسائل، علما أن
هذا البرنامج كان في صلب السياسة الأوروبية والأمريكية عموما والسياسة البريطانية
خصوصا. فقد جاءت بريطانيا من أجل تمكين اليهود من الهجرة إلى فلسطين وتوطينهم
فيها وكانت قوة مسيطرة وقادرة على تنفيذ سياستها.
ولم تتمكن المقاومة الفلسطينة من وضع حد لهذه السياسة. ذلك أن المقاومة
الفلسطينية لم تتمكن من تلقي الدعم المناسب من الدول العربية والتي كان
حكامها خاضعين للنفوذ البريطاني والفرنسي، وكانت عقلية الحكام العرب على درجة
من التواطؤ والتخلف بحيث أنهم لم يقفوا أمام البعد الإستراتيجي لعملية تهويد
فلسطين وآثارها المدمرة على الوطن العربي كله وعلى الشعب الفلسطيني بخاصة.
لقد كانوا حكاما مستسلمين للنفوذ الأجنبي ومتواطئين معه ولم يمارسوا أية أدوار
جدية عملية أو يتخذوا المواقف للوقوف في وجه عملية التهويد هذه وكانت القيادات
الفلسطينية بذهنية متخلفة ودون مستوى التحدي.
بين حل الدولتين وحل الدولة الواحدة
13
وكانت مشاريع التقسيم تستهدف تمكين اليهود في جزء من فلسطين، أي إعطاءهم
الحق به وانتزاعه من الشعب الفلسطيني فعليا وانتزاعه من روح الشعب الفلسطيني
وحقوقه في وطنه وانتزاعه من الأمة العربية وتقنين وجود الأجنبي المستوطن به، علما
أن هذا الوجود اقتلاعيٌّ من أساسه وليس لمجرد السكن بالمعنى الشخصي.
وبعد عام 1948 ، كانت مشاريع الحلول تتعلق بمعالجة مشكلة اللاجئين في شقها
الفلسطيني وهي على كثرتها لم تجد حظها في الممارسة بل كانت وظلت حبرا على
ورق وكانت في شقها الآخر تخدم تمكين الاستيطان اليهودي في فلسطين وتدعمه
وتعززه.
ثم كان هذا حال كل المشاريع التي طرحت منذ عام 1967 م من الأمم المتحدة وهيئاتها
ومن أشخاص ومن دول ومن تكتلات دولية ووسطاء، وظلت هكذا حتى يومنا هذا، بل
زاد الأمر سوءا بقبول هذه المشاريع من الدول العربية رغم أنها تضرب الوطن العربي
استراتيجيا وتطفح بالإذلال المهين للحكام العرب الذين كانوا يقبلونها.
وزاد الأمر سوءا وذلا لهم بأنهم هم أنفسهم أخذوا يقدمون مشاريع الحلول والتسويات
التي تتضمن الإعتراف بحق إسرائيل في الوجود وهذا الوجود هو على كل أرض فلسطين
كما وتعترف لها بالعيش بسلام.
وكانت ثالثة الأثافي تلك المشاريع والمبادرات المقدمة من فلسطينيين يشتبه في أمر
وطنيتهم، بل وفي فلسطينيتهم، حينما يكون الشق الأساس في مبادراتهم هو اعتراف
باسرائيل وحقها في الاستيطان في 78 % من وطن الشعب الفلسطين وهو قائم فعلا،
وتقدم عبارات جوفاء لا أساس لها من التطبيق للشعب الفلسطيني وقضيته. وكانت
أخطر المبادرات الفلسطيني الرسمية هي مبادرة الدولة في الضفة والقطاع وما يقابلها
من التخلي عن 78 % من الوطن الفلسطيني مقدما وبطرح ذاتي وقبول ذاتي بل كان قبولا
عبر عن جديته بالدفاع المستميت عن هذه السياسة في أوساط الشعب الفلسطيني
سياسيا وفكريا وثقافيا وذهنيا، وكتعبير عن عجز عن إحداث تقدم جدي في النضال
بين حل الدولتين وحل الدولة الواحدة
14
الفلسطيني واختراق جدي في المشروع الصهيوني، ولو في مستوى أن يضع حدا لبرنامج
الإستيلاء على أراضي الضفة وإقامة المستوطنات عليها.
ولم يأت أي مشروع أو مبادرة مدعومة وتستهدف التطبيق بحيث تضع حدا لتغول
الاستيطان أو تقول إلى هنا، ناهيك عن عدم القدرة على زعزعة الوجود الإستيطاني ولو
في الضفة والقطاع.
وفي هذا السياق أتت مبادرات ومشاريع وصرخات ترفع شعار الدولة الواحدة للشعبين
على أنقاض مشاريع دولتين للشعبين.
إنها تستهدف تمرير الهزيمة وتشريب الشعب الفلسطيني مرارتها وعلى أيدي أشخاص
أو مجموعات من الشعب الفلسطيني ليمرروا السياسة الصهيونية «بأغصان منا »
هم في خدمة مشروع عدونا.
فجاء هذا الكتاب وهو من قسمين:
القسم الأول: يناقش موضوع الدولة المستقلة مع أصحاب مشروع الدولة الواحدة
وكيف قيّموه وكيف استنتجوا أنه وصل إلى نهايته بما دفعهم لطرح شعار حل الدولة
الواحدة.
والقسم الثاني: يناقش مشروع الدولة الواحدة وكيف يمهد ذهنية الشعب
الفلسطيني لقبول فكرة استكمال ضم الأراضي التي احتلت عام 1967 م إلى الأراضي
التي احتلت عام 1948 م وما قبلها، وما في هذه الأفكار من تزيين كاذب وأفكار مضللة
وأوهام رديئة.
ملاحظة هامة:
بينما أتابع تدقيق النص ودفع الكتاب للمطبعة صادق الكنيست الإسرائيلي على
«قانون الدولة القومية اليهودية » الذي ينص على أن:
«إسرائيل هي الوطن التاريخي للأمة اليهودية.
لليهود فقط في إسرائيل الحق في تقرير المصير ...
بين حل الدولتين وحل الدولة الواحدة
15
والهدف من القانون هو حماية شخصية دولة الشعب اليهودي... » عربي نيوز في 19
/ 2018/7 م.
وإذا استذكرنا قرار الليكود بضم الضفة الغربية وهذا نص القرار: «في الذكرى
الخمسين لتحرير يهودا والسامرة، بما فيها القدس، عاصمتنا الأبدية، تدعو اللجنة المركزية
لليكود قيادات الليكود المنتخبة للعمل من أجل السماح بالبناء الحر، وتطبيق قوانين
إسرائيل وسيادتها على مجمل المجال الاستيطاني المحرر في يهودا والسامرة 2018 »...» م،
وكذلك تأييد أحزاب أخرى له والطلب من الحكومة دفعه للكنيست لإقراره في الوقت
المناسب، فإننا نفهم من عبارة «إسرائيل » جغرافيّاً هي كل فلسطين.
ومن هنا نفهم ما الذي يعنيه لهاث اللاهثين وراء طرح مبادرات التسوية في خدمة
العدو.
محمود فنون في 20 / 7 / 2018 م
بين حل الدولتين وحل الدولة الواحدة
16
محمود فنون
2018/2/11 م
القسم الأول
سقوط حل الدولتين لشعبين
«البدء » وسلامة كيلة
«1.1 في البدء كانت الكلمة »
«2.2 وكانت الأرض خربة وخالية، وعلى وجه الغمر ظلمة.. » وروح سلامة كيلة يرف
على وجه المبادرات.
3.3 وقال سلامة: لتكن وثيقة يوقع عليها الفلسطينيون لصالح اليهود.
4.4 ورأى سلامة أن هذا حسن وسمّاها وثيقة تأسيسية
وقال: لتمتلئ الأوراق بالتواقيع وتنشر في الصحف.
وكي يؤمن بها الناس قال: «إنها كانت من «البدء » )اقتباس مع تحوير من العهد
الجديد(
من هو سلامة كيلة؟
هو فلسطيني يتكفل بمهمة شبيهة بالمهمة التي تكفل بها أنصار فتح وأنصار الجبهة
الديموقراطية والتنظيم الشيوعي الفلسطيني في سبعينيات وثمانينيات القرن
الماضي لإقناع الشعب الفلسطيني بشعار «إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة في
الضفة والقطاع وحق العودة وتقرير المصير » الذي شغل حيزا واسعا من النقاش.
هذا الشعار الذي تفاوضت عليه الفصائل مع نفسها وطرحته على نفسها وأخذت
بين حل الدولتين وحل الدولة الواحدة
17
تدافع عنه أمام الجماهير الفلسطينية وتشرح مزاياه الإيجابية حين تحقيقه...!!!
لم يكن هذا هروبا إلى الأمام ولا من أجل تسهيل المهمة بل كان ارتدادا ونكوصا.
قبل دورة المجلس الوطني اتضحت التوجهات من خلال النقاش الدائر في حينه وهذا
نموذج من النقاش أقتطفه من كراستي المنشورة في صحيفة الحوار المتمدن:
« وكرر صلاح خلف موضحا «استعداد الشعب الفلسطيني لإقامة سلطته
الوطنية على أية أرض ينحسر عنها الاحتلال...ولكن لا يجب أن تكون هذه السلطة
على حساب استمرارية الثورة فلا اعتراف ولا صلح مع إسرائيل ولا حدود آمنة معها... »
«وأكد عرفات ...استمرار النضال الفلسطيني بعد بناء السلطة الوطنية لتحرير
باقي الارض الفلسطينية. »
وطرحت الجبهة الديموقراطية «ضرورة أن يعلن الشعب الفلسطيني أن مطالبه في
هذه المرحلة هي: أن يعترف العالم بحقوقه المشروعة والوطنية في فلسطين وبحق
تقرير المصير على أرضه كسائر الشعوب أي حقه في الاستقلال الوطني وبناء كيانه
المستقل على أية أرض فلسطينية يتم تحريرها ..وأن هذا أقصى ما يمكن أن تحققه الثورة
الفلسطينية » )نفهم هنا أن كلمة أرضه أخذت تعني ليس كامل الارض الفلسطينية،
بل فقط أي جزء يتم الحصول عليه بالتسويات( ...ومدافعا عن البرنامج، قال ياسر عبد
ربه «إن إقامة السلطة الوطنية لا تنهي القضية الفلسطينية بل تنقلها إلى موقع
أكثر تقدما ...لانتزاع بقية الحقوق الفلسطينية في المدى اللاحق .»
«أما الجبهة الشعبية فقد أكدت أن أية سلطة فلسطينية تقام على أرض
فلسطينية نتيجة التسوية السياسية القائمة على قراري مجلس الامن 242 و 338
لا يمكن إلا أن تكون سلطة رجعية ومستسلمة ...واستبعدت انسحاب اسرائيل من
الضفة الغربية كهدف منظور »، تصريحات منشورة في كتاب مهدي عبد الهادي–
المسألة الفلسطينية ومشاريع الحاول.)محمود فنون، أزمة القيادة الفلسطينية، الحوار
المتمدن(.
كانت هذه صيغاً تمهيدية للانتقال الجديد تستهدف تمرير الطرح وتجنيد المريدين للدفاع
عن السياسة الجديدة التي تمت بلورتها لاحقا كما سنرى في مكان آخر. حيث تغيرت
الصيغة من إقامة سلطة الشعب على أي أرض يمكن تحريرها إلى ما عرف بالبرنامج
بين حل الدولتين وحل الدولة الواحدة
18
الوطني المتمثل بالعودة وتقرير المصير وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، ثم تلتها
صيغة دولتين للشعبين.
وفي المجلس الوطني خاضت الفصائل المؤيدة للتنازلات نضالا مريرا في داخلها وبين
أنصارها ومؤيديها من أجل إقرار الصيغة المناسبة في دورة المجلس الوطني الثانية عشرة.
وعندما أقر المجلس الصيغة المطلوبة المذكورة أعلاه شعر ممثلو الفصائل المؤيدة أنهم
انتصروا )!(، ليس على العدو لأن الذي انتصر في هذه الحالة هو العدو.
إذن هم انتصروا على الرفض وادعوا وهم يخادعون أنفسهم أن أبواب جنة أمريكا
وإسرائيل قد فتحت لهم. وكانت الصيغ الجديدة تطرح بشكل ناعم لتجنب الهزة
الناتجة عن الإنتقال لصيغ كانت الفصائل جميعها تعارضها في كل أدبياتها، وجاء في
قرارات المجلس للدورة الثانية عشرة:
« ....ومن الايمان باستحالة إقامة سلام دائم وعادل في المنطقة )أي من وجهة نظرنا-
م. ف.( دون استعادة شعبنا لكامل حقوقه الوطنية وفي مقدمتها حقه في العودة وتقرير
مصيره على كامل ترابه الوطني، )حتى الآن يبدو أنه لم يتغير شيء وأن كلمة كامل ترابه
الوطني تعني كل فلسطين بحدودها الانتدابية- م.ف.(. وعلى ضوء دراسة الظروف السياسية
التي استجدت في الفترة ما بين الدورة السابقة والحالية للمجلس يقرر المجلس ما يأتي:
-1« تأكيد موقف منظمة التحرير السابق من القرار 242 الذي يطمس الحقوق الوطنية
لشعبنا...ولذا يرفض التعامل مع هذا القرار... »)مع أن قبوله شرط للمشاركة في
التسوية التي تنص كل القرارات والتصريحات أن هذه التسوية على أساسه وتنفيذ
له- م.ف.(
-2 « تناضل منظمة التحرير بكافة الوسائل وعلى رأسها الكفاح المسلح لتحرير
الأرض الفلسطينية وإقامة سلطة الشعب الوطنية المستقلة المقاتلة )على( أي
جزء من الارض الفلسطينية يتم تحريرها، وهذا يستدعي إحداث المزيد من التغيير في
ميزان القوى لصالح شعبنا ونضاله » )قرارات الدورة الثانية عشرة للمجلس الوطني
الفلسطيني(
بين حل الدولتين وحل الدولة الواحدة
19
وكانت هذه التعابير كما جاء على لسان خالد الحسن «... لقد تمت صياغة الكلام
بحذر شديد ولا تنسَ أننا نبيعه لشعبنا » في مقابلة معه مع صحفي إسرائيلي «وولتر
روبي الصهيوني، جيروزالم بوست 18 - 11 - »1988
كانت الفصائل الموافقة تبرهن لمؤيديها ومريديها بأنها قدمت الصرعة التي تفوقت
فيها على نفسها وعلى غيرها وأنها اخترعت العجلة من جديد وأن هذا الكشف يدفعها
خطوات إلى الأمام وذلك عبر نقاش مستمر.
والآن، وبعد 45 سنة، ثبت بالقول وبالفعل أن هذه الشطحة هي حمل وهمي مصحوب
بمقدار كبير من سوء الصحة.
نقاش انقسم الناس فيه وظهر ما يعرف بجبهة الرفض الفلسطينية والعربية.
تولت جبهة القبول الدفاع عن قرار حل الدولة المستقلة والدولتين وتسويغ قبوله
وتولت جبهة الرفض النقاش المضاد- حوار ذاتي لا أكثر ولا أقل، ولكن جبهة الرفض كانت
تدافع عن الوطن وثقافة الجمهور.
لم يكن أمر الدولة الفلسطينية المستقلة مطروحا كتسوية ممكنة من قبل
إسرائيل المتحكمة في رقبة الأرض، كتسوية ممكنة بينها وبين القيادة الفلسطينية،
ولم يتعهد أحد بإحداث تسوية تضمن مثل هذا الشعار. كان بمثابة شعار وتعبير عن
حسن النية وتعبير عن سياسة «معتدلة » في الصراع العربي الإسرائيلي آنذاك ومن
أجل إيجاد موطئ قدم في قطار التسوية الذي انطلق منذ تلك الفترة ما بعد حرب
أكتوبر بقيادة السادات كأداة من أدوات خدمة المشروع الصهيوني.
كان نقاشاً عبّر عن نفسه بالكتابة والمقالات والنقاشات والطرح والرد واستهدف
فيه طابور القبول «طابور التسوية » بأن يقتنع الشعب الفلسطيني بصوابية خياره
وكذلك بمحاسن هذا الخيار. بل إن الخطاب كان موجّهاً أصلا للداخل الفلسطيني وهذا ما
دعا له إيلان بابيه المؤرخ الإسرائيلي الجديد في مرات عديدة. إنه لم يكن موجها للقيادة
الإسرائيلية ولا الأمريكية.
بين حل الدولتين وحل الدولة الواحدة
20
وفي ما يخص القيادة الأمريكية والإسرائيلية، كان هذا الخطاب بمثابة إعلان هوية
جديدة أمامهم وموقف جديد يعبر عن استعداد طارحيه للطراوة والمرونة في الموقف
من إسرائيل والاعتراف بحقها في البقاء على الأرض الفلسطينية. وبالمناسبة، هذا
حال كل مبادرة طرحها فلسطينيون أو عرب، رسميا أو ذاتيا. هذه المبادرات تقول لأمريكا
«نحن نحمل هذه الهوية اليوم وقد غادرنا وبشكل نهائي المواقف الفلسطينية التي
ثبتها الميثاق الوطني الفلسطيني والتي أعلنتها مواقف وبرامج الفصائل الفلسطينية
لتحرير فلسطين. »
لقد نجح العدو في اختراق المواقف الفلسطينية السائدة تحت عنوان أنها «متطرفة »
وبالتالي ومن أجل التخلص من صفة التطرف، وتساوقا مع مواقف الدول العربية
الرجعية، وتعبيرا عن العجز، اتخذ الطارحون مبادرات تقر لإسرائيل بالوجود وبحقها في
الاستيطان كعربون حسن نية لا أكثر، وإعلان هوية وموقف جديد لا أكثر.
إذن كانت ارتدادا.
إن تجربة العقود الماضية كلها قد أثبتت بالملموس أن الموقف الأمريكي والإسرائيلي لم
يتغير ولم تتم النظرة بإيجابية للتغير العميق الذي طرأ على مواقف طارحي المبادرات
سوى ما كانت تكتبه الصحافة الأجنبية عن اعتدال ما ومطالبة برفع وتيرة الإعتدال
درجة أخرى، إلى أن وصل الموقف إلى إعلان تقادم الميثاق الوطني الفلسطيني على لسان
عرفات نفسه في خطابه أمام الأمم المتحدة في سويسراعام 1988 م، وأن الميثاق الوطني
الفلسطيني )كادوك- أي قديم/عتيق/بالي( وكأنه ينبذ عاراً ما.
ثم الإقرار بشطب كل البنود التي تتعارض مع حق إسرائيل في الوجود كما جاء في
رسالة عرفات لرابين في 9 أيلول 1993 م: “تؤكد منظمة التحرير الفلسطينية أن الفقرات
الواردة في الميثاق الفلسطيني والتي تنفي حق إسرائيل في الوجود، والبنود الواردة في
الميثاق والتي تتعارض مع الالتزامات الواردة في هذه الرسالة هي اعتبارا من الآن غير
موضع التنفيذ ولم تعد سارية المفعول. وبالتالي، منظمة التحرير الفلسطينية تتعهد
برفع التعديلات الضرورية في الميثاق الوطني الى المجلس الوطني الفلسطيني للمصادقة
الرسمية عليها.” )صحيفة الركن الأخضر في 16 / 11 / 2007 م(.
بين حل الدولتين وحل الدولة الواحدة
21
كانت هذه الرسالة بناء على طلب العرّابين وتتويجا للتوغل في سياسة ومناهج
اتفاقات أوسلو وما تلاها، ودون إحداث أي نقلة نوعية في المواقف والسياسات الإسرائيلية
والأمريكية تجاه حقوق الشعب الفلسطيني سياسيا وجغرافيا، وحتى دون أن تكف
إسرائيل عن قضم الأراضي وبشكل مضاعف وبناء المستوطنات والتنكيل بالشعب
الفلسطيني بكافة طبقاته الإجتماعية وأطيافه السياسية.
لقد أضاعوا المواقف وأضاعوا آليات النضال وساهموا ويساهمون في حماية الأمن
الاستيطاني في فلسطين، وتحت شعار الدولة المستقلة وعاصمتها القدس.
قالوا في البداية أن هذا الخيار “يؤمّن دولة للفلسطينيين بعد أن لم يكن لديهم
دولة”، وأنه خيار يؤمن لهم أرضا ينطلقون منها لتحرير باقي فلسطين، وأن هذا الخيار هو
مجرد محطة على طريق تحرير ما تبقى من فلسطين ....”، كما جاء في أدبيات فصائل
التسوية.
هذا، علما أنهم دافعوا عن أوسلو بمبرر نقل القيادة الفلسطينية للداخل من أجل
قيادة النضال من الداخل، ولكن محمود عباس رئيس سلطة الحكم الذاتي صرّح في
مرات ومناسبات عديدة، بأنه لا يمكنه الخروج من بيته دون إذن من الاحتلال!
بينما كان تيار الرفض يفند بحق هذه الادعاءات على أنها ليست أكثر من أوهام وأن
التحرير لا يأتي إلا بالكفاح، وأن طرح التسويات ليس أكثر من تنازل مسبق عن فلسطين
المحتلة عام 1948 م دون الحصول على أي شبر من الضفة والقطاع، وخاصة أن الناطقين
الإسرائيليين كانوا يعبرون عن رفضهم لمجرد التعاطي مع المنظمة ورفض أي تفاوض معها
ورفضهم التنازل عن أي شبر من فلسطين، ويطرحون مشاريعهم الخاصة بهم )مشروع
ألون، غاليلي.. الخ(.
ينص مشروع آلون الأساسي في تموز 1967 م على ما يلي :تصرّ )إسرائيل( على أن
حدودها الشرقية يجب أن تكون نهر الأردن، وخطاً يقطع البحر الميت بكل طوله، في حين
تبقى حدود الانتداب، على طول وادي عربة كما كانت قبل “حرب الأيام الستة” )مؤسسة
الدراسات الفلسطينية نفلا عن الشؤون الخارجية في أوكتوبر عام 1970 م Yiagal
بين حل الدولتين وحل الدولة الواحدة
22
Allon: Israel; The case of the defensible borders, Foreign Affairs,
)1976 October
تمثل هذه المشاريع ما تريده إسرائيل بعد أن أقرت ونفذت، وتغلق الباب على أي
تنازلات من قبلها، وفي نفس الوقت تستمر في تنفيذ مشروعها وتقضم الأرض وتقيم
المستوطنات وتستقدم المهاجرين الجدد وتستفيد من الوقت الثمين؛ أي أن مشروع
التهويد والصهينة مستمر دون توقف وحتى لحظة كتابة هذه السطور.
اليوم، وقد تأكدت طروحات الرفض، ولم تحصل المنظمة على أي شبر من أرض فلسطين،
وإسرائيل ومن معها لا يبدون أي استعداد للتنازل عن أي شبر من الأرض، وبعد أن تغيرت
معطيات الحركة الفلسطينية جذريا وأصبحت هياكل ضعيفة وغير قادرة على إنجاز أي
تقدم أو أي ضغط على العدو. في ظل ما سبق، يستمر البعض في طرح المبادرات وهذه
المبادرات هي من ذات نهج التنازلات، هي ارتداد ونكوص وتخلٍّ عن الهدف المنشود أصلا
كما سنرى لاحقا. وكان بعض طارحي هذه الأفكار والتنازلات من أصول نضالية، أما اليوم
فإن معظمهم لا يرتكز على ماضٍ كفاحي.
والآن ثبت بالقول وبالفعل أن هذه المبادرات هي شطحات، وهي حَمل وهمي مصحوب
بمقدار كبير من سوء الصحة وهي تعبر عن تقارب مع العدو.
وثبت أنها مقدمات لطروحات أشد سوءا وهذا تقييمها التاريخي مأخوذا في ذات
سياق التنازلات الخطرة.
واليوم، فإن أنصار طرح حل الدولتين ومؤيديه ومنظّريه في حينه يبرهنون بعد فوات
الأوان أنه كان وهما ولكن يطرحون مخرجا باستبداله بوهم جديد.
طرحهم هو وهم للفلسطينيين ولكنه حقق أهدافا مهمة للصهيونية ومعسكر
الأعداء، ما عدا خالد الحسن الذي طرح بوضوح أن طرح حل الدولتين هو مقدمة لطرح
الدولة الواحدة حيث يقول في مقابلة له مع وولتر روبي من صحيفة جروسلم بوست
الإسرائيلية مبكرا في عام 1988 في أوج الإنتفاصة الأولى:
“غداء مع مستشار م.ت.ف المرُ. بقلم وولتر روبي الصهيوني، جيروزالم بوست 18 -
1988-11
“قال رئيس لجنة العلاقات الخارجية في المجلس الوطني الفلسطيني بأن مؤتمر الجزائر
بين حل الدولتين وحل الدولة الواحدة
23
اتخذ قرار القبول بحل الدولتين. ولكنه وهو أحد اثنين هما إيديولوجيي م ت ف، والثاني
هو ياسر عرفات، أنه يأمل أن يتم اندماج الدولتين لاحقا في دولة ديمقراطية علمانية....
أنا لم أخف هويتي بل قصدت أن أقول بأنني صهيوني. وحين سألته لماذا كان موقف
م.ت.ف غامضاً تجاه قراري الأمم المتحدة 242 و 338 ، أجاب: “... لقد تمت صياغة الكلام
بحذر شديد ولا تنس أننا نبيعه لشعبنا...ينص البيان بأن المؤتمر الدولي سيعقد بموجب
242 و 338 ، نقطة على السطر. ..لكننا في المؤتمر سوف نتحدث عن قرارات الأمم المتحدة
الأخرى... إننا ننبذ الإرهاب”
“لقد تمت صياغة الكلام بحذر شديد ولا تنس أننا نبيعه لشعبنا” كما قال خالد
الحسن. أما المواقف فتمرر كلها من خلال العرابين.
واليوم يدور النقاش بين شرائح حزب استدخال الهزيمة بتلاوينه المختلفة ومن جذور
سياسية متعددة ويتبارون في طرح صيغ حل الدولة الواحدة بديلا عن صيغ حل
الدولتين على أنه الحل الصحيح والسديد الذي يلوي عنق إسرائيل وحلفائها ويحقق
الحلم الفلسطيني في الدولة والعودة، وبالتالي ليؤكدوا أن طرح حل الدولتين كان مجرد
فتح الباب للنزول درجة أخرى عن السلم ليتبعها نزول درجات أخرى لصالح العدو. وهذا
الطرح كما سنرى هو نكوص وارتداد عن كل الطروحات السابقة عليه، وحتى أنه ليس
هروبا إلى الأمام. استبدال وهمٍ مكان وهم كما سنرى بالتحليل والإستعراض والدراسة.
إنهم يستميتون في طرح موقف التعايش مع الاستيطان اليهودي في فلسطين
وتطبيع العقل الفلسطيني والعلاقات الفلسطينية مع الاستيطان والمستوطنين في
فلسطين كلها كبديل عن هدف التحرير.
إن هذا الطرح لا يزيد عن دعوة لتطبيع العقل الفلسطيني والوعي والثقافة
الفلسطينية مع برنامج التهويد القائم على الاستيطان في كل فلسطين وإقامة وطن
قومي لليهود فيها.
هنا تجد الكثيرين من الطارحين يشكلون فيلقا يندفع في درب “الآلام” حاملا صليبه
ويحفّ بهم الموقعون والنافخون في البوق والمستحسنون. بينما الممولون يرقبون
بين حل الدولتين وحل الدولة الواحدة
24
باستحسان ولكنهم “يدفعون” لهم ليحثوا الخطى ويتعجلونهم ليتنازلوا أكثر وأكثر
وليتعمقوا في غرقهم في الوحل.
هنا ينطلق النقاش والجدل الداخلي حول سقوط شعار حل الدولتين وضرورة
استبداله بشعار الدولة الواحدة بصيغ تلتقي كلها على بقاء الاستيطان
والمستوطنين والمستوطنات، ومرفق مع مطالبة ب: عودة اللاجئين وتخلي اليهود عن
صهيونيتهم وتخلي الدولة عن عنصريتها تحت عنوان تفكيك الدولة الصهيونية وتغيير
جلدها بما ينسجم مع مصالح طارحي الشعارات والأوهام التي يسوقونها وبما يكفي
لتسويغ طرحهم وتسويق الأوهام للشعب الفلسطيني.
وسنرى ذلك خلال استعراض نماذج من البرامج المقترحة على الشعب الفلسطيني.
إنها تقول للفلسطينيين نعم للتطبيع ونعم للتعايش مع الاستيطان “كسكان
أصليين”، “كطوائف غير يهودية” تبقى بمقدار ما إلى جانب الإستيطان.
إن طارحي هذه البرامج يشكلون صفا واحدا مدافعا ومنافحا عن طروحاته
ومستنجدين بأدبيات منظمة التحرير والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين وأدبيات الجبهة
الديموقراطية وفتح والحزب الشيوعي. وقد وظفوا هذه الأدبيات واجتزأوها بما ينسجم مع
طرحهم.
هنا يكون إطار النقاش ذاته الذي صبغ فترة السبعينيات والثمانينيات، ولكن هذه
المرة في سياق مرحلة انحطاط في الوضع الفلسطيني والعربي، هو نقاش يستهدف
القول “يا إسرائيل ضمّينا وسمّي نفسك دولة فلسطينية واعطينا حقوقاً وتخلّي عن
العقيدة الصهيونية والتمييز العنصري”، وهي لن تتخلى بغير هزيمة شاملة على الأرض
تؤدي إلى تدمير جيشها ووجودها كله.
ويخاطبوننا وكأن مبادراتهم أصبحت محققة أو أن إسرائيل قد وافقت عليها،
ويطلبون أن نراها حسنة ونتمسك بها  علما أن السياسة الإسرائيلية توغل في
عنصريتها وصهيونيتها وتوغل في تهويد فلسطين، كل فلسطين، وتتسلح بمواقف
عنصرية مدعومة من الغرب الإستعماري وبقوة السلاح. والأنكى من كل ذلك، أنه في عز
بين حل الدولتين وحل الدولة الواحدة
25
فيضان عرائض التطبيع والدولة الواحدة والصرخات، يطالب الكيان الصهيوني مجلسَ
الأمن بدعم اغتصابها هضبة الجولان السورية المحتلة!! لن تتغير الأوضاع إلا بالهزيمة
الحاسمة للمشروع الصهيوني كله ومن أساسه.
لمن يوجهون التنظير والشرح:
الجواب للداخل الفلسطيني والعربي!
إن مهمة هؤلاء المنظرين هي استكمال لمهمة المنظرين والشارحين الغربيين في القرن
التاسع عشر وبدايات القرن العشرين
“لا بد من استذكار أدبيات العقلية الإستعمارية التي جسدها المنظرون والكتاب
والدعاة والساسة منذ عام 1840 م )مقالات بالمرستون وغيره( كي نفهم ما هو الدور
الذي يقوم به منظرو اليوم من كتبة ودعاة وساسة فلسطينيين وعرب لخدمة ذات الفكرة
الصهيونية، ولكن في محطة جديدة من تطور وتمكين عملية الاستيطان اليهودي في
فلسطين مع فارق أساسي أن هذا الدور تقوم به ألسنةٌ تنطق بالعربية.
كان منظّرو الأمس يوجهون خطابهم، للدول الإستعمارية تارة ولليهود تارة أخرى، من
أجل القبول بفكرة تحويل فلسطين إلى مستوطنة في خدمة السياسة الإستعمارية
وكل ما يحيط بالفكرة، ويبررون دوافعهم بأن المسألة مهمة للاستعمار وضرورية لليهود
بوصفهم أداة مناسبة لخدمة هذه الفكرة، وموجهة لليهود بنوازع الفائدة والدين والخوف
لدفعهم للإستجابة للإنتقال إلى فلسطين.
التنظير على لسان عرب وفلسطينيين:
أما تنظير الخدم الفلسطينيين اليوم فهو موجه للعقل والثقافة الفلسطينية
والعربية باستهداف تدمير الثقافة التحررية الثورية المقاومة وخلق حالة من القبول
بالنتائج المريعة والإجرامية التي تحققت. وذلك مدفوع ظاهريا بدوافع الديموقراطية
ومناهضة العنصرية، ولكنها أفكار المهزومين المتهالكين والخائفين والمستعدين لخدمة
العدو بآرائهم وأفكارهم وتاريخهم الشخصي.
إنما يطرحون أفكارهم هذه بعد أن نجحت قوى متضافرة فلسطينية وعربية وصهيونية
ودولية في إنهاك الحركة الوطنية الفلسطينية وعزلها عن العملية الثورية التحررية،
بين حل الدولتين وحل الدولة الواحدة
26
وفي مناخات تراجع المد التحرري الفلسطيني والعربي، وحلول حالة من الرجعية في
الوطن العربي، وتعمق هيمنة الاستعمار الغربي على مجمل نواحي الحياة في البلاد.
هذه الحالة دفعت بالرجعية العربية المتآمرة أصلا، خفية، بالسر وبالعلن أحيانا، إلى
التصدي لخدمة العدو جهارا نهارا. وساقت معها كثيرين من ناطقي الرأي والكتاب
والصحفيين ورجال الدين ومستخدمي السياسة، عربا وفلسطينيين، كانوا يحتاجون
أصلا إلى “دفعة إصبع”.
هؤلاء اليوم يحولون الفكر التحرري والثقافة التحررية إلى فكرِ وثقافةِ مهزومين
ولكن خاضعين كذلك لرغبات العدو وفي خدمته. إنهم عملاء الاستعمار وأدواته في
داخل الوعي والثقافة الفلسطينية خاصة والعربية عامة في محطة جديدة وزمن
جديد، وحالة استكمالية للتنظير الغربي في حينه.”محمود فنون، كنعان الإلكترونية.
يعيدون الكرّة حينما كانوا يدافعون عن شعار السلطة الوطنية وشعار الدولة
المستقلة وشعار دولتين لشعبين وبعدها ما نتج عن أوسلو، بأقوال منمقة ومزينة
بالنتائج التي يفترضونها.
سقوط وهم الدولتين
لنقرأ من “بيان” سلامة كيلة الأحدث والذي نشره للتوقيع عليه، مع ملاحظة أنه
ينشر علينا وهما، ويعرف مريدوه أنه إنما يعبرعن هويته لا غير، ولكنهم مع كل قولة من
أقواله يهللون ويكبرون ويعظّمون الإبداع الذي ذاع صيته!
لنقرأ من الوثيقة :”منذ البدء لم يكن هناك من حلٍ كُممِن للصراع الدائر في
فلسطين ما بين الحركة الصهيونية والشعب الفلسطيني سوى قيام الدولة العلمانية
الديمقراطية الواحدة. هذا ما طُرِحَ قبيل النكبة، وما طُرِحَ بعدها.”
إلى هنا الإقتباس. مع العلم أن عبارة “قبل النكبة” وربطها بعبارة “منذ البدء”
تجبرنا على هذه العودة.
بين حل الدولتين وحل الدولة الواحدة
27
تعالوا نجبر سلامة كيلة على التناقض مع نفسه وأمامنا.
وكانت روح سلامة كيلة ترف على آرائه، حيث كتب في مقالة بمناسبة مئوية
بلفور: “وبالأساس، فإن فكرة إقامة “دولة يهودية” في فلسطين هي فكرة إنجلترا، قبل
أن تكون فكرة أي فرد من أصل يهودي.”
الله أكبر! “الأساس” يعني في البدء ويعني إقامة دولة يهودية وليس دولة واحدة
ديموقراطية. وإذا أكملنا القراءة وكل القراءات فلن نجد تعبيرا واحدا عن دولة واحدة للشعبين
في وثيقة بريطانية ثم نصل وعد بلفور. وسلامة كيلة يتظاهر بالتعارض معه.
فوعد بلفور يعد بإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين لليهود فقط، وهذا نصه: “إن
حكومة صاحب الجلالة تنظر بعين العطف إلى إقامة وطن قومي في فلسطين للشعب
اليهودي، وستبذل غاية جهدها لتسهيل تحقيق هذه الغاية، على أن يفهم جلياً أنه لن
يؤتى بعمل من شأنه أن ينتقص من الحقوق المدنية والدينية التي تتمتع بها الطوائف غير
اليهودية المقيمة في فلسطين، ولا الحقوق أو الوضع السياسي الذي يتمتع به اليهود في
أي بلد آخر.” نص وعد بلفور عن وكالة وفا الفلسطينية.
إن من يقيمون في فلسطين من غير اليهود هم من “الأغيار”، هم من “الأميين”
أي الطوائف غير اليهودية المقيمة في فلسطين، أي ليس اسمهم “الشعب
الفلسطيني”! وهذه تسمية الاستعمار البريطاني لطمس الهوية العروبية لهؤلاء
جميعاً، ذلك لأن الاستعمار والصهيونية يدركون بأن العروبة هي قوة الفعل الحقيقية
لإزالة الكيان، وقد أصبح اسمهم عند مطلقي المبادرات “السكان الأصليين”.
وكما هو دارج، فإن إسرائيل ومنذ عام 1948 م تتعامل مع الفلسطينيين العرب
الذي ظلوا في البلاد على أنهم مسيحيون ودروز وشركس وبدْو ومسلمون؛ أي باعتبارهم
طوائف؟ وبلغة اليهود “الأغيار” أو الأميين أي غير اليهود.
ربما لم يكن سلامة يملك أية صلاحيات لتغيير هذا الوضع الشائن للاعتراف بحقوق
سياسية واعتبارهم شعب فلسطين!
يا مريدي سلامة: أين هو البدء الذي كان يرفع شعار “الدولة العلمانية الديموقراطية
الواحدة” ومتى طرح قبيل النكبة؟
بين حل الدولتين وحل الدولة الواحدة
28
إن أول مشروع يوافق عليه عربي هو “إتفاقية فيصل- وايزمن” وفيها يوافق فيصل
بن الحسين ) ممثلا عن الغرب (على إعطاء فلسطين بالكامل لليهود، ولم يبحث مصير
السكان الفلسطينيين فيها بل فقط اعترف بدولة لليهود الذين لم يأتوا إليها بعد !!!
فقد وقع الأمير فيصل بن الحسين في 3 يناير 1919 م على ما عرف بوثيقة “فيصل-
وايزمن” حيث يكون وايزمن ممثلا للدولة الفلسطينية التي هي دولة اليهود التي لم
تكن موجودة حينها.
وبعد أن أيد فيصل في سياق بنود ونصوص الإتفاقية كل ما يخص اليهود وإقامة
دولتهم في فلسطين والهجرة المستعجلة إليها، ورِد بند رقم 4 والجزء الأول منه
مخصص لليهود كما يلي:
“ -4 يجب أن تتخذ جميع الإجراءات لتشجيع الهجرة اليهودية إلى فلسطين على
مدى واسع والحث عليها وبأقصى ما يمكن من السرعة لاستقرار المهاجرين في الأرض عن
طريق الاسكان الواسع والزراعة الكثيفة”. إلى هنا يخص اليهود، فدققوا ما جاء في
البند.
ويستكمل ذات البند في جزء مخصص للفلسطينيين بالقول “ولدى اتخاذ مثل هذه
الإجراءات يجب أن تحفظ حقوق الفلاحين والمزارعين المستأجرين العرب ويجب أن يساعدوا
في سيرهم نحو التقدم الاقتصادي.”
يعني تحفظ حقوق المزارعة والإستئجار وما شابه ولم يرد أي نص يعتبرهم شعبا
أو جزءا من أمة أو أنهم هم أصحاب الأرض، بل هم فلاحون ومزارعون ومستأجرون. وما
طرح بشأن حفظ حقوقهم هو مجرد وعود زائفة كما دلت التجربة الحية، وفي الواقع
قد طردوا من بلادهم واستولى اليهود على أرضهم. وهذه حقيقة التوجه الصهيوني
إلى فلسطين. فهم قد جاءوا ليستولوا على الأرض ويبنوا مستوطناتهم ومؤسساتهم
عليها ولم يجلبوا معهم أراضي للبناء والزراعة وإقامة المنشآت والمباني والمؤسسات
الزراعية والصناعية وللخدمية والطرق.
جاءوا مستوطنين اقتلاعيين بوضوح كما هي دعواتهم ومواثيقهم والوعود التي
منحت لهم من الغرب الإستعماري. وهذا لم يتغير حتى اليوم، ولن يتغير ولن تتغير
مواقفم بناء على دعوات استجدائية. وكما سنرى فإن سلامة كيلة، وكل من كتب مثله،
بين حل الدولتين وحل الدولة الواحدة
29
لا يدعو إلى تغيير هذا الوضع.
في “البدء” لم يكن اليهود يشكلون نسبة تذكر تستوجب طرح دولة لهم أو معهم.
فطروحات حركة التحرر الفلسطينية منذ بداية المشروع الصهيوني كانت ضد هجرتهم
إلى فلسطين وضد استيلائهم على الأراضي وإقامة المستوطنات، وكانت تستهدف
مقاومة الإنتداب البريطاني وسياساته التي تستهدف تمكين اليهود وحمايتهم تنفيذا
لوعد بلفور وصك الإنتداب، الذي قرر تنفيذ وعد بلفور بحماية بريطانيا.
ونظرة سريعة على بيانات المتصدرين الفلسطنيين ومراجعة برامج ومواقف الأحزاب
الفلسطينية توضح ذلك.
أما عصبة الامم فتطرح تهويد فلسطين.
جاء في المادة الثانية من صك الإنتداب الذي صدر عام 1922 :
“المادة الثانية:
تكون الدولة المنتدبة مسؤولة عن وضع البلاد في أحوال سياسية وإدارية واقتصادية
تضمن إنشاء الوطن القومي اليهودي، وفقاً لما جاء بيانه في ديباجة هذا الصك، وترقية
مؤسسات الحكم الذاتي وتكون مسؤولة أيضاً عن صيانة الحقوق المدنية والدينية لجميع
سكان فلسطين بقطع النظر عن الجنس والدين”
نلاحظ أن المادة هي شكل من أشكال صياغة نص وعد بلفور الذي أصدره الإنجليز،
وأنها في جوهرها تضمن إنشاء الوطن القومي لليهود وترقية مؤسسات الحكم اللازمة
لليهود، وعلى الهامش تتحدث عن صيانة الحقوق المدنية والدينية لجميع السكان بالطبع
بما فيهم اليهود.
ويأتي القول الفصل في المادة الرابعة في الصك المخصصة لتأسيس دولة يهودية:
“المادة الرابعة:
يعترف بوكالة يهودية ملائمة كهيئة عمومية لإسداء المشورة إلى إدارة فلسطين،
والتعاون معها في الشؤون الاقتصادية والاجتماعية وغير ذلك من الأمور التي قد تؤثر
في إنشاء الوطن القومي اليهودي، ومصالح السكان اليهود في فلسطين؛ ولتساعد
بين حل الدولتين وحل الدولة الواحدة
30
وتشارك في ترقية البلاد على أن يكون ذلك خاضعاً دوماً لمراقبة الإدارة.
يعترف بالجمعية الصهيونية كوكالة ملائمة ما دامت الدولة المنتدبة ترى أن تأليفها
ودستورها يجعلانها صالحة ولائقة لهذا الغرض، ويترتب على الجمعية ألصهيونية، أن
تتخذ ما يلزم من التدابير بعد استشارة حكومة صاحب الجلالة البريطانية؛ للحصول
على معونة جميع اليهود الذين يبغون المساعدة في إنشاء الوطن اليهودي”
هنا يدور الحديث عن وكالة يهودية خاصة باليهود وليس للفلسطينيين ذكر فيها،
وكالة هي بمثابة حكومة يهودية تحت التدريب ولا توجد أية صيغة تنظيمية للعرب، ومن
أجل المساعدة في إنشاء الوطن اليهودي كما ورد نصاً.
ما هي الصهيونية ؟
جاء في صك الإنتداب أعلاه “يعترف بالجمعية الصهيونية كوكالة ملائمة..” عن
)وفا(.
إذن الصهيونية، وتعني العودة إلى صهيون، هي عقيدة الهجرة إلى فلسطين
والإستيطان فيها. ومن يكف عن الصهيونية يتخلى عن فكرة الاستيطان في فلسطين
ويتخلى عن علاقاته وروابطه بالمنظمات الصهيونية ودورها في تهويد فلسطين وانتزاعها
من الفلسطينيين العرب.
هاتان الوثيقتان )وعد بلفور وصك الانتداب( هما الأساس السياسي والناظم القانوني
لتهويد فلسطين وإقامة دولة إسرائيل على أرض فلسطين. والمقصود بأرض فلسطين
هي ما يعرف بفلسطين التاريخية وبحدودها التي وضعها الإنتداب البريطاني ووافقت
عليها عصبة الأمم وتمتد من البحر المتوسط وسيناء غربا إلى نهر الأردن والبحر الميت
ووادي عربة حتى خليج العقبة شرقا.
إن هذا الإيضاح ضروري جدا لمن يتتبع كافة المواقف والمشاريع والمبادرات من أي جهة
كانت في ما يخص ما أصبح يعرف منذ ذلك التاريخ بالقضية الفلسطينية. ولتتبُّع
مفهوم مصطلح فلسطين عند القوى التي تريد التفريط بفلسطين وضياع فلسطين
بين حل الدولتين وحل الدولة الواحدة
31
وكيف تقلص هذا المفهوم ليصبح معنى كلمة فلسطين “ذلك الجزء الذي من الممكن
أن تنسحب منه إسرائيل بشكل من الأشكال”، والحد الأقصى عندهم هو “الضفة
والقطاع” مع مرونة وقابلية للتنازل وتحجيم هذا المفهوم.
والقضية الفلسطينية في ذلك الوقت كانت تتطلب العمل على تحرير فلسطين من
الإنتداب البريطاني ومنع تهويدها كما جاء في كافة برامج الحركة الفلسطينية، فلم
تكن قد هُوِّدت بعد، وإنما كانت بدايات التهويد التي بدأت في العهد العثماني واستمرت
منذ مجيء الانتداب البريطاني عام 1917 واستكمال احتلال فلسطين عام 1918 م وحتى
صدور صك الإنتداب عام 1922 م عن عصبة الأمم.
ومنذ ذلك الوقت وحتى سنوات النكبة استمرت عمليات التهويد والإزاحة و لم يطرح
أي طارح مشاريع تخص الدولة الديموقراطية الواحدة للشعبين، بل )وفقط( تم طرح
مشاريع تقسيم فلسطين بين اليهود والعرب مرتين: مرة عام 1937 م ومرة عام 1947 م.
فقد ورد في تقرير لجنة بيل عام 1937 م:
“ إننا لا نعتقد أن سياسيا منصفا يمكنه أن يفترض الآن، وقد أمسى الأمل بتآلف
الشعبين بعيد التحقيق، إن من واجب بريطانيا أن تسلم الأربعمئة ألف يهودي الذين
سهلت دخول معظمهم إلى فلسطين بموافقة عصبة الأمم إلى الحكم العربي، أو
أن تسلم مليونا من العرب إلى الحكم اليهودي إن أصبح اليهود أكثرية السكان في
المستقبل، غير أنه لم يكن في مقدور أي من هذين الشعبين أن يتولى حكم فلسطين
كلها بإنصاف. فإننا لا نرى سببا يمنع كل شعب منهما من حكم قسم منها إذا كان
ذلك قابلاً للتطبيق” أي تقسيم فلسطين بين العرب واليهود. )مهدي عبد الهادي،
المسألة الفلسطينية ومشاريع الحلول 1934 - 1974 م(
ثم جاء مشروع التقسيم الذي أقرته الأمم المتحدة في عام 1947 م وهي بديلة عصبة
الأمم وقد رفضه العرب.
وصلنا عام 1947 م، والتوجه العربي الرسمي والشعبي هو منع تهويد فلسطين ورفض
تقسيمها بين العرب واليهود ولا شيء آخر في كافة الوثائق التي تعبر عن مواقف الحركة
الوطنية الفلسطينية والنظام الرسمي العربي.
بين حل الدولتين وحل الدولة الواحدة
32
هذا مع العلم أن فكرة التقسيم، بالإضافة إلى أنها تتطلب التخلي عن جزء من
الوطن للعدو أي تقاسم الوطن مع العدو، فإنها كذلك تنطوي على القبول بحق العدو
في هذا الجزء. هذا أمر خطير. هو ليس مجرد تهاون في الجغرافيا، إنما هو إقرار بحق اليهود
في الاستيطان في فلسطين ودرجة عالية من التساوق مع وعد بلفور وصك الإنتداب!
وهذا المشروع في نظر بريطانيا والصهيونية خطوة هامة ومحطة أساسية على طريق
إقامة دولة إسرائيل مهما كان اسمها الرسمي، وهذا ما قامت به بريطانيا والعصابات
اليهودية عامي 1947 م وعام 1948 م في ما عرف عند اليهود “بحرب التحرير” وإقامة
الدولة على جزء من فلسطين ) 78 %( وأكملت مهمة المشروع الصهيوني بمحطة
أساسية ثانية باحتلال الضفة الغربية وقطاع غزة عام 1967 م.
هناك استثناء قامت به العصبة الشيوعية:-
فقد انقسمت العصبة أمام مشروع التقسيم في حينه “إلى قسمين: الأول بقيادة
فؤاد نصار وإميل حبيبي يؤيد مشروع التقسيم .... والثاني بقيادة موسى الدجاني وإميل
توما يعارض التقسيم ويؤيد الموقف الوطني العربي ..”
كانت هذه أول عملية اختراق للموقف الوطني العربي كما أعرف، حيث لم تصدر أية
مواقف من الجانب الفلسطيني وحركته الوطنية يعطي أي درجة من التنازل عن أي جزء
من فلسطين. )هذا مع العلم أن الفريق الذي عارض التقسيم من العصبة قد عاد وأيده
لاحقا(.
واللافت للإنتباه أن أول تلفُّظ صدر في خصوص “جمهورية ديموقراطية مستقلة “
صدر عن الجناح اليهودي في العصبة “على اعتبار أن هذا يؤمّن الحقوق الكاملة للعرب
واليهود ...”
“أما الجناح اليهودي في الحزب فقد أصدر في تلك الفترة 1947 م بيانات غامضة
وخفف من هجماته على الصهيونية ورفع شعار )جمهورية ديموقراطية مستقلة( على
اعتبار أن هذا يؤمّن الحقوق الكاملة للعرب واليهود...الخ. وكل هذا بالطبع بعيداً عن
علاقة فلسطين بالوطن العربي.
بين حل الدولتين وحل الدولة الواحدة
33
لكن خطاب أندري جروميكو)الذي أيد التقسيم( أذهل الحزب فلما أفاق من الصدمة،
هاجم مشروع الدولتين المنفصلتين وأيد مشروع دولة واحدة من قوميتين ...”
إذن كانت هذه أول طوبة للدولة الديموقراطية العلمانية - حيث أصبح هناك عرب
ويهود صهاينة في فلسطين- التي ينادي بها سلامة كيلة، وكل أصحاب مشاريع الدولة
الواحدة المطروح في هذه الفترة على مختلف توصيفاتها ومهماتها ودورها بل ودور الدعاة
لها. كما تحتوي على أفكار حول دولة واحدة من قوميتين أو التغافل عن الروابط القومية.
بينما الدولة التي طرحتها بريطانيا وصك الانتداب هي الدولة اليهودية فقط ولليهود
فقط كما تبين النصوص المذكورة في هاتين الوثيقتين، علما أن السكان كانوا باغلبيتهم
الساحقة فلسطينيين.
هي إذن أول طوبة قبل النكبة صدرت عن اليهود الشيوعيين، وفيها دولة واحدة ذات
قوميتين أوقوميتين في دولة واحدة كما سنرى في مشاريع الدولة الواحدة الكثيرة التي
ظهرت بعد مشروع دولتين لشعبين. علما أن ما يجمع اليهود ليس قوميتههم فلا
قومية واحدة لهم وهم من مختلف قوميات وأمم العالم.
من هو الجناح اليهودي في الحزب الشيوعي بالاستناد إلى موقف جناح العرب فيه؟
كانوا متهمين بمحاباة اليهود والصهيونية من قبل رفاقهم العرب، وهم أصحاب
الأفكار المتصهينة التي يطرحها فلسطينيون اليوم وباسم الإبداع والإختراق.
نعم هو اختراق ولكنه صهيوني في صفوف الوطن والقضية والرؤيا والثقافة
الفلسطينية والعربية!
هذه المبادرات إذن هي ليست إبداعا من المبدعين بل هي طُرحت من قبل يهود من
الأساس، وهي طرح يهود اليوم كما سنرى عند عوض عبد الفتاح من حزب التجمع
الوطني الديمقراطي/حزب عزمي بشارة، وعلى لسان واعتراف عدد من الكتاب.
واليوم يتفاخر عرب بأنهم أبدعوها كمخرج من أزمة عميقة مستعصية لا حل لها.
بين حل الدولتين وحل الدولة الواحدة
34
مقترحات الكونت برنادوت:
جاءت بعد ذلك وأثناء النكبة مقترحات الكونت برنادوت لمعالجة الوضع حيث جاء:
“ -1 ينشأ في فلسطين، بحدودها التي كانت قائمة أيام الإنتداب البريطاني الأصلي
في عام 1922 م )بما فيها شرق الأردن( اتحاد من عضوين، أحدهما عربي والآخر يهودي،
وذلك بعد موافقة الطرفين اللذين يعنيهما الأمر على دراسة هذا الإقتراح ...”
وكان رد العرب على لسان جامعة الدول العربية من شقين:
الأول يرفض وضع شرق الأردن في الموضوع ويفنده.
والثاني:” ) 7( والواضح أن هذه الاإقتراحات بأسرها تذهب إلى تحقيق أماني الصهيونيين
بشأن تقسيم فلسطين وإنشاء دولة يهودية فيها ، فضلا عن المنافع التي تعود عليهم
من الوحدة الإقتصادية التي اقترحت أن تربط بها العضوين.
“ أما في ما يتعلق بالهجرة ... فإن اقتراح سعادتكم لم يضمن تحقيق المشروعات
الصهيونية كلها فحسب بل تجاوز شروط مشروع التقسيم الذي أوصت به الجمعية
العامة لهيئة الأمم المتحدة في اجتماعها الذي عقدته في 29 تشرين الثاني من عام
1947 .” )مهدي عبد الهادي، مصدر سابق(.
هنا لفت رد جامعة الدول العربية النظر إلى أن مشاريع التسوية تصب في طاحونة
المشروع الصهيوني مهما تظاهرت بالحيادية.
والحقيقة أن مشروع الكونت برنادوت هو صورة أخرى عن مشروع التقسيم الذي صدر
عن هيئة الأمم مع تحسينات في الشروط لصالح اليهود وتحسينات في الألفاظ لصاح
العرب.
وظل الأمر هكذا حتى اليوم: فلسطين لليهود والوعود المغمسة بالألفاظ المؤمِّلة
للعرب!!!
كان هذا في عام النكبة ذاته بل وخلالها في حزيران 1948 م. وعن مشروع الكونت
برنادوت هذا نشأ لاحقا مشروع دولتين للشعبين في سبعينيات القرن الماضي بألفاظ
وصيغ تعبر عن ذات الفكرة.
وكان اليهود متمسكين خلال فترة وجود برنادوت في فلسطين بقرار التقسيم ولا
بين حل الدولتين وحل الدولة الواحدة
35
عجب في ذلك، فهو يعطيهم ما ليس لهم بينما كان العرب يرفضون إقامة دولة يهودية
وتواجد كيان يهودي على أرض فلسطين.
فقد جاء في أحد تقارير برنادوت إلى الأمين العام للمنظمة الدولية: “إن الوفد اليهودي
متمسك بقرار التقسيم ويعمل على استمرارية إقامة مؤسسات “الدولة اليهودية”
بحماس وسرعة ويسعى لفتح ابواب الهجرة على مصراعيها ...إن اليهود على استعداد
على ما يبدو للدفاع عن هذه المطالب” بالقتال العسكري في أي وقت ..
“ أما الوفود العربية فهي تعارض بالإجماع قرار التقسيم وترفض إقامة دولة يهودية
وتواجد كيان يهودي مستقل على أرض فلسطين العربية، وهي لذلك ستذهب للحرب
دفاعا عن أراضيها ومواطنيها” )مهدي عبد الهادي، مصدر سابق(.
ويمكنني هنا أن ألفت انتباه القارئ إلى إن عملية التهويد كانت مستمرة وبرعاية
بريطانيا والأمم المتحدة، وأن إرسال اللجان والبحث مع الأطراف عن حلول وتقديم المقترحات
ما كان سوى للتعمية وتضييع الوقت. كان هذا من زمان ولا زال حتى يومنا هذا، كان
لتقطيع الوقت وخلق فرص للتقدم بالمشروع الصهيوني خطوة أخرى إلى الأمام على
الأرض، مستفيدين من عجز النظام العربي الرسمي وتواطئه، وتواضع المقاومة
الفلسطينية إلى ما دون الردع.
نهاية حل الدولتين
سلامة كيلة ونهاية حل الدولتين وهو كما يعرف نفسه في مقالة يرد علي فيها:
“..أنني خرجت من فلسطين للدراسة سنة 1973 ، وأصبحت مطلوباً للدولة
الصهيونية سنة 1976 لأنني كنت أنتمي لحركة فتح. ولا شك أن كل الحديث عن انتمائي
كما كرره محمود خاطئ، فلم أنتمِ لحزب العمل الشيوعي بل انتميت لحركة التحرير
الشعبية العربية التي كان ناجي علوش أمينها العام، واستقلت منها وأنا عضو مكتب
سياسي فيها. ثم ظللت دون حزب نتيجة تقييمي النقدي لكل الأحزاب “اليسارية..””.
بين حل الدولتين وحل الدولة الواحدة
36
يعتمد سلامة كيلة في طرحه لمشروع “الدولة الواحدة” ليس من باب الفائدة
الكامنة فيه بل على استحالة تنفيذ شعار إقامة دولة فلسطينية مستقلة، أي
بسبب فشل شعار الدولتين. فيقدم هو وأمثاله الحل الممكن بدلا من الحل المستحيل
وهو يبشر الشعب الفلسطيني بالخير العميم الذي سيناله، وأن هذا هو المخرج الأكيد.
لنلاحظ أن مسألة الاستحالة هذه التي يطرحها سلامة كيلة ظلت مستمرة في
مشروع حل الدولة الواحدة لبقاء ذات الأسباب التي يوضحها بنفسه والتي حالت دون
حل الدولتين.
ففي 17 / 10 / 2008 قال كيلة عن نهاية حل الدولتين:
“ ...وبالتالي فقد أوضحت تجربة التفاوض التي بدأتها م.ت.ف.، والتي توجت بقيام
سلطة الإدارة الذاتية، أن ليس من حل جزئي للفلسطينيين، وأنه ليس من الممكن التعايش
مع الدولة الصهيونية إلا بالقبول بكونها قوة مسيطرة، كما الإمبريالية، أو بالترافق
معها. وهو الأمر الذي يفرض التأكيد على أن الصراع مستمر حتى يتحقق التغيير في
ميزان القوى الذي يسمح بإنهاء الدولة الصهيونية ، وقيام الدولة الديمقراطية العلمانية،
في إطار التغيير العميق في الوطن العربي” )الحوار المتمدن(.
وتنحصر مهمة التغيير العميق في الوطن العربي عند كيلة في قبول الاستيطان
في فلسطين.
إنه يطرح حلا يعتمد تحقيقه ليس على سياق التسويات هنا بل على تغير عميق
في الوطن العربي ويعود بعد ذلك للتسويات. وهذا التغير غير محدد ونفهم منه أنه
تغير يؤدي كما يقرر كيلة إلى إجبار إسرائيل على قبول أطروحته. بينما التغيير العربي
العميق والثوري لن يكون من أجل محاباة اليهود كما يستهدف كيلة بل من أجل كنس
وجودهم الإستيطاني وحماية الأمة العربية من شرورهم وتحرير الوطن العربي من كل
أعدائه الاستعماريين والرجعيين. فلماذا يشترط كيلة حصرا أن التغير العميق في
الوطن العربي سوف يُفضي إلى حل الدولة الديمقراطية العلمانية الواحدة بالمفهوم
الصهيوني والتسووي العربي والفلسطيني؟
بينما يلخص غازي الصوراني الأمر في مقالته في الحوار المتمدن على النحو التالي:
“وعليه، فلا خيار سوى خيار النضال القومي الديمقراطي، الذي يسعى لتحرير الأرض
بين حل الدولتين وحل الدولة الواحدة
37
المحتلة، وأساسها فلسطين، وتحقيق الوحدة القومية، وتأسيس نظام عربي ديمقراطي
بآفاقه الاشتراكية يساهم في تجاوز التخلف الاقتصادي الاجتماعي، ويلغي التبعية بما
يحسِّن الظروف الاقتصادية العامة، ويسهم في تجاوز حالة الفقر لدى الجماهير الشعبية،
ويوفر لها الحاجات الأساسية الضرورية.وحيث تلعب الجماهير العربية دوراً أساسياً في
تحقيق هذا الخيار.”
عازي الصوراني )ما هي إشكالية النضال القطري الفلسطيني؟ الحوار المتمدن
2013/9/24 م(
ويستمر كيلة في إيضاح دوافع حل الدولة الواحدة بشكل آخر، ففي ندوة “القضية
الفلسطينية بين حل الدولة وحل الدولتين”
“استضاف مركز دال للأبحاث والإنتاج الإعلامي التابع لمؤسسة مؤمنون بلا حدود يوم
الثلاثاء الموافق 15 ديسمبر 2015 م لمقر الأبحاث بجاردن ستي ندوة بعنوان “القضية
الفلسطينية بين حل الدولة وحل الدولتين” بحضور المناضل والمفكر الفلسطيني سلامة
كيلة والأستاذ فؤاد أبو حجلة رئيس تحرير جريدة الغد الأردنية، وأدار تفاصيلها الباحث
في الدراسات الإعلامية طارق معمر... الأستاذ سلامة كيلة الذي أكد على استحالة
حل القضية الفلسطينية بناء على “حل الدولتين”، فعلى الأرض يجري فرض أمر واقع
جديد يؤكد أن الدولة الإسرائيلية تتقدم، وأن إمكانية خيار الدولة الفلسطينية يتأخر،
مشيرا أن الحل النهائي أصبح خارج التداول، وأن الحديث عن حل الدولتين أصبح وهميا،
بسبب اللاءات الأربعة الإسرائيلية: )لا انسحاب، ولا عودة اللاجئين، ولا وقف الاستيطان،
ولا إمكانية لحل نهائي(”. )موقع مؤمنون بلا حدود(.
إذن، فسلامة كيلة وضح الأسباب التي جعلته يتجاوز عن حل الدولتين وهي تكمن في
أن إسرائيل ترفض هذا الحل وتطرح اللاءات الأربعة: “)لا انسحاب، ولا عودة اللاجئين، ولا
وقف الاستيطان، ولا إمكانية لحل نهائي(”. مما يعني أن هذا الحل قد “أصبح أمرا وهميا”.
ويستمر في مقال آخر: “ويقول كيلة إن حل الدولتين الذي تم طرحه لإنهاء الصراع
بإقامة دولة فلسطينية “تبدى كحل مستحيل” لأن الأوضاع القائمة على الأرض لا
تسمح بهذا الحل في ظل تمسك إسرائيل “بلاءات خمسة.. لا انسحاب من القدس. لا
بين حل الدولتين وحل الدولة الواحدة
38
انسحاب من وادي الأردن. لا إزالة للمستوطنات. لا عودة للاجئين. ولا للدولة الفلسطينية
المستقلة”، موضحا أن السلطة الفلسطينية أقرب إلى إدارة مدنية منها إلى سلطة
سياسية..”)الحوار المتمدن(
الاستخلاص إذن: إن رفض إسرائيل لمشروع معين يقتضي بعد كل هذه التجربة أن
نتجاوز عنه وخاصة أنه مستحيل. وهو مستحيل فعلا لأن كل مؤيدي حل الدولتين عجزوا
عن فرضه على إسرائيل بالطرائق التي طرحوها. فيضع سلامة البديل في حل الدولة
الواحدة ويحمل تبعات تنفيذه إلى الغيب وليس إلى حرب التحرير الشعبية طويلة الأمد
أو حروب عربية تؤدي إلى هزيمة إسرائيل مما يجعله هو الآخر وهما وتضليلا. وسنرى كذلك
أنه مستحيل لذات أسباب استحالة حل الدولتين وفق مناهجه هو وأنصار حل الدولة
الواحدة. إن فكر كيلة هو تدوير الزوايا بهدف قبول الكيان لحل ما وهذا نقيض فرض الحل
على الكيان بالتحرير. هذا دون أن يطرح على نفسه السؤال: إذا كان الكيان ضد ترك
ربع فلسطين، فكيف سيسمح لشعبنا أن يشاركه في كل فلسطين، مع العلم أن
فلسطين هي وطننا!
وفي كتابه “المسألة الفلسطينية من سراب حل الدولتين إلى الدولة الديموقراطية
العلمانية الواحدة” الصادر عام 2017 م يقول:
“..فكل ما يجري الآن في الضفة الغربية وقطاع غزة يوضح أن كل الاستراتيجية
الفلسطينية لا أساس لها، فليس من الممكن إقامة دولة مستقلة عاصمتها القدس،
بعد أن سيطرت الدولة الصهيوينة على أهم أراضي الضفة الغربية، وباتت البطالة سمة
أساسية بين السكان، الذي يتعيش الكثير منهم من خلال مساعدات الدول المانحة، هذه
المساعدات التي يمكن وقفها في أي وقت، رهناً بمدى التوافق والدولة الصهيونية....”
هنا يضيف أسبابا أخرى “..فليس من الممكن إقامة دولة مستقلة وعاصمتها القدس
بعد أن سيطرت الدولة الصهيونية على أهم أراضي الضفة الغربية..” ويضيف البطالة
كسبب من أسباب عدم إمكانية إقامة دولة فلسطينية، والاعتماد على مساعدات الدول
المانحة.
بين حل الدولتين وحل الدولة الواحدة
39
ويزيد سلامة كيلة، بحق، أصحابَ حل الدولة المستقلة يأساً حيث يقول: “..كما أن
الوضع القائم يشير إلى أن الرؤية الصهيوينة الأمريكية والإمبريالية عموماً هي التي
تتحقق، وأن الشرعية الدولية  مجال المراهنة  تحت سيطرتهما، لهذا لا ينفذ منها
إلا ما يصب في مصلحتهما فقط. فالدولة الصهيونية هي )قاعدة عسكرية( تتغلّف
بمجتمع مدني. وهدف وجودها هو تكريس تفكك الوطن العربى ومنع تقدمه. هنا يكمن
دورها وليس فى مكان آخر”
فلا مجال إذن للمراهنة على الشرعية الدولية. وهو بهذا يرد على أصحاب حل
الدولتين وكذلك على الجبهة الشعبية التي ترى إعادة ملف القضية الفلسطينية إلى
الأمم المتحدة حيث أن إعادة الملف للأمم المتحدة في نظرها يمنع أمريكا من أن تتفرد بالحل.
ويرد على نفسه حينما يرى أن الشرعية الدولية ستساعد على خيار الدولة الواحدة كما
سنرى لاحقا.
ويستمر سلامة كيلة في تسويغ حل الدولة الواحدة بدلا من الدولتين استنادا إلى
رفص إسرائيل:
“لهذا هى )إسرائيل( ليست معنية ب “السلام” بل بالهيمنة، وتحتاج إلى التوسّع
لكى تصبح قوة كبيرة. هذا الأمر جعلها تعتبر أن فلسطين هى “إسرائيل”، وأن الأرض
هى “أرض إسرائيل”. وباتت مشكلتها فى التعامل مع سكان عرب “يقيمون على
أرضها”، ويتكاثرون بشكل كبير، بالتالي لا بدّ من إخراجهم من إطار الدولة كدولة
سياسية”.
والحل إذن، ما دامت إسرائيل ترفض حل الدولتين وترى مشكلتها في التعامل مع
سكان عرب، هو: “دولة فلسطينية علمانية”.
ونظراً لما سبق، يرى سلامة كيلة “أن الحل يكمن في إيجاد دولة علمانية، ولابد من
إعادة بناء المشروع الفلسطيني من أجل دولة علمانية ديمقراطية عربية، تقبل وجود
)اليهود( في إطارها، انطلاقاً من أنهم ينتمون إلى قوميات أخرى، ومن أن هناك عرباً
يهوداً جرى جرّهم إلى فلسطين بتدخلات متعددة ، كما أن أزمة الامبريالية ستنعكس
بالضرورة على الدولة الصهيوينة، حيث يمكن أن يتفاقم الصراع الطبقي فيها ضد
بين حل الدولتين وحل الدولة الواحدة
40
الفئة الرأسمالية المسُيطرة وكل ذلك من الممكن أن يؤدي إلى إنهاء المشروع الصهيوني،
كمشروع إمبريالي وكدولة قائمة على الاستيطان واستغلال الدين اليهودي لخدمته ..”
ماذا يقول سلامة هنا؟
“إعادة بناء المشروع الفلسطيني من أجل دولة علمانية ديموقراطية عربية”.
والمقصود هنا في إعادة البناء في الثقافة والذهنية الفلسطينية.
فالدولة عربية ولا بأس أن تقبل وجود اليهود في إطارها انطلاقاً من “أنهم ينتمون
إلى قوميات أخرى”، أي نحن الفلسطينيون من قومية بينما اليهود يصبحون الأغيار من
قوميات وطوائف أخرى. وهنا شقلب سلامة الكيلة المفاهيم من أجل التضليل لا غير،
بينما هو يرى أن اليهود هم الدولة والباقي يتعايش فيها ومعها. سنعود لهذا الطرح في
سياق نقاش الوثيقة التأسيسية ونرى كيف طرح سلامة الموضوع.
وفي مقالته في الحوار المتمدن المنشورة في 23 / 6/ 2018 م بعنوان “ماذا سيفعل
الحزب الشيوعي الإسرائيلي بخصوص فشل حل الدولتين؟” يقول سلامة:
“الحزب الشيوعي الإسرائيلي وافق على وجود الدولة الصهيونية، واعتبر أن
ق يامها هو انتصار لحركة التحرر اليهودية ..... فقد ظل يعترف بالدولة الصهيونية،
يظهر الآن واضحاً أن حل الدولتين الذي جرت المراهنة عليه من قبل الفصائل
الفلسطينية، والسلطة التي تشكلت باسمها، وكذلك من الأحزاب الشيوعية،
ومنها الحزب الشيوعي الإسرائيلي، هذا الحل بات “في خبر كان”، حيث فرضت
الدولة الصهيونية على الأرض ما ينفي كل إمكانية لتحقيقه، وهي تسعى الآن
لضم معظم أرض الضفة الغربية بعد أن ضمنت عدم المساس بوضع القدس، ومن
ثم بعد أن بات الموقف الأميركي داعماً علناً لهذه السياسة، وحيث تسعى أميركا
ت رامب إلى فرض “صفقة القرن” التي تشطب مسألة قيام دولة فلسطينية.”
النتيجة: ينتقل سلامة كيلة إلى حل الدولة الواحدة لاستحالة حل الدولتين وهذه
الإستحالة بسبب رفض إسرائيل للمشروع ولاءاتها الأربعة والخمسة، وبسبب أنها
هودت جزءا أساسيا من أراضي الضفة الغربية، ولأنها معسكر محاط بمجتمع مدني
بين حل الدولتين وحل الدولة الواحدة
41
ولأنها تسعى وبدعم من أمريكا للتوسع كما الهيمنة على المنطقة العربية. والموقف
الأمريكي بات داعما علنا لهذه السياسة. ونقول أن الموقف الأمريكي كان داعما لها
منذ “البدء”.
إذن هو في الجوهر ينتقل من حل الدولتين إلى حل الدولة الواحدة لأن إسرائيل ترفض
حل الدولتين. وفي الحقيقة هو يقول لإسرائيل إذا كنتم لا تريدون الانسحاب من أي جزء
من فلسطين فابقوا فيها وأنا وأمثالي سنعمل باخلاص من أجل تسويغ بقائكم أنتم
ومؤسساتكم ودولتكم ومستوطناتكم ونُطبِّع معكم ونتعايش مع استيطانكم،
وعلينا أن نزين الأمر لقرائنا.
لا، سيقول سلامة كيلة “أنا أريد تفكيك الدولة وتخليص اليهود من عنصريتهم
وصهيونيتهم قبل “العُمّاد” وتخليص الدولة من عنصريتها قبل قسم الولاء لها وعودة
اللاجئين ..وهذا ما سنأتي إليه.
ما هو الحل الإستراتيجي؟
يقول غازي الصوراني في الحوار المتمدن وهو قيادي في الجبهة الشعبية:
“بعد أن بات قيام دولة فلسطينية كاملة السيادة على الأراضي المحتلة 67 ، أقرب
إلى الوهم في ظل ميزان القوى المختل راهناً، ولا يشكل حلاً أو هدفاً مرحلياً يلبي الحد
الأدنى من أهداف شعبنا، وإنما يمثل ضمن موازين القوى في هذه المرحلة – تطبيقاً للرؤية
الإسرائيلية الأمريكية، الأمر الذي يؤكد على ضرورة الحوار المعمق لتكريس التزامنا
بالهدف الإستراتيجي وتجاوز كل حديث عن حل مرحلي بوسائل تسووية بعد أن توضح
بأنه وهم قاد إلى انحدار نشهد اليوم نتائجه المدمرة”.
فحلُّ دولة فلسطينية كاملة السيادة هو وهم ويأتي تطبيقا للرؤيا الإسرائيلية
الأمريكية، والرفيق الصوراني لم يسهب كيف أصبح حل الدولة المستقلة في خدمة
إسرائيل ولكنه اكتفى بقول ذلك وتخلص منه.
إن طرح الفكرة التي تنطوي على قبول إسرائيل واحتلالها لفلسطين )مشروع
الدولتين( قد قوبل بتأسيس جبهة الرفض في حينه عام 1974 م، وظل هذا الموقف
مستمرا حتى اليوم. ولكن، لم يكن هذا الرفض من أجل قبول دولة المستوطنين
والمستوطنات في كل أنحاء فلسطين بل كان من أجل تحرير فلسطين من الاستيطان
بين حل الدولتين وحل الدولة الواحدة
42
اليهودي واستعادتها للشعب الفلسطيني. وكان غازي الصوراني من هذا الفريق.
إن غازي الصوراني يقدم لفكرته بحق بأن شعار الدولة الفلسطينية )العربية(
المستقلة هو وهم وهو تنفيذٌ للسياسة الأمريكية، وبالتالي العودة إلى الشعار
الإستراتيجي.
ما هو الشعار الإستراتيجي؟
ظهرت عبارة شعار استراتيجي كهدف نهائي أمام هدف مرحلي جزئيته تتمثل في
“إقامة السلطة الفلسطينية” على مناطق محررة، كما تفعل الثورات عادة كمهمة
تكتيكية في محطة من محطات النضال المشتبك والمستمر وعبر حرب التحرير
الشعبية طويلة الأمد أو عبر حروب تقليدية قد يربحها العرب.
وكي يكون الأمر مستكملا بصياغاته، تكون هذه المحطة التكتيكية على طريق التحرير
الكامل والشامل لفلسطين من الاستعمار الاستيطان اليهودي في فلسطين. وهذا
قطعا ليس التعايش مع الاستيطان ولا بقاء المستوطنات، بل “استعادة فلسطين إلى
أيدي العرب وبالكامل ودون تنازلات للمشروع الصهيوني بل هزيمته هزيمة تامة والإجهاز
عليه قبل أي معالجات تخص الوضع القائم.”
وقد أوضح جورج حبش هذا الأمر في صياغات مدققة.
يقول جورج حبش:
“ولا بد أن تؤدي معركة التحرير إلى إزالة الكيانات المصطنعة وذلك بالضبط هو
الذي يقدم إطار الحل الصحيح، ليس فقط في فلسطين ولكن في جميع المناطق العربية
الأخرى.”
“ بعد هدم إسرائيل ككيان عدواني عنصري لا بد من مواجهة الإشكال المتأتي عن
وجود عدد من الذين يريدون البقاء والعيش ضمن إطار الدولة الديموقراطية الإشتراكية
مواجهة ديموقراطية”
الحديث هنا يدور عن عدد وليس بقاء كل الجسم الإستيطاني كما سنرى الطروحات
لاحقا.
بين حل الدولتين وحل الدولة الواحدة
43
ويستكمل حبش طرحه:
“... ويبدو لي أن الدخول في تفصيلاتها التنفيذية هو استباق مبكر لطبيعة الأمر.
على أن المهم، بشكل عام، تحديد الخطوط الإستراتيجية للتوجه، فمعركة التحرر الوطني
الديموقراطي تتجه نحو تحطيم الوجود العنصري الاستيطاني الاستعماري في فلسطين
وذلك بالتحرر الناجز دون الوقوع في فخ التسويات أو التنازلات. أما الوجود العددي والديني
والثقافي والديموقراطي لهذه المجموعة من الناس فهو مسألة يستطيع الوجود الثوري
ذاته أن يواجهها ديموقراطيا وأن يحلها على أساس مبادئ الإشتراكية العلمية”.
ويقول، في إجابته على سؤال حول الحل الديموقراطي: “المحظور هو إظهار المسألة
انتزاع لفلسطين من الوطن، وبناء كيان خاص ومنفصل ومزدوج القومية دون هوية
عربية، وذلك باسم الديموقراطية، فذلك ليس هو الديموقراطية” )مهدي عبدالهادي،
مصدر سابق، مقابلة مع حبش منشورة في الصفحة ) 37 - 380 (.
إذن الحل الإستراتيجي هو تحرير فلسطين ومعالجة مشكلة عدد من اليهود الذين
يبقون في فلسطين بعد التحرير ممن هم مستعدون للتعايش مع الفلسطينيين والأمة
العربية. وهذا حجر الزاوية في فكر جورج حبش والذي يعني بلا مواربة أن الواقع هو
النضال للتحرير مما يعني أن الدولة الواحدة هي رؤية لما بعد التحرير”.
إن هذا أمر واضح وهو يختلف عن الموقف بإبقاء المستوطنات في مكانها والتعايش
مع المستوطنين لمجرد أن يقولوا “لسنا صهاينة” وبقاء الحال على حاله. كما طرح أحمد
قطامش كما سنرى لاحقا.
إنهم لن يقولوا لسنا صهاينة ما داموا يتحكمون بالأرض والسكان الفلسطينيين.
أما الدعوة لتجاوز حل الدولة المستقلة باعتباره وهما وتنفيذا للسياسة الإسرائيلية
والأمريكية، فهذا توصيف حقيقي قدمته جبهة الرفض و كان موجودا منذ بداية سنوات
السبعين، أي منذ طرحه كمجرد شعار، ورفضته قوى الرفض الفلسطيني وعلى رأسها
الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين.
وهاهم أنصار التسوية ينعقون اليوم بأن مشروع الدولتين هو وهم، أي أن مؤيديه
سابقا يرفعون في وجهه اليوم سيف منتقديه، سيف الرفض الفلسطيني.
بين حل الدولتين وحل الدولة الواحدة
44
لمن يوجه خطاب الرفض واستحالة التسويات المطروحة:
أولا: بالضرورة شكليا أن تقرأه قوى القبول – فتح والجبهة الديموقراطية والحزب
الشيوعي الفلسطيني الذي أصبح اسمه حزب الشعب، وفدا، وكل الأسماء )أشخاصا
وتكتلات( التي توهمت بأنه من الممكن أن يحصلوا على شيء من فلسطين بالتنازلات
عن حقوق الشعب الفلسطيني والتواطؤ مع الوجود الصهيوني في فلسطين والإنحناء
للسياسة الأمريكة والدول الرجعية العربية.
لقد كانت قوى الرفض واعية للأمر وتعاملت معه على أنه تفريط بالحقوق الفلسطينية
وأن النتائج وهم.
وكانت قوى القبول تحاول بتنازلاتها أن تحظى بلقب “معتدل” ويكون حول اسمها
طنين عالي بمقدار ما تطرح مواقف انهزامية واستسلامية وتتجه لمستنقع التسويات.
أي لم تكن جاهلة بالأمر، بل تقدمت له بوعي وقامت بدورها في تخريب الموقف الوطني
الفلسطيني وتمكين الثقافة الإستسلامية من التغلغل إلى وعي ومفاهيم الثقافة
الوطنية، وتفكيك الكفاح الوطني الفلسطيني والإرتهان إلى عطايا أمريكا والتي تمثلت
أخيرا في أوسلو بحدوده المطبقة مع بقاء فلسطين كلها تحت الإحتلال.
ثانيا: وإلى قادة الرأي الوطني الفلسطيني الذين تقع على عاتقهم مهمة تحشيد
الرأي والقوى والتفافها حول القضية وأهدافها والتفافها حول قوى التحرير، فإنه يجدر
بالبعض النظر على قاعدة نقدية من مواقفه السابقة وينخرط مجددا في خندق الدفاع
الوطني، خندق الرفض.
ثالثا: يوجّه للعدو وأعوانه بما يفيد أن هناك صحوة وطنية تعيد الإمساك بخطوط
النضال.
إن هذا الفهم ضروري للمقارنة مع طروحات الداعين الجدد لحل الدولة الواحدة
وملاحظة اختلافه الجذري عن مفهوم الدولة الديموقراطية التي طرحها جورج حبش
وطرحها باختلافات قادة فلسطينيين آخرين.
بين حل الدولتين وحل الدولة الواحدة
45
شركاء آخرون لسلامة كيلة تخلصوا من حل الدولتين:
ولكن كيف تخلص شركاء آخرون من حل الدولتين وانتقلوا إلى حل الدولة الواحدة.
هناك أفكار متنوعة أوصلت إلى نفس النتيجة: لينتهِ حل الدولتين وليبق كل شيء
على حاله تحت اسم مشروع حل الدولة الواحدة هذه المرة!
ماجد كيالي ونهاية حل الدولتين
وفي مساهماته ببيان نهاية حل الدولتين نشر ماجد كيالي على صفحته في فيس
بوك في 7/ 12 / 2017 م )بيان للتوقيع ..والمشاركة بالنشر والتعميم( كرسالة إلى القيادة
الفلسطينية وإلى شعبنا الفلسطيني، وتحت شعار “نحو تغيير في الخيارات السياسية
الفلسطينية”، حيث يؤكد على نهاية حل الدولتين نتيجة انسداد عملية التسوية
التي بنيت على اتفاق أوسلو، الناقص والمجحف.
وقد استهل بيانه بالقول “بعد الخطوة الأمريكية بالاعتراف بالقدس عاصمة
لإسرائيل، وبعد انسداد عملية التسوية التي بنيت على اتفاق أوسلو، الناقص والمجحف،
وبعد محاولات إسرائيل تكريس احتلالها بالأمر الواقع عبر الاستيطان وتهويد القدس
ومصادرة الأراضي وبناء الجدار الفاصل، فإن القيادة الفلسطينية مطالبة بانتهاج
استراتيجية وخيارات سياسية جديدة...”
أي قد انتهت خيارات التسوية الجارية بعد “اعتراف ترامب بالقدس عاصمة لإسرائيل”
وبعد وبعد.
ولكنه كان يرى أفق التسوية مفتوحا لخيار الدولتين واليوم يرى أن هذا الأفق مسدود
علما أن أفق التسوية لخيار الدولتين لم يكن مفتوحا قبل هذا الإعتراف أيضا!
وهو لم يكن مفتوحا قبل هذا الاعتراف أيضا! كان هذا الخيار وبقي في رؤوس فرق
التسوية، يقولون ويحللون ويهاجمون موقف الرفض ولكن الكيان والإمبريالية يقولون
لهم سراً وعلانية: )على بال مين يلي بترقص في العتمة(! لكن من المعيب أن يزعموا أن
بين حل الدولتين وحل الدولة الواحدة
46
العدو اهتم بهذا الخيار، هذا الزعم خداعٌ للشعب الفلسطيني.
وكان كيالي مؤيدا لخيار الدولتين بل كان ولا يزال يبرر مثل هذا الخيار فهو يقول في شباط
2011 م في منشوره في )فلسطين صحيفة الكترونية( حيث يفند الخيار اليوم ويبرر
طرحه في حينه:
“في الجدل الدائر على ما تبقى من خيار «إقامة دولة فلسطينية » )في الضفة
والقطاع المحتلين(، يجدر بنا الالتفات إلى ثلاث قضايا على غاية الأهمية:
أولاً، إن هذا الخيار طرح منذ أكثر من ثلاثة عقود ونصف العقد، أي منذ أن تحولت الحركة
الوطنية الفلسطينية من هدف تحرير فلسطين إلى إقامة دولة في الضفة والقطاع، وهو
ما بات يعرف ب «البرنامج المرحلي ». وفي حينه قبل هذا البرنامج الحل الوسط التاريخي
الذي تأسس على «حق العودة وتقرير المصير وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة .»
وبغضّ النظر عن جدوى هذا الخيار وشرعيته وعدالته، فإن التحوّل إليه تم بدفع من عوامل
عدة منها: اقتناع الفلسطينيين باستحالة جسر الفجوة في موازين القوى بينهم وبين
إسرائيل، وإدراك الفلسطينيين أن القوى الدولية الكبرى تضمن أمن إسرائيل واستقرار
وجودها وانحسار الدور العربي في مواجهة إسرائيل، ومحاولة الفلسطينيين التحايل على
العوامل السابقة بالتماثل سياسياً مع الوضعين الدولي والعربي، حيث اعتبر خيار الدولة
ا لمستقلة مدخلاً لإحراج إسرائيل، سياسياً وأخلاقياً، ولكسب تعاطف الرأي العام الدولي.
بهذا المعنى يمكن اعتبار هذه النقلة السياسية، التي تتضمن التنازل عن جزء من الوطن
التاريخي، مجرد نقلة اضطرارية...” ماجد كيالي، )فلسطين صحيفة إلكترونية، شباط
2011 م.(
وبعد هذا التبرير يعود كيالي إلى ضرورة القفز بنقلة أخرى في الموقف الفلسطيني
معززا بذلك نهاية حل الدولتين فيقول في ذات المقال أعلاه:
“ بناء على ذلك، وبعد هذا الزمن، ثمة مشروعية، بل ضرورة، لمراجعة هذا الخيار، لأن
من غير الممكن التمسك به إلى ما لانهاية، من دون جدوى. وإذا كان البعض يرى في هذا
الخيار حلاً واقعياً، لا بديل منه، فإن الزمن ب أن هذه الرؤية ليست واقعية، وإنها ليست
بين حل الدولتين وحل الدولة الواحدة
47
أقل طوباوية من غيرها. ولعل أكبر دليل على ذلك عدم قيام هذه الدولة بعد هذا الزمن
الطويل، وممانعة إسرائيل هذا الحلّ ...” ماجد كيالي، )فلسطين صحيفة إلكترونية،
شباط 2011 م(.
أي أنه ينتهي من شعار حل الدولتين مسوغا ذلك كما رأينا ب: قرار ترامب بنقل
السفارة الأمريكية إلى القدس، وعدم تنفيذ المشروع بعد مضي هذا الزمن الطويل،
وممانعة إسرائيل في هذا الحل، علما أن فكرته بالأصل طوباوية وليست واقعية. وهنا
يشترك ماجد كيالي بطرح ذات الأسباب التي طرحها طارحو حل الدولة الواحدة والذين
استندوا في طرحهم على فشل حل الدولتين بسبب هذه الاستعصاءات.
ويتعرض كيالي لظروف طرح شعار الدولتين ويقارنها باتفاق أوسلو بطريقة تساهم
في نسف فكرة الدولتين وأوسلو معا ولكن تمهيدا لخيار الدولة الواحدة وليس من باب
نقد منهج التسويات ذاته بل تسويغا له. فهو يشرح ويفسر ظروف فكرة التسوية
في مناخات حرب تشرين 1973 م ووجود الإتحاد السوفييتي وحال الدول العربية ويصف
المرحلة بأنها مرحلة نهوض بينما اتفاق أوسلو في مرحلة هبوط عربي ودولي والقطبية
الواحدة، ويشرح مثالبه.
لنقرأ:
“في المحصلة، جاء اتفاق أوسلو متضمناً ثغرات خطيرة مثل عدم تعريف إسرائيل
باعتبارها دولة محتلة، وعدم تعريف أراضي الضفة والقطاع باعتبارها أراض محتلة،
وعدم تضمين الاتفاق نصاً واضحاً يتعلق بوقف نهائي للاستيطان في الأراضي المحتلة، ما
نتج عنه مضاعفة عدد المستوطنين في الضفة الغربية خلال عقدين من عمر عملية
التسوية. وقد شهدنا أن هذا الأمر قطع تواصل أراضي الضفة، وقوّض إمكانية إقامة
دولة فلسطينية قابلة للحياة )وهو ما تنبّهت إليه القيادة الفلسطينية مؤخراً(”!!!.
بين حل الدولتين وحل الدولة الواحدة
48
ويستمر كيالي في إبداعاته وتبريراته:
“وفوق ما تقدّم فإن اتفاق أوسلو تجاهل تحديد المآل النهائي للمفاوضات، ولم يرتبط
بأي مرجعية قانونية دولية؛ فضلاً عن قبول الفلسطينيين التفاوض على مرحلتين
انتقالية ونهائية، وبتقسيم أراضي الضفة إلى ثلاثة أقسام )أ، ب، ج(. وطبعاً فإن نتيجة
هذا الاتفاق باتت معروفة، فعلى الرغم من الإجحاف، مازالت إسرائيل بعد 17 عاماً تراوح
عند حدود المرحلة الانتقالية”
“وبهذا يرى أن اتفاقات أوسلو زادت الأمر تعقيدا وأن تطبيقاته زادت من عقبات التوصل
لحل الدولتين.”
ويعود في “ثالثا” لتخصيب فكرته عن قصور شعار حل الدولتين:
“ثالثاً، الحل المرحلي يتركز على إقامة دولة في الضفة والقطاع، ونقطة، ما يعني
اختزال الحقوق الفلسطينية، وخاصة حق العودة للاجئين، وذلك ليس تعبيراً عن رغبة
القيادة المعنية، بقدر ما هو نتاج اقتناعها باستحالة المزاوجة بين حقي إقامة الدولة
وحق العودة، وإدراك هذه القيادة لوضعها في إطار موازين القوى، والمعطيات الدولية
والإقليمية غير المواتية، ولرفض إسرائيل المطلق لهذا الحق، للحفاظ على وضعها كدولة
يهودية..”
فالحل المرحلي يقف عند حدود إقامة الدولة ويتجاهل حقوق اللاجئين كما تجاهل
مناطق 1948 م، كما ورد في بند سابق من مقالة كيالي سابقة الذكر والمصدر.
وفي بيانه، يحسم أمر انتهاء حل الدولتين بدعوة القيادة للانفتاح على خيارات أخرى
حيث يقول في “سادسا”:
“سادساً: التحرر من الانحصار في الخيار السياسي الأحادي، المتمثل بالدولة في
الضفة والقطاع، سيما بعد إفلاس خيار أوسلو، بالانفتاح على خيارات موازية،...” بيان
منشور على صفحته في الفيس بوك في 7 ديسمبر 2017 م.
بين حل الدولتين وحل الدولة الواحدة
49
أحمد قطامش يدلي بدلوه
أما أحمد قطامش، وهو من التراث القيادي السابق في الجبهة الشعبية، فيقول في
كراسة التسوية الجارية / إدارة أزمة أم حل أزمة، الصادر عن مركز منيف البرغوثي:
“ فاللهاث وراء دولة وهمية قاد لأوسلو بنتائجه الكارثية. فهناك شرائح ونخب
فلسطينية تجد مصالحها الضيقة باسترضاء أمريكا، مرة بتوقيع أوسلو ومرة بتوقيع
جنيف ومرة بالتهيؤ للتعاطي مع مشروع شارون لفك الإرتباط بغزة على ضبابية حدوده
ومضامينه وإستحقاقاته الأمنية والسياسية بما في ذلك إطلاق أيدي الاحتلال في
الضفة ، متجاهلة معاني سياسات شارون وموفاز على الأرض بتشريد آلاف العائلات
الفلسطينية وهدم بيوتها في جنوب وشمال غزة ناهيكم عن إطلاق شهية القتل
اليومي والإغتيال الممأسس والجدار...”
ويزيد الأمر إيضاحا بقوله في ذات المصدر:
“إن ما يتراكم على الأرض من حقائق متنامية يجعل من شعار الدولتين محض
خداع وتخدير للوعي الفلسطيني يسيل عليه لعاب بعض الدوائر التي تتطلع لمكاسب
شخصية على حساب القضية الوطنية وأوضاع الجماهير التي تتدهور بانتظام بعد
أن أقصيت عن الفعل السياسي، فحلّ العمل النخبوي، ولا تسمع القيادة لأوجاعها
ومطالبها، فانكفأت دون هدف سياسي يقودها.”
إذن، لا تتبعوا شعار الدولتين ولا تتمسكوا به من الآن فصاعدا لأنه “محض خداع
وتخدير للوعي الفلسطيني”، أما حل الدولة الواحدة فلا خداع فيه فتعالوا واتبعوه!!!
ويعمق قطامش هجمته على شعار حل الدولتين ليس من منطلق تحرير كل فلسطين
كما كان موقفه سابقا بل تمهيدا للتخلي عن هذا الموقف إلى موقف جديد، فيقول:
“ إن شعار الدولتين مدخل كاذب لحل كاذب”، أما أنا فأضيف وكذلك شعار الدولة
الواحدة المطروح يعني أننا الهنود الحمر، ولهم البلاد ونتعايش مع إسرائيل، وإسرائيل تمتد
من النهر إلى البحر.
بين حل الدولتين وحل الدولة الواحدة
50
ويؤكد قطامش أن التداخل في السكان والمصالح يحول دون الفصل بين السكان وأنه هو
شخصيا لا يقبل بالفصل العنصري، ويسهب في تصوير الوضع بالأرقام والاستشهادات
ثم يؤكد إمكانية التعايش بمثال لا أعرف ما هي علاقته بالموضوع كما كان في بيروت.
لافت في هذا السياق أن نشير إلى أن حديث الرفيق قطامش هذا متقاطع تماماً مع
جوهر “صرخة من الأعماق” المشار إليها أعلاه!.
وفي لقاء مع نشرة “الإتجاه “ في 6 آذار 2018 م، يشارك المتحدثين عن نقل السفارة إلى
القدس كسبب لسقوط لحل الدولتين فيقول في الإجابة على سؤال ما هي أبعاد قرار
ترامب بنقل السفارة الأمريكية للقدس من تل أبيب والاعتراف بها كعاصمة لإسرائيل؟: “
...سقط المسار التفاوضيّ وأوسلو وأوهام السلطة الفلسطينيّة ورهانها على الوسيط
الأمريكيّ على امتداد ربع قرن، سقط كلّ ذلك وباتت السلطة أمام حقيقة واحدة ردّدها
الشعب على امتداد السنين؛ أنّ اتفاقيّة أوسلو لا تُفضي إلى دولة، بل هي غطاء لتوسّع
الاحتلال، وأنّ الرّهان على أمريكا خاسر. ..”
وفي مقالته المنشورة في “الإتجاه” في 1/تشرين ثاني 2015 م يؤكد طرحه بالقول:
“كما انغلاق الأفق السياسي وقد تبخر وهم أن مسار المفاوضات الذي أستمر ربع
قرن، سوف يفضي لاستقلال أو نصف استقلال أو مجرد وقف التوسع الاستيطاني
الكولونيالي القافز الذي حول القدس الشرقية إلى مجرد معازل عربية محاطة بأسيجة
يهودية، وتجارة مشلولة وأقصى منتهك. والضفة الفلسطينية إلى عشرات القطع
التي تفصلها الشوارع الالتفافية وتحاصرها المستعمرات والجدار ووضع اليد على الأغوار،
وتجويع غزة وخنقها وتدميرها في ثلاثة عدوانات في أقل من عقد من الزمن، ناهيكم عن
استثناء اللاجئ الفلسطيني في الشتات )أكثر من 6 مليون( والتجمع الفلسطيني في
48 )أكثر من 1.5 مليون( من أي بحث، وهذا الأخير يواجه مشروع برافر في النقب”.
وفي سياق المقال يوفق بين منظري أوسلو ومنتقديه )وهو منهم( بشعار “تجاوز أوسلو
لا إلغاؤه”: تجاوز “أوسلو” وانتخاب مجلس وطني جديد:
“... ولئلا نعود إلى المربع الأول، أنا صح وأنت خطأ، مصلحتي لا مصلحتك، شرعيتي
لا شرعيتك، يفيد أن يقفز العقل القيادي الفلسطيني عن الخلافات المستعصية من
بين حل الدولتين وحل الدولة الواحدة
51
طراز “أوسلو” والمفاوضات من جهة ورفض “أوسلو” وخيار القتال من جهة أخرى….
بالانشداد للحظة الراهنة ودرسها، الأساس الوحدة الميدانية على غرار الوحدة الميدانية
في حرب المخيمات 83 - 1985 وإضرابات الحركة الأسيرة.”
والذهاب للآلية التي يسهل معها تجاوز “أوسلو”، أي انتخاب مجلس وطني فلسطيني
كما تم الاتفاق عليه في اجتماع عمان 2012 ، انتخاب مجلس لا عقد دورة للمجلس
الحالي الذي هو طرف في الأزمة الداخلية، وموازين القوى والميل العام في كافة الفصائل
والأوساط الفاعلة تسمح بالقول أن النتائج المحتملة ستجيب على معضلة التزامات
“أوسلو”، حتى أن الدورة الأخيرة للمجلس المركزي كانت أقرب لذلك، وبالتالي الوصول
لتوجهات جديدة تفتح في المجال تجاوز “أوسلو”. )الإتجاه(
أي تعالوا نتجاوز أوسلو ونعمل معا. يا عالم ما هذا؟
ولماذا التفكير بأن الحراك الذي كان قائما هو انتفاضة ثالثة وهل كانت تتوفر لها أي
حوافز الإنتفاض التنظيمية والقيادية؟ وقتها أنا كتبت بأنه لا توجد إنتفاضة ولا تضطر
الحركات القائمة إلى انتفاضة ولكن الرفيق أحمد انخرط في الخطاب السائد للقيادات
السائدة! مصالحة، إنتخاب مجلس وطني جديد، إصلاح منظمة التحرير، قيادة منتخبة
للمنظمة يثق بها الناس؟؟؟؟ ما هذا؟؟؟ تقسيم المهام بين المنظمة والسلطة، إصلاحات
في السلطة ؟؟!!!!!
قطامش يضع المخرج للحالة الفلسطينية الراهنة!
ولا ينسى قطامش أن يعالج الوضع الفلسطيني الراهن والتفكك والإنقسام والخلل
الكبير في وضع المنظمة. وهو هنا قد استحضر جوبيتر خصيصا لهذه الغاية حيث
يقول:
“إنها )انتخاب مجلس وطنيّ جديد حيثما أمكن أو التوافق( لكافة تجمعات شعبنا
في الداخل والخارج، ينبثق عنه مرجعيَّة شاملة للشعب. فهو برلمان ولكن قبل تحرير
الوطن. وسوى ذلك جرّبناه على امتداد دزينة سنوات )والذي يجرّب ا رُجلمَّب عقله مخّرّب(
بين حل الدولتين وحل الدولة الواحدة
52
يقول مأثورنا الفلسطينيّ.
هذا المتكأ هو قاعدة الانطلاق.” )قطامش، المصدر السابق(
إذن تعالوا لتبديل المجلس الوطني ليشكل مرجعية شاملة للشعب.
ويبدأ الرفيق قطامش بالتغزل بالمجلس الذي لم يوجد بعد وكأنه موجود:
“والمجلس الوطنيّ يتّسع للتقاطعات والتباينات والتعايشات كما أيّ برلمان في العالم.
وفيه يجري انتخاب لجنة تنفيذيَّة لها حقّ القرار ولغيرها حقّ الاعتراض. وبذلك يمكن
البدء بإعادة بناء هياكل م.ت.ف كقيادة للشعب الفسلطينيّ ومرجعيَّة “لسلطة
الحكم الذاتيّ المحدود” في الضفة وغزةَّ”
ثم يأتي المهم.
فالكاتب يدرك أننا تحت الاحتلال “الذي لن يفيد تضخيم توصيفها وإن كان الوطن
والشعب فلسطينيين. فالاحتلال جاثم على صدر الشعب والوطن” )قطامش(.
ثم يُقسّم التخصصات بأمانة ودون تحيز! بين السلطة والمنظمة:
“سلطة تختص بالحيز المدنيّ الحياتيّ المثقل بأزمات كثيرة، أما الحيز السياسيّ فهو
للمنظمة وفصائلها وللشعب وقواه الحيَّة.”
إذن الرفيق، وقد كان مع تحرير فلسطين من النهر إلى البحر مع إمكانية حل مرحلي
على طريق تحرير كل فلسطين، وقد وقّع على بيان العشرين ضد السلطة من الأساس
واعتقل على أثر ذلك من قبل سلطة الحكم الذاتي المحدود، قد عاد وقدم النصائح
للسلطة ودورها مع العلم أنها سلطة أوسلو الرديئة والتي وصفها كما بداية الإقتباس:
“فاللهاث وراء دولة وهمية قاد لأوسلو بنتائجه الكارثية..”، وحيث لم تتغير السلطة
بل تكشف لها مزيدا من السوء فما الذي جعل قطامش يقول ذلك؟
ولكن قبل سطرين فقط ذكّرنا الرفيق بأننا تحت الإحتلال!!! فكيف سيكون لقوى
وهياكل ممارسة دور سياسي ضد الاحتلال سوى تحت سقفه. وحتى لو تحت سقفه فإن
الاحتلال لا يحترم أوضاعاً كهذه ويسمح ويمنع على هواه وليس على هوى جوبيتر.
ثم يتساءل هذا السؤال الذي لم أجد له مكانا مناسبا في سياق حديثه.
“لماذا تعايشت بيروت مع المقاومة اللبنانيَّة في ثمانينات وتسعينات القرن الماضيّ.
أليس هذا درس في التعايش؟”
بين حل الدولتين وحل الدولة الواحدة
53
هل هو دعوة للسلطة للتعايش مع مقاومة بشتى أشكالها ضد إسرائيل؟ – تقسيم
أدوار يعني في ظل التنسيق الأمني. وفي الحقيقة لم تتعايش بيروت مع المقاومة، بل ظل
الوضع مشتبكا إلى حين أُخرجت المقاومة الفلسطينية من بيروت. وكان شعار المقاومة
منذ أول اشتباكات عام 1972 “الحفاظ على البندقية الفلسطينية” وهذا لم ينجح
أبدا.
المقاومة إن وُجدت تعمل ضد إسرائيل! والسلطة تلاحقها وتخبر عنها وكل شيء
مقبول! هذا هو الحال القائم ولن يتبدل بأقوال. أليس هذا هو الوهم؟ أليس هذا لهاثا
وراء أوهام من بنات أفكار الكاتب؟
التصدي للمشروع التصفوي
ثم لا ينسى الكاتب أن يعرج على مهمة التصدي للمشروع التصفوي في 27 آذار
2017 م في مقاربة وذلك “بالعدة” الموجودة ولكن بعد إيجاد مرجعية شاملة كخطوة
أولى. ومجرد أن يطرحها يتعامل وكأنها موجودة ويطرح عليها مهام لا تريدها ولا
تحتملها، على أنها قادرة على تحمل المهمة ثم يضفي عليها الخصائص المستحيلة حيث
يقول الرفيق:
“أما وجود مرجعيَّة شاملة، كخطوة أولى )وهي المرجعية التي أوجدها أعلاه م.ف.(
، فمن شأنه إعادة الهيبة والاعتبار لِ م.ت.ف والثقة بقيادتها المنتخبة. وأكثر من ذلك
فالأغلبيَّة الساحقة مرجَّح أنْ تصبّ في طاحونة لملمة الحقل السياسيّ وخلق أوسع
اصطفاف للتصدي للمشروع التصفويّ، وهذا بيت القصيد.”
أي أن الكاتب حدد الإصلاح الضروري وبعدها فإن هذا سيحصل وكأنه بشكل تلقائي.
إن الكاتب يستسهل أمر المعالجة لوضع مريض يزيد مرضه على أربعين عاما!!
وهكذا يفعل نايف حواتمة.
إن الرفيق يندرج في الخطاب الفلسطيني المتهالك السائد.
إعادة الهيبة والإعتبار للمنظمة والثقة بقيادتها المنتخبة!!! الله أكبر. إن الحل
يكمن في إعادة الثقة لقيادتها لأنها منتخبة وبالطبع التي ستكون ذات العناوين، و
بين حل الدولتين وحل الدولة الواحدة
54
سيلتف حولها الناس!!! كيف سيلتف حولها الناس وهي ميتة وغير قابلة للحياة،
بل كل شيء فيها هالك إلا بصمتها، وبصمتها هذه مخبأة بجيب عباس كما كانت
بجيب ياسر عرفات ويستخرجها للبصم على ما يريد وعند اللزوم وليس لقيادة
الشعب الفلسطيني سياسيا وكفاحيا. والإصلاح هذا قد لا يحصل أبدا ولن يحصل!!!
فالمنظمة ليست مؤهلة لقيادة الشعب الفلسطيني حتى بهذه الإصلاحات المذكورة.
وليست لها شرعية القيادة، إذ كانت لها شرعية وهي تلتزم بالكفاح المسلح، أي شرعية
نضالية، وحين تخلت عن النضال والمشروع ، لم تعد هناك شرعية لها، وتحديداً لا شرعية
انتخابية لأنها ليست منتخبة.
إذن لا بد من حلول أخرى تعطي ثقة الجماهير للقيادة.
لا يهم. فالكاتب وضع الحل “وكما يقول الطبيب، عملت ما عليّ والباقي على ألله”.
قلت ما لدي وانتهى الأمر.
ثم أن الأغلبية الساحقة )ما هذه الأغلبية( ستصب في طاحونة لملمة الحقل
السياسي. ما هو هذا الحقل السياسي؟ )وإذا لم تصب في الطاحونة الفلسطينية
وصبت في طواحين أخرى؟( يريدنا الكاتب أن نرى الحل جميلا وننام على صوت طاحونته،
وهو يتغافل عن النضال الذي يحتاجه إنتاج قيادة جديدة وطليعية كسهم تشق طريقها
وتنال تعاطف وتأييد الجماهير الفلسطينية والعربية بصوت كفاحها دون حاجة أبدا
لموافقة النظام العربي الرجعي الرسمي القائم، ودون موافقة إسرائيل على كل خطوة
من خطواتها كما هو الحال اليوم.
إن قيادة المنظمة الحالية ومعها مجموع الدول العربية لا توافق على أية إصلاحات
جذرية للمنظمة تضعها في موضع كفاحي ومجابهة مع الإحتلال. فوضعية
المنظمة بشكلها القائم حاليا هو نتاج تضافر جهود قيادتها المهادنة ودعم وتشجيع
النظام العربي الرسمي الرجعي القائم.
ثم لماذا كل هذا الإستسهال: فمن هي الجهة التي ستقرأ مشروعك هذا وتذهب
ركضا وعلى عجل من أجل الإعداد لتنفيذه، وتنفيذه كما تريد وبالشكل الذي تريد؟
إن منظمة التحرير ليست بحاجة إلى إصلاحات من وجهة نظر أصحابها. وفشلت
محاولات عديدة لإصلاحها طوال عقود مضت، من قبل مكوناتها. هذا من جهة، ومن
بين حل الدولتين وحل الدولة الواحدة
55
جهة أخرى فإن الفصائل كافة بما فيها فتح وحماس قد طرحوا مشروع انتخاب مجلس
وطني حيث أمكن والتوافق في الأماكن التي يصعب فيها الإنتخاب وذلك منذ مدة
طويلة ولم يحصل شيء من هذا.
إن استعارة هذه الطروحات ليس أكثر من اندماج في الخطاب الفلسطيني الدارج
بالأقوال وليس بالأفعال.
بعد ذلك، لمن تُوجّه دعوة الإصلاح هذه ولملمة الحقل الفلسطيني وتقسيم المهام بين
سلطة التنسيق الأمني المقدس )والتي تنسق أمنيا مع 83 دولة في العالم وعلى رأسها
إسرائيل وأمريكا( والتي تصبح بمرجعية المنظمة بدلا من مرجعية بيت إيل القائمة
حاليا، وهي كما تعلم ويعلم الجميع هي من تابعية بيت إيل وسبق لصائب عريقات وهو
من أهل البيت أن صرح بحق بأن )يؤاف مردخاي( هو مسؤول ومرجعية السلطة وبيت
إيل مرجعية الجميع. هذا من زمان وكرره صائب عريقات حديثا.
عريقات خلال مقابلة مع القناة الثانية ضمن تقرير بث الليلة الماضية ليلة الأربعاء
2/20 / 2017 م قال:
“ربما أُغضب رئيسي لكن الرئيس الحقيقي للفلسطينيين هو وزير الجيش ليبرمان
ورئيس الوزراء الحقيقي هو منسق الأنشطة الحكومية يؤاف مردخاي “
والكاتب يعرف تماما أن السلطة هي بقيادة الإدارة المدنية في بيت إيل ولم يتغير
شيء على ما يعرف الكاتب. ولن يتغير شيء بالتوافق على تشكيل مجلس وطني يضم
حماس والجهاد الإسلامي إلى العضوية الموجودة في القيادة والقاعدة.
وتكون المنظمة التي تشكلت على مقاسٍ ما مسؤولة عن العمل السياسي
والتصدي للمشروع التصفوي ؟؟؟؟؟
كثيرون مثل قطامش توجهوا “لأبانا القيصر” القائد الفرد من أجل إصلاح المنظمة
وإتمام المصالحة بين فتح وحماس من أجل “محاربة” إسرائيل!! ولكن أبانا القيصر هو
صاحب مشروع مختلف ولا يرى حاجة لتمثل مشاريع أشخاص آخرين.
حتى أن هذا الطرح لم يرق إلى مستوى التحريض على السلطة وبرنامجها، ولا إلى
خلق مناخات لإصلاح المنظمة.
إنه كما سنرى لاحقا في إطار تحديد هوية جديدة للكاتب على أنقاض تجربته السابقة.
بين حل الدولتين وحل الدولة الواحدة
56
أصحاب الصرخة
ثم يتقدم أصحاب “صرخة وطنية ونداء من الأعماق” صبري مسلم وأمال وهدان ومن
معهم في “التجمع العربي والإسلامي لدعم خيار المقاومة” برئاسة د. يحي غدار من
لبنان، “ليقدموا مساهمتهم عن فشل حل الدولتين تمهيدا لحل الدولة الواحدة التي
تعني التعايش مع المستوطنين، “ولكل شيخ طريقته”.
“صرخة وطنية ونداء من الاعماق”
تقول الصرخة:
“.... كم من الوقت نحتاج الى ان نبدأ بالتخلص من وهم التسويات الخيالية التي
ثبت بالملموس عقم المفاوضات بشأنها وعبثية الاستمرار فيها، ..”.
أي إن المفاضات التي جرت هي من أجل التوصل إلى الدولة المستقلة، ولكنني سأقول
للتوصل إلى حل “دولتين للشعبين”. إذن التسويات على هذه القاعدة هي وهم وخيال
وثبت بالملموس عقمها وعبثيتها مما يفتح الباب على مشروع آخر ومبادرة أخرى من وجهة
نظر أصحاب الصرخة.
ثم يدحش كاتب الصرخة عبارة حق يريد بها تمرير الباطل فيطالبنا بأن:
“وأن نقر بحقيقة كوننا ما زلنا في مرحلة التحرر الوطني، ولسنا في مرحلة بناء دولة
يستحيل بناؤها تحت سيطرة احتلال اقسى انواع النظم الاستعمارية الاستيطانية التي
مارست سياسة التمييز والفصل العنصريين، وتفوق بأضعاف المرات قساوة سياسة
هتلر النازية ودوكليرك العنصرية في جنوب إفريقيا”. هنا يهاجمون الاحتلال )يغلطون
عليه( جهارا نهارا، ولكنهم يتقدمون على قطامش بقولهم باستحالة “بناء دولة
يستحيل بناؤها تحت سيطرة احتلال أقسى أنواع النظم الإستعمارية الإستيطانية...”
ثم تعود الصرخة لغايتها حول فشل مشروع حل الدولتين عبر كل محطات التفاوض
المذكورة أدناه:
“أولم يثبت بالتجربة الحسية بعد، ان المفاوضات مع الاحتلال منذ مدريد مروراً بأوسلو
بين حل الدولتين وحل الدولة الواحدة
57
وواي ريفر وكامب ديفد وطابا والرباعية الدولية وأنابوليس لم تجلب لشعبنا سوى المزيد
من القتل والدمار والاغتيالات ومصادرة الاراضي وهدم البيوت وتقطيع الاشجار وتجريف
البساتين وبناء المستوطنات وجدار الفصل العنصري واقامة مئات الحواجز العسكرية
وأبراج المراقبة الفولاذية على مداخل مدننا وقرانا ومخيماتنا الفلسطينية؟
“.... لذلك كله نرى ضرورة الانسحاب النهائي من مهزلة المفاوضات لثبوت كونها
تغطي جرائم الاحتلال وتشرعنها، كما تعمق الخلافات الفلسطينية لدرجة الاقتتال
الدموي، وتوحي بإمكانية حلول عادلة لا وجود لها اصلاً الا في مخيلة الواهمين ..”
والله صحيح ما ذكرته الورقة في هذه الفقرة عن أضرار المفاوضات الجارية والدمار
الذي لحق بالقضية بسببها وخلالها، وكذلك الأضرار التي لحقت بنا بسبب تبني البعض
لفكرة حل الدولتين.
وفي مكان آخر يرد في الصرخة مع التنظير تحذير من شعار دولتين للشعبين:
“إننا نحذر الاحرار والمناضلين من أجل حلول عادلة في فلسطين التاريخية، ومحيطها
الاقليمي، من تطبيق شعار )دولتين متجاورتين في فلسطين(. فهو من جهة أولى يمثل
خديعة كبرى عندما يصور إقامة المعازل الإثنية في فلسطين كتعبير عن تطبيق حق
تقرير المصير لسكان هذه المعازل.
ومن جهة ثانية، يمثل انفصال كيان المستوطنين وتميزهم عن السكان الاصليين
القابعين في المعازل، تكريس لنظام الفصل والتمييز الإثني ) الابارتهايد( والإبقاء على
طبيعة البنية الاستعمارية لكيان المستوطنين واستمرار استغلالهم للأرض ألموحدة،
تحت سيطرتهم، وقوة عمل السكان الأصليين فيها”
إن حل الدولتين فوق كل عبثية التفاوض من أجله واستحالة تحقيقه هو كذلك
فيما لو تحقق يكرس الفصل العنصري والعنصرية والتمييز العنصري ويضع “السكان
الأصليين” في معازل ويستمر استغلال قوة عملهم.
والله هذا كلام خطير، ولكن ألم يكن أصحاب الصرخة وغيرهم يعرفون كل هذه
الأضرار حينما كانوا هم بأنفسهم مع حل الدولة الفلسطينية المستقلة أو بصياغة
دولتين لشعبين؟ ولكنهم هنا يحذرون من تطبيقه فيما لو تحقق.
بين حل الدولتين وحل الدولة الواحدة
58
محمود الشيخ مع الانتقال إلى حل الدولة الواحدة:
ويساهم محمود الشيخ في مقالته المنشورة على فيس بوك في تسهيل عملية
الإنتقال من مشروع الدولتين إلى مشروع الدولة الواحدة، فهو مع حل الدولتين وفاوض
نفسه ووجد أن من الأفضل أن ينتقل فورا إلى حل الدولة الواحدة:
“ وفي هذا المجال اعتقد من اجل هزم مشاريعهم علينا نحن كفلسطينين
التمسك بخيار حل الدولتين بهدف كسب الراي العام العالمي وتشكيل جبهة عالمية
قوية تقود الصراع مع اسرائيل وتجبرها على القبول بحل الدولتين والذى أيد هذا
الحل ووافق عليه ولا زال مؤمنا فيه ومن أجل فتح معركتنا العالميه ضد سياسىة
نتنياهو وترامب معا وتجنيد كافة القوى العالميه لتحقيق هذا الهدف لكن بأدوات
جديدة وعقول جديدة ووجوه جديدة وليس بنفس الوجوه والأدوات، أو اللجوء الى حل
الدولة الواحدة ثنائية القوميه ينال الجميع حقوقاً متساويه تماما ومواطنة كامله
دولة لجميع مواطنيها.” إلى هنا رأي محمود الشيخ. )عن صفحته في فيس بوك(.
هكذا وينال كل ذي حق حقه وينتهي الأمر.
هكذا ينتقل الواحد من مشروع إلى مشروع حسب “الريموت كونترول” الذي يوجهه.
لقد فاوض نفسه وتأمل في الموضوع جيدا ونسف حل الدولتين الذي كان يؤيده بكلمة
)أو( فقط.
انظروا أعلاه، فإن محمود الشيخ قد أظهر أنه مع حل الدولتين، ولا بأس في ذلك، ولكن
إن عجز لاحقا عن:
“ فتح معركتنا العالمية ضد سياسة نتنياهو وترامب معا ولكن بادوات جديده
وعقول جديده ووجوه جديدة وليس بنفس الوجوه والأدوات، فإنه سيلجأ إلى حل الدولة
الواحدة ثنائية القومية “
يمكن بنفس الوجوه والأدوات ولكن على ما يبدو فإن اليأس من حل الدولة المستقلة
كان بسبب الصعوبات، وربما يعتقد أنه لا توجد صعوبات تذكر أمام قبول إسرائيل بحل
الدولة الواحدة ثنائية القومية مما اقتضى الانتقال إليه. والأصح أنه يعرف الصعوبات ولا
بين حل الدولتين وحل الدولة الواحدة
59
يريد أن يشغل بالنا بها.
ولم يذكر إن كان هذا الحل بنفس الأدوات القائمة أو أنه سيجددها حسب مقتضيات
هذا الحل.
أحمد حسدية ضد حل الدولتين:
ويساهم أحمد حسدية بدوره في نفي حل الدولتين، ولكن حينما لا يرى أي فرصة إلى
مرحلة تنفيذ هذا الحل، يرى فرصة لبقاء الحال على حاله ويدعو إلى حل الدولة ثنائية
القومية بسبب هذه الإستحالة.
فقد كتب أحمد حسدية:
“ أنا ايضا كنت مقتنعا الى فترة قريبة بحل الدولتين للشعبين. لكن حينما أنظر
من حولي لا أرى أي فرصة للانتقال الى مرحلة تنفيذ هذا الحل. لذلك أريد أن أدعو الى
حل الدولة ثنائية القومية، الذي هو حسب رأيي الحل الصائب للصراع الاسرائيلي
الفلسطيني” )وطن للأنباء 1/ 12 / 2015 م(.
هكذا يريد أن يدعو، وذلك كتعبير عن موقف جديد وهوية سياسية جديدة. وهو لا
يكلف نفسه عناء الخوض في النضال من أجل شعاراته. فهو لم يطرح مثلا بناء تنظيم
ثوري يناضل من أجل إجبار إسرائيل على التخلي عن مشروع بناء الدولة اليهودية أو
يضع لها حدا، مجرد حد. هو قال كلمته وأعلن هويته السياسية المتناغمة مع المشروع
الصهيوني وهذا كل شيء.
إن فشل حل الدولتين قد جعل من حل الدولة الواحدة “الحل الصائب للصراع
الإسرائيلي الفلسطيني” وذلك بناء على بنات أفكاره وأفقه لا غير، أو ربما بناء على
ضرورة الانتقال وحمل الهوية الجديدة والحلم بحمل )الهوية الزرقاء(.
هكذا بكل بساطة بعد أن دافع عن حل الدولتين، هو وأمثاله، أربعة عقود وصلوا إلى
نتيجة مفادها أنه لا يرى “أي فرصة للانتقال الى مرحلة تنفيذ هذا الحل ..” فيلقي به
إلى سلة النفايات ويحمل ورقة جديدة مكتوب عليها: “حل الدولة ثنائية القومية”
بين حل الدولتين وحل الدولة الواحدة
60
مؤكدا “الذي هو حسب رأيي الحل الصائب للصراع الاسرائيلي الفلسطيني”.
كل من تحدث عن مشروع الدولة الواحدة كان يبدأ حديثه “أما وقد وصل حل الدولتين
إلى استعصاء كذا...” ويشرح ضخامة العقبات في طريقه والتي هي ذات العقبات
في طريق أية تسوية، ثم يتهم إسرائيل بأنها تفشل الحل أو لا ترضى به ثم ينتقل إلى
رفع شعار حل الدولة الواحدة! وكأن إسرائيل ترى نفسها بهذا ملزمة بالشعار الجديد.
أليس هذا تدليسا على الشعب الفلسطيني والثقافة الوطنية؟؟
نديم روحانا
أما نديم روحانا فكتب عن نهاية حل الدولتين:
«المرحلة الحالية التي تعيشها قضية الشعب الفلسطيني أوشكت على نهايتها...
انتهت المرحلة التي كان من الممكن أن نعتقد فيها أن قضية الشعب الفلسطيني قابلة
للحل عن طريق إقامة دولة فلسطينية في الضفة وقطاع غزة... الأهداف تآكلت الواحد
تلو الآخر ». أي أنه كان مع حل الدولتين حتى تاريخه.
ويؤكد روحانا “بحق” على ضرورة الشروع بصوغ «وعي متجدد بأن الصراع بين الحركة
الوطنية الفلسطينية وبين الصهيونية هو صراع طويل الأمد، وأننا لا نوشك على
الوصول إلى نهايته » وأن الصهيونية كحركة استعمارية كولونيالية لا يمكن أن توفر
للفلسطيني العيش بكرامة في أي جزء من وطنه، وأنه لذلك لا يمكن للفلسطيني
التعايش مع الصهيونية وبأنه ...”
إلى هنا، فإن نديم روحانا يشخص أن المرحلة الحالية التي تعيشها القضية
الفلسطينية أوشكت على نهايتها “انتهت المرحلة التي كان من الممكن أن نعتقد فيها
أن قضية الشعب الفلسطيني قابلة للحل عن طريق إقامة دولة فلسطينية في الضفة
وقطاع غزة... “ وذلك من أجل الدخول إلى صياغة البديل المتمثل بالدولة الواحدة. أي
يجهز على شعار الدولتين بتأكيده بأن الصراع بين الحركة الوطنية الفلسطينية وبين
الصهيونية هو صراع طويل الأمد... وأن الصهيونية لا يمكن أن توفر للفلسطيني العيش
بين حل الدولتين وحل الدولة الواحدة
61
بكرامة في أي جزء من وطنه.
« إذا كان الفلسطيني يرى في الصهيونية حركة كولونيالية، فإن الهدف سيكون
واضحاً، وهو تفكيك النظام الكولونيالي » إلى هنا.
الفلسطيني يرى في الصهيونية حركة كولونيالية؟!
ليس هذا فقط، بل يرى الصهيونية وما جسدته على الأرض الفلسطينية من
استيطان ومؤسسات وجيش تحت عنوان دولة إسرائيل التي اغتصبت أرضاً ووطنا
للشعب الفلسطيني .
إن حصر المسألة في العلاقة مع الحركة الصهيونية هو مدخل له ما بعده. إنه مدخل
خطير ومن أجل الإنتقال إلى الأخطر تحت عنوان الحل .
مدخل يقول أن يتخلى المستوطنون عن صهيونيتهم فلا تظل صهيونية كعقيدة
وأيديولوجيا، وبالتالي لايظل ما يخشاه الفلسطيني ويسامح الصهاينة “سابقا” بعد
تخلصهم من صهيونيتهم عن كل جرائمهم ولهم ما استولوا عليه من أراضي تزيد
على خمسة أسداس أراضي فلسطين. إن تخلي اليهود عن الصهيونية وتخلي الدولة
عن العنصرية والتمييز لايتقدم إلى تطبيق النتائج بتخلي اليهود والدولة عن الأراضي
التي استولوا عليها وعن برنامج الاستيطان وتهويد فلسطين كنتاج منطقي لهذا
التخلي. هذا مع العلم أن الصراع الدموي الأساسي والرئيسي هو مع دولة إسرائيل التي
تحمل السيف ضدنا وتستخدمه كل حين وليس مع الأيديولوجيا أو الحركة الصهيونية
التي لا نكاد نراها .
إن تشخيص الصراع وكأنه مع الأيديولوجيا الصهيونية حصرا، وطمس ما تبقى إنما
من أجل تسويغ طرح المواقف الجديدة بقفزة في الهواء.. وكأن المسألة مجرد مبادرات
فكرية نظرية أو رياضة ذهنية.
ويستمر بالقول:
وأن «المشروع الوطني الجديد لن يكتب له النجاح إذا لم يشمل الشعب الفلسطيني
كله في فلسطين وفي الشتات... حيث أحد أسباب فشل مشروع الدولتين تخليه عملياً
عن الشتات وعن فلسطينيي 1948 . يتعين على المشروع الوطني أن يقدم الفكرة
بين حل الدولتين وحل الدولة الواحدة
62
التحررية التي تحرر كل فلسطيني من القمع والاستلاب، ويوفر له الحرية والكرامة
والاستقلال، ويحرر الجميع من الصهيونية ولا يتعايش معها... فكرة فلسطين الجديدة
إلى العالم ترتكز على اعتمادها القيم الإنسانية والتحررية، انتهت المرحلة التي كان من
الممكن أن نعتقد فيها أن قضية الشعب الفلسطيني قابلة للحل عن طريق إقامة دولة
فلسطينية في الضفة وقطاع غزة...”
إذن فمقدماته مهما تعددت هي للوصول لهذه الخلاصة: انتهت مرحلة حل الدولتين
ولتكون هذه الخلاصة مقدمة لفكرته الجديدة.
وهذا ما نناقشه من خلال أوراق أخرى رأت عقم التوجه لدولتين كتأسيس للتوجه
لشعار دولة واحدة، علما أن روحانا يبقي كل شيء على حاله وفقط:
“فكرة فلسطين الجديدة إلى العالم ترتكز على اعتمادها القيم الإنسانية والتحررية،
والمجاهرة بهدفها المعلن وهو تفكيك النظام الكولونيالي الاستيطاني، واستبدال النظام
الصهيوني بنظام يضمن الحرية والمساواة والديموقراطية للجميع”.
)د. نديم روحانا، نشرت في مجلة الدراسات الفلسطينية، العدد 105 ، شتاء 2016 (
أي تغيير النظام العنصري بنظام يقول عن نفسه أنه ليس عنصريا ويبقى كل
شيء في مكانه ويكون اليهود قد تخلصوا من صهيونيتهم على يد روحانا هذا، وحينها
سيقبلون بالفلسطينيين إلى جانبهم في فلسطين. فما هو تفكيك الكيان الصهيوني
وكيف سيتم بناء على أطروحات روحانا ومن سبقه؟ ولماذا يطرحون تصوراتهم بناء على
الصراع الطبقي في إسرائيل علما أن الطبقات الفقيرة في إسرائيل تتغذى على امتيازات
النظام وأدوات عدوانه في الجيش والأجهزة الأمنية.
غانية ملحيس ونهاية حل الدولتين:
وترى غانية ملحيس، وهي من أشد المتحمسين لاتفاقات أوسلو، أن حل الدولتين قد
انتهى وأن فكرة الدولة القومية لم تعد ممكنة ثم تصل إلى مبتغاها، ومن أجل تخليص
الشعب الفلسطيني من الأوهام والمسارات الخطأ ترى غانية ملحيس أن بيدها خشبة
بين حل الدولتين وحل الدولة الواحدة
63
الإنقاذ وتقدم دعوتها:
“ وإنما هي دعوة لتبصر طريق الخلاص، ببلورة مشروع نهضوي إنساني تحرري عصري »
وعندها ثمة ضرورة ل «إعادة النظر في فكرة الدولة القومية باعتبارها شكلاً وحيداً
لتحقيق الحرية والعودة وتقرير المصير للشعب... بالاستعاضة عنها بمفهوم الدولة
الوطنية »، مع الاعتراف ب «حقوق المواطنة المكتسبة ليهود إسرائيل حصرياً )وليس
عموم اليهود( في فلسطين، عند تخليهم عن عقيدتهم الصهيونية الاستعمارية
العنصرية، والقبول بالعيش المشترك في دولة ديموقراطية عمادها المواطنة التي تكفل
للجميع حقوقاً )أصيلةً ومكتسبة( متساوية في العيش الآمن الحر الكريم وتقرير
المصير... ويضمن تساوي حق جميع أفراد المجتمع بالمشاركة في الحياة السياسية، وفي
إدارة الشأن العام” )عن موقع مسارات(.
هي كذلك تبشر بفشل حل الدولتين وحل الدولة الفلسطينية المستقلة وترى أن
الحل يكمن في دولة مشتركة مع اليهود بدلا من الدولة القومية:
“عند تخليهم عن عقيدتهم الصهيونية الاستعمارية العنصرية، والقبول بالعيش
المشترك” وهي تتجاهل أن عقيدتهم الصهيونية الإستعمارية هي أساس قدومهم
واستيطانهم في فلسطين. وللحقيقة فإن البرهان الوحيد على هذا التخلي ليس قبول
العيش معنا منة ورحمة بنا بل إن ترجمة هذا التخلي تكمن فقط بالرحيل ولا ترجمة
أخرى. وهي كذلك تحصر الصراع مع الفكرة الصهيونية وتتغافل تماما عن جيش القوة
العسكرية وكل أدوات فرض الإرادة اليهودية القائمة الآن وغدا ما لم تحصل حالة أخرى
تهزم فيها دولة إسرائيل وجيشها.
من اللافت أن تخلص الصهاينة من الصهيونية قائم على توهيم الذات تماماً مثل
تفكيك الكيان، أي بلا أسس وأدوات للتخلص والتفكيك، وكأن المسألة قراءة تعاويذ
واعتماد رِقىً سحرية!
أما أخطر ما في أطروحات هؤلاء جميعاً فهو الابتعاد عن تناول دور النظام الرأسمالي
العالمي في الصراع. فهذا النظام هو خالق الكيان الصهيوني وهو راعيه الدائم! نقول
هذا لنؤكد بأنه حتى فيما لو قرر الكيان تفكيك نفسه، وهذا مجرد تخيل، لن تسمح
له الامبريالية بذلك لأنها خلقته لدور لها أساساً. وهذا يؤكد بأن الكيان يمثابة بنية من
بين حل الدولتين وحل الدولة الواحدة
64
العبيد للسيد الامبريالي من رئيس الوزراء حتى عامل النظافة.
وهنا يحضرنا ما كتبه كارل كاوتسكي عن هذا النظام قبل قرابة قرن، بأن بقاءه في
فلسطين مرهون ببقاء الامبريالية في المنطقة وزواله مرهون باقتلاعها.
“مساهمة” راضي الجراعي في سقوط حل الدولتين
يبدأ راضي مقالته المنشورة في جريدة الأيام في 2/ 6/ 2013 م بعنوان “الدولة
الديمقراطية الواحدة: الإجابة على أسئلة مشروعة” بالقول:
“حقا لقد أثارت انطلاقة الحركة الشعبية لدولة ديمقراطية واحدة على فلسطين
التاريخية ردود فعل واسعة ومتناقضة، كما أثارت الفكرة أسئلة كثيرة منها ما أثاره
الأخ العزيز حماده فراعنه ومنها أثارة غيره في الصحف والمواقع الإلكترونية وهذه ظاهرة
صحية تؤدي الى اثارة الجدل حول حل الدولة الواحدة، وكما تؤدي الى تطور الفهم لهذه
الفكرة وتطور الفكرة ذاتها .أما التساؤل حول إمكانية قبول إسرائيل بحل الدولة
الواحدة وسماحها بنجاح خطوات الوصول الى دولة ديمقراطية واحدة، فليس لدينا وهم
بأن النظام السياسي الصهيوني في اسرائيل يقبل الفكرة، .....
“ولكن هل تقبل اسرائيل بأي شيء أقل من دولة يهودية، لقد قبلت منظمة التحرير
الفلسطينية بحل الدولتين، وقد انطلقت المسيرة السلمية من مدريد إلى أوسلو
على أساس حل الدولتين، رغم الإجحاف الذي يلحق بالشعب الفلسطيني جراء هذا
الحل، فحل الدولتين لا يعطي إجابة على مسألة اللاجئين ولا يجيب حول حقوق شعبنا
في أراضي 48 والقدس والوحدة الجغرافية لأراضي الدولة الفلسطينية. ولكن عملت
إسرائيل بشكل ممنهج على تدمير حل الدولتين، بحيث نرى اليوم أن حل الدولتين لم
يعد ممكنا بعد أن قامت إسرائيل بتهويد القدس وزجت بأكثر من ستمئة ألف مستوطن
في الضفة الغربية. وقامت بتطهير عرقي في غور الأردن فقطعت المياه عن المزارعين
الفلسطينيين وهدمت بيوتهم وأجبرتهم بالقوة العسكرية على إخلاء الغور، وأقامت
فيه شريطا من المستوطنات يمتد من بيسان إلى وادي عربة وبالتالي وضعت حدودها
نهر الأردن. ولذلك يجب أن تقرأ الواقع في الضفة الغربية كما هو وليس كما نتمناه
بين حل الدولتين وحل الدولة الواحدة
65
فإسرائيل لا تقبل أي شيء ولا تريد تقليص الدعم المالي للمستوطنات كما صرح
به علانية بائير لابيد وزير المالية الإسرائيلي لصحيفة “نيويورك تايمز” قبل أيام.
فطالما أصبح حل الدولتين غير ممكن فما هي الخيارات المتبقية أمام الفلسطينيين، هل
نعلن الاستسلام ونقبل العيش في “غيتوات” أو جزر ومعازل عنصرية كما كان حال
السود في جنوب أفريقيا إبان الحكم العنصري، أم أننا يجب أن نفكر باستراتيجية جديدة
تعطي حلاً إنسانياً وحضارياً للصراع في فلسطين التاريخية ألا وهو الحل الديمقراطي.”
وينتهي بالحل الديموقراطي “فطالما أصبح حل الدولتين غير ممكن” فلم يبق غير الحل
الديموقراطي على أنقاض حل الدولتين الذي كان هو أحد أنصاره كما أنه من أعمدة أوسلو
إلى فترة قريبة من كتابة مقالته. وكلمة ديموقراطي تغطي على كل العيوب فهو لا يريد
حلاً ديكتاتورياً حتى نرفضه أو حلاً غير ديموقراطي حتى نشكك في مغزاه. وهناك كثيرون
كتبوا بمثل هذه الصيغة
ونختم بعوض عبد الفتاح الذي يستهل مقالته ب:
نحو حركة فلسطينية شعبية تتبنّى الدولة الواحدة
عوض عبد الفتاح
الأمين العام السابق لحزب التجمع الوطني الديمقراطي يقول في مقالة له 7 يناير
2018 على فيس بوك:
“بإعلانه الاعتراف بمدينة القدس عاصمة للكيان الإسرائيلي، وجه الرئيس الأميركي،
دونالد ترامب، الضربة القاضية لوهم حل الدولتين، ولملهاة عملية السلام، ...”
إذن بخلاف كل من سبقه جاءت الضربة القاضية لفكرة دولتين لشعبين من القرار
الأمريكي.
وهذا ما سبقه إليه إيلان بابه حيث قال في مقابلة مع موقع “عرب 48 ” في
2017/12/22 ، بعنوان ما هو مستقبل النضال الفلسطيني في ظل هذا الإعلان؟ وما هو
مستقبل عملية السلام بصيغتها الحالية؟
يقول بابيه: “الوضع الراهن يتطلب تعريفا أكثر وضوحا لنضال التحرر الوطني.
بين حل الدولتين وحل الدولة الواحدة
66
وبعد أن بنت القيادات الرسمية المستقبل على المفاوضات وعلى حل الدولتين، فإنه لن
تكون هناك مفاوضات في المستقبل المنظور، والنضال يجب أن يلائم نفسه لواقع القرن
ال 21 . وضغط من الخارج ونضال شعبي من الداخل هو بمثابة أفكار عامة يجب تطويرها
والتفكير أيضا بدمج قوى يهودية غير صهيونية داخلها” )عرب 48 (.
هل من الصحيح القول إن إعلان ترامب دق المسمار الأخير في نعش حل الدولتين؟
يضيف بابيه في نفس الموقع “نعم بالتأكيد، لا صلاحية ولا مستقبل لهذه الفكرة.
لكن المشكلة أن البدائل غير واضحة بعد ولم يتم العمل على صياغتها بالدقة
والتفصيل الكافيين، وهذا هو الوقت المناسب للقيام بذلك، ويمكن الدمج بين نموذج ثنائي
القومية والدولة الديمقراطية “.
وهذا ما سبقته اليه أيضا الدكتورة ندا الغاد في تغريدة لها على فيس بوك حيث
كتبت )ديسمبر، 2017 (:
مساء الخير اصدقائي الكرام ...
عملية السلام في الشرق الاوسط تقوم على اعتراف العالم بحل الدولتين ..
وحل الدولتين يتضمن دول فلسطينية في الاراضي المحتلة عام 67 وعاصمتها القدس
ونقل الولايات المتحدة سفارتها الى القدس يعني ان القدس يهودية اسرائيلية. وهذا يعني
القضاء على الاساس الرئيسي لمشروع السلام المتعثر والمتجمد والذي تعارضه دولة الاحتلال
فهل غامر ترامب وينقل سفارة بلاده الى القدس؟
المنطق يقول لا .. لكن التطرف والجنون اليميني لا يختلف نهائيا عن تطرف وإرهاب
داعش”. وهذا ما نشره أيضا ماجد كيالي في بيانه في 7/ 12 / 2017 كسند تسبب في
نهاية حل الدولتين كما هو مبين أعلاه.
ولكن أمريكا هي الداعم الأساسي لفكرة طرح المبادرات والتسويات بما فيها شعار
دولتين لشعبين وتأهيل منظمة التحرير لتكون مقبولة لهذه الأجواء، وكذلك شعار
الدولة الواحدة بالصيغ المطروحة وعلى ألسنة هذا النوع من الدعاة. إذن )ضربة ترامب
القاضية( لها آثار أخرى.
بين حل الدولتين وحل الدولة الواحدة
67
لنقرأ عن عوض عبد الفتاح:
“.. وجهت الضربة القاضية لوهم حل الدولتين ولملهاة عملية السلام ولكل
الخرافات التي تمخضت عنها، مثل بناء التنمية ومؤسسات الدولة تحت الاحتلال. في
المقابل، فتح هذا القرار الخطير، باب الفرص أمام شعب فلسطين ومناصري قضيته نحو
خياراتٍ كفاحيةٍ وسياسيةٍ بديلة، فقد أدى التعلق بهذا الوهم، وبهذه الخرافات، والتورّط
العبثي والطويل بمهزلة عملية السلام، من خلال الاعتماد على الإمبريالية الأميركية
التي ترتبط عضويا بإسرائيل ، إلى تغييب الفعل الثوري، وإلى إلحاق الضرر الهائل بثقافته
وقيمه الأخلاقية، ومنطلقاته وأهدافه التحرّرية. والأخطر أنه أنتج شرائح اجتماعية
متعففة عن النضال، وطبقة سياسية، ومعها جيش من الإعلاميين والمثقفين، مروّجي
هذه الأيدولوجية الانهزامية...”
وكل هذا يقتضي نبذ حل الدولتين والذهاب إلى حل الدولة الواحدة حقا وفعلا، كما
يقول عوض عبد الفتاح، وليس على سبيل المناورة وتخويف إسرائيل كما يفعل على
سبيل المثال صائب عريقات ونبيل شعث. يقول عوض عبد الفتاح في ذات المقالة:
“وما صدر من تصريحات عن بعض رموز السلطة الوطنية، تحديدا أمين سر اللجنة
التنفيذية في منظمة التحرير صائب عريقات وعضو اللجنة المركزية في حركة فتح،
نبيل شعث، تدعو إلى تبنّي الدولة الواحدة، يندرج صمن المناورات، وفِي إطار تكتيك
التخويف الموجّه إلى قادة نظام الأبارتهايد وقادة الإدارة الأميركية الإمبريالية، وهو تكتيك
يائس وبائس، لأنه لا يجوز أن يطرح باعتباره خيارا مرعبا، ...”
إذن هو مرعب لإسرائيل ولذلك يجب أن لا يطرح بهذه الصورة ويجب أن يبقى هذا الأمر
سرا “بيننا” كي نستطيع تمريره على إسرائيل وهي غافلة عما نفعل!!
وعوض عبد الفتاح يوضح كيف عادت فكرة الدولة الواحدة للظهور ومن هم الذين
عادوا للتبشير بها فيقول:
“وما ميز عودة فكرة الدولة الواحدة إلى المسرح، بعد الاجتياح الإسرائيلي الوحشي
للأرض التي كان يُفترض، حسب وهم “أوسلو”، أن تقوم عليها نواة الدولة الفلسطينيه
المستقلة، هو انضمام ثلة من الأكاديميين المرموقين، فلسطينيين ويهودا إسرائيليين،
بين حل الدولتين وحل الدولة الواحدة
68
وكذلك يهوداً من جنسيات أميركية وبريطانية، إلى ترويج الفكرة، عبر الكتابة الموزونة
والمشاركة في المؤتمرات التي باتت تعقد خصيصا للتداول في الفكرة، بل جرت محاولات
لإقامة حركات شعبية جديدة ترفع الشعار، وسميت إحداها الحركة الشعبية للدولة
الواحدة، ولكن هذه المجموعات بقيت صغيرة الحجم والتأثير، وقوبلت في المرحلة الأولى
بالاستهزاء والسخرية من قبل قادة فريق “أوسلو”، بل حتى من أكاديميين ومثقفين
مناهضين لهذه الاتفاقية. ولكن إسهام هذه الجماعات، والأكاديميين المستقلين، الفكري
والثقافي، فاق الإسهام السياسي وقدرتهم التنظيمية “
لا تهم الإمكانات التنظيمية بالنسبة لهم، المهم أنهم يقومون بتسريب الفكرة
ويقوم المتعاونون الفلسطينيون بإقناع الشعب الفلسطيني بالتخلي عن وطنه وأهدافه
تحت عباءة هذه الفكرة، “ويعيش اليهود في فلسطين بثبات ونبات ويخلفوا بنين وبنات”
وللفلسطينيين الإعجاب بالفكرة. وإذا تشكلت حركة سياسية بناء على دعوة هؤلاء
فستكون على مقاسهم مهما زينت نفسها بالشعارات.
أما كيف طرح الدكتور صائب عريقات فكرة الدولة الواحدة فهو يقول في مقابلة
له:
“من يدمر خيار الدولتين يجب أن يتعامل مع خيار الدولة الديمقراطية الواحدة التي
يتساوى فيها الجميع من كل الأديان”، ويوضح: “طُلب منا الالتزام بخيار الدولتين وقمنا
بذلك حتى اليوم، لا نزال نتمسك بخيار الدولتين وبالقانون الدولي..”.
ويتابع قائلا: “... البديل الوحيد لخيار الدولتين، يتمثل في دولة ديمقراطية واحدة،
وحقوق متساوية للجميع، للمسيحيين والمسلمين واليهود. هذه المعادلة تحتاج إلى
طرفين والطرف الإسرائيلي غير مستعد لذلك” ) 15 شباط/ 2017 م، صائب عريقات عضو
اللجنة المركزية لحركة فتح وكبير مفاوضي السلطة(.
إذن إسرائيل هي التي دمرت خيار الدولتين كما يقول صائب أيضا!!!. وغير مستعدة
لخيار الدولة الواحدة كما طرحه خالد الحسن كما هو واضح في تصريح صائب عريقات.
ويا عوض أين التخويف والإرعاب في هذا الطرح. لقد سمعت تصريحه بنفسي في
حينه ولم يكن مخوفا ولا مرعبا. ولكن يبدو أن الرفيق عوض مرهف تجاه الأحاسيس
بين حل الدولتين وحل الدولة الواحدة
69
الصهيونية الناعمة بحضارية عالية! وكذلك لأن صائب عريقات يرى أن إسرائيل غير
مستعدة لحل الدولة الواحدة فالأمر يتطلب استعداد إسرائيل.
وتعليقا على صائب:
طيب! الطرف الإسرائيلي لم يكن مستعدا لخيار الدولتين الذي “طلب منهم الإلتزام
به” ويعود صائب عريقات إلى التأكيد بأن الطرف الإسرائيلي غير مستعد لحل الدولة
الواحدة. وصائب خير العارفين وخير القائلين. ولكنه يستخدم تراث الزير سالم ما دامت
إسرائيل ترفض حل الدولتين فعليها قبول حل الدولة الواحدة “من يأكل حمير العرب
عليه أن يزازي بالقرب” قال الزير سالم مخاطبا الأسد بعد أن حمله حمولة الحمار.
من المهم أن نلفت الانتباه إلى التقاطع الواضح بين كتاب مبادرات الدولة الواحدة وهو
تقاطع في خدمة الصهيونية. فقط نستذكر فقرة واحدة من سلامة كيلة حيث يضيف
في كتابه “المسألة الفلسطينية.. دولة ديمقراطية واحدة”:
“... أن الرهان على التفاوض في ظل ميزان القوى الدولي والعربي الحالي “لا معنى
له”، ولن يؤدي إلى شيء، وأنه بعد إقامة الجدار العازل لم تعد الجغرافيا صالحة” لإقامة
دولة )فلسطينية(، الأمر الذي بات يفرض البحث عن حل في إطار الدولة ثنائية القومية
أو جعل الدولة ثنائية القومية”.
ولكن هذا التعبير هو استعارة غير أمينة عن إيلان بابيه.
ما علينا، الآن “حل في إطار الدولة ثنائية القومية أو جعل الدولة ثنائية القومية”
والدولة هنا هي دولة إسرائيل أو نسميها “إسراطين” كما اقترح القذافي، أو دولة عربية
أو دولة فلسطينية لا يهم. فعلينا أن نختار بين حل الدولة ثنائية القومية أو جعل الدولة
ثنائية القومية!!!.
والمهم أن حل الدولتين لشعبين قد أصبح مستحيلا بسبب رفض إسرائيل
والتغييرات في الجغرافيا بسبب المستوطنات والتغيير في الوضع الديموغرافي في الضفة
الغربية وبسبب الجدار ... ولكن الجدار قائم. فهل ستزيلونه أنتم؟
وأخيرا بسبب قرار ترامب الذي وجه الضربة القاضية. فهل بقي شيء بعد الضربة
بين حل الدولتين وحل الدولة الواحدة
70
القاضية؟ مع أن ترامب لم يقل أنه وجه الضربة القاضية ولكن هكذا نأخذ العبرة من
عوض فهو أمين عام!
لنقف قليلا مع “حل الدولتين للشعبين”.
إن صياغة حل “الدولتين للشعبين” قد جاءت، أو سادت، خلال إنتفاضة 1987 م
وكانت الصياغة السائدة قبلها من خلال النقاط العشر ومن ثم قرار المجلس الوطني
الفلسطيني في دورات متعاقبة هي”تقرير المصير وعودة اللاجئين إلى مدنهم وقراهم
وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس” وأضيف لاحقا إقامة الدولة
على الإراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967 م كنوع من تحديد الجغرافيا.
إن شعاراً بصيغة “حل الدولتين للشعبين” يأتي كصياغة تستهدف القول أن اليهود
شعب وإن الأراضي المحتلة عام 1948 م هي لهم، وذلك دون أن يحصل رافعو الشعار
على أي شيء من الأرض الفلسطينية الأخرى ليقيموا عليها دولتهم ودون أن تعترف
إسرائيل سياسيا بالشعب الفلسطيني وحقوقه السياسية.
لم يتم رفع هذا الشعار على سبيل المساومة بين فريقين بل كان تعبيراً عن حسن
النية من طرف واحد وإثباتا للاعتدال وبرهانا على تمام إعادة تأهيل منظمة التحرير وحركة
فتح وقيادة المنظمة على الخصوص.
كان طرح الشعار بهذه الصيغة عبارة عن جواز سفر أو بطاقة تعريف قد تجعل قيادة
المنظمة مقبولة من وجهة نظر الغرب الذي أسس إسرائيل.
وبعد مماطلات اعترفت إسرائيل بالمنظمة ولم تعترف بحقوق الشعب الفلسطيني
السياسية ولم تعترف له بدولة ارتباطا بهذا الموقف. وهذا نص رسالة رابين لعرفات عام
:1993
“ السيد الرئيس:
رداً على خطابكم المؤرخ في 9 سبتمبر 1993 ، فإنني أود أن أؤكد لكم في ضوء التزامات
منظمة التحرير الفلسطينية المتضمنة في خطابكم، فإن حكومة إسرائيل قررت
الاعتراف ب م.ت.ف باعتبارها الممثل للشعب الفلسطيني، وبدء المفاوضات مع منظمة
بين حل الدولتين وحل الدولة الواحدة
71
التحرير الفلسطينية في اطار عملية السلام في الشرق الأوسط
المخلص
اسحق رابين
رئيس وزراء اسرائيل”
وكما نلاحظ، فإن رابين اعترف بروتوكوليا بالمنظمة كممثل لفلسطينيي الضفة
والقطاع حصرا ومن أجل تسويغ تواقيعها على الإتفاقات وفي هذه الحدود فقط كما
علق المعلقون في حينه.
نحن نتحدث هنا عن مجريات جرت في الماضي ومن السهل مراجعتها وتقييمها
والحكم عليها بعد أن أصبحت في بطن التاريخ وبعد أن أصبحت الصورة مكتملة بدرجة
كافية من الوضوح.
إن كل مبادرة تسووية يمكن أن يطرحها أفراد أو أحزاب أو قيادات هي لخدمة الاحتلال
الإسرائيلي لفلسطين. كان هذا منذ البداية ولا زال حتى الآن. إن كل مبادرة للحل من
هذا القبيل هي صك غفران لليهود وجرائمهم باحتلال فلسطين وتشريد شعبها.
وكل مبادرة هي اعتراف بإسرائيل دون مواربة مهما كانت الصيغ اللفظية، وهي بالتالي
اعتراف بالأساس السياسي لوجود إسرائيل والمتمثل بوعد بلفور الذي عبر عن موقف
الغرب الإستعماري، وبالأساس الرسمي وفق القانون الدولي متمثلا بصك الإنتداب عام
1922 م وبعدها الأساس القانوني متمثلا باعتراف الأمم المتحدة عام 1948 م بدولة إسرائيل.
إن هذا الاعتراف أمر خطير. وهذا الإعتراف شكّل أساس الاعتراف الذي ورد في جميع
مشاريع الدولتين وكأن هذا الاعتراف أمر بديهي. هذا مع العلم أن الكثير من أصحاب
هذه المشاريع كانوا يحاولون إنكار مثل هذا الإعتراف.
ملاحظة هامة
أصحاب المشاريع التسووية يتجاهلون كافة أشكال مشاريع التسوية والوساطات
بين العرب واليهود منذ ما بعد حرب عام 1948 م وحتى عام 1967 م، قبل احتلال الضفة
الغربية وقطاع غزة.
بين حل الدولتين وحل الدولة الواحدة
72
وكانت إسرائيل ترفض كل المشاريع مع أنها تقر لها بحقها في اغتصاب “الأرض
السليبة” كما كان التعبير الدارج عن أراضي 1948 م.
كل المشاريع التي طرحت كانت تنطلق من الاعتراف بإسرائيل التي أقيمت على
الأراضي المغتصبة عام 1948 م، قبل حرب عام 1967 م، وتسعى إلى معالجة أوضاع اللاجئين
الفلسطينيين على قاعد التوطين والتعويض ودمجهم في المجتمعات التي يعيشون
فيها.
مبادرة كندي عام 1961 م
تقول هذه المبادرة: “وإننا على استعداد للمساعدة في حل مشكلة اللاجئين
الفلسطينيين المأساوية على أساس مبدأ إعادة التوطين أو التعويض عن الممتلكات،
وعلى المساعدة في إيجاد حل منصف لمشكلة تنمية مصادر مياه نهر الأردن وأن نقدم
عونا لإحراز تقدم في الجوانب الأخرى من هذه المشكلة المعقدة” )مهدي عبد الهادي –
مصدر سابق ص. 215 (.
كما بدأ النقاش منذ نهاية حرب 1967 م لإيجاد حلول، ووصل إلى ما يعرف بقرار 242
الذي صدر في تشرين الثاني من عام 1967 م، ورفضته منظمة التحرير الفلسطينية
وأصدرت الفصائل بيانات الرفض ومنها حركة فتح. وكانت إسرائيل العائق الأكبر أمام
تنفيذه والأساس فيه الاعتراف بإسرائيل وحقها في الأمن والسلام. وقد دلت الحياة
أن إسرائيل تريد الأرض وتهويد فلسطين وفي نفس الوقت تفرض سلامها على الدول
العربية.
ثم جاء اعتراف المنظمة باسرائيل من جانب واحد من خلال شعار حق العودة وتقرير
المصير وإقامة الدولة على أراضي الضفة والقطاع وتأخر اعتراف إسرائيل بالمنظمة إلى
“أوسلو” عام 1993 م.
بين حل الدولتين وحل الدولة الواحدة
73
الوثيقة التأسيسية
قبل مناقشة الوثيقة التأسيسية، ومن أجل تسهيل التحليل، نبدأ بطرح عرضه
شيخ مشايخ التسويات وهو خالد الحسن:
يقول إيلان بابي وهوأستاذ تاريخ يدرس في جامعة اكستر في بريطانيا:
“في بداية تسعينات القرن الماضي وفي لقاء شخصي لطيف مع القيادي الفلسطيني
الكبير الراحل خالد الحسن )أبو السعيد( أحد مؤسسي حركة «فتح » ومنظريها
البارزين في تونس سألني مازحا: أتدري ما الحل الأفضل لقضيتنا؟!!….الحل يا سيدي
أن تضم إسرائيل الضفة الغربية وغزة فنتحول إلى مواطنين إسرائيليين نشرع فورا في
معركة المساواة في الحقوق والواجبات حتى تتحول إسرائيل إلى دولة لكل مواطنيها!!”
هنا، ومثل أي مشاريع تسوية أخرى، فإن إسرائيل هي التي تقوم بالفعل. والفعل هنا
هو الضم الفعلي والرسمي، وعليها أن تقوم بالفعل سواء أعلنّا موافقتنا المسبقة أم لا
كما هو الحال أعلاه حيث تقوم إسرائيل بضم الضفة الغربية وغزة، وبعدها تبدأ معركتنا
بالمطالبة بالمساواة والتي ممكن أن تستمر إلى ما شاء الله “حتى تتحول إسرائيل إلى
دولة لكل مواطنيها!!” كما قال خالد الحسن.
إن خالد الحسن، كما هو موصوف أعلاه ، هو منظّر لفكرة التسويات التي تبنّتها فتح
وهو كان قريبا من دول الخليج والحكومات العربية القريبة من إسرائيل وأمريكا.
وهو لا يكلف نفسه عناء أي شيء مقدما. فما أن تقوم إسرائيل بالضم حتى نبدأ
بالمطالبة بالمساواة ودون أن يتطرق للاجئين وحقوقهم ودون أن يتطرق لاحتلال المكان من
قبل اليهود المستوطنين ولا يطرح إزاحتهم، وسار على هذا المنوال في ما يخص الإزاحة
كل من أحمد قطامش وورقة الصرخة. مع أن الطرفين يطرحان عودة اللاجئين إلى مدنهم
وقراهم وممتلكاتهم وفي ذات الوقت دون إزاحة أو فصل على أساس قومي عن تلك المدن
والقرى والممتلكات.
بين حل الدولتين وحل الدولة الواحدة
74
هي أفكار سحرية مهما كان التناقض فيها ظاهرا “فسوف يتدبرها الله وحين نصل
النهر نعبره .
إن هذا الطرح يعني الكثير ويفسر الكثير ويزيل المساحيق التزيينية الكثيرة عن
طروحات الدولة الواحدة بكل تلاوين طارحيها الجدد. فالشعار كصياغة مطروح منذ
نهاية ستينيات القرن الماضي في أدبيات الثورة وأُقر هذا العنوان في دورة للمجلس
الوطني كصياغة لفظية، ويستخدم اليوم بشكل جديد،ولكن، مهما ابتعدت الصيغ أو
تنوعت فإن خالد الحسن هو المعلم الأول.
والآن إلى الوثيقة أعلاه/وثيقة كيلة:
تبدأ الوثيقة بالإيحاء بوجود “حركة شعبية من أجل فلسطين دولة علمانية
ديموقراطية واحدة”، وهذه الحركة مجرد عنوان مكتوب على الورق لم يظهر بعد. وقد
لاحظت أسماء الموقعين على الوثيقة الذين تتشكل منهم الحركة الشعبية المقصودة
أعلاه.
ولكنني لا أستبعد أن تجد لها مادة بشرية من أنصار “الحقيقة، وأنصار العدالة”
بالاستعارة من القس بيركلي وكانت تعني الإقطاعيين والكهنوت. وهنا تعني منظمات
NGOs وكل أصناف القبّيضة ومعهم كل الذين حجزوا حجرة في قلوبهم لإسرائيل
وكل المتواطئين مع النظم العربية وخدم السلاطين. أي باختصار – العملاء والمضللون.
ثم وعلى الفور، تطرح الوثيقة مشروعها للحل مصاغا بشكل حصري بشعار حل
الدولة الواحدة حيث تقول الورقة أعلاه:
“ والآن، ليس هناك من حل إلا الحل الذي يقوم على أن فلسطين بلد واحد، وأن على
أرضها لا يمكن أن تقومَ إلا دولة واحدة علمانية ديمقراطية لكل مواطنيها”
الله أكبر! هذه نبوءة القديس بطرس ومطروحة على طريقة الشيخ الصوفي المتمكن
والذي قرأ الغيب من كفه الناعمة.
يقول الناطقون الإسرائيليون من زمان بأنهم لن يقبلوا غربي نهر الأردن سوى بدولة
واحدة هي دولة إسرائيل، هي دولة المستوطنين الصهاينة. هل هناك من تناغم؟
بين حل الدولتين وحل الدولة الواحدة
75
مع أن سلامة كيلة قد وصف الوضع في 8/ 2/ 2004 م بقوله عن التنازلات والتسويات
والمفاوضات “لن تحقق المفاوضات و سياسات «السلام العادل والشامل » إلا المزيد من
التدمير الذاتي وإفساح الزمن للسيطرة على الأرض و توسيع المستوطنات. و لهذا ستبدو
كل المحاولات و “المشاريع” والمبادرات “السلمية” كاستمرار لصيرورة الإنحدار و كتكريس
لانتصار الحل الصهيوني.” )سلامة كيلة الخيار الفلسطيني من الدولة المستقلة إلى
الدولة ثنائية القومية، الحوار المتمدن(.
وفي ذات المقال، كما كان يطرح دولة ثنائية القومية بديلا عن الدولة المستقلة كما
يدل العنوان والتي رفضتها ورقة “صرخة من الأعماق”)صبري مسلم وأمال وهدان ويحي
غدار( كما سنرى لاحقا.
فمنذ بداية الوثيقة نرى أن الكاتب حسم بقاء المستوطنين المعتدين وهم الآن
موجودون فعليا وفقط أعطاهم الكاتب فورا ما يلزمهم من الشرعية. أما اللاجئون
الفلسطينيون فهم ليسوا في البلاد. وإذا أعطيت )الغزاة العسكريين ومن معهم من
المدنيين( حق البقاء في فلسطين على حالهم الديموغرافي والقابل للزيادة، إذا أعطيتهم
حق البقاء فمن يعطي فلسطينيي الشتات واللاجئين في الداخل حق العودة إلى مدنهم
وقراهم؟ سلامة كيلة يعطيهم أقوالا بينما اليهود موجودون فعلا في المستوطنات
المقامة على أرض فلسطين.
والسؤال: على من يطرح هذا الحل؟ الجواب: على العقل الفلسطيني لقبوله.
ومن الذي سيفرضه قسراً على اليهود؟
الجواب: الحركة الشعبية والتي ستقود جيوش الجماهير الفلسطينيين ،واليهود
الذين تخلصوا من صهيونيتهم من أجل إلغاء صهيونية اليهود الآخرين وعنصرية
الدولة! الصهيونية دين يقوم الفرد أو الجماعة بتبديله مع بقاء نتاج صهينتهم قائمة
بالاحتلال والإستيطان.
بين حل الدولتين وحل الدولة الواحدة
76
إن عودة اللاجئين ليست متاحة الآن، وإننا كفلسطينيين وعرب في مرحلة ارتداد وفي
حالة انحطاط مصبوغة بمد رجعي وتخلخل عميق في صفوف الحركة الفلسطينية
والعربية وفي ظل هيمنة عميقة للإمبريالية الأمريكية على المنطقة. ولأن اليهود
الصهاينة في حالة تفوق واستقرار، فما الذي يدفعهم أو يدفع نسبة ملموسة منهم
لمعاداة الصهيونية والاصطفاف مع أعدائها لحربها.
طيب يا سلامة، يا حفيظ السلامة: إذا تخلى بعض اليهود عن صهيونيتهم ولم
يلتحقوا بركب الحركة الشعبية فمن أين لك بالمادة البشرية التي ستخوض الصراع
بها ضد صهيونية اليهود وعنصرية الدولة. لا يبقى حينها سوى الفلسطينيين الذي
قد تقنعهم. ما الفارق بين كيلة وخالد الحسن الذي توجه برأيه إلى إسرائيل لتقوم
بضمّنا وبعدها نطالب بالمساواة )!(، طريق خالد الحسن أسهل وأقل كلفة ولكن
كلتيهما عبثيتان. أما إقناع الشعب الفلسطيني بقبول الصهيونية والإستيطان، فهو
مهمة أصحاب الاقتراحات مدعومين بمشغّليهم ومموّليهم وكل من هم على شاكلتهم.
إذا كان لا بد من دولة واحدة لليهود والعرب الفلسطينيين فلا بد أن يقتنع بها الطرفان
أو يلتزما بها قولا وعملا.
إن هذه ليست أسئلة تعجيزية ولا محيرة، علما أن اليهود استقدموا إلى فلسطين
من أجل إقامة وطن قومي لهم وفقا لإرادة الغرب وملفعة بعقيدتهم الصهيونية وليس
من أجل دولة علمانية ديموقراطية لهم ولنا. من سيغير رأيهم أو يلزمهم بهذا؟
يقول كيلة:
“قد سلخت الصهيونية اليهود الفلسطينيين والعرب عن هويتهم العربية وأحدثت
قطعا تدميريا في السياق الفلسطيني )ما أسوأ هذه الصهيونية يا سلامة -م. ف.( بما
استولد وضعية صراعية يجري تجنيد قطاعات واسعة من يهود العالم، في خدمة أهداف
سياسية استعمارية علما أن )اليهود لا ينتمون لتشكيل حضاري واحد وليس لهم
تاريخ واحد ولا انتماء ثقافي واحد ولا يعيشون على جغرافيا واحدة ولا يتكلمون لغة
بين حل الدولتين وحل الدولة الواحدة
77
واحدة ولا يعملون في سوق واحد )عبد الوهاب المسيري).)ولكن تجمعهم الصهيونية
على إقامة الاستيطان في فلسطين وصهينتها وتهويدها- م ف.(. إن إضفاء طابع
ديني على الصراع يعيد التاريخ قرونا للوراء ويحكم عليه بالمؤبد دون حل بينما: “...
الاستيطان اليهودي في فلسطين الانتدابية جاء في سياق نقل فائض بشري إلى آسيا،
إفريقيا، أمريكا وتم تحويله لوظيفة استعمارية تخدم مصالح الغرب... ودعم الولايات
المتحدة لإسرائيل يأتي في سياق الارتباط العضوي بين المشروع الصهيوني والاستعمار
الأنجلو ساكسوني”، المسيري.
وعليه، فإن إزاحة الطابع الاستعماري العنصري عن المجتمع اليهودي في فلسطين هو
المقدمة التي تفتح في المجال حلا للصراع. )أنظر سلامة كيلة «المسألة الفلسطينية
.. من سراب حل الدولتين إلى الدولة العلمانية الواحدة، دار الهلال/سلسلة كتاب
الهلال، القاهرة، 2017 - صفحة 264 (
إن السلطات الصهيونية لا تبحث عن حلول وسط بيننا وبينهم وهم يتعاملون
معنا على أننا طوائف أخرى )سكان أصليون( لهم حقوق مدنية ودينية كما جاء في كل
من وعد بلفور وصك الانتداب، سكان أصليون كما جاء في وثيقة سلامة كيلة وصرخة
من الأعماق.
إن مبادرات الصهاينة كلها لا تتعدى حكماً ذاتياً يرفع تكاليفه المادية عن كاهل
دولة إسرائيل وينظم الخدمات اللازمة للإحتلال )الخدمات الأمنية وغيرها(. ويقولون لا
يمكن أن يكون بين نهر الأردن والبحر المتوسط سوى دولة واحدة هي دولة إسرائيل-
دولة يهودية، وهم يرفعون شعارات مطالبة العرب بالاعتراف بيهودية دولة إسرائيل. وأقر
اتفاق وادي عربة بين الأردن وإسرائيل أن نهر الأردن ووادي عربة هما بمثابة الحدود الشرقية
لإسرائيل وهذا بإقرار النظام الأردني وتوقيعه:
“حددت المعاهدة واعترفت بالكامل بالحدود الدولية بين الأردن وإسرائيل. عند توقيعها،
عُ نهرا الأردن واليرموك، والبحر الميت، ووادي عربة وخليج العقبة رسمياً كحدود بين
الأردن وإسرائيل” )وثائق وادي عربة( .
بين حل الدولتين وحل الدولة الواحدة
78
إن كاتبي الوثيقة يعلمون حق العلم أن عديد المبادرات والمشاريع التي طرحت خلال
سبعينيات القرن الماضي لم تكن فيها مبادرة واحدة تحترم الحد الأدنى من حقوق ومطالب
الشعب الفلسطيني، بما في ذلك حل الدولة المستقلة على أراضي الضفة والقطاع
وحل الدولة الواحدة كذلك، بما هي حلول وتسويات. إن الوثيقة تبين أن أدوات التنفيذ
هم الموقعون على هذه الورقة وهم “الحركة الشعبية من أجل فلسطين دولة علمانية
ديمقراطية واحدة”. نحن في انتظار جحافلهم.
وهم سيناضلون: “... حركة تهدف الى مشاركة الشعب الفلسطيني في كل
فلسطين وفي الشتات في هذا النضال، وكذلك مشاركة السكان اليهود في هذا النضال
المشترك الهادف الى تشكيل بديل شعبي يحمل مشروع الدولة العلمانية الديمقراطية،
ويناضل بأشكال مختلفة من أجل إنهاء الدولة الصهيونية، وإعادة بناء المجتمع والدولة
على أسس واضحة..”
إذن ستصل الحركة الشعبية في نضالاتها إلى “إنهاء الدولة الصهيونية وإعادة بناء
المجتمع على أسس واضحة وذلك بتضافر نضال اليهود والعرب! ولكن، إذا رفض اليهود
التضافر؟ ما العمل!
وتأتي الحركة الشعبية هذه في وثيقة سلامة كيلة كاستجابة واقعية لما ورد في
وثيقة ميونخ عام 2012 م في المانيا، والتي اعتمدت كأساس لهذه الوثيقة ودعت
لتأسيس حركة شعبية لتنفيذها. لقد تأخر سلامة كيلة ست سنوات عن البدء بتنفيذ
المهمة وها هو يحاول.
ويجزم سلامة كيلة بأن هذا هو الحل ويشترط وجود “الأسس الواضحة”.
ويرى سلامة كيلة أن المنظمة انحرفت عن الطرح الفلسطيني الأصلي حيث رفعت
عام 1974 م شعار دولة فلسطينية مستقلة وهي قد انحرفت فعلا بالرغم من تبريرات
ماجد كيالي التي سنأتي على مناقشتها.
تقول هذه الوثيقة التأسيسية:
“... قبل أن تحرف قيادة “منظمة التحرير الفلسطينية” البوصلة عام 1974 نحو
شعار “دولة فلسطينية مستقلة” على 20 % من أرض فلسطين، وتقر ضمناً ب”يهودية”
الدولة الصهيونية، وتخرج بالتالي فلسطينيي الأرض المحتلة سنة 1948 واللاجئين من
بين حل الدولتين وحل الدولة الواحدة
79
المعادلة الفلسطينية، مما شكل انحرافاً جوهرياً عن الطرح الفلسطيني الأصلي.”
ما هو الطرح الفلسطيني الأصلي؟
هو تحرير فلسطين من البحر إلى النهر وطرد المستعمرين الأجانب منها. هذا ما ورد
في الميثاق القومي والوطني وما ورد في أدبيات فتح والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين
حين انطلاقهما.
وتعتبر الوثيقة أن قيادة المنظمة حرفت البوصلة انحرافا جوهريا “وأنها تقر ضمنيا
بيهودية الدولة الصهيونية”.
إذن، لا بد أن نستخلص أن الوثيقة التأسيسية ترفض يهودية الدولة الصهيونية
وترفض العنصرية. سنرى هذا الرفض ومعانيه في سياق الوثيقة ووثيقة ميونخ لعام
2012 م.
ماذا تقول وثيقة ميونخ عن كيفية الخلاص السحري:
“الدولة الديمقراطية الواحدة في فلسطين تُنهي التطهير العرقي والاحتلال وجميع
أشكال التمييز العنصري التي عانى منها الشعب الفلسطيني تحت الصهيونية /
إسرائيل”
هكذا، بجرّة قلم وبشكل سحري. وسنجد التفسير في ورقة “صرخة من الأعماق/
صبري مسلم وشركاه” التي حددت المشكلة حصرا في نوعية العلاقة القائمة بين
الفلسطينيين واليهود والتي ما أن تتغير حتى تنتهي مأساة الشعب الفلسطيني.
إعلان ميونخ هذا يتحدث بشكل حازم وقطعي عن أن الدولة الديموقراطية الواحدة
من شأنها أن تنهي الاحتلال والتمييز العنصري. لا بد أن كتبة هذا الإعلان والذين استندوا
عليه هم “سيمانتيين” والسيمانتية تتعامل مع الألفاظ. فإذا أصبح اسم اسرائيل
دولة ديموقراطية علمانية، فلا وجود للاحتلال إذن ولا للصهيونية ولا حتى لاغتصاب أرض
فلسطين.
وتؤكد ذلك وثيقة سلامة كيلة التأسيسية: “إن الحل يجب أن يبدأ من تفكيك
الدولة الصهيونية كوجود سياسي وكيان عسكري وأيديولوجية عنصرية”.
لِمَ لا؟ “الشعب الفلسطيني في كل فلسطين وفي الشتات يشارك في هذا النضال،
بين حل الدولتين وحل الدولة الواحدة
80
وكذلك مشاركة السكان اليهود في هذا النضال...”
السكان اليهود؟ أليس اليهود في فلسطين هم صهاينة مغتصبون ومحتلون؟
لماذا أضفت هذه العبارة يا سلامة؟!
إن من الواجب أن يتخلص اليهود من كونهم محتلين ومن كونهم صهاينة كي يشاركوا
في النضال ضد الصهيونية والعنصرية. لكنّ وجودهم هو احتلال وهو صهيونية. طيب!
يتوجب إيجاد طريقة “لتفكيك الدولة الصهيونية كوجود سياسي وكيان عسكري
وأيديولوجية عنصرية” قبل مشاركة اليهود لأنهم لا زالوا صهاينة. إن جميع اليهود
صهاينة مع استثناء صغير وهو ليس ضد الصهيونية ولا يقاومها. أما اليهود المشاركون
في الوثيقة وغيرها فهم أنفار معدودون حتى الآن، والذين يدعون أنهم غير صهاينة هم
بضعة أنفار وقدّموا التوجيهات اللازمة لطارحي مشاريع التسوية، وهم صهاينة كذلك
ويعملون من خلال اختراقك أنت وأمثالك.
نفرٌ من التروتسكيين المتصهينين وبعض ممن يسمون دعاة السلام الصهاينة هم
ليسوا أكثر من صوت يرفعونه عند اللزوم ولكنهم ليسوا في مستوى المشاركة في
النضال حتى تفكيك إسرائيل. هذا هو حجم مشاركة اليهود. وهذه التجربة التي مضى
عليها عقود وعقود. هذا دليل قاطع.
لكنّ هؤلاء “اليهود” يلقون المهمة على الفلسطينيين لإنجازها وهم يتفرجون، لا
بل وهم يسخرون من الذين يتعاطون مع أفكارهم الصهيونية تحت لبوس التخلص من
الصهيونية والعنصرية.
كل أصحاب المشاريع يقفزون بأفكارهم ويصلون إلى الدولة الديموقراطية العلمانية
ثم يأخذون في تعداد مزاياها الحميدة وكأنهم هم أبدعوا هذه النتائج فعلا لا وهما.
يقابل ذلك رأي وإرادة إسرائيل كما تعترف به الورقة ذاتها:
“وأن جوهر ما تريده الدولة الصهيونية منذ البداية هو استعمار استيطاني لكل
فلسطين لتحويلها الى “أرض إسرائيل” عبر ممارسة التطهير العرقي المتمثلِ بطرد
بين حل الدولتين وحل الدولة الواحدة
81
وتشريد أكبر عددٍ ممكن من سكانها الأصليين وعبر تهميش واضطهاد وخنق الشعب
الفلسطيني الذي لا زال يقيم في وطنه، الى حدّ التأسيس لنظام فصل عنصري
)أبارتهايد( يحصر السكان الفلسطينيين في معازل وكانتونات ...”
نعم، هذه حقا فكرة تأسيس وإقامة إسرائيل وهي لم تتغير أبدا، بل إن قيادة إسرائيل
تطرح ضرورة الإعتراف بيهودية الدولة المقامة وليس التخلص من هذه الصفات العنصرية
الصهيونية. إنه إذن صراع وجود وسوف يحسم فقط بالتفوق وليس بتبادل الإفكار.
أنت تقول أعلاه وهذا صحيح: “وأن جوهر ما تريده الدولة الصهيونية منذ البداية هو
استعمار استيطاني لكل فلسطين لتحويلها إلى “أرض إسرائيل..”
وهذه الصهيونية كانت، ولا زالت، هكذا وتتقدم وهي هكذا بالفكر والممارسة. هي
ليست مجرد فكرة منشورة في الكتب أو على لسان الدعاة.
هنا يقف الرأيان متناقضين أمام بعضهما البعض، بل وإن إسرائيل تتمايز بأنه في
يدها الأرض والسلطة والقوة اللازمة لتنفيذ إرادتها مدعومةً بالغرب الاستعماري.
بينما ورقة الوثيقة لتحرير فلسطين تحاول الإستجابة لمطلب ورقة جنيف بتوحيد
دعاة ضم الضفة الغربية لإسرائيل في حركة شعبية يتوحد فيها بضع عشرات من
اليهود الصهاينة المستوطنين في الأراضي الفلسطينية مع الشعب الفلسطيني
في الداخل وفي الشتات ليقوموا بتخليص اليهود من صهيونيتهم وإسرائيل من
عنصريتها، ويضيفون:
“ويناضل بأشكال مختلفة من أجل إنهاء الدولة الصهيونية، وإعادة بناء المجتمع
والدولة على أسس واضحة نجملها في التالي:
إن الحل يجب أن يبدأ من تفكيك الدولة الصهيونية كوجود سياسي وكيان عسكري
وأيديولوجية عنصرية. هذا هو الأساس الذي يحكم رؤيتنا.” والأصح أن نقول يبدأ
بهزيمة دولة إسرائيل بشكل صريح.
قالت الورقة في البداية أن الحل، حصراً، هو قيام الدولة الديموقراطية الواحدة.
وهنا تقول أن الحل يبدأ من تفكيك الدولة الصهيونية.
بين حل الدولتين وحل الدولة الواحدة
82
ربما هناك خطأ في تقدير البدايات الحقيقية.
من أجل التفكيك لا بد من نضال وحروب تؤدي إلى هزيمة إسرائيل، وبعدها تخضع الحالة
لشروط المنتصرين الذين سيروا رأيهم في الحل وفي وجود اليهود على أرض فلسطين،
بينما الورقة تريد بقاء الجميع سلفا، أي حماية الوجود الإستيطاني الصهيوني العنصري
على الأرض في كل الاحوال كما سنرى في سياق الورقة.
حقوق الفلسطينيين بعد الحل:
“حقوق اللاجئين في العودة والتعويض عن سنوات التشرّد. فهذه الحقوق غير قابلة
للتصرف، أو للتفاوض، وهذا هو مبدأ جوهري في الحل.”
إذن، الورقة كفلت تحقيق حقوق اللاجئين في العودة إلى ممتلكاتهم والتعويض عن
سنوات التشرد.
حقوق اليهود:
تقول الوثيقة “ولأن ذلك )تحقيق حقوق الفلسطينيين( سوف يتعارض مع المصالح
والامتيازات التي منحها النظام الاستعماري للتجمع اليهودي في فلسطين نتيجة
عملية التطهير العرقي والإحتلال التي تمتَّ سنة 1948 وما بعدها. هنا، لا بدّ من التأكيد
على أن كل المشكلات التي تنتج عن ذلك، والمتعلقة بالملكية أو السكن، يجب أن تحلّ من
خلال مبادئ العدل، وفي إطار لا يفضي إلى نشوء أضرار جديدة بحق التجمع اليهودي
المتَُخَلِص من مزاياه وامتيازاته التي كفلها له النظام الصهيوني العنصري.”. ومبادئ
العدل هذه عبارة غامضة وفيها كمين بمعنى أن الجميع لهم ذات الحقوق في فلسطين
ويتم محاكمة المشكلات بقضاء عادل وليس استعادة الحقوق الوطنية والشخصية.
إذن، سيكون رد حقوق الفلسطينيين بطريقة لا تؤدي إلى الإضرار بالإمتيازات التي
حصل عليها اليهود “ولا يفضي إلى نشوء أضرار جديدة بحق التجمع اليهودي الذي
تخلص من مزاياه وامتيازاته التي كفلها له النظام الصهيوني العنصري”. هذا يعني
بين حل الدولتين وحل الدولة الواحدة
83
أن الحل لن يلحق أية أضرار باليهود وامتيازاتهم وهذا من باب التطمين ومن باب توكيد
هوية أصحاب الورقة الذين يؤكدون دعمهم للاستيطان ولبقائه على أرض فلسطين، أي
بقاء الاستيطان في مكانه؛ وهذا يتوافق مع طرح قطامش كما سنرى والذي يقدم حله
دون إزاحة ودون تقسيم الملاعب التي نحتها خياله. إذن، الحقوق الفلسطينية المستردة
منقوصة بحيث لا تشمل ما هو في يد المستوطنين؟؟ وهي سترد بالكلام الجميل.
ولكن، هذه مبادئ العدالة، فلا نحل مشكلة وتنشأ مشكلة أخرى. وكي لا تنشأ
مشكلة أخرى تبقى البيوت الفلسطينية في القدس وحيفا ويافا وعكا واللد والرملة
وبئر السبع في يد اليهود وتبقى الأراضي التي يستثمرها يهود في أيديهم وتبقى الأراضي
المغتصبة وما عليها من مستوطنات في أيديهم. أي يبقى الاستيطان على حاله ويظل
يتمدد كذلك، “ونحن نبدأ فورا بالمطالبة بالمساواة” كما طرح خالد الحسن )المعلم
الكبير(.
وهكذا ضمنت الورقة حماية وجود المستوطنين وكفلت حماية امتيازاتهم وملكيتهم
للأراضي التي استولوا عليها من أيدي الفلسطينيين، وهذا في نظر أصحاب الورقة
ينسجم مع “مبادئ العدل”؟؟؟ ويتخلص اليهود، ليس من الصهيونية، بل من حقوق
الشعب الفلسطيني.
وبعد أن تبين الورقة حقيقة الحل تأخذ في التغني بالمزايا في “سنغافورة” وستكون
الدولة فلسطينية!!!!!!!
“الدولة الجديدة التي ستقام على أرض فلسطين التاريخية، وهي دولة فلسطينية،
هي أيضاً دولة علمانية ديمقراطية، تفصل الدين عن الدولة مع حماية هذه الأخيرة لحرية
المعتقد وللحريات العامة ، والتي تقوم على أساس مبدأ المواطنة ...”
ليس هذا فحسب، بل هي سوف:
“تحمي الطبقات الشعبية من الفقر والبطالة والتهميش، وتضمن التعليم المجاني
وكل ما يتعلق بالضمان الاجتماعي وحقوق العمل، وتُعنى بازدهار الثقافة بمختلف
أطيافها.”
يا خسارة! لم تتحدث عن الضمان الصحي. احلموا بها يا فقراء الأرض فهي ستؤمن
بين حل الدولتين وحل الدولة الواحدة
84
لكم كل الضمانات لحياة كريمة.
إن هذا ليس على سبيل الحلم بل هو تضليل وإغواء كاذبين.
طيب: من سيضمن هذا؟ طيب! إذا مت أنت ومن معك يا سلامة كيلة، فمن سيركب
على ظهر الفرس وينادي بعالي الصوت بهذه الاشتراطات، الوهم المضلِّل.
لماذا ذهبت الورقة إلى ضمان التعليم المجاني وحماية الطبقات الشعبية بينما، كما
تقول الورقة، إسرائيل تحوز كل الجغرافيا وفي يدها العنصرية وجيش الدفاع وتأييد كل
المستوطنين وتأييد كل الدول الإستعمارية؟.
الوصول للدولة الديموقراطية العلمانية الواحدة
بعد أن طرحت الورقة أن الحامل الكفاحي هو الحركة الشعبية، أعادت طرح عموميات
تفيد بأن الفلسطينيين في الداخل والشتات مع اليهود هم الذين سيخلصون إسرائيل
من عنصريتها، واليهود من صهيونيتهم، وسيعملون على تفكيك الدولة. ثم تعود
الورقة مرة أخرى في محاولة للخروج من الدوامة وتطرح: “إن بناء هذه الدولة هو نتيجة
نضال وطني وطبقي متعدد الأشكال وهو نضال مشترك ما بين أهل فلسطين وأولئك
اليهود المتخلصين من الايديولوجية الصهيونية فدور الطرفين مهم وحاسم..”. من
هم أهل فلسطين؟ هم العرب واليهود كما ترى الورقة وغيرها!
الفلسطينيون جاهزون فهم ليسوا في حاجة للتخلص من الأيدولوجية الصهيونية،
وإنما اليهود هم الذين يحتاجون هذا الخلاص.
ولكن أين هم اليهود المتخلصون من الأيديولوجية الصهيونية وفي نفس الوقت
جاهزون لأن يمتشقوا السلاح لمقاتلة إسرائيل التي تحتل فلسطين لأنها في نظرهم
عنصرية ويهودها صهاينة؟
أليس هذا زرع أوهام مقصودة في وعي الشعب الفلسطيني؟ أليس هو نفس وهم
الدولتين؟
وتزيد الورقة من حجم المنخرطين في نضال الدولة الواحدة ليشمل العرب:
“كما لا بد من التأكيد على ارتباط هذا النضال بكلية النضال في الوطن العربي
بين حل الدولتين وحل الدولة الواحدة
85
نتيجة كون فلسطين هي جزء من هذا الوطن، ولأن الوجود الصهيوني في فلسطين هدف
منذ بداياته الى منع استقلال ووحدة وتطور الوطن العربي بأكمله.”
لماذا لم يتقدم اليهود للنضال من أجل دولتين لشعبين ليبينوا أنهم مخلصون للفكرة
التي طرحوها؟
إن كل أسباب فشل حل الدولتين لشعبين والتي تكمن في الموقف الإسرائيلي والعجز
العربي والفلسطيني هي قائمة تماما في وجه أي حلول وأي تسويات بما فيها حل الدولة
الواحدة باستثناء الضم.
إذا قامت إسرائيل بالضم فسيكون الشعار المطالبة بالمساواة، وستكون طروحات
أصحاب الدولة الواحدة مجرد مقدمة للمطالبة بالمساواة وبدولة ديموقراطية علمانية.
والضم هو ما يطرحه اليهود أنفسهم ويلتقي معهم أصحاب مشاريع الدولة الواحدة:
“والآن، ليس هناك من حل إلا الحل الذي يقوم على أن فلسطين بلد واحد، وأن على
أرضها لا يمكن أن تقومَ إلا دولة واحدة )أليس هذا ما يطرحه اليهود كل يوم- م.ف(
علمانية ديمقراطية لكل مواطنيها”. إن هذه الإضافة هي للتزيين.
ثم مشاركة شعوب العالم، والورقة وبلغة الوجوب تُلزم كل شعوب الأرض بالمشاركة:
“ولا بد من التأكيد على دور شعوب العالم في هذا النضال الذي يخصهم أيضاً، كون
الدولة الصهيونية كانت في الأصل وفي المنشأ نتاج المشروع الاستعماري الاستيطاني
والإحلالي المرتبط بلحظة معينة من لحظات تطور النظام الرأسمالي الدولي. ولذلك،
يجب مشاركة هذه الشعوب بالضغط على حكوماتها لانتهاج سياسات تحترم حقوق
الشعب الفلسطيني، أو من خلال مقاطعة الدولة الصهيونية كونها قائمة على
السيطرة على أرض الغير، وعلى العنصرية وعلى نظام الفصل العنصري )الأبارتهايد(
وعلى توظيف الدين في مشروعها السياسي وعلى ممارسة العنف وعمليات طرد السكان
الأصليين، وخدمة السيطرة الإمبريالية على مقدرات شعوب المنطقة وشعوب العالم
ككل.”
إذن، إنها واجبات كبيرة وكثيرة بحيث تقوم الشعوب بإلزام حكوماتها لانتهاج
سياسات تحترم حقوق الشعب الفلسطيني ومقاطعة الدولة الصهيونية العنصرية
والتي تمارس العنف.
بين حل الدولتين وحل الدولة الواحدة
86
ما دامت هذه صفات الدولة الصهيونية العنصرية “لذلك يجب مشاركة هذه
الشعوب في حلبة الصراع كل فيما يخصه.”، ولكنّ الغرب هو الذي أقام هذه الدولة
وبهذه الصفات وهو معها تماما!!! هناك تقسيم عمل إذن ستطرحه الورقة في حلقة
قادمة أو أن شعوب العالم أذكياء ويعرفون واجبهم وكل في ما يخصه.
إنّ توسيع دائرة المشاركين في النضال ضد إسرائيل بهذه الصورة هو كلام جميل
ولكنه غير مضمون البتة. يا أصحاب حل الدولة! أنتم تسهبون في الشرح في ما لا
يلزم لتوسيع دائرة نفوذ الحركة الشعبية فشعوب الدول الإستعمارية تعرف كل صفات
إسرائيل هذه وتؤيدها.
إذن، الحركة الشعبية سوف تقود نضال الفلسطينيين في الداخل وفي الشتات
ومعهم اليهود المتخلصين من صهيونيتهم )إن وُجدوا - م.ف.( وربط هذا النضال
بالنضال في الوطن العربي، وشعوب الدول الإستعمارية التي لا بد وأن تقتنع بالنضال
ضد حكوماتها التي ساهمت في وجود دولة إسرائيل واستيطان اليهود في فلسطين.
هناك إمكانية أخرى عند سلامة لتفكيك الدولة العنصرية لا تحتاج إلى كل ما هو
أعلاه:
يقول سلامة في الورقة: “كما أن أزمة الامبريالية ستنعكس بالضرورة على الدولة
الصهيوينة، حيث يمكن أن يتفاقم الصراع الطبقي فيها ضد الفئة الرأسمالية المسُيطرة
وكل ذلك من الممكن أن يؤدي إلى إنهاء المشروع الصهيوني، كمشروع امبريالي وكدولة
قائمة على الاستيطان واستغلال الدين اليهودي لخدمته ..”
هنا لا حاجة لمشاركة الفلسطينيين )؟(، فما أن تشتد أزمة الإمبريالية حتى
تنعكس بالضرورة على الدولة الصهيونية فيشتد الصراع الطبقي من تلقاء نفسه
ضد الفئة الرأسمالية مما سيؤدي إلى إنهاء المشروع الصهيوني كمشروع إمبريالي ودولة
قائمة على الإستيطان، حيث سيستبدلون حكومتهم بحكومة أخرى يرتضونها مع
بقائهم بكليتهم في فلسطين. إن هذا ليس مجرد قفزة في الهواء أو ارتهاناً لمستقبل
غامض؛ إنه توكيد هوية وتكرار لما طرحه شيوعيون فلسطينيون في سبعينيات القرن
الماضي.
بين حل الدولتين وحل الدولة الواحدة
87
بعد ذلك ستكون إقامة المستوطنين في فلسطين شرعية وحيازتهم للممتلكات
والأراضي شرعية أيضا، وبالتالي لا حقوق لنا ولم يعد من حقنا أن نطالب رفاقنا اليهود
بوطننا الذي اغتصبوه. لا كوطن وجغرافيا ولا كممتلكات ووسائل عيش، فهم قد
أصبحوا يقادون من طبقات غير التي تقودهم اليوم.
إن الورقة لا تطرح مقدمات جدية لتفكيك دولة اليهود بمركباتها الأيديولوجية
والعنصرية والمدعومة بالقوة العسكرية كما لاحظنا أعلاه، ولكنها تقفز إلى حق العودة
وتوضح ترجماته بدقة:
“...اللاجئين الفلسطينيين لا يسقط حقهم بالتقادم ولهم حق العودة والتعويض
عن ممتلكاتهم وعذاباتهم ... هذا الحل يجب أن يضمن الحقوق للجميع دون استثناء،
فحقوق الشعب الفلسطيني لا تسقط بالتقادم، وخصوصاً حقوق اللاجئين في العودة
والتعويض عن سنوات التشرّد. فهذه الحقوق غير قابلة للتصرف، أو للتفاوض، وهذا هو
مبدأ جوهري في الحل.” نلاحظ عبارة التعويض عن ممتلكاتهم وهي ذات العبارة التي
طرحها كندي في رسالته لعبد الناصر عام 1962 م.
لكن هذا الحل تجنب الحديث عن الإزاحة والإحلال وذلك ببساطة لأنه لم يطرح عودة
اللاجئين إلى مدنهم وقراهم وسيعطيهم هذا الحل تعويضا عن سنوات التشرد.
وتستطرد الورقة بالقول:
“ولأن ذلك )أي عودة اللاجئين إلى مدنهم وقراهم وممتلكاتهم م.ف.( سوف يتعارض
مع المصالح والامتيازات التي منحها النظام الاستعماري للتجمع اليهودي في فلسطين
نتيجة عملية التطهير العرقي والإحلال التي تمتَّ سنة 1948 وما بعدها...”، لذلك لا بد
من إزاحة هذا التعارض من خلال مبادئ العدل بدلا من إزاحة اليهود عن الأرض كي لا
نحل مشكلة وتظهر مشكلة أخرى! أليس هذا مثار هزء؟ ثم تضيف الوثيقة:
“...هنا، لا بدّ من التأكيد على أن كل المشكلات التي تنتج عن ذلك، والمتعلقة
بالملكية أو السكن، يجب أن تحلّ من خلال مبادئ العدل، وفي إطار لا يفضي إلى نشوء
بين حل الدولتين وحل الدولة الواحدة
88
أضرار جديدة بحق التجمع اليهودي المتَُخَلِص من مزاياه وامتيازاته التي كفلها له النظام
الصهيوني العنصري.”
فما كفله النظام الصهيوني العنصري للمستوطنين المحتلين يبقى في أيديهم
عندما يتخلصون من صهيونيتهم وبمباركة مبادئ العدل أو نجد له حلولا لا تتعارض مع
مبادئ العدل ولا تخلق مشاكل جديدة )وهي ذاتها المشكلة القديمة المتمثلة في اغتصاب
حقوق الفلسطينيين في الملكية والجغرافيا وبالأساس في الوطن.(، مع أن الورقة نفسها
قالت: “...فحقوق الشعب الفلسطيني لا تسقط بالتقادم، وخصوصاً حقوق اللاجئين
في العودة والتعويض عن سنوات التشرّد. فهذه الحقوق غير قابلة للتصرف، أو للتفاوض،
وهذا هو مبدأ جوهري في الحل.” والكاتب لم يذكر من سيتكفل بتعويضهم عن سنوات
التشرد كذلك.
كيف يكون الحل هذا مع عدم المساس بحقوق وامتيازات اليهود التي منحتهم إياها
دولتهم الصهيونية؟ أما والكيان قد اغتصب الحقوق الفلسطينية، فكيف يمكن تسمية
ما تم اغتصابه لصالح المستوطنين بأنه أصبح حقوقاً للمستوطنين؟ هل اغتصاب الحق
يحوله إلى حق للغاصب؟ فهم قد اغتصبوا كل شيء. بل لم يُبقوا من حقوق شعبنا
شيئاً، مما يعني أن الحفاظ على ما يسميه كيلة حقوق المستوطنين هو كل فلسطين!
فأي تبرع كريم هذا؟ لم يقدمه حتى فريق أوسلو!
أما “صرخة وطنية ونداء من الأعماق” فتقول:
“...ونقيم على أنقاضها شروط بقائنا الجماعي على قيد الحياة ككل متكامل
ومتساو بعيداً عن الفصل والانفصال والتمييز العنصري..” عن )صرخة وطنية ونداء
من الأعماق(.
أي يبقى كلٌّ في حيزه وهذا معناه ليبق الصهيوني في حيزه.
ما هو الحل؟ وفي هذا السياق تتحدث ورقة الصرخة بطريقة تفضي إلى نفس
النتيجة بالموافقة على بقاء ما في يد اليهود الصهاينة المحتلين بأيديهم لكونهم تعالجوا
من صهيونيتهم وعنصرية دولتهم:
“ان حجر الزاوية في أي حل لقضيتنا الوطنية لا يتمثل في النسب الكمية للأراضي
بين حل الدولتين وحل الدولة الواحدة
89
المخصصة لسكان المعازل على الرغم من اهمية ذلك، بل يتمثل اساسا وقبل كل شيء
في نوع العلاقات التي ستقام بين سكان فلسطين التاريخية المنزوعة المعازل ولهذا نرى
ان المشكلة الفلسطينية لا تنحصر في وجود مهاجرين مستوطنين من جهة وسكان
أصليين )فلسطينيين( على أرضها التاريخية من جهة اخرى، بل في نوع العلاقة التي
اقامها كيان المستوطنين -المنعزل- مع شعبنا” )صرخة وطنية ونداء من الأعماق(.
إذن، ما يقلق أهل الصرخة هو التمييز العنصري والفصل والانفصال، وليس اغتصاب
الأرض والنهب، أي أن كل ما في الأمر أن يتحول الغاصب إلى شخص مهذب يلتزم بقانون
عدم التعالي على عبيده. وهنا يجهل أهل الصرخة بأن النصوص القانونية كنصوص
مجرد توهيمات.
هنا يكون تعويض الفلسطيني عن أملاكه غير وارد فيكفي أن تتغير العلاقة بين
“السكان الأصليين” واليهود “المعالجين”.
ذلك وكما هو في النص أعلاه: “إن المشكلة الفلسطينية لا تنحصر في وجود
مهاجرين مستوطنين من جهة وسكان أصليين )فلسطينيين( على أراضيها التاريخية
من جهة أخرى بل في نوع العلاقة التي أقامها كيان المستوطنين – المنعزل – مع
شعبنا.” ) يا رب!! لو أنه غير منعزل لكان الاستيطان مقبولا وكل شيء بخير(.
وفي مكان آخر:
“ ..، كما ان مصلحتنا الجماعية تفرض علينا واجب التخلص من هذه العلاقات اللا
انسانية التي ورثناها عن الحقبة الاستعمارية وإلقائها في مزبلة التاريخ، حيث تتعفن
هنالك الكثير من علاقات التمييز والعبودية السابقة...”
أي علينا التخلص من الموروث الثوري والكفاحي بوصفه من ضمن “العلاقات
اللاإنسانية التي ورثناها عن الحقبة الإستعمارية” وهذه العلاقات هي بالتحديد علاقات
النضال ضد هذا المستعمر. وتؤكد الورقة على ذلك عدة مرات حيث تدعونا “للابتعاد
عن التدمير المتبادل”.
بين حل الدولتين وحل الدولة الواحدة
90
تعالوا يا عالم: قرن من الصراع الدامي بين الشعب الفلسطيني والاحتلال البريطاني
والاحتلال الصهيوني. قرن من الصراع على الحيز الذي أرادت الدول الأوروبية منحه لليهود
لتهويد فلسطين وطرد الشعب الفلسطيني منها، كل هذا أصبح بجرّة قلمٍ سوء
تصرف:
“نوع العلاقة التي أقامها كيان المستوطنين – المنعزل – مع شعبنا.”، أي هو مدعو
فقط لتغيير نمط هذه العلاقات لا غير. إن هذا في نظر الورقة يكفي لتغيير نظرتنا
للاحتلال كونه احتلالا استيطانيا اقتلاعيا. إنه إذن مجرد حاكم ظالم وما أن يعلن أنه
تخلى عن ظلمه حتى ينتهي الاحتلال والظلم ونسمي الحالة بحالة جديدة ونسميها
دولة واحدة علمانية وديموقراطية. إن هذا قمة الاستغباء للشعب الفلسطيني من
جهة، وقمة الولاء للصهيونية من جهة أخرى. هو دعوة صريحة للتطبيع مع العدو، بل
هو أكثر من ذلك؛ إنه ينطوي على نقد ذاتي للتجربة والمقاومة والنضال ودعوة لاعتبار
الوجود الإستيطاني بكليته حالة اعتيادية ننقي نفسنا ومواقفنا للتجاوب الإيجابي
معها ونندرج فيها.
إن الصراع بين الفلسطينيين والعرب من جهة، وإسرائيل ومسانديها من الجهة
الأخرى هو صراع وجود وليس صراع علاقات ناتج عن سوء فهم من أحد الأطراف. هكذا
قالت الممارسة طوال القرن الماضي. وعلى هذا بنى الفلسطينيون نظريتهم في الصراع،
وحركتهم هي حركة تحرر وطني وليست حركة تغيير ألقاب المستوطنين وسلوكهم
وسلوك دولتهم والتطبيع معهم.
كما لا يوجد وجه شَبَهٍ يذكر بين القضية الفلسطينية التي هي قضية اغتصاب
وطن وتشريد أهله وبين جنوب أفريقيا التي استوطنت فيها أقلية بيضاء واغتصبت
الحكم وأقامت نظام الأبارتهايد. وكانت المساومة لمعالجة هذه الحالة تكمن في تغيير
العلاقات وسحب السلطة السياسية من المستوطنين والغاء التمييز العنصري، بينما
الأمر عندنا مختلف جوهريا. ورغم تغني الصرخة ومختلف دُعاة الدولة الواحدة بمثال
جنوب إفريقيا، ورغم الفوارق الواضحة بين الحالتين، إلا أن تجربة جنوب إفريقيا تتكشف
بين حل الدولتين وحل الدولة الواحدة
91
عن كوارث أوضحها، أن السود لم يستعيدوا أرضهم، وبأن رأس المال بقي أبيضَا، وبأن
القمع السلطوي بقي على نفس وتيرته السابقة.
فهم ورقة الصرخة للصراع
وتستمر الورقة في تأكيد فهمها للصراع العربي الصهيوني والفلسطيني
الصهيوني بالقول:
“ومن هنا وعلى ضوء فهمنا هذا ننطلق نحو تحديد المضمون الحقيقي لشعار تحرير
فلسطين، الذي لا يعني في أية حال من الأحوال تحريرها من وجود المستوطنين المهاجرين
المقيمين فيها، بل تحريرها من نمط العلاقات الإستعمارية الإثنية الإحلالية التي أقامها
هؤلاء المستوطنين مع شعبنا الفلسطيني، وتحريرها من دور كيانهم الوظيفي على
محيطنا الإقليمي ...”
تأتي هنا استعارة كلمة التحرير من التراث الثوري الكفاحي الفلسطيني وتعني هنا
فقط وفقط الاستسلام لما هو قائم.
لننظر كيف تصف ورقة الصرخة العدو الإسرائيلي ثم نلاحظ كيف تقبل به،
إنها دعوة للتعايش مع المغتصبين وموالاتهم ليس إلا. إن هذا العدو يبطش بشعبنا
استنادا إلى تفوقه وظلمه فكيف التعايش معه. إنها أفكار تطبيعية بطرائق جديدة.
إن عبارة التحرير هنا أصبح معناها ليس تحرير فلسطين بل تحرير عقولنا من القضية
الفلسطينية.
وتقول ورقة الصرخة:
“وما تبقى منه )شعبنا( يحشر اليوم قسرا في معازل )كانتونات( إثنية منفصله
عن بعضها، وتخضع لشروط أمنية غاية في القساوة، كالحد من حرية الحركة والالتحاق
بالعمل إن وجد، وعدم القدرة على تحصيل وسائل العيش، ناهيك عن التعرض للاعتقالات
والاغتيالات الممنهجة. كما يواصل مصادرة الارض وتجريفها، وخلع الاشجار وهدم البيوت
والتحكم في مصادر المياه ومعابر الحدود دخولا وخروجا. هذا بالإضافة الى ممارسة الفصل
والتمييز الإثني )الابارتهايد( المتمظهرة في كل جوانب الحياة وأبرزها بناء جدار الفصل
بين حل الدولتين وحل الدولة الواحدة
92
الإثني...”
إنه ما كان من الممكن، ولا زال من غير الممكن، أن يستمر الاستيطان وإقامة مزيد
من المنشآت والمشاريع دون الإستيلاء على أراضي وممتلكات الفلسطينيين من أيديهم
بشتى الطرق والمدعومة بالعنف وقوة السلطة والدوريات العسكرية؛ ولهذا ستحتاج
الصهيونية حتما إلى العنف والاعتقالات والاغتيالات وهدم البيوت وتجريف الأراضي. يأتي
المستوطنون ولا يجلبون معهم أراضيَ يستثمرونها ولا مبانيَ يسكنون فيها. ولذلك، لا
مناص لهم من اغتصاب الأراضي والمباني وهذا لا يكون سوى بالقوة الباطشة الغاشمة
والمذابح والسجون، فلماذا هذه الدعوات للتطبيع وقبول هذا النوع من العدو وقبول
التعايش معه؟
وهكذا، فإن ما جاء في ورقة الصرخة، وورقة ميونخ، من نتائج بعد إقامة الدولة
الديموقراطية هو مجرد أوهام يطرحها أصحاب الأوراق الشبيهة بقصد خدمة الصهيونية
وهو ضد مصالح الشعب الفلسطيني. إنها دعوات لقبول العدو والتعايش معه، ودعوات
لتطبيع عقلنا وموقفنا لقبول هذا العدو والتعايش تحت سيطرته الموصوفة أعلاه.
إن المقصود هو فتح أبواب متعددة للتطبيع وتثقيف العقل بقبول الاحتلال كأمر
لا مناص منه مع مطالبة إسرائيل بالقيام بتحسين شروط البقاء وتغيير اسم الدولة
المحتلة المعادية.
وبعد هذا، تعلن ورقة الصرخة أنها تفهم تحرير فلسطين:
“ تحرير فلسطين الذي لا يعني في أية حال من الأحوال تحريرها من وجود
المستوطنين المهاجرين المقيمين فيها، وأنها تستهدف تحرير فلسطين من نمط
العلاقات الموجودة فيها”،
أي العلاقات القائمة بين دولة الاستيطان الاقتلاعي والشعب الفلسطيني وحركته
التحررية. وهل يريد اليهود موقفا أفضل من هذا الموقف، الموقف من وجود اليهود
ومستوطناتهم في جميع الأراضي الفلسطينية على قاعدة بقائهم ودون أي إزاحة من
المكان لصالح الشعب الفلسطيني.
بين حل الدولتين وحل الدولة الواحدة
93
هذا مع العلم أن ورقة الصرخة صدرت أساسا عام 2008 م، ومنذ ذلك الحين لليوم
تستمر إسرائيل في قضم مزيد من الحيز وإقامة مزيد من المستوطنات وأصحاب الورقة
لايضعون حدا لذلك ولم يعلنوا أي موقف في هذا الخصوص.
ويعلق علي حتر في مقالته المنشورة في مجلة ساحات التحرير على هذه الورقة،
“ صرخة وطنية ونداء من الاعماق يطلقها لفيف من شخصيات وكوادر الحركة
الوطنية الفلسطينية الراهنة لإقامة دولة فلسطين الديمقراطية التقدمية
على كامل التراب الوطني.. شباط 2016 ”، فيقول: “... بهذه الكلمات تبدأ
الورقة.. صرخة ونداء من الأعماق.. يستنجد لفيف من شخصيات وكوادر الحركة
الوطنية الراهنة لإقامة دولة فلسطين الديمقراطية التقدمية على كامل التراب
الوطني...بصرخات الاستنجاد يبدؤون، ليقيموا ما نادى به نايف حواتمة قبل أكثر
من أربعين سنة ولم يحقق منه قيد أنملة! دولة ديموقراطية مع مغتصب سفاح!!
هذا هو كل التناقض.. الذي يتناسونه، ليكملوا نصا يتناقض تناقضا كاملا مع مضمون
العنوان المستحيل!!!!ويضعون عليها تاريخ شباط 2016 .. رغم أنهم نشروها قبل
ثمانية سنوات ولم يحققوا شيئا خلال ذلك إلا مزيدا من مستوطنات المغتصبين
والتنسيق الأمني معهم” )أغسطس 2016 م، مجلة ساحات التحرير”.
ويستمر على حتر بالتعليق في ذات المصدر:
“ تقول ورقة الصرخة: “- حل المشاكل يتطلب إزالة أسباب نشوئها؟”
ثم تدعو للتفاهم مع أسباب نشوء المشاكل بدل الدعوة لإزالتها!!!!
وتقول: “نحن سكان فلسطين التاريخية، مطالبون اليوم بان نهدم بايدينا جماعياً
شروط فنائنا الجماعي ونقيم على أنقاضها شروط بقائنا الجماعي على قيد الحياة ككل
متكامل ومتساو بعيداً عن الفصل والانفصال والتمييز العنصري والنفي المتبادل للاخر.”
فالورقة ترفض الإزاحة والفصل والإنفصال داعية للبقاء: “على قيد الحياة ككل
متكامل ومتساو بعيداً عن الفصل والانفصال والتمييز العنصري والنفي المتبادل للاخر.”
أي التعايش معا. أي التطبيع بأسوأ صوره. التطبيع على قاعدة القبول بالعدو وإقرار
أنه لم يعد عدوا والخضوع له. وحينها فإن عقلية أمثال هؤلاء الدعاة بكونها عقلية
بين حل الدولتين وحل الدولة الواحدة
94
شرقية ستبدأ بإعداد المناسف واللقاءات مع المغتصبين علنا وعلى نطاق واسع أكثر
بكثير مما هو اليوم بل ومن أجل تشريع التطبيع شعبيا. ألم يحمل أنصار أوسلو أغصان
الزيتون ويكللوا بها السيارات العسكرية الإسرائيلية بعد توقيع الإتفاق؟
ما منحته الدولة العنصرية من امتيازات لليهود قبل إزالة عنصريتهم يبقى معهم،
وهذا ما دعت له ورقة سلامة كيلة وورقة أحمد قطامش. وبالطبع ليس للفلسطيني
فيه أية حقوق، سواء كان الفلسطيني مقيما في فلسطين أو عائدا إليها )إن مكّنته
دولة التمييز العنصري من العودة(.
ثم تقول ورقة الصرخة، وبعد استعراض خصائص الاستيطان اليهودي في فلسطين:
“ووعيا منا للعلاقة الشرطية بين الدور الوظيفي لهذا التكوين وخصائص بنيته المتمثلة
في حتمية انغلاق تلك البنيه وانعزاليتها، وما يضفي عليه ذلك بالضرورة خاصية
الطفيلية، وعدم القدرة على الانفكاك من التبعية لتلك المراكز...”
هنا تأتي النقطة الثانية التي تريد ورقة الصرخة، ويريد الموقعون عليها، تخليص
إسرائيل منها بعد أن خلصت المستوطنين من الصهيونية وخلصت دولتهم من
عنصريتها. تأتي مسألة تخليص الدولة من الطفيلية والتبعية وفك روابطها من الغرب
الذي أسسها بحكم الخاصية وهذه “خصائص بنيته المتمثلة في حتمية انغلاق تلك
البنيه وانعزاليتها،” وهذه الانعزالية هي التي جعلته يتصف بالطفيلية وعدم القدرة
على الانفكاك من التبعية للمركز، مما يستدعي من أصحاب الورقة تخليص الكيان
الإستيطاني من انعزاليته وطفيليته!!
ثم تذهب الورقة إلى غاية من غاياتها بإقرارها أن فلسطين هي لسكانها
الأصليين والمستوطنين وفقط عليهم تغيير نمط العلاقات بينهم ويبقى المستوطنون
ومستوطناتهم ومؤسساتهم وبنيتهم كما هي وذلك لأن:
“الحقائق الملموسة الراهنة على أرض فلسطين التاريخية تؤكد ان سكانها اليوم
أصليين ومستوطنين يشكلون كلاً واحداً من حيث مصلحتهم في البقاء على قيد
بين حل الدولتين وحل الدولة الواحدة
95
الحياة، ولا يغير من ذلك كون النظام السياسي والاقتصادي والاجتماعي فيها يقوم على
الفصل والتمييز العنصري وسيطرة كيان المستوطنين على ارضها وشعبها الاصلي
الفلسطيني.”
إذن هم يشكلون وحسب الورقة كلا واحدا وقبل حدوث التغييرات في المواصفات التي
تحدثت عنها الورقة ومؤلفوها من اليهود والعرب، وأصبح اسم الفلسطينيين “السكان
الأصليين” كما الحال في الأمريكيتين وليسوا الشعب الفلسطيني. كما أن الفقرة
تتحدث عن السكان المقيمين ولم تتحدث عن اللاجئين، ويتكرر هذا في أكثر من مكان مما
يدل أن حديث الورقة الذي يدور عن عودة اللاجئين ما هو إلا ديكور لتجميل الورقة.
وعلق علي حتر على هذه المسألة بعد دراسته للورقة بقوله في ذات المصدر: “وأنا أبدأ في
د راسة أي ورقة بسؤال رئيس: ما هو موقف الورقة من عودة اللاجئين أو حقهم بالعودة..؟
وهذه الورقة تماطل بكل المسائل وتعطي العدو كل الوقت لتنفيذ الاستيطان وتثبيت
أقدامه على الأرض.. ولا تعطي اللاجئين إلا كلمات فارغة، لا تصلح إلا موضوعا للإنشاء
في الصفوف الابتدائية.!...لا أنفي أن الورقة تتحدث عن حق العودة، لكنها تقدم
اقتراحات في نهاية الأمر وفي استنتاجاتها، يتعارض عمليا وعلميا مع هذا الحق!!”
ورقة الصرخة دعوة للتعايش والتطبيع
تبدأ الورقة مشوارها التطبيعي بالتوجه لعقل الإنسان الفلسطيني، ومن خلال ما
تسميه حلا للقضية الفلسطينية تدخل وبشكل ممنهج لتغيير الثقافة التحررية وزرع
ثقافة الاستسلام لما هو قائم.
فهي تعيد تعريف فكرة وشعار تحرير فلسطين بأنه: ليس تحريرها من المستوطنين
بل “تستهدف تحرير فلسطين من نمط العلاقات الموجودة فيها – أي العلاقات القائمة
بين دولة الاستيطان الاقتلاعي والشعب الفلسطيني وحركته التحررية”، ثم تؤكد على
أحقية المستوطنين في البقاء في حيزهم دون إزاحة.
ثم تتحدث عن الشعب الفلسطيني على أنه “السكان الأصليين”، مجرد سكان في
عمارة أو حي أو مجموعة أحياء. ويطرح عادل سمارة سؤالا عن هذا التعريف:
بين حل الدولتين وحل الدولة الواحدة
96
“سؤال: هذه فقرة ملتبسة، فهي جوهريا إبقاء البنية وتغيير العلاقات مما يتناقض
مع ضرورة تحرير الوطن وتجريد المستوطنين من الأرض والنووي والقمم الاقتصادية
والسلطة. فطالما ليس المطروح نظاما اشتراكيا، لماذ تبقى الأرض بيد المستوطنين بما
هي مغتصبة؟ وحتى لو قصدت الورقة عودة اللاجئين فهي عودة قوة عمل رخيصة في
أرضها!”
وهي عودتهم للسبعة في المئة الباقية من الأرض حتى الآن والتي ستظل عملية
تهويدها مستمرة بما في ذلك توسيع المستوطنات القائمة.
وتنتقل الورقة إلى الدعوة للتعايش مع الغزاة: “نعم انها لحظة استبدال علاقات
قديمة ذات طبيعة استعمارية عنصرية إحلالية بعلاقات جديدة طبيعية ديمقراطية
تقدمية تقوم على العيش المشترك والمساواة في الحقوق والواجبات المدنية لمواطنين
احرار..”
إذن، هي دعوة للعيش المشترك، أي التطبيع مع المستوطنين الغزاة مع بقاء
استيطانهم كما هو وهذا الاستيطان كما بدأنا هو عملية تهويد فلسطين منذ بدايته
وحتى الآن،علما أن التهويد يشمل النسبة الأكبر من الأرض بالملموس وبالنفوذ.
وتقول الورقة في مكان آخر وهي تدعو للكف عن النضال الوطني التحرري والانتقال
إلى التعايش والتطبيع مع العدو: “فضرورة التغيير الجذري لبنية الصراع التي أصبحت
قديمة” مع أن دواعي ودوافع الصراع هي موضوعية وليست إرادية ليقوم شخص بتغييرها
لكونها استمرت مدة طويلة وهي ليست وليدة رغبة هذا المفكر أو ذاك أو تحقيقاً لأمنية
أناس ذوي نوايا حسنة، بل تعبيراً عن حاجة تولدها حركة مقنونة لصراع المتناقضات”.
الله أكبر!! التغيير الجذري لبنية الصراع هو تعبير عن حاجة )ذاتية( “تولدها ضمن
وحدة بات فيها الانتقال من التراكمات الكمية الى التغيرات النوعية حتمية”
لا تفسير هنا للتراكمات الكمية التي تنتقل إلى النوعية.
يضيف فريق الصرخة: “... يتطلبها الخروج من حالة الانتحار الجماعي والدخول الى
حالة التعايش الجماعي، انها لحظة الانتقال من كيف قديم متعفن آخذ في الاحتضار الى
كيف جديد نقي اخذ في الولادة ، نسميه دولة فلسطين الديمقراطية التقدمية الواحدة
بين حل الدولتين وحل الدولة الواحدة
97
على ارض فلسطين التاريخية..”
ماهو الكيف القديم؟ أعتقد أن الورقة تقصد حالة الصراع العربي والفلسطيني مع
العدو، وبفعل سقوط الدول العربية وتراجع الحركة الفلسطينية أصبح الظرف مواتيا
للاعتراف باستيطان اليهود في كل أنحاء فلسطين وبهذا يتم الانتقال إلى الكيف
الجديد لمن يعرفون قوانين الجدل )قانون وحدة وصراع الأضداد والتغير الكمي يؤدي إلى
تغير كيفي وقانون نفي النفي( في سياق عملية التضاد وليس إراديا كما تطرح الورقة.
وهل حقا يتولد الجديد النقي؟؟
إذن المطلوب الانتقال من “حالة الإنتحار الجماعي إلى حالة التعايش الجماعي”، وهذا
سيكون على أيدي أصحاب الصرخة، والذين لا يوافقون على بقاء عنصرية وانعزالية
المستوطنين حيث سيتخلى اليهود عن عنصريتهم. وهم في سياق التحذير من حل
الدولتين وكل ما يضيفونه أن حل الدولتين يبقي على عنصرية الكيان وعلى كل
صفاته القذرة.
تقول الورقة: “اننا نحذر الاحرار والمناضلين من اجل حلول عادلة في فلسطين
التاريخية، ومحيطها الاقليمي، من تطبيق شعار )دولتين متجاورتين في فلسطين(.
فهو من جهة اولى يمثل خديعة كبرى عندما يصور إقامة المعازل الإثنية في فلسطين
كتعبير عن تطبيق حق تقرير المصير لسكان هذه المعازل...ومن جهة ثانية، يمثل انفصال
كيان المستوطنين وتميزهم عن السكان الاصليين القابعين في المعازل، تكريس لنظام
الفصل والتمييز الإثني )الابارتهايد( والإبقاء على طبيعة البنية الاستعمارية لكيان
المستوطنين واستمرار استغلالهم للأرض الموحدة، تحت سيطرتهم، وقوة عمل السكان
الأصليين فيها”.
هنا تتمثل شفقة الصرخة على السكان الأصليين وقوة عملهم كما يصور مناطق
إقامتهم بأنها معازل إثنية – ولا حول ولا قوة إلا بالله. كما أنهم حريصون على تخليص
اليهود من عنصريتهم بمنحهم كل فلسطين بدلا من جزء منها.
فأصحاب الصرخة لا يقبلون هذا الحال، وبالتالي هم حريصون على بوتقة اليهود من
جديد وتخليصهم من صهيونيتهم وعنصرية دولتهم.
بين حل الدولتين وحل الدولة الواحدة
98
“ان حجر الزاوية في أي حل لقضيتنا الوطنية لا يتمثل في النسب الكمية للأراضي
المخصصة لسكان المعازل) أي الشعب الفلسطيني - م ف( على الرغم من اهمية ذلك،
بل يتمثل اساسا وقبل كل شيء في نوع العلاقات التي ستقام بين سكان فلسطين
التاريخية المنزوعة المعازل”.
أصحاب الورقة لا يرون قيمة لاسترداد الأرض فلا أهمية لنسبة الأراضي التي تخصص
لسكان المعازل وهم الفلسطينيون، ما داموا سيربحون علاقات جديدة مع مغتصبي
أراضيهم ووطنهم والذين يسيطرون، كما تقول الورقة، على 93 % من أرض فلسطين
التاريخية، وعندما نجمع سبعة في المئة مع علاقات جديدة يكون الفلسطيني رابحا!!!
بدوره يقول علي حتر في تعليقه:
“ولهذا نرى ان المشكلة الفلسطينية لا تنحصر في وجود مهاجرين مستوطنين من
جهة وسكان أصليين )فلسطينيين( على أرضها التاريخية من جهة اخرى، بل في نوع
العلاقة التي اقامها كيان المستوطنين -المنعزل- مع شعبنا.”
ليس اغتصابا بل نوع العلاقات..
“وعليه نؤكد ان التغيير الذي نريد تحقيقه على ارض فلسطين التاريخية لا يمس
وجود الناس عليها، بل يمس العلاقات القائمة الغير انسانية بينهم”
ويكمل في نفس المصدر:
“وتصف الورقة الاحتلال الصهيوني أنه “احتلال اقسى انواع النظم الاستعمارية
الاستيطانية التي مارست سياسة التمييز والفصل العنصريين”
بعد قليل تنسى هذا الكلام!!! وتطلب التعايش معه وإزالة خصائصه العدوانية.”
وتقول الورقة )ورقة الصرخة(:
“ولهذا نرى ان المشكلة الفلسطينية لا تنحصر في وجود مهاجرين مستوطنين من
جهة وسكان أصليين )فلسطينيين( على أرضها التاريخية من جهة اخرى، بل في نوع
العلاقة التي اقامها كيان المستوطنين -المنعزل- مع شعبنا.”
إن القارئ المتمعن يدرك أن كاتب الورقة لا ينطلق من حقائق الصراع حقا، بل هو يطرح
بين حل الدولتين وحل الدولة الواحدة
99
ما يمهد للنتيجة التي يريد الوصول لها وهي أن يبقى اليهود في كل أنحاء فلسطين
بموافقة طارحي فكرة الدولة الواحدة. فالمهاجرون اليهود المستوطنون لم يبدأوا بقمع
وقهر الشعب الفلسطيني قبل الإنتداب مثلا، ولا حتى في بداية الإنتداب حيث كانوا
أقلية قليلة جدا ويحميهم الانتداب البريطاني نفسه من غضبات الشعب الفلسطيني
التي تتالت طوال المدة.
لقد كان الصراع منذ البداية على الحيز وتطهير الحيز. كان هكذا من البداية ولا
زال حتى الآن، وكان الاستيطان هو الذي يتغلب وليس مجرد العلاقات الإجتماعية أو
النفسية أو بسبب التعالي والموقف العنصري.
إن الاستعمار قد استقدم اليهود الصهاينة والعنصريين لكي يستوطنوا فلسطين.
ولبّ الصراع لم ينشأ من عنصريتهم وصهيونيتهم، بل من استيلائهم على الأراضي
وإقامة المستوطنات عليها وتأسيسهم لتجمع خاص هو الذي أقام دولته عام 1948 م،
التي لولا وجود الاستعمار البريطاني خاصة، والاستعمار الغربي في حقبة الإمبريالية
عامة، بما هو الأب المؤسس عسكريا وماديا وثقافياً واستجلابهم كمستوطنين؛لولا ذلك
ما كان لهذا الكيان أن يُقام ولا أن يستمر وأن يقوم بطرد الشعب الفلسطيني مما أدى إلى
إنشاء حالة اللجوء والتشرد.
ولكن الورقة، بعد أن نفثت كل هذه السموم، أدركت أن إسرائيل لا تقبلها، ومن أجل
التدليس على الشعب الفلسطيني تقول الورقة:
“ولذلك كله نؤمن وندعو ونقاوم مع شعبنا وقوى التحرر القومية والإقليمية لإنجاز
هذا التغيير الذي لن يحدث من تلقاء نفسه، بل بواسطة تصعيد كفاحنا الضاري
ومقاومتنا بجميع أشكالها المؤدية إلى إحداث تغيير في ميزان القوة وخلق حالة توازن
الردع”، أي النضال الضاري من أجل الوصول لحالة الردع دون أن تشرح الورقة أية آليات
عملية لهذا النضال ولكنها تقفز على طول الخط لهدفها المنشود وهو ليس هزيمة
إسرائيل، بل يصل إلى درجة:
“... بحيث يصبح تحقيق أمن المستوطنين مشروطاً بتجريدهم من وضعهم
الاستعماري الاحلالي وسماتهم الانعزالية الانفصالية وحرمانهم القانوني من الترويج
لثقافة الاستعلاء والكراهية والحقد على الغير وخاصة على شركائهم في المواطنة
بين حل الدولتين وحل الدولة الواحدة
100
المتساوية مع السكان الفلسطينيين )الأصليين( وإلغاء كل حالات التمييز والتمايز عن
الآخرين في الحقوق والواجبات وفك الارتباط مع الهيمنة الامبريالية والرجعية الإقليمية.”
وهنا تكون الورقة قد فككت النظام العنصري وأجبرت المستوطنين على التخلي
عن صهيونيتهم وعن خصائصهم العشرة الواردة في الورقة والتي تربّوا عليها جميعا،
وهذا هو التغيير الكيفي المقصود. لنذكر لكم ثلاث خصائص أصيلة وبنيوية كما تقول
الورقة:
“ -8 خاصية انغلاق المستوطنين على ذاتهم وعزل السكان الاصليين والانعزال عنهم
في حالة بقائهم لاستغلال قوة عملهم.
-9 خاصية تعالي المستوطنين على السكان الاصليين واحتقارهم باعتبارهم ادنى منهم
درجات عدة في سلم التطور البيولوجي والحضاري حسب زعمهم.
-10 خاصية عداء المستوطنين المطلق لسكان المحيط الاقليمي ان وجد، طمعا في
استغلال ثرواته الطبيعية وقوة عمله البشرية، وللتوسع في مجاله الجغرافي.”
ولكن، هل الكفاح الضاري هو ما يؤمن به كتاب الأوراق؟
ما دام النضال ضارياً، وما دام يُفقد المستوطنين حياتهم الآمنة وخصائصهم
البنيوية فلا بد أن يكون هذا النضال هو العنف الثوري المسلح. وهذا يذكرني بمشروع
السلطة الوطنية المقاتلة كما في أحد قرارات المجلس الوطني الفلسطيني وسأبين
ذلك أدناه، وكيف كانت هذه التعبيرات عبارة عن تزيين مضلل لهدف قبول المستوطنين
والتعايش معهم واحترام حيازتهم لأرضنا ووطننا وتطبيع العقل لقبولهم؟
نحن كمتتبعين لسلوك وماضي هؤلاء الأشخاص الذين كتبوا ونشروا هذه الورقة لم
نجد لهم ماضياً كفاحياً، ولا بصورة من الصور، فما بال هذه الفقرة قد أُلحقت بالورقة؟
سنستحضر مثالا عن هذا النوع من الطرح المضلل والكاذب من خلال تجربة منظمة
التحرير الفلسطينية والتي سبق أن عرضتها في كراستي:
بين حل الدولتين وحل الدولة الواحدة
101
أزمة القيادة الفلسطينية
من اللجنة التنفيذية إلى اللجنة العربية العليا والهيئة العربية العليا إلى
اللجنة التنفيذية)م.ت.ف.( المنشورة على الحوار المتمدن في 3/ 11 / 2011 م:
“انطلاقا من الميثاق الوطني الفلسطيني )أي نحن لا زلنا مع الميثاق م.ف.( والبرنامج
المرحلي لمنظمة التحرير الفلسطينية المقر في الدورة الحادية عشرة...)وهو يعني شيئا
آخر غير ما اصطلح عليه لاحقا بالبرنامج المرحلي م.ف.(، ومن الإيمان باستحالة إقامة
سلام دائم وعادل في المنطقة )أي من وجهة نظرنا - م .ف.( دون استعادة شعبنا
لكامل حقوقه الوطنية وفي مقدمتها حقه في العودة وتقرير مصيره على كامل
ترابه الوطني، )حتى الآن يبدو أنه لم يتغير شيء وأن كلمة كامل ترابه الوطني تعني
كل فلسطين بحدودها الانتدابية - م.ف.( وعلى ضوء دراسة الظروف السياسية التي
ا ستجدت في الفترة ما بين الدورة السابقة والحالية للمجلس، يقرر المجلس ما يأتي:
“ -1 تأكيد موقف منظمة التحرير السابق من القرار 242 الذي يطمس الحقوق الوطنية
لشعبنا...ولذا يرفض التعامل مع هذا القرار...” )مع أن قبوله شرط للمشاركة في
التسوية التي تنص كل القرارات والتصريحات أن هذه التسوية على أساسه وتنفيذا
له - م.ف.(
“ -2 تناضل منظمة التحرير بكافة الوسائل وعلى رأسها الكفاح
المسلح لتحرير الارض الفلسطينية واقامة سلطة الشعب الوطنية
المستقلة المقاتلة )على( أي جزء من الارض الفلسطينية يتم تحريرها، وهذا
ي ستدعي إحداث المزيد من التغيير في ميزان القوى لصالح شعبنا ونضاله”.
وهذا البند يحتوي على اللغم المزين بالعبارات الثورية والالتزام بالمقررات السابقة، ولنتأكد
من ذلك فلنرَ هذا البند ذاته كيف أصبح في الدورة اللاحقة للمجلس الوطني الدورة
الثالثة عشرة في القاهرة 12 - 22 | 3| 1977 بعد أن أمكن الاستغناء عن بعض التزيين:
بين حل الدولتين وحل الدولة الواحدة
102
“ -11 مواصلة النضال لاستعادة حقوق شعبنا الوطنية وفي مقدمتها حقه
في العودة وتقرير المصير واقامة دولته الوطنية المستقلة فوق ترابه الوطني”، حيث
أسقطت عبارات النضال بكافة الوسائل وعلى رأسها الكفاح المسلح ووصف السلطة
بأنها مقاتلة. ففي الدورة الثانية عشرة السابقة تم تدبيج القرارات بطريقة تستقطب
تصويت أوسع قاعدة ممكنة وتخفيف الانتقادات إلى حدها الأدنى، كما أن هذا أسلوب
النزول عن درجات السلم خطوة خطوة.
“ فالمطالب كانت محدودة كما هو مبين في صياغتها بما ورد في ديباجة قرارالمجلس
في النقاط العشرة ولم يرد إقامة السلطة بقوة السلاح ولا أنها ستكون “مسلحة
ومقاتلة” من أجل تحرير بقية الوطن كما جاء في القرارات ذاتها. بل ودلت التجربة
الطويلة جدا المنصرمة أن هذه العبارات الثورية كانت للديكور المحيط بالصورة وكان
شطبها سهلا بعد خمسة شهور فقط، وهي لم تكن مقصودة بذاتها.”
أما عبارة ياسر عرفات في خطابه بالأمم المتحدة حينما قال: “جئتكم والبندقية في
يد وغصن الزيتون في اليد الأخرى” )كناية عن طلب السلام - م.ف.(:
“فلا تسقطوا الغصن الاخضر من يدي”، فإنهم في الأساس لم يكونوا يستهدفون
إسقاط الغصن الأخضر بل إسقاط البندقية.” وهكذا كان!!
إذن هي فقرة للتزيين والديكور مرسومة بحبر قابل للشطب في الوقت المناسب.
وكما رأينا أعلاه في تجربة المنظمة فقد ظلت تتنازل حتى الآن وهي الآن بعنوان سلطة
أوسلو وبرنامج أوسلو وثقافة أوسلو وبالأخص ثقافة التنسيق الأمني “المقدس”.
و يقدم علي حتر جوهر تعليقه على الورقة بعد أن أدرك جوهرها: “الطريقة التي
كتبت فيها الورقة ذات الثلاثين صفحة، تثير الشكوك في الأهداف..
وصف العدو بالوحشية وكل الصفات القذرة، ثم تقديم الحل الذي يحول الصراع معه
إلى مجرد علاقات سيئة يجب تغييرها..!!! هذا ملخص الورقة..!!”
فلسطين لن تكون لكل من سكنها واستوطنها كما تقول الورقة..
وشعار تحرير فلسطين يعني تحريرها.. من وجود المستوطنين المهاجرين المقيمين فيها،
وليس تحريرها من نمط العلاقات الإستعمارية.. الذي يحولنا إلى خدم عند من يعتبرون
بين حل الدولتين وحل الدولة الواحدة
103
أنفسهم شعب الله المختار!!!!!”
والآن إلى أحمد قطامش مجدداً في:
التسوية الجارية: رؤيا جديدة – عملية جديدة لتسوية الصراع
دولة واحدة بمجتمعين منفصلين ومتشابكين
بعد استعراض الكراسة المنشورة عام 2001 من جديد ومراجعتها ومراجعة
ملاحظاتي التي سجلتها عليها في حينه ومراجعة موضوعة “مقاربة لفهم وتسوية
الصراع الفلسطيني الإسرائيلي” المنشورة عام 2004 م لأحمد قطامش وملاحظة الأوراق
التي نشرت في ذات السياق خلال العامين المنصرمين؛ وجدت أنه لزاما علي التعليق على
مادة قطامش كما غيرها وخاصة أنه يصل إلى ذات النتائج المتعلقة بعدم إمكانية تحرير
فلسطين من الإستعمار الاستيطاني اليهودي في فلسطين و ببقاء المستوطنين دون
إزاحة والحديث حصراً عن تسويات.
يبدأ الكاتب تناول المسألة في صفحة 186 في كراسة التسوية الجارية بسؤال هو
عنوان:
“ -2 هل ثمة إمكانية للفصل الإقليمي، هذا ملعبنا وذاك ملعبكم؟”
إن الحديث هنا عن فصل في إطار تسوية بمعنى أن الحل المطروح هو مشروع لتسوية
الصراع العربي الفلسطيني مع اليهود الصهاينة وليس نتاج حروب وثورات يفرض فيها
المنتصر إرادته.
وهو بالتالي حل يراه الكاتب ويعبر من خلال إجابته على هذا السؤال عن
موقفه ومقترحاته ورأيه. أي لا توجد حالة تطلبت البحث عن جواب لطرفي الصراع
بل هي مبادرة ذاتية خالصة عبّر فيها الكاتب عن رؤياه الذاتية وحاول توصيلها لقرائه
ومريديه كنشاط من تلقاء نفسه، كما عبر عن انتقاله إلى هذا الموقف مما يدفعه دوما
للدفاع عنه وتبريره فعاد وأكد الإجابة في مقالته “مقاربة لفهم وتسوية الصراع
الفلسطيني الإسرائيلي” المنشورة في الحوار المتمدن عام 2004 م وغير ذلك من المقالات
بين حل الدولتين وحل الدولة الواحدة
104
والمداخلات.
فبعد أن طرح خلال الصفحات 186 و 187 من الكراسة معطيات تستهدف الإجابة
بالنفي على هذا السؤال استخلص النتيجة في الصفحة 188 حيث يقول: “ثمة
تشابك جغرافي اقتصادي متزايد كرسته وعمّقته اتفاقات أوسلو، ومن خداع النفس
الظن أن سنوات أوسلو قد دفعت الأمور باتجاه معاكس. إذ لا توجد أية توجهات أوخطط
إسرائيلية أو فلسطينية، تعمل لانفصال أحدهما عن الآخر )إتفاق باريس يزيد الربط ،
فشل الأيدي العاملة الأجنبية في الحلول محل الأيدي العاملة الفلسطينية والإتفاق
على تشغيل خمسين ألف عامل فلسطيني في المشروعات اليهودية، بقاء المستعمرات
اليهودية في جغرافيا الضفة وغزة وتوسعها( إضافة إلى أن سنوات أوسلو لم تساهم
في بناء اقتصاد فلسطيني مستقل ...
إن الحديث عن الفصل: هذه حدودنا وتلك حدودكم، هذا اقتصادنا وذلك اقتصادكم
سواء في 48 أو 67 هو حديث بدون رصيد في ظل المعطيات القائمة”.
ويستمر الكاتب في تعزيز استنتاجه على ذات الصفحة:
“... إن الفصل الإقليمي ) السياسي – الإقتصادي – الإجتماعي ( لا يتحقق على
بقعة جغرافية ضيقة أو واسعة إلا في حال انتصار فلسطيني يدحر المحتل بكافة
تمظهراته ، دون قيد أو شرط، الأمر الذي يحتاج إلى مسار آخر غير التسوية الجارية أو
تطهير عرقي على غرار ما حصل عام 48 بطرد فلسطينيي 48 أو فلسطينيي 67 ، وقد
تكون تخريجة الطرد تبادلا سكانيا: مستوطنو الضفة وغزة مقابل فلسطينيو 48
...وبالتالي اختزال القضية الفلسطينية في 22 % من فلسطين لقاء إسرائيل دولة
يهودية نقية ...”
إذن، إما فلسطين كلها للجميع أو 22 % للعرب مع فصل عنصري تحت عنوان تبادل
سكاني. والخيار الآخر هو حل الدولتين الذي عبّر الكاتب عن رفضه في سياق الحديث عن
مساوئ واستحالة حل الدولتين في بداية الكراس.
هنا يقول الكاتب لا حل إلا فلسطين للجميع كما سنرى لاحقا.
وفي ورقة المقاربة لفهم وتسوية الصراع، يقول:
“ ينبغي أن يكون جليا وحاسما بما فيه الكفاية )من الذي حسم هذا سواك!( أن
بين حل الدولتين وحل الدولة الواحدة
105
المسألة الفلسطينية العربية والمسألة اليهودية الإسرائيلية قد تشابكتا في ثنائية
متناقضة. فلا وجود لواحدة إلا والثانية معها، ولا حل للأولى إلا بحل الثانية. وقد جرت
عملية إقصاء وتهجير لثلثي الفلسطينيين من منازلهم وكرومهم ومدنهم وقراهم
واحتلال 78 % من وطنهم لم يكن لليهود حسب الوثائق البريطانية سوى 5.6 %، في نية
لتحويلهم “لغبار الأرض” )غير أن كل رغبات اختفائهم ليست سوى أحلام نتاج ضائقة
عميقة( )بنفنستي- الباحث الإسرائيلي(. وتكرر ذلك باحتلال عام 67 وصولا إلى
فرض أوسلو )كمونولوج إسرائيلي( بيرس، ومفاعيله وما أفضى إليه... دون أن يتحقق
السلام...”
إذن، لا فكاك. بمعنى أن من يسعى لمعالجة الوضع الفلسطيني والقضية الفلسطينية
عليه كذلك أن يعالج قضية اليهود، فالمسألتان “قد تشابكتا في ثنائية متناقضة”.
لكن الكاتب لم يبادر ليقول لنا ما الذي تطرحه الجهة الرسمية اليهودية لمعالجة
القضية الفلسطينية، ولذلك سنعْلِم القارئ بأن مؤتمر الليكود الأخير المنعقد في
2018/1/2 قد صوت على ضم الضفة. وهذا القرار يلزم رئيس الحكومة بطرح القرار على
الكنيست عندما يجد أنه في الإمكان حصوله على الأغلبية وفي أول فرصة مناسبة )تم
إقراره بعنوان قانون القومية يوم 18 تموز 2018 – م.ف.(.” بعد قرار ترامب بنقل السفارة
الأمريكية إلى القدس قرر الليكود ضم الضفة الغربية إلى إسرائيل ودعا ممثليه لطرح
قانون الضم في الكنيست، و”أنه بعد نجاح حزب الليكود في التصويت على قانون فرض
السيادة الإسرائيلية على الضفة، أعلن حزب إسرائيل بيتنا بزعامة أفيجدور ليبرمان
وحزب البيت اليهودي بزعامة نفتالي بينت عن دعمهما القرار أثناء التصويت عليه في
الكنيست” )صحيفة القدس المقدسية(
أي أن كرة الضم بدأت تتدحرج.
وربما في حالة الضم سيكون موقف أصحاب فكرة الدولة الواحدة أسهل حيث
سيرفعون شعار المساواة والديموقراطية والعلمانية مباشرة )كما أسس خالد الحسن (
مع موافقتهم القلبية على بقاء المستوطنات في مكانها كي لا يحصل فصل إقليمي
يعبر عن موقف عنصري.
بين حل الدولتين وحل الدولة الواحدة
106
وهذا ما يؤكده قطامش في الصفحة 192 ، بعد أن يمهد لموقفه في خمس نقاط من
189 إلى 191 حيث يقول:
“وعليه فالفصل الإقليمي، الفلسطينيون العرب في ملعب واليهود الإسرائيليون
في ملعب يفصل بينهما سور الصين العظيم، أمر غير ممكن .... إن الفصل الإقليمي
مستحيل بما يوجب على العقل الخلاق البحث عن رؤى وتصورات دينامية أخرى تقوم على
حقائق الواقع ..” وهذا تَبَنٍّ لوجهة نظر إدوارد سعيد الذي كرر مرارا “إن الفلسطينيين
بحاجة إلى تفكير جديد” ولم يطرح )ولا تابِعوه طرحوا( ضرورة أن يكون اليهود في
حاجة إلى تفكير جديد.
ولكن البحث والإجابة تمت قبل الحاجة إلى العقل الخلاق!!! الإجابة كانت مسبقة.
إن هذه الإجابة تعني أن الكاتب انتقل إلى هذا الموقع وهو يسوغ انتقاله كما أنه يدخل
في مفاوضات داخلية مع نفسه ومع الفلسطينيين ليصل بهم إلى هذه النتيجة.
إن الطرف الإسرائيلي يستحسن طرح المبادرات والأفكار التي تعزز استيطان وتهويد
فلسطين دون أن يعلن قبولها صراحة. وهو يحتاج إلى عقل جوبيتر.
فالطرف الإسرائيلي في الصراع لم يعلن قبول قرار 242 ولم يعلن قبول مبادرة الملك
فهد صراحةً ولم يعلن قبول مبادرة مؤتمر القمة العربية صراحة .. الخ. ولكنه يستفيد
من طرح هذه المبادرات ما دامت تطبّع العقل العربي عموما والفلسطيني خصوصا
بإسرائيل واحتلالها وتهويدها لفلسطين.
نعود لأفكار الكاتب. وهو في سياق تعزيز موقفه يخبر إسرائيل )في نهاية صفحة
192 وبداية صفحة 193 ( أن انتصارها لا يحل المشكلة بل يؤججها “أي أن الانتصار
الإسرائيلي لا يفضي إلى سلام في المنطقة بل يفتح الباب لتعريب جذري للصراع
واشتعال جبهات أخرى”
إذن، هذا هو أسلوب إقناع إسرائيل بقبول الفكرة كما يدل السياق ويزيد في نهاية
الصفحة مسوغات أخرى نذ كر منها: “من ناحية نظرية يصعب تخيل حجم الفظاعات
والدمار والتقتيل فيما لو كان هدف الصراع إبادة الآخر. حينها لن يكون ما عرفته المنطقة
قياسا بما يأتي سوى لعبة دمى بما يذكرنا بحرب الهوتو والتوتسي المجنونة في رواندا التي
حصدت مليوني نسمة في سنة واحدة”. أخشى أن طرح الرقم الكبير هو للتهويل مع
بين حل الدولتين وحل الدولة الواحدة
107
إنني أدين المذبحة مهما كان عدد ضحياها.
وفي ورقة مقاربة آنفة الذكر يقول الكاتب:
“ثمة أسئلة حارقة من نوع: ما هو مصير ملايين الفلسطينيين واليهود؟ هل لهم
حق الحياة؟ هل يسمح العمل السياسي الأخلاقي بإزاحتهم من المكان والزمان أو إبادتهم
فيزيائيا؟ هل هم وباء أم بشر؟ هل الصراع أبدي أم يزول بإزالة أسبابه؟”.هنا كلمة أسباب
الصراع لا تعني احتلال فلسطين وتمكين اليهود من إقامة مستوطناتهم وتجمعاتهم
الإستيطانية وإقامة دولتهم وجيشهم، بل تعني تغيير مواقف الفلسطينيين من كل
هذا على قاعدة القبول.
وفي التسوية الجارية يقول الكاتب صفحة 234 : “إن العنصرية الإحتلالية قنبلة
موقوتة، وتأليب وتعظيم الخصائص الجماعية )نحن آلهة والآخرون شياطين( إنما تبرر
إدامة الصراع، وإنكار الآخر قنبلة بل قنابل موقوتة أيضا ..”. إذن، يستخلص قطامش
أن العنصرية الاحتلالية هي “الأسباب” فمع زوال العنصرية مع بقاء الاحتلال ينصلح
كل شيء.
الأخلاقية:
ثم يحدد الكاتب موقفه الأخلاقي من حل الصراع:
“ومن ناحية أخرى أجد نفسي، وأظن أن هذا مستقبل الأمور، منحازا للرؤية الأخلاقية
التي تسعى لاجتثاث عوامل الصراع والحرب وتأمين سبل الحياة والكرامة، بنفس القدر
الذي أجد نفسي مناهضا للحلول العنصرية التي تسعى لإبادة الآخر واستئصال الآخر،
فالعنصرية هي العنصرية بغض النظر عن جنسية الذي يقترفها ... وعليه سيجد
المجتمعان الفلسطيني العربي واليهودي الإسرائيلي نفسيهما متلازمين في فلسطين”.
فإذا كان حل الدولتين يعترف لإسرائيل بسيطرتها على 78 % من فلسطين وحقها فيه
ويعترف بدولة إسرائيل، فإن هذه الرؤيا تعترف لإسرائيل باحتلال كل فلسطين مدعومة
برؤيا أخلاقية وهذا تأييد لوعد بلفور ولصك الإنتداب دون مواربة، فإسرائيل ومنذ بداية
تأسيسها درجت على التهويد وإقامة المستوطنات وهي تهود بالتدريج ووفقا لطاقتها.
بين حل الدولتين وحل الدولة الواحدة
108
وهي اليوم- أي في عام 2018 ، قد هوّدت معظم الضفة الغربية لا بقياسات المساحة
بل بتغطية الجغرافيا والمواقع والطرق والبؤر الاستيطانية والمعسكرات والتجمعات
الاستيطانية الموزعة على الجغرافيا. وهذا تجذير وتعميق للصراع، بينما يطالبنا قطامش
بإزالة أسبابه- ليس أسبابه الواقعية بل من عقولنا وثقافتنا، كما ورد في ورقة الصرخة
أعلاه.
لقد أصبحت التجمعات الفلسطينية هي المحاصرة بأشكال التهويد المختلفة.
فالدعم الأخلاقي وتسجيل المواقف، والعقل الخلاق والذكاء؛ كل هذا لم يحل دون
استمرار التهويد وتغطية المواقع و الجغرافية بالمستوطنات والبؤر الاستيطانية. كما
أن العقل الصهيوني الذي يستحسن تقدم الفلسطينيين والعرب بالمبادرات ويرصّدها
لنفسه، لا يتعاطى معها للتطبيق ولا يطرحها على نفسه للنقاش، بل يدرس مواقف
مقدميها ودرجة خدمتهم للفكرة الصهيونية ويحدد مكانها على درجات سلم التنازلات
وصولا إلى تأييد تهويد فلسطين وربما التمدد خارجها!
لا يطرح الطرف الصهيوني مبادراتنا على نفسه للنقاش ولكنه يحبذ أن
يطرحها مقدموها على الجمهور الفلسطيني للنقاش، ويرقب دفاع أصحابها
عنها ومحاولاتهم نشرها وإقناع الناس بها ومدى الخلل والتخلخل الذي يصيب الثقافة
الوطنية الفلسطينية التحررية دون أن يقدم حتى “العفارم”.
إن النقاش في هذا الموضوع سابق على التحرير بل إنه سابق على النضال، فاللحظة
الفلسطينية هي لحظة رجعية، هي لحظة ارتداد وخمود فلسطيني وعربي في مواجهة
إسرائيل، ففي المحطات الرجعية والارتداد تجد التنازلات فرصتها الأكيدة ولكن في مرحلة
الصعود لا تتوفر الجرأة لهذا خشية من الردود بأشكال مختلفة.
بين حل الدولتين وحل الدولة الواحدة
109
أساليب قطامش لتحقيق الهدف:
يبدأ قطامش في صفحة 181 :
“وعليه فحل القضية الفلسطينية يبدأ بعودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم”
وهذا تغيير في البدايات! وهنا نواجه مسألتين:
المسألة الأولى: كيف سيعودون؟
والثانية: ماذا تعني عبارة ديارهم وهل تشمل بيوتهم وأرضهم وممتلكاتهم أم هي
معومة لتبقي الممتلكات التي حازها اليهود في أيديهم وترفض الإزاحة الجغرافية تحت
عنوان رفض الفصل العنصري؟ وهذا تقاطع مع حديث سلامة كيلة بغض النظر إن كان
توارداً في مواقف التطبيع أم بالحوار المباشر.
ويستمر قطامش:
“وعليه فما يساق هنا يشترط طي صفحة الإحتلال والعنصرية وجنرالات الحرب، بما
يشترطه من عملية نضالية طويلة تفضي لتعديلات جدية في السياسة الإسرائيلية،
والقوى النافذة في القرار السياسي – الثقافي، تمهد لعودة اللاجئين وتنطلق لحلم أكبر.
فالأحلام الكبرى تبدأ بأفكار وخطوات صغرى”
ولكنه في الفقرة السابقة بدأ حصرا بعودة اللاجئين إلى ديارهم أما هنا فقد وضع
خطوات تمهيدية لذلك تبدأ من طي صفحة الاحتلال.
هنا يختلف مع وثيقة سلامة كيلة. فسلامة كيلة يرى عودة اللاجئين من أسباب
إلغاء الصهيونية والعنصرية، بينما قطامش يقدم طيّ صفحة الاحتلال والعنصرية
وجنرالات الحرب بما يمهد للعودة. أي أن العودة ليست تحصيلاً حاصلاً لهذا الطي، بل هناك
ما يمهد لها قبل حصولها دون أن يذكر كيف يتم هذا التمهيد. لا شك في أن هناك
عملية نضالية طويلة تتطلبها عملية الطي وهي ما يتلطى جميع هؤلاء دون تناولها.
ويقول قطامش:
“أجل سوف نحلم، وهذا الحلم إمكانية تاريخية، بأن تتراكم عناصر النضال والتحولات،
مهما طال الزمن، بما يفضي في نهاية المطاف إلى كسر شوكة العنصرية الإسرائيلية
وإحداث تغييرات تدفع قوى اجتماعية يهودية بالاعتراف بالنكبة الفلسطينية وعودة
بين حل الدولتين وحل الدولة الواحدة
110
اللاجئين الفلسطينيين، فتتوالد مناخات جديدة تقول أن فلسطين تتسع للفلسطينيين
واليهود وأن لا فكاك لأحدهما عن الآخر وأن الوجود المشترك يقتضي البحث عن أهداف
مشتركة”
لنقف هنا: المشروع ينتظر تحولات في المجتمع الإسرائيلي لا شأن للفلسطيني بها،
وهذه التحولات تنجم عنها سيادة فئة جديدة في الحكومة الإسرائيلية وسوف يهديها
الله للإعتراف بالنكبة ومن ثم تسمح بعودة اللاجئين. كان الشيوعيون الفلسطينون
يطرحون شيئا كهذا في النصف الأول من سنوات السبعينيات وكان قطامش ينتقده
بل ويستهزئ به. وكما رأينا، فإن سلامة كيلة كان قد ترك الأمر للصراع الطبقي في
إسرائيل وأزمة النظام الرأسمالي للتكفل بالنتائج التي يطرحها وموقفه من حل
الصراع. ففي حين عاد قطامش للخط السوفييتي، قام كيلة بالهروب إلى الأمام.
أيها الكاتب: ما هذه النبوءة؟
كان رفاقٌ شيوعيون يقولون بما معناه أنه عندما تقوم ثورة اشتراكية في إسرائيل
ستقوم حكومة تقبل الصلح مع العرب!! لكن حتى الآن، الذي حصل أن شيوعية هؤلاء
قد نُحرت من داخلها.
يا عالم يا ناس لِمَ التورط في سوق هذه الأفكار؟ فما هي إلا شرحٌ وحشوٌ من أجل
إعلان القبول بما تم من تهويد فلسطين!!!
ينتقل الكاتب كالعادة إلى واقع جديد لم يحصل منه شيئا، ينتقل إلى مرحلة وكأن
“العودة” قد تحققت، وهي لم تتحقق بل التهجير هو القائم، حيث يقول: “وبالعودة يتم
اجتياز بحر الدماء وإشاعة مستجدات أجواء من التفاؤل ورؤى تبحث عن سلام حقيقي
ومواطنة متساوية في دولة واحدة”.
ولكن العودة لم تحصل والنضال ضد إسرائيل في مرحلة هبوط وارتداد ورجعية
محمية بالتنسيق الأمني. فهل سيتم اجتياز بحر الدماء اليوم أو متى وكيف؟
وتطرح الكراسة “... المجتمع الفلسطيني العربي والمجتمع اليهودي الإسرائيلي
.. وقد ألقيا جانبا السلاح وانهمكا في إيجاد حلول لمصاعب وإجابات عن أسئلة ...
وإعادة توزيع موارد البلاد .. الخ، بروح سلامية وفض النزاعات بوسائل قانونية. في مثل
بين حل الدولتين وحل الدولة الواحدة
111
هذه الأجواء )أية أجواء - م.ف.( يمكن البحث الجدي عن تسوية نهائية للصراع )ولكن
تم حله في الصفحات السابقة - م.ف.( ينجم عنها تماثل المجتمع اليهودي ليس مع
المجتمع الفلسطيني فقط، بل مع المحيط العربي أيضا. ذلك أن عودة الفلسطينيين لا
تتم دون عامل شعبي عربي فعال يمارس ضغطه لتحرير المجتمع اليهودي من العنصرية
الصهيونية ووظيفتها الإمبريالية المعادية للعرب ..”.
إذن عدنا من جديد لنمارس ضغطا “عامل شعبي عربي فعال يمارس ضغطه ليحرر
المجتمع اليهودي من الصهيونية والعنصرية ووظيفتها الإمبريالية المعادية للعرب” وهذا
ما نسخه سلامة كيلة في محاولته لتحديث المشروع في وثيقته التي ناقشناها في
البداية كونها الأحدث.
وهنا، كما هو واضح، فإن هدف العامل الشعبي العربي الفعال أن يمارس ضغطه ليس
من أجل تحرير الأرض بل لتحرير المجتمع اليهودي من الصهيونية والعنصرية ووظيفتها
الإمبريالية المعادية للعرب.
هنا وقع الكاتب في حيرة: كيف سيتحرر المجتمع اليهودي من الصهيونية والعنصرية
والارتباط بالحبل السُري مع الإمبريالية؟
“... تتراكم عناصر النضال والتحولات بما يفضي إلى كسر شوكة العنصرية
الإسرائيلية، وقوى اجتماعية يهودية تعترف بالنكبة وتقبل بعودة اللاجئين، وعامل
شعبي عربي فعال يتمم عملية عودة اللاجئين ويمارس ضغطه لتحرير اليهود من
الصهيونية والعنصرية وارتباطاتهم الإمبريالية”.
ثم يضيف:
“وهذا يضمر بداهة تغييرات ثورية عربية تطلق أيدي الشعوب العربية أو بعضها
وبالتالي صعود قوى اجتماعية ثورية تتسلح برؤيا جديدة لحل الصراع وانهاض العرب من
كبوتهم، مثل هذه القوى هي القادرة على المشاركة الفعلية في صيرورة إعادة اللاجئين
الفلسطينيين إلى وطنهم، وإيجاد حل جذري للصراع يجرد إسرائيل من عنصريتها
ويحيد سلاحها النووي ..”.
إذن، هي هنا قوى اجتماعية ثورية عربية هي التي ستجبر إسرائيل على عودة اللاجئين
وتجردها من عنصريتها وتحيد سلاحها النووي. ولكن كيلة طور النتائج بتجريد اليهود
بين حل الدولتين وحل الدولة الواحدة
112
من صهيونيتهم ودولة إسرائيل من عنصريتها ومن ارتباطاتها بالإمبريالية وزاد كذلك
كما رأينا تفكيك دولة إسرائيل. وكان قد رأى أن أزمة الإمبريالية ستنعكس على إسرائيل
مما يحدث تغيرات فيها في الموقف من الصهيونية والعنصرية ومن تلقاء نفسها.
هنا يقرر قطامش ما سيفعله العرب المنتصرون ويحدده دون داع ولكن بوازع أخلاقي
فقط. ولا غرابة في أن هذا الوازع هو نتيجة الإحساس بالهزيمة والضياع وليس ترشيدا
لخطوات المنتصرين العرب.
هنا يعود قطامش إلى ما بعد حرب 1967 م حينما كان الصحافيين الأجانب يطرحون
سؤالهم الهادف على قيادات الثورة الفلسطينية والمتمثل في: ماذا ستفعلون باليهود
بعد الإنتصار؟ هل ستلقونهم في البحر كما قال أحمد سعيد؟ ليكون الجواب ساذجا
ويعطي دلالات على ضيق أفق المسؤولين لإثبات حسن نيتهم تجاه الصحفي اللئيم.
وكلف الكاتب نفسه ووضع “خطوط رئيسية في الدولة الواحدة بمجتمعين منفصلين
ومتشابكين” دون أن تكون هنالك حاجة لمثل هذا التصور.
فإذا كان العرب هم الذين سينتصرون في الصراع، فإنهم سيفرضون إرادة المنتصر ما
داموا “قوى اجتماعية ثورية”.
إن لب المسألة في نظرنا ليس كيف نجد حلا لمشكلة اليهود فهم لا يعانون من أية
مشكلة، إن المطلوب إيجاد حل لمشكلة فلسطين الجغرافيا والناس، والناس داخل البلد
واللاجئين، وليس تطمين اليهود بأن الكاتب لا يمانع في بقائهم في فلسطين وبقاء
مستوطناتهم وتمددها. إن القلق وادعاء القلق على مصير اليهود هو تزلُّف ينم عن
شعور بالدونية تجاه العدو.
يقول أحمد قطامش تحت عنوان مقدمة، في ورقة منشورة في الحوار المتمدن في 30
/ 10 / 2004 م:
“مقدمة:
تستند هذه الورقة لحقائق ومعطيات لا مهرب منها، تشكل خلفية للتحليل ورصد
المتناقضات بحثا عن مخرج وحل يتيحه الممكن التاريخي. من طراز الحقيقة الموضوعية
التي تشي بوجود ما يزيد عن 4.5 مليون فلسطيني لهم مدنهم وقراهم وخصائصهم في
بين حل الدولتين وحل الدولة الواحدة
113
الضفة وغزة ووراء “الخط الأخضر” ونحو 5 مليون اقتلعوا من ديارهم في عملية تطهير
عرقي بشعة عام 48 ونزوح قهري عام 67 يعيشون ذل الشتات دون أن تفتر ذاكرتهم
التاريخية وحلمهم بالعودة الذي عمدوه بتضحياتهم ودمائهم رافضين التوطين وجحيم
التشرد. ففي استطلاع عام 1997 أعلن 96 % من أهالي المخيمات الفلسطينية في لبنان
عن تمسكهم بالعودة لقراهم ومنازلهم. ومن جانب آخر، ثمة 5.5 مليون يهودي إسرائيلي
استقدم معظمهم المشروع الصهيوني من أرجاء العالم يتكئون على قاعدة اقتصادية-
تكنولوجية وينتشرون في عموم فلسطين الانتدابية. أما الحقيقة الثانية فهي تشابك
المجتمعان الفلسطيني العربي واليهودي الإسرائيلي و تواشجهما الاقتصادي والخدماتي
سيما في سوق العمل وخطوط المواصلات والثروة المائية التي تحظى بأهمية فائقة في
بلاد فقيرة بالمياه، ورغم غلبة هذا التجمع السكاني أو ذاك في هذه البقعة أو تلك فلا
ينتصب سور الصين العظيم للفصل الجيوعرقي بين المجتمعين. فالحيزان الفلسطيني
واليهودي لا ينفصلان إلا ليتداخلا ولكن تحت الهيمنة العنصرية الصهيونية وما نتج
عنها من سياسات وممارسات.” )قطامش- الحوار المتمدن(.
هنا نشاهد الخلاصة التي وصل اليها الكاتب في المقدمة من ورقته، حيث الحيزان
الفلسطيني واليهودي لا ينفصلان. لكن بداية المقدمة تتحدث عن إن الفلسطينيين
متمسكون بوطنهم وبحقهم في العودة إليه، وأضيف أن لا وطن لهم سواه وحالهم
ليس كحال اليهود الذين يستطيعون العودة إلى الأوطان التي استقدموا منها وهم
اليوم يملأون الوطن الفلسطيني ويهيمنون عليه بشكل كامل.
لقد دخل قطامش مدخلا يتعارض مع حقائق التاريخ ووصل من خلال المقدمة إلى
مبتغاه، ثم أخذ يسوغ النتيجة التي وصل إليها بعد ذلك. فهو قد انتقل إلى الموقف
الجديد – الهوية الجديدة- قبل أن يشرع في التحليل.
كما يذكرنا بما كان يطرح عن إلقاء اليهود في البحر في الإذاعات العربية من باب
إيضاح الهوية الذاتية – موقفه - حيث يقول:
“أما التهديدات الإذاعية الجوفاء بإلقاء اليهود في البحر أو طردهم من بلاد المسلمين
وتذكيرهم بخيبر اليمن فلم يمنعا تزايدهم من نصف مليون في أربعينات القرن الماضي
إلى مليونين في الستينات وأكثر من 5 مليون اليوم...”
بين حل الدولتين وحل الدولة الواحدة
114
وكانت هذه الفقرة استباقا لطرح ما يسميه الأسئلة الحارقة التي توحي بالجواب،
وكأنه حتمي ولا جواب غيره، جواب ينفي المواقف والشعارات الوطنية والقومية عن
تحرير فلسطين ويستهدف إعلان موافقته على بقاء المستوطنين فيها بمستوطناتهم
واحتكارهم لفلسطين أرضا وجغرافيا حيث يطرح:
“ثمة أسئلة حارقة من نوع: ما هو مصير ملايين الفلسطينيين واليهود؟ هل لهم
حق الحياة؟ هل يسمح العمل السياسي الأخلاقي بإزاحتهم من المكان والزمان أو
إبادتهم فيزيائيا؟ هل هم وباء أم بشر؟ هل الصراع أبدي أم يزول بإزالة أسبابه ؟..”
إن أسبابه عند كيلة وكتاب ورقة “الصرخة من الأعماق” تكمن في عنصرية اليهود
وقطامش يرفض الفصل العنصري ولم يبق سوى أن ينظر العرب واليهود لأنفسهم
على أنهم مجتمعات متشابكة لا فصل بينها وأن حل مشكلة الفلسطينيين يترافق
مع حل مشكلة اليهود في فلسطين. علما أن الوجود اليهودي الصهيوني العنصري
هو المشكلة وهو سببها وليس حلا لها، وحلها لا يكون بالتفاهم الأخلاقي، ولا بإزالة
العنصرية والتخلي عن الصهيونية.
الميثاق الوطني الفلسطيني يحدد:-
تقول المادة 22 من الميثاق الوطني الفلسطيني بحق في توصيف الحركة الصهيونية:
المادة 22 :
الصهيونية حركة سياسية مرتبطة ارتباطاً عضوياً بالإمبريالية العالمية ومعادية
لجميع حركات التحرر والتقدم في العالم، وهي حركة عنصرية تعصبية في تكوينها،
عدوانية توسعية استيطانية في أهدافها، وفاشية نازية في وسائلها، وإن إسرائيل
هي أداة الحركة الصهيونية وقاعدة بشرية جغرافية للإمبريالية العالمية ونقطة ارتكاز
ووثوب لها في قلب أرض الوطن العربي لضرب أماني الأمة العربية في التحرير والوحدة
والتقدم. إن إسرائيل مصدر دائم لتهديد السلام في الشرق الأوسط والعالم أجمع، ولما
كان تحرير فلسطين يقضي على الوجود الصهيوني والإمبريالي فيها ويؤدي إلى استتباب
السلام في الشرق الأوسط، لذلك فإن الشعب الفلسطيني يتطلع إلى نصرة جميع
بين حل الدولتين وحل الدولة الواحدة
115
أحرار العالم وقوى الخير والتقدم والسلام فيه ويناشدهم جميعاً على اختلاف ميولهم
واتجاهاتهم تقديم كل عون وتأييد له في نضاله العادل المشروع لتحرير وطنه”. الميثاق
الوطني الفلسطيني، عام 1968 م.
وكان الميثاق الوطني الفلسطيني قد طرح في المواد الأولى تعريفه لفلسطين
والشعب الفلسطيني حيث جاء فيه:
المادة 1
فلسطين وطن الشعب العربي الفلسطيني وهي جزء لا يتجزأ من الوطن العربي
الكبير، والشعب الفلسطيني جزء من الأمة العربية.
المادة 2
فلسطين بحدودها التي كانت قائمة في عهد الانتداب البريطاني وحدة إقليمية لا
تتجزأ.
المادة 3
الشعب العربي الفلسطيني هو صاحب الحق الشرعي في وطنه ويقررمصيره بعد أن
يتم تحرير وطنه وفق مشيئته وبمحض إرادته واختياره.”
هذا هو الميثاق الذي لا زال حيا رغم وصف ياسر عرفات له بالتقادم ورغم تجاهله من
قبل أصحاب مبادرات التسوية.
عودة استكمالية مع قطامش
بعد هذا العرص المتعارض مع الميثاق والذي يتعاطى معه قطامش على أنه ملغىً،
يقول قطامش: “هل ثمة إمكانية للفصل الإقليمي، هذا ملعبنا وذاك ملعبكم...”.
ولكن ملعب اليهود واضح وهو كل فلسطين، فأين ملعبنا؟
المستوطنات تمتد من غور الأردن حتى جبل القدس والقدس ذاتها وهذا ملعب اليهود.
والكاتب لا يريد الإزاحة لأسباب أخلاقية ولعدم التناغم مع العنصرية. إنه إنما يعترف
بين حل الدولتين وحل الدولة الواحدة
116
لليهود بملعبهم الذي هو كل فلسطين وهي كلها في أيديهم.
والصهيونية ليست قميصا يطالبون باستبداله إنما الصهيونية هي استيطان
استعماري اقتلاعي عنصري، وصفة الاستيطان الاستعماري الاقتلاعي هي التي تمارس
على الأرض الفلسطينية. فإذا غيّر اليهود صفاتهم الصهيونية قولا أو عملا فهم
بالتطبيق الملموس استيطانيون واقتلاعيون وهذا لن يتغير إلا برحيلهم.
ويقول أحمد سعدات الأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين )كموقف
خاص به( رأيا آخر مفاده “كما ممكن عزل سكان فلسطين اليهود عن الأيديولوجيا
الصهيونية التي تحض على الكراهية وترويج العداء ضد العرب وكل من يناضل ضد
الصهيونية” دون أن يذكر سعدات كيف سيتم هذا العزل مع أنه يكتفي بنتائجه وأنه
سيزيل العداء ضد العرب. وعليه، فهو يقبل ب: “تعايش في إطار دولة ديموقراطية
يعيش فيها الجميع ونبذ كل أشكال القهر والعنصرية، وقناعتي أن الأمر ممكن،...”
)أحمد سعدات. صدى القيد، منشورات الفارابي –بيروت ص 189 (.
وأخيرا، فإذا عزل السكان اليهود عن الأيديولوجيا الصهيونية وتخلوا عن عدائهم
ضد العرب، هل يبقون مستوطنين على أرض فلسطين؟ إذا كان الأمر كذلك في رأي أحمد
سعدات فما الذي سيتغير؟ سوى ما ذكره صبري مسلم في ورقة الصرخة! أي كما يقول
مسلًّم،
الجواب هو أن تتغير العلاقات، فبدلا من أن ننظر لهم كمحتلين وغاصبين، ننظر لهم
)كسكان فلسطين اليهود( وينتهي الأمر. إذن المطلوب تغييره هو موقفنا من القضية
الفلسطينية ومن احتلال فلسطين واستيطان اليهود فيها على أيدي هؤلاء الدعاة.
وكلهم بالطبع يخاطبون العقل الفلسطيني حصرا. ويوظف بعضهم أسماءهم
ورمزيتهم والثقة الوطنية بهم في تمرير هذه النقلة النوعية.
بين حل الدولتين وحل الدولة الواحدة
117
ورقة عوض عبد الفتاح
أما عوض عبد الفتاح- وهو كذلك من تراث الجبهة الشعبية وأبناء البلد وهو اليوم
أمين عام حزب التجمع في إسرائيل مع عزمي بشارة، ففي مقالته المنشورة في الحوار
المتمدن وبعد أن أجهز على حل الدولتين بالضربة القاضية من ترامب، يوجه صائب
عريقات عضو اللجنة المركزية لحركة فتح وكبير المفاوضين باسم السلطة ونبيل شعث
عضو اللجنة المركزية السابق في فتح لطرح مشروعه بحل الدولة الواحدة ويوصفه:
“..لأنه لا يجوز أن يطرح باعتباره خيارا مرعبا، بل خيارا إنسانيا وديمقراطيا، جذّابا
وساحرا، لما يحمله من توجه أخلاقي، يقوم على تحرير الناس من نظام عنيف ومتوحش،
والعيش في كيان سياسي مدني وديمقراطي، يتساوى فيه الناس أمام القانون، وفِي ظل
عدالة اجتماعية نسبية..”
الله الله، “جذابا وساحرا”، ولكن بالنسبة لمن؟؟
يا رفيق عوض: هذا الكلام مطروح على لسان خالد الحسن منذ 1993 م وطرحه بعده
كثيرون وكتب قطامش آراءه قبلك بكثير وكتب كل من سلامة كيلة ومسلم ووهدان،
ولم يظهر على هذا الطرح أية جاذبية ولا سحرلا للفلسطينيين ولا للمستوطنين.
لم يظهر أن جمهرة من الكتاب والسياسيين قد انفعلوا به وانسحروا معه ولم تمتلئ
الصحف بالتفاعلات حوله.
إن هذا الطرح يا عوض ساحرٌ وجذابٌ لك ولمن نصحك بالانتقال إلى هذه الهوية، ولا
يقدم أية خدمة للشعب الفلسطيني. إنه ارتداد عن الموقف الوطني الفلسطيني
وفقط من أجل أن يندرج أصحاب هذه الآراء في هذه البوتقة لا غير.
إن فلسطين لا تتحرر بالمبادرات ولا تتعاظم القضية بالتنازل عن أهداف الشعب
الفلسطيني في تحرير وطنه من كل مظاهر الإحتلال الصهيوني بل بالعمل على تحرير
كل فلسطين ونبذ التخاذل والتنازلات التي ألحقت ضررا كبيرا بالقضية والشعب.
بين حل الدولتين وحل الدولة الواحدة
118
ثم كيف سيقوم هذا الطرح على تحرير الناس من نظام عنيف ومتوحش )كما تقول(؟
إن السلطات الحاكمة في إسرائيل لها مشروع واحد وحيد هو الاستمرار في تهويد
الجغرافيا الفلسطينية ودون اعتبار لكل المبادرات الصادرة عن هذا وذاك ممن لم يعد لهم
شأن في التعبير عن الشعب الفلسطيني وقضيته.
إن من يستندون على ماضيهم الكفاحي وقد ارتدّوا عليه ليسوا معبّرين عن الوطنية
الفلسطينية، بل هم مساهمون في طمس الوعي الوطني الفلسطيني خدمة للأعداء،
لا غير، مثَلهم كلاعب الكرة الذي يسدد الهدف في مرمى فريقه عمدا.
ويضيف عوض عبد الفتاح في أطروحته المذكورة:
“ومن المفروض أن يحرّر القرار الأميركي المشؤوم العقل الفلسطيني، وتحديدا عقل
قيادته وعقل الطبقة المساندة لها، من قيود اتفاق أوسلو الكارثي والتزاماته، مثل سحب
الاعتراف بإسرائيل، ودفن التنسيق الأمني مع المستعمر، والعودة إلى النضال المسنود
والموجّه بوحدة تنظيمية وسياسية، وباستراتيجية ثورية متفق عليها، وبخطاب تحرّري
أخلاقي، يستطيع أن يأسر خيال العالم، وخصوصا أنصار الحرية والديمقراطية، وليس
فقط خيال شعبنا.”
وهذا يتضمن ثلاث نقاط:
الأولى، أن تتحرر السلطة والقيادة من اتفاقات أوسلو بما فيها دفن التنسيق الأمني
مع المستعمر؛
والثانية، العودة إلى النضال وباستراتيجية ثورية متفق عليها؛
أما الثالثة، فهي الهدف من طرح النقطتين أعلاه بعد التزيين السابق، وذلك بطرح
خطاب تحرري أخلاقي يستطيع أن يأسر خيال العالم وليس فقط خيال شعبنا.
إن الخطاب هنا موجه للقيادة، وهي ذاتها قيادة أوسلو، ونتاجٌ له. إنه ليس من معنى
أبدا لدعوتها لهذه المواقف وقطعا ليست هذه المواقف هي المقصودة، بل المقصود طرح
الموقف السياسي المتمثل “وبخطاب تحرّري أخلاقي، يستطيع أن يأسر خيال العالم،
وخصوصا أنصار الحرية والديمقراطية، وليس فقط خيال شعبنا.”
كان أنصار التسوية مع إسرائيل قد دافعوا عن طروحاتهم بالاكتفاء بدولة في الضفة
والقطاع بأنهم يطرحون خطابا يفهمه الغرب والرأي العام العالمي. ولم ينجحوا في
بين حل الدولتين وحل الدولة الواحدة
119
شيء.وخطابك يا رفيق عوض لن يأسر أحدا ولن يجتذب أنصار الحرية والديموقراطية في
العالم كما ترى بنفسك من طروحاتك وطروحات من سبقوك، وهو كذلك لم يؤثر في
خيال شعبنا بل قد تحصل على “عفارم” من جهات التمويل والدفع بهذا الإتجاه المعادي
لشعبنا وقضيته وخدمة لتوجهات العدو.
هذه الطروحات كلها ليست محاولات للخروج من مأزق القضية بل هي جميعها
استغلالٌ بشع لهذا المأزق للمساهمة في تصفية القضية وضد “خيال” شعبنا.
وكيف يعالج عوض إشكالية التعامل مع الوضع القائم وصولا إلى هدف الدولة
الواحدة؟
يقول:
“طبعا ليس في مقدور مجموعات الدولة الواحدة، ولا مطلوب منها تشكيل جسم
سياسي شامل لقيادة حركة التحرّر الفلسطينية، على شاكلة الموتمر الوطني الأفريقي.
كان من المفروض أن يجري إصلاح منظمة التحرير الفلسطينية ومؤسساتها، وأن تشمل
كل مركبات الحركة الوطنية، وتضطلع بدور حركة تحرّر وطني مقاتلة.”
هنا يستبعد أن تقوم مجموعات وأفراد الدولة الواحدة بتشكيل جسم سياسي
فيكفي أن يقذفونا بطروحاتهم باعتبارهم عباقرة التفكير وعلى الشعب التنفيذ بلا
تردد، كما أنه لا يريد أن يتحدث عن جسم سياسي بديل للمنظمة ما دامت المنظمة
منسجمة مع أوسلو وقيادة أوسلو وهي بقيادة جماعة أوسلو.
ومع ذلك، يطالب المنظمة بقيادة حركة تحرر وطني مقاتلة وهذا ليس أكثر من غبار
أصفر، فالمنظمة ليست أهلا لهذا الطرح. وكان قطامش قد سبقه في تسليم القياد
للمنظمة بعد أن يتم إصلاحها كما يتخيل، وهو يعلم انها غير قابلة للإصلاح. وعوض
يعلم أنها غير أمينة على مهمة قيادة حركة تحرر وطني مقاتلة ولا تستهدف قيادة
عملية تحرير، بل تستهدف - مثلها مثل أصحاب هذه المشاريع- طمس النضال والروح
النضالية والعمل ضد كل قتال وعنف ثوري موجه للعدو.
ويتوجه عوض عبد الفتاح إلى رئيس السلطة الفلسطينية لاتخاذ المواقف فيقول:
“ومع أهمية القرارات التي اتخدها رئيس السلطة الفلسطينية، مثل مقاطعة
الوساطة الأميركية، والبحث عن بدائل، فإنه حتى اللحظة لم يجر الحسم بشأن أي من
بين حل الدولتين وحل الدولة الواحدة
120
الخيارات أو المهمات الملحة، وأولها استكمال الوحدة الوطنية الفلسطينية على أسس من
الشراكة والحل الوطني. وثانيها الاستراتيجية الكفاحية، والتي تتطلب تشكيل قيادة
وطنية موحدة سياسية وميدانية، مهمتها قيادة الشعب نحو انتفاضة شعبية شاملة
ضد نظام الاستعمار العنصري. وثالثها مهمة استعادة وحدة الشعب الفلسطيني
في كل أماكن وجوده بمن فيهم فلسطينيو الأرض المحتلة عام 1948 ، عبر إيجاد مؤسسة
وطنية جامعة، ذات طابع استشاري وتوجيهي، بحيث يتمكنون من المشاركة، من دون
أن يجلب عليهم ردّا إسرائيليا يفوق طاقة تحملهم. ورابعها خيار الدولة الفلسطينية
الديمقراطية الواحدة.”
هنا يظهر عوض عبد الفتاح أكثر وضوحا من قطامش، فهو بشكل ملموس وصريح
يطرح المهمة على الرئيس والسلطة للقيام بكل الواجبات المذكورة في الفقرة أعلاه بما
فيها تشكيل قيادة والقيام بالمهمات الملحة.
وبعد ذلك يزج “رابعا” في السياق بنعومة كي تكون الجملة سلسة ومغطاة بالتضليل
اللازم )ورابعها خيار الدولة الفلسطينية الديموقراطية الواحدة(، إن هدف كل الفقرة
لتكون وسيلة تمرير لمولوده الجديد المتمثل ب: خيار الدولة الفلسطينية الديموقراطية
الواحدة محاطة بالأوساخ.
لكنّ عوض يناقض نفسه في ذات المقال بتوصيف القيادة بما يتناقض مع هذه المهمات
حيث يقول بحق:
“إن بنية هذه القيادة وذهنيتها غير مؤهلة لإحداث نقلة استراتيجية في الفكر
والتوجه، بل هي تفتقر لهذه المؤهلات. فكيف لمن قاد هذه التجربة الفاشلة، والمتوجة
بتحويل السلطة الفلسطينية إلى وكيل للاحتلال، مع كل ما يترتب على ذلك من أضرار
سياسية ووطنية وأخلاقية فادحة، كيف يمكن أن يواصل قيادة الشعب نحو بر الأمان في
هذا المفترق الخطير”.
إذن لماذا طالبت رئيس السلطة كما جاء في الفقرة السابقة باستكمال المهمات التي
تراها، ثم عدت وقلت أن هذه القيادة غير مؤهلة لإحداث نقلة استراتيجية في الفكر
والتوجه؟؟
بين حل الدولتين وحل الدولة الواحدة
121
ويستمر عوض عبد الفتاح بالقول:
“ولكن كوننا ما زلنا نعيش حالة الانشقاق الكارثي، وفقدان أداة الثورة )منظمة
التحرير( وكون القوتين الأساسيتين، حركتي فتح وحماس، تتحكمان بالقرار، تغدو الحاجة
للمضي في العمل على تشكيل تيار ثالث أكثر إلحاحا. ليس الهدف إحلال هذا التيار
محل هاتين الحركتين، بل استقطاب الباحثين عن بديلٍ للعمل في إطاره، ومن أجل دفع
الحركتين إلى تعديل سياستهما، أو التأثير في قواعدهما لإحداث تغيير جذري وهيكلي
في بنية قيادة فريق أوسلو”
الآن يدور الحديث عن تيار ثالث وتغيير جوهري وبنيوي في القيادة.
يا ألله! ولكن القيادة تتشكل بموافقة إسرائيل!
والتيار الثالث، ممنَّ سيتكون؟ لا بد أنه سيتشكل من كادر منظمات أل إن جي أوز/
الأنجزة ومن يتخلق بأخلاق قبول المستوطنين في حيزهم ومستعد لقبول إسرائيل
والاعتراف بحقها بوطن قومي لليهود في فلسطين.
إذن، تستمر هذه الفاعليات بهدف إحداث تغيير وتأثير في قواعد حركتي فتح وحماس
ودفع الحركتين لتعديل سياستهما كما يشتهي عوض وأضرابه من دعاة الدولة الواحدة
دعاة التعايش مع المستوطنين وتحت راياتهم.
وعوض صريحٌ حيث يقول أن إحياء فكرة الدولة الواحدة جاءت على أيدي “ثلة من
الأكاديميين المرموقين، فلسطينيين ويهودٍ إسرائيليين، وكذلك يهود من جنسيات أميركية
وبريطانية، إلى ترويج الفكرة”.
طبعا ترويجها بين من يلتقطها ويساهم في نشرها من الفلسطينيين
المختارين المستعدين لنشر فكرة التعايش مع المستوطنين وفي حيزهم الإستيطاني
المنتشر في كل فلسطين دون إزاحة كما أوضح قطامش وكثيرون.
وحينما لم يجد عوض وسيلة تقود للوصول إلى النتيجة التي يطرحها عاد وارتكن
للإتكال على الله فيقول “على أي حال، من شأن دينامية التطورات المتلاحقة، سواء التي
تدور على الساحة الدولية، أو في فلسطين، أن تُنضج هذه الخيارات، وتستولد حوامل
اجتماعية لها في خضم العودة التدريجية إلى المقاومة الشعبية، وإلى الخطاب التحرّري
الذي استبدلته عملية السلام بخطابٍ دولاتي مشوّه ومضر”.
بين حل الدولتين وحل الدولة الواحدة
122
أما هو فقد ألقى بسهمه، هويته. وسهمه هو موقف سياسي جديد منسجم مع
بقاء الإستيطان، أما دوره فليس تفكيك نظام الأبرتهايد بل الوعي الفلسطيني وتقبُّل
العدو.
لقد سجل عادل سمارة استخلاصه لأفكار طارحي حل الدولة الواحد حيث يقول
في مقالته “فلسطين جديدة... صرخة من الأعماق أم تقويض المقاومة؟”، المنشور في
صحيفة )الأخبار، في 19 / 3 / 2018 م(:
“أما السؤال الرئيسي الذي لا بد من الإجابة عليه، فمتعلق بما ورد آنفاً، فإن فَشل
بل استحالة إقامة دولة في الضفة والقطاع، أي حل الدولتين، لا يعني أبداً، أنه دون
التحرير، هناك معنى أو إمكانية لدولة واحدة غير الدولة الواحدة القائمة منذ حزيران
1967 ، أي دولة لجميع «مستوطنيها ». وبأن مختلف أطروحات الدولة الواحدة سواء،
علمانية، ديمقراطية ثنائية... الخ ليست سوى إشغال الناس في العبث وتواطؤ مع
المشروع الصهيوني لتصفية المقاومة الفلسطينية مما يفتح الباب للثورة المضادة لتمرير
مشروع الشرق الأوسط الجديد/ الكبير ودحض ضرورة معسكر المقاومة طالما «تصالحت
الضحية والجلاد ”»
راضي الجراعي
ويبدو أن راضي الجراعي قد ألحق نفسه بالفكرة دون تبصر وتعمق ولكن هذا لا يعني
أنه وجد نفسه هناك بالصدفة.
فهو بعد أن أجهز على حل الدولتين كما أسلفنا، أعلن نفسه مؤمنا بالدولة
الديموقراطية الواحدة ثم عاد ولم يكتف بهذا الإيمان، بل بالعمل على الأرض بالمهمة
الملقاة على عاتقه وعاتق أمثاله، فهو يقول:
“ولا يكفي أن نؤمن بالدولة الديمقراطية الواحدة بل يجب العمل على الأرض من أجل
تحويلها إلى حقيقه واقعة..”
ولكن من أين يبدأ؟ ليس من دحر الصهيونية وتجريد اليهود من عنصريته، وإنما
من البداية المطلوبة والتي تؤكد أن مهمة هؤلاء هي تغيير المبنى الذهني والثقافي
بين حل الدولتين وحل الدولة الواحدة
123
الفلسطيني واستبدال رؤية التحرير برؤية التطبيع والتعايش مع الإستيطان. فهو يقول
بصراحة:
“وذلك أولا بخلق إجماع فلسطيني على حل الدولة الواحدة وتوحيد الشعب
الفلسطيني خلف استراتيجية واحدة. منذ النكبة 1948 تم التعامل مع الشعب
الفلسطيني كأجزاء فقلنا للفلسطينيين في أراضي 48 بعد أوسلو أنكم إسرائيليون
ويجب ان تندمجوا في المجتمع الإسرائيلي. وقبلنا بحل الدولتين من اجل حل مشكلة
الاراضي المحتلة العام 1967 ، ولم نجد حلا لمسألة اللاجئين الذين لا زالوا يعيشون في
مخيمات الشتات وفي الضفة الغربية وقطاع غزة بل وحتى في أراضي 48 ...”. فلم يبق
إذن غير حل بلا حل. أي يبقى كل شيء في إطار دولة الاستيطان الاقتلاعي كما هي ودون
المساس بالمستوطنين.
ويستمر:
“فقد فشلت كل الحلول المجزوءة لمشكلة الشعب الفلسطيني، فالفلسطينيون في
إسرائيل يعانون التمييز العنصري بأبشع أشكاله، فقد جردتهم إسرائيل من أراضيهم
وتريد منا اليوم أن نعترف بإسرائيل دولة يهودية بمعنى شطب حق الفلسطينيين في
وطنهم، وكأننا نحن من نحتل إسرائيل. ولم نحصل على دولة في حدود الرابع من حزيران
ولم نحل مشكلة اللاجئين”
وأكبر تبرير قدمه الجراعي في مقالته هو الرد على الدعاية الصهيونية الكاذبة:
“كما يجب أن نفكر باستراتيجية جديدة تعطي حلاإً نسانياً وحضاريا للصراع في فلسطين
التاريخية ألا وهو الحل الديمقراطي. الدعاية الصهيونية عملت طيلة الوقت على لعب دور
الضحية بدعايتها الكاذبة بأن الفلسطينيين بل العرب يريدون أن يلقوا اليهود في البحر .
فطرح الدولة الديمقراطية الواحدة يعري هذه الأكاذيب ويبعث رسالة الى اليهود بأننا
كشعب نريد العيش في دولة ديمقراطية تقوم على أساس الحرية والعدالة والمساواة دولة
لجميع سكانها وللاجئين الذين لهم الحق المقر من الشرعية الدولية بالعودة إلى ديارهم،
والتعويض عن عذاباتهم”.
طرح الدولة الواحدة يعري الأكاذيب، فلم يبق أمام إسرائيل إلا ما يراه راضي الجراعي.
هذا إذا كان هو الذي يراه! وهو ما يلي:
بين حل الدولتين وحل الدولة الواحدة
124
“بيت لحم - تقرير معا قي 17 / 5/ 2013 - تناقلت وسائل إعلام عدة نبأ مصدره
صحيفة هآرتس العبرية، حول لقاء جمع قيادات من حركة فتح مع إسرائيليين في مدينة
البيرة بمحافظة رام الله، في ذكرى النكبة، بهدف إدخال تعديل استراتيجي على الموقف
الفلسطيني المتمثل بالدعوة لإقامة دولة ديمقراطية واحدة”
“وفي هذا السياق، أرتأت معا أن تتحدث مع أحد هذه القيادات الفتحاوية المشاركة،
حيث نفى راضي الجراعي الذي ذكرت اسمه صحيفة هآرتس كأبرز المشاركين من حركة
فتح، نفى وجود إسرائيليين باللقاء الذي عقد، موضحا أن من الإسرائيليين الذين تواجدوا
الصحفية الشهيرة أميرة هتس”.
وقد صدر عنهم بيانٌ جاء فيه:
“إن هذا السيناريو من الحل )حل الدولة الديمقراطية الواحدة( يحتاج أولاً وقبل كل
شيء إلى إيمان الشعب الفلسطيني به بكل مكوناته، وتبنيه كاستراتيجية كفاحية
في وجه نظام التمييز العنصري القائم في فلسطين التاريخية. وإقامة حركة سياسية
تتبنى حل الدولة الديمقراطية الواحدة في فلسطين التاريخية، باسم “الحركة الشعبية
للدولة الديمقراطية الواحدة”، والسعي للحصول على دعم وتأييد كل القوى الجماهيرية
والديمقراطية في فلسطين والعالم التي تؤمن بالحرية، العدالة، المساواة والديمقراطية،
واتخاذ سياسات واجراءات لمحاربة النظام العنصري الإسرائيلي، عبر المقاطعة والحصار
العالمي لهذا النظام كما حصل مع نظام التمييز العنصري في جنوب أفريقيا. وخلق
جماعات ضغط اسرائيلية ويهودية من جميع الفئات التي تتعرض للقمع والتمييز
العنصري، والتحالف معها من أجل إقامة الدولة الديمقراطية الواحدة في فلسطين
الخالية من أي شكل من أشكال التمييز بين بني البشر.
وعلى هذا الاساس فقد قررنا نحن الموقعون على هذه الوثيقة التاريخية تشكيل
الحركة الشعبية لحل الدولة الديمقراطية الواحدة على كل فلسطين التاريخية، يعيش
فيها سكانها بكل مكوناتهم وأعراقهم ودياناتهم متساوين في الحقوق والواجبات
وسواسية أمام القانون.”
وأكد البيان في سياقه:
“إن إعادة حقوق اللاجئين والمهجرين الفلسطينيين لا يعني بأي شكل من
بين حل الدولتين وحل الدولة الواحدة
125
الأشكال طرد أية عائلة يهودية من فلسطين وإنما على العكس يهدف لإجراء مصالحة
تاريخية بين سكان فلسطين بكل مكوناتهم” )عرب 48 ، 16 / 5/ 2013 م.(
وكوادر فتح قد قدموا تطمينات بأن عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى مدنهم وقراهم
وممتلكاتهم لن تمس بحقوق العائلات اليهودية.
ماجد كيالي والدولة الواحدة
أما ماجد كيالي فقد دخل للموضوع بعد تحفظ في التوقيت، فقد قال أن طرح هذا
الشعار يتطلب تهيئة الموقف الثقافي الفلسطيني أولا، ولم يقل بأنه يتطلب
قبول اليهود للفكرة والموقف، بما يعني أن المشروع موجه للفلسطينيين ومخاطبة
الفلسطينيين. وقال أن الأمر يحتاج إلى تغيير كبير يطال الموقف والرؤيا الفلسطينية
وفي مكان آخر قال أنه يحتاج إلى تغير في الرؤيا الإسرائيلية.
ولكنه مهد لطرحه وكأنه أمر صعب التحقيق وأمامه استعصاءات كبيرة. ففي
مقالته المنشورة في )فلسطين صحيفة إلكترونية، في شباط 2011 م( وهو يدعو
لمغادرة شعار حل الدولتين يستدرك:
“و  ربما بات من الملحّ الخروج من حال الارتهان لخيار الدولة الفلسطينية في الضفة
والقطاع، ليس لتبين عدم واقعيته، وعدم قبول إسرائيل به، وإنما .... لكن هذه الدعوة
للخروج من الارتهان لهذا الخيار لا يعني أن الخيارات الأخرى، الأفضل، باتت متاحة، لأن
الأمر هنا لا يتعلق بالرغبات، وإنما بالإمكانات، وبموازين القوى والمعطيات اللازم توفرها لهذا
الخيار أو ذاك. “
فهو هنا لا زال يتحفظ عن طرح الموقف بانتظار الوقت المناسب.
ويستدرك كذلك فيقول:
“فلربما أن الخروج من خيار الدولة المستقلة قد يفتح الباب على خيارات أكثر إجحافاً
بحقوق الفلسطينيين، مثل تكريس الاحتلال الاستعماري العنصري ضد الفلسطينيين
في الضفة والقطاع، أو إقامة حكم ذاتي، أو العودة إلى نوع من التقاسم الوظيفي في
الضفة بين إسرائيل والأردن، مع شيء من الإدارة الذاتية الفلسطينية.”
بين حل الدولتين وحل الدولة الواحدة
126
أي هو بالدخول على خيارات أخرى يبدأ بالخشية من طرح خيارات أكثر إجحافا وبطرح
الاستعصاءات، ولكنه سرعان ما يعود وينساها مرة أخرى فيؤكد على أن الخروج من خيار
حل الدولتين لا يعني الخروج من دائرة التسويات وهو يذكّر معارضي التسوية بأن موقفه
بنقد خيار الدولة الواحدة لا يعني تأييده العودة إلى الكفاح، فيقول:
“ز  لعل التيارات المعترضة على خيار التسوية، والدولة المستقلة، معنية، بدورها،
بإدراك حقيقة أن الخروج من دائرة هذا الخيار لا يعني حتماً العودة إلى خيار التحرير، عبر
الكفاح المسلح..”. وهنا يطمئن من يمكن أن يظن أنه يدعو للتحرير عبر الكفاح المسلح.
ويستعجل كيالي في مقالته للوصول لمبتغاه بطرح الدولة الواحدة:
“ح  ما يتبقى أمام الفلسطينيين هو إمكان التحول من خيار الدولة المستقلة، نحو
خيار الكفاح من اجل قيام دولة فلسطينية ديموقراطية وعلمانية في ارض فلسطين
الكاملة، ما يقوّض الطابع العنصري والاحتلالي لدولة إسرائيل...”.
أي بعد أن برهن على فشل كل ما سبق من خيارات يحشر التفكير الفلسطيني في
خيار واحد هو “دولة فلسطينية ديموقراطية علمانية”، مستعيرا هذا النص من قرارات
المجلس الوطني الفلسطيني وأدبيات حركة فتح. بعد أن أحدث فيه وفي وسائل تحقيقه
كل الموبقات، وبعد أن نفى فكرة العودة للكفاح المسلح كما ورد أعلاه وحدد النتيجة
بتقويض الطابع العنصري والاحتلالي لدولة إسرائيل كما هو في النص الموثق أعلاه.
وعاد وأكد فكرته وكأنها من ضمن خيارات أخرى لم يذكرها، في بند سادسا من بيان
للتوقيع المنشور على فيس بوك في 7/ 12 / 2017 م. حيث جاء تحت بند “سادسا”:
“سادساً: التحرر من الانحصار في الخيار السياسي الأحادي، المتمثل بالدولة في
الضفة والقطاع، سيما بعد افلاس خيار أوسلو، بالانفتاح على خيارات موازية، وضمنها
خيار الدولة الواحدة الديمقراطية، دولة المواطنين الأحرار والمتساوين، بكل أشكالها، في
كل فلسطين، باعتبار ذلك الحل الاجدى والأنسب للمسألتين الفلسطينية واليهودية في
فلسطين، وعلى أساس تقويض الصهيونية ومختلف تجلياتها الاستعمارية والعنصرية
والاستيطانية والأمنية والأيدلوجية...”.
هنا يرفض الإنحصار في الخيار السياسي الأحادي المتمثل بدولة في الضفة والقطاع
ويطلب الانفتاح على خيارات أخرى أحدها الدولة الواحدة الديموقراطية، ثم يخصب
بين حل الدولتين وحل الدولة الواحدة
127
فكرته بتزيينها بأوصافها التي يطرحها علينا بعد تحققها، فهي دولة المواطنين الأحرار
والمتساوين. ويؤكد أنها ستكون على أساس تقويض الصهيونية ومختلف تجلياتها
الاستعمارية والعنصرية والاستيطانية والأمنية، أي تزول تجلياتها فقط ولا تزول الدولة
والاستيطان في فلسطين ولا حتى من الضفة الغربية كما هو واضح وكما دلت كتاباته
الأخرى.
وهو يطرح في بيانه سيناريوهات تتعلق بإصلاح السلطة ووحدة غزة مع الضفة
واللجوء للمقاومة الشعبية في حدود طاقة الجماهير )ويقصد السلمية( كي لا
تتدخل إسرائيل بقوتها العسكرية للقمع، فيحصر دور السلطة في الصمود والخدمات
أما مسألة الحل فتتم بوقف المفاوضات وتسليم الملف للأمم المتحدة:
“وتاليا تسليم ملف القضية إلى الأمم المتحدة للقيام بمسؤولياتها، في هذا الشأن،
على اساس قرارات مجلس الامن والجمعية العامة وذلك إثر انهيار وفشل اوسلو وعدم
قبول الفلسطينيين بالولايات المتحدة كوسيط...”.
حيث يعود للتسويات ويقول في “سابعا”:
“سابعاً: التوجه إلى المحافل الدولية لتعزيز مكانة دولة فلسطين، وفرض العقوبات
على إسرائيل، وفضح سياساتها الاستعمارية والعنصرية، وضمن ذلك عزل السياسة
الأمريكية الظالمة ضد حقوق الشعب الفلسطيني، وضد قرارات المجتمع الدولي بهذا
الخصوص”. والله بركة من الله، فالتوجه للمحافل الدولية يعطي كل هذه النتائج،
إذن لماذا لم تنصح الناس من زمان بهذا السحر العجيب؟هنا يستعير تصريحات الجبهة
الشعبية .
ويطالب ب:
“..، وتعزيز العمل في أوساط المجتمع الإسرائيلي، لتنمية الاتجاهات المعادية للصهيونية،
ولإسرائيل الاستعمارية والعنصرية، وإيجاد قواسم مشتركة لحل يتأسس على الحقيقة
والعدالة والحرية والديمقراطية والمواطنة.” هل سننشر رجال الدعوة الإسلامية بين
المستوطنين ولكن هذه المرة من أجل دعوتهم للتخلي عن صهيونيتهم. كيف سننمي
الاتجاهات المعادية للصهيونية؟ أليس هذا رغيا فارغا. هو رغي ولكنه من أدوات تحقيق
أهداف ماجد كيالي.
بين حل الدولتين وحل الدولة الواحدة
128
إنه بهذا يتقاطع مع كل من سبقوه، سواء في قبول دولة إسرائيل كدولة واحدة في
فلسطين أو بتزيين الطرح تدليسا وطوباوية وخلق أوهام كاذبة أو بالتوجه بفكرتهم
لإقناع الشعب الفلسطيني وبالعودة للتعامل مع سلطة أوسلو، أو بالإستعانة بالأمم
المتحدة.
ومن ملاحظة الموقعين على البيان وجدت بينهم عدداً من تراث الجبهة الشعبية
والجبهة الديموقراطية وفتح والشيوعيين وهذه ليست مفخرة لهم.
بين حل الدولتين وحل الدولة الواحدة
129
خاتمة
استطاعت أجهزة الأمن الإسرائيلية، مدعمة برجالات من المفكرين والصحفيين
والساسىة إحداث خرق متوسع في جدار الموقف من تحرير فلسطين عربيا وفلسطينيا،
وهم قد استطاعوا ويستطيعون إحداث اختراقات كبيرة طالت فصائل وأحزاباً
فلسطينية وطالت رجالات وعي وتنوير فلسطينيين من أجل التساوق مع عملية تهويد
فلسطين.
لقد قالت محامية دفاع عن الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية ،واستنادا
لتجربتها الخاصة، أن هناك عدة سبل لخدمة إسرائيل منها: التجسس وإعطاء المعلومات
ومنها من يجندون في مجالات مختلفة وكلهم خطيرون، “غير أن أشدهم خطورة هم
أولئك الذين يعطون حصة من قلبهم لخدمة العدو”.
وتتضافر على إسقاط الفلسطيني أجهزة أمنية ومستخدمون من النظم العربية
وغير العربية.
كما أن الأمن الإسرائيلي زرع اختراقات عديدة وصلت إلى مواقع في الفصائل
وقادتها ومتنفذيها، واعتمدت على سياسة طويلة النفس وممنهجة تدفع إلى التنازلات
السياسية التدريجية ولا يهمها أن تكون تحت أشكال من الطرح المغطى بالحرص على
القضية.
ثم وصلت إلى أوسلو الذي شكل الإختراق الأكبر والذي انعكست نتائجه على كل
الصعد السياسية والإقتصادية والثقافية والأمنية والنفسية وصولا لزعزعة القيم
والمفاهيم التي كانت تشكل سدا وطنيا منيعا في وجه اختراقاتها، كما فتح الباب
واسعا على الفساد وتطوير دور الفاسدين في خدمتها.
إن الأوراق المطروحة والآراء المطروحة تحت عنوان دولة واحدة للشعبين تصب كلها في
خدمة العدو وتكون نصرا له.
وأنت أيها الفلسطيني غير المخترَق: لا تفسح مجالا لهؤلاء كي يخترقوا وعيك
وذهنيتك الوطنية بالشعارات الكاذبة والأوهام القاتلة للروح الكفاحية التحررية.
إحذر من هؤلاء جميعا ولا ترضَ لوطنك بديلا ولا ترضَ بتسليمه للعدو وليظل الشعار
الناظم هو التحرير من كل اغتصاب ومن كل ظلم.
بين حل الدولتين وحل الدولة الواحدة
130
ملحق 1
قيس عبد الكريم/أبو ليلى كسرنا تابو شعار التحرير الكامل
محمود فنون
2014/4/22 م
قالوا الكثير عندما بدأوا التزحلق في خط التسويات.
المحطة الأولى:
البحث في إمكانية تسوية من حيث المبدأ.
كانت المحطة الأولى تتمثل بالغوص في التاريخ لإيجاد تجارب مشهودة تعتبر منارة
للمنظرين لضرورة السير في نهج التسوية. هنا تمت استعادة صلح الحديبية، واستفاد
منه المنظرون بأن التسويات ممكنة وهي لا تلغي إمكانية الحرب في وقت آخر.
وتمت استعادة صلح بريست لوتوفسك الذي عقدته الدولة السوفييتية الوليدة بقيادة
لينين مع ألمانيا النازية التي كانت تحتل أراضي سوفيتية. وتم تشبيه المواقف بين الحالتين:
في الأولى ألمانيا معتدية ومحتلة بينما الدولة السوفيتية تدافع عن الوطن كما أن
إسرائيل غازية ومحتلة والثورة الفلسطينية تناضل من أجل التحرير.
وهكذا دواليك ليصلوا إلى نتيجة مفادها من حيث المبدأ أنه لا مانع من التسويات
السياسية بين الأعداء.
هنا احتدم النقاش واسعا ومتواصلا وشاملا في الأوساط السياسية الفلسطينية
وفي أوساط المثقفين. ما هو الدور الذي لعبه وحققه مثل هذا النقاش؟
إن الذين يطرحون فكرة ضرورة التسوية السلمية مع الاحتلال الصهيوني لأرض
فلسطين كانوا هم أنفسهم الناطقين والمنافحين في هذا التطاحن. ما معنى هذا؟
منذ أن بادرت قيادة الجبهة الديموقراطية وقيادة وفتح ولفيف من المحسوبين على الثقافة
الهابطة، ومعهم عدد من العرابين عام 1973 ، اتخذ هذا الطرح بعدا جديدا وذلك لأن
أصحابه هذه المرة مدعومون بحقيقة أنهم “الفدائيون” وقيادة الشعب الفلسطيني.
بين حل الدولتين وحل الدولة الواحدة
131
فقبل ذلك، كان من يطرح شيئا من هذا يتعرض بحق لهجمة وطنية شاملة تؤدي
إلى إخراسه ويواجه برفض شعبي يصل حد نبذه واتهامه بالخيانة الوطنية ووصفه بأنه
في خدمة العدو ويطرح طروحاته خدمة للعدو ومن أجل التمهيد للإعتراف بإسرائيل.
هذا ما لاقاه الشيخ محمد على الجعبري- رئيس بلدية الخليل، والدكتور حمدي
التاجي الفاروقي والمحامي عزيز شحادة حينما طرحوا مشاريعهم إثر احتلال عام 1967 م
وكذلك هذا ما لاقاه الصحفي محمد أبو شلباية حينما نشر أطروحته بكراس بعنوان
“نحو دولة فلسطينية مستقلة عام 1972 م”.
ففي 23 آب 1967 م، أصدرت منظمة التحرير الفلسطينية بيانا للرد على المشاريع
المطروحة جاء فيه “...في مساومات تستهدف تصفية القضية الفلسطينية ويرغمها
على قبول أية صيغة يمكن اقتراحها لترسيخ أقدامه لتثبيت كيانه...وكنتيجة لذلك
أخذت بعض الأنباء تتحدث عن المفاوضات، والتعايش والإعتراف، والصلح وما إلى ذلك من
مشاريع تؤدي كلها إلى تصفية القضية الفلسطينية لأن هذه القضية لا تقوم على
تسويات ولا تقبل فيها مساومات. وإنما هي قضية تحرير ومصير ... لأن الشعب العربي
الفلسطيني والأمة العربية بأسرها لن ترضى عن تحرير فلسطين بديلا...”.
وفي بيان أصدره رجالات البلاد تحت عنوان الميثاق الوطني المرحلي في الأرض المحتلة جاء
فيه، ردا على فكرة إقامة دولة فلسطينية في أراضي الضفة والقدس والقطاع، ما يلي:
“ -6 إننا نرفض بإصرار الدعوة المشبوهة لإقامة دولة فلسطينية يراد لها أن تقوم
منطقة عازلة بين العرب وإسرائيل مرتبطة بالوجود الصهيوني الدخيل . وتعتبر
تلك الدعوة وسيلة لإخراج القضية الفلسطينية عن محيطها العربي وتجريدها من
مفهومها القومي وعزل الشعب العربي الفلسطيني عن أمته العربية. وإن إقامة مثل
هذه الدولة من شأنه تصفية القضية الفلسطينية تصفية نهائية تؤدي إلى انحلال
الشعب الفلسطيني وإلى تسديد ضربة قاسية إلى تيار التحرير العربي”
أي باختصار: إن فكرة التسوية، منظورا لها في ذلك الوقت، كانت تؤدي إلى ترسيخ
أقدام إسرائيل وتثبيت أقدامها وتستهدف تصفية القضية الفلسطينية وخلق منطقة
عازلة وعزل الشعب الفلسطيني ....الخ.
بين حل الدولتين وحل الدولة الواحدة
132
وكانت الردود شنيعة على كل من تطرق لهذه الأفكار بعد ذلك في أي مكان.
المحطة الثانية:
في أيلول 1969 م قدمت الجبهة الديموقراطية لتحرير فلسطين إلى الدورة السادسة
للمجلس الوطني الفلسطيني مشروع قرار بشأن )حل ديموقراطي شعبي للمسألة
الفلسطينية( نشرته الحرية في الثامن من أيلول جاء فيه “ 2- ...ورفض الحلول الرجعية
القائمة على الإقرار بدولة إسرائيل ضمن حدود آمنة ومعترف بها ممثلة بقرار مجلس
الأمن السيء الذكر” )المقصود قرار 242 الذي كانت ترفضه الجبهة الديموقراطية وكل
الفصائل الفلسطينية آنذاك وتؤكد رفضها له في قرارات المجلس الوطني الفلسطيني(
كما جاء في برنامج الجبهة الشعبية الديموقراطية كما نشرته الحرية في أيلول 1969 :
“ - ترفض الجبهة أي صيغة من صيغ التسوية السياسية للقضية الفلسطينية،
سواء كان ذلك ممثلا بقرار مجلس الأمن في 22 تشرين الثاني )نوفمبر( 1967 ، أو أي قرار آخر
...ما يدفعها إلى انتقاد كل موقف عربي أو عالمي يهدف إلى تحقيق التسوية السلمية،
لأنها تسوية تقع على حساب المصالح والحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني.”
ويحدد البرنامج موقف الجبهة الديموقراطية وفهمها:
“- إن الجبهة تدرك أن دولة إسرائيل ، بقيادة الحركة الصهيونية، هي كيان زرعته
الإمبريالية العالمية بقيادة الولايات المتحدة لضرب الحركة الوطنية العربية ونضال
شعب فلسطين )كما يراه برنامج الجبهة الديموقراطية( يستهدف تحطيم أداة الدولة
وكيانها وأجهزتها القائمة”. وهذا يعني استحالة التسوية السياسية معها.
وفي سنة 1969 م ذاتها صرح عرفات عن مفهومه لشكل الدولة التي ستقام في
فلسطين بعد التحرير )وليس بعد التسوية السياسية(:
“هدفنا هو إقامة دولة فلسطينية ديموقراطية يعيش فيها المسلمون والمسيحيون
واليهود على قدم المساواة “. وأضاف: “لن نجبر أحدا على الرحيل إذا كان راغبا في العيش
تحت لواء الدولة الفلسطينية كفلسطيني مخلص” والدولة الديموقراطية التقدمية
التي تنادي بها فتح لا تتناقض مع كونها عربية “أي هو سائر في طريق التحرير ويفسر
بين حل الدولتين وحل الدولة الواحدة
133
كيف ستكون فلسطين بعد تحريرها من اليهود وأوضح صلاح خلف أبو إياد دوافع النضال
الوطني ومعنى الدولة الفلسطينية الديموقراطية وهي أنها “تصفي فقط الكيان
الصهيوني العنصري داخل فلسطين”.
بدوره صرح جورج حبش في 20 كانون أول من عام 1967 )أي في ذات الفترة التي
طرحنا فيها مواقف الديموقراطية وحركة فتح( بما يلي:
“ج-... إننا نخوض معركة تحرر وطني ديموقراطي ذات أفق إشتراكي هدفها إنهاء
كيان إسرائيل كدولة عدوانية عنصرية مغتصبة مرتبطة بالإمبريالية العالمية. إن إنهيار
هذا الكيان، بمعنى انهياره مع ارتباطاته ومواصفاته، نصبح أمام وضع من الطبيعي أن
يكون لكل مواطن فيه حق العيش المتكافئ ... بأن معركة التحرر الوطني الديموقراطي لا
بد من خوضها حتى نهايتها وربحها. ذلك شرط ضروري ليكون التحرير حقيقيا، وبالتالي
ليكون حديثنا عن الديموقراطية بعد هدم الكيان العنصري العدواني الإمبريالي لإسرائيل،
بكل مواصفاته وارتباطاته..”.
ومن المعلوم أن قرارات المجلس الوطني الفلسطيني المتتابعة كانت ترفض قبول قرار
مجلس الأمن رقم 242 وتصفه بأوصاف تؤكد رفضه، كما كانت ترفض شعار إزالة آثار
العدوان الذي أطلقه العرب والذي استهدف حصر النشاط في إزالة آثار عدوان إسرائيل
عام 1967 والانسحاب من سيناء والجولان والضفة والقطاع بما فيها القدس .. كما كان
الإصرار على نهج الكفاح المسلح كطريق لتحرير فلسطين كل فلسطين.
وقد نظّرت الجبهة الديموقراطية في أدبياتها ضد قرار مجلس الأمن حيث ورد “من هنا
فإن تنفيذ قرار مجلس الأمن لا يعبر عن مهمة مرحلية لتنظيم النهوض الجماهيري
القادم. إن الدعاية لهذا الشعار داخل الحركة الوطنية تعني الإلتزام المسبق بإيقاف
النهوض الجماهيري عند الحدود التي تعينها له الطبقات الحاكمة العربية ...”، وكذلك
رفضته الشعبية وفتح وكل الفصائل )واليوم تقبله الديموقراطية وفتح وتدعو للالتزام
به وتنظّر له(
هذه لوحة الموقف الفلسطيني حتى عام 1969 م متمثلة في ضرورة هدم كيان
إسرائيل بالكفاح المظفر ورفض التسويات معها.
هناك مسألة أخرى مهمة جدا وهي أن الموقف الوطني الفلسطيني قد عبرت عنه
بين حل الدولتين وحل الدولة الواحدة
134
المواقف والبيانات والشروحات والمناظرات والمقالات السياسية والقرارات الصادرة عن كل
فصيل والقرارات الصادرة عن المجلس الوطني الفلسطيني.
ولكن، لا يقتصر الأمر عند الخطاب السياسي. إنه لمن المهم جدا أن ننتبه إلى أن كل
أشكال التعبير الأدبي والفني كانت منسجمة مع هذا الموقف: الشعر والأدب والخطابة
والمقالات والخواطر والفن التشكيلي .. وكذلك حوارات الأشخاص الدارجة، ووسائل
التعبئة والتثقيف والتحريض التي تمارسها الهيئات والأطر المنظمة من الفصائل وما
يتبعها.
كان هناك تناغمٌ إذن.
ويتوجب أن نلفت الانتباه إلى أن القادة والمنظرين والناطقين، بأشكالهم المتعددة،
كانوا يجهدون من أجل التعبئة بهذه المواقف وتثقيف الجماهير بها وبالأخص تثقيف
النشء والأجيال.
يتوجب علينا أن لا نستهين أبدا بهذا الأمر حيث كان الكل الوطني يجمع على الموقف
الوطني وإن يكن بطرائق قد تتباين إلى هذه الدرجة أو تلك باستثناء الحزب الشيوعي
الأردني وهو في الضفتين.
هل كان هناك شذوذٌ؟
كان الشذوذ منبوذا وإذا صدر عن ذات الجوقة فإنه سرعان ما يتم نفيه أو تقزيمه أو
وصفه بالموقف الشخصي وربما مهاجمته علانية. وكان الهجوم متصلا على مواقف
الحزب الشيوعي في ذلك الوقت لأنه يدعو إلى الحل السلمي والنضال السلمي.
المحطة الثالثة
هذا الوضع تغير كثيرا بل انقلب على نفسه. فجزء ممن كانوا يُنظِّرون ضد إسرائيل
وضد القبول بإسرائيل ما دون تدميرها وهدمها، تحولوا إلى منافحين يدافعون عن وجودها
تحت مسميات شتى، بل ويتم التصدي لمن ظل يتمسك بالموقف الوطني القائم على
تحرير فلسطين وتطهيرها من العدوان.
بعد مجازر أيلول أخذ جزء من الثلج بالذوبان رويدا رويدا وكثر الحديث عن اتصالات بين
رجالات فتح العاملين في أوروبا وبين إسرائيليين، وكثرت الدعايات والإشاعات وكثر النفي
بين حل الدولتين وحل الدولة الواحدة
135
والإستنكار.
الجبهة الديموقراطية وخط التنازلات
بدأت الجبهة الديموقراطية خطها التنازلي الجديد بالهجوم على شعار التحرير الكامل.
ففي بلاغ اللجنة المركزية للجبهة الديموقراطية الصادر في آب أغسطس 1973 م في
دورتها الرابعة، ورد في المقدمات ما يلي:
“ -3 إن الإتجاه القومي البرجوازي داخل حركة التحرر الفلسطينية الذي يدعو إلى
الإكتفاء بالشعار التاريخي البعيد المدى إنما يستند إلى شريحة طبقية ضيقة من
برجوازية اللاجئين الصغيرة المثقفة الهامشية وغير الملتصقة بمصلحة طبقية محددة
.هذه البرجوازية هي التي ترى الشعب انعكاسا لصورتها وتتخيل أنه لا سبيل إلى توحيد
الشعب الفلسطيني إلا بالإكتفاء بشعار التحرير الكامل وإغفال المصالح المباشرة
لتجمعات الشعب الفلسطيني المختلفة واعتبار أي تعامل بهذه المصالح المباشرة خيانة
للهدف التاريخي . إن هذا الإتجاه يمكن أن يعبيء عددا من الخلايا الإرهابية المنعزلة ، إلا انه
لا يمكن أن ينظم حربا شعبية. إن الجبهة مطالبة بتكثيف النقد الأيدولوجي لخرافات هذا
الإتجاه القومي البرجوازي كمهمة ملحة على جبهة الصراع الأيديولوجي .”
إنه لمن “المنطقي” جدا أن تهاجم ما كنت تلتزم به بالأمس من أجل أن تقول شيئا
جديدا اليوم وبطرائق فجة مشحونة بخلق أوهام وصور لا أساس لها في الواقع ولم
يتجسد منها شيء خلال الأربعين سنة الماضية منذ ذلك التاريخ.
فالذين يطرحون الشعار الوطني الذي كانت الجبهة الديموقراطية تشاركهم به هم “..
شريحة طبقية ضيقة من برجوازية اللاجئين الصغيرة المثقفة والهامشية ...وكذلك
غير الملتصقة بمصلحة طبقية محددة ..”، وبعد هذه الشريحة تأتي الديموقراطية التي
تمثل عموم الشعب وبالتالي ترى رأيها كممثلة له.
بعد ذلك يسهب البلاغ في النقاط 7 و 8 و 9 في التركيز على دور جماهير الأرض المحتلة
في إنجاز مهمة طرد الإحتلال مع الإشارة إلى أنه يحتاج لبرنامج عمل تفصيلي. “ 9- إن
النضال من أجل طرد الإحتلال وحق تقرير المصير يتطلب برنامج عمل تفصيلي لتنظيم
بين حل الدولتين وحل الدولة الواحدة
136
وتعبئة جماهير الشعب في صيغ تنظيمية ونقابية وسياسية موحدة للجماهير
الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة للنضال الموحد ضد سياسة الاستيطان
ومصادرة الأراضي، سياسة تخريب الزراعة والصناعة الوطنية، طمس الثقافة الوطنية
...الخ”.
ويضيف البلاغ أنه على الأرض المحتلة مهمة “تجديد الوحدة مع الشعب الأردني ...”
ولننتبه جميعا إلى القدرة على التنبؤ وبعد النظر ودقة الرؤيا! التي تمثل بها البلاغ
الصادر عن الاجتماع الموسع الطارئ للجنة المركزية ولمندوبي منظمات الجبهة في تشرين
الثاني نوفمبر 1973 .
فمن أجل تبرير الانتقال إلى النهج الجديد وبعد أن نقد مواقف الحركة الفلسطينية
كعامل ذاتي فهو من أجل الإرتكاز إلى العامل الموضوعي، يجند البلاغُ حرب تشرين كما
لو كانت سببا قويا للهبوط إلى الدرجة الجديدة من سلم التنازلات حيث يقول، وعلى
عكس ما آلت إليه الأمور فعلا:
في باب “أولا”، الفقرة السادسة:
“إن النتائج التي أدت إليها حرب تشرين تفتح إمكانيات التوصل إلى تسوية راهنة
للصراع العربي الإسرائيلي. إلا أن إسرائيل والولايات المتحدة بالرغم من الهزائم التي
لحقت بسياستهما، لا تزالان تواصلان العمل بشكل محموم من أجل أن تاتي شروط هذه
التسوية متوافقة مع أهدافهما العدوانية ..”.
فبعد أن يقرر البلاغ أن “النتائج تفتح إمكانية التوصل إلى تسوية راهنة ..”،
يستدخل البيان هنا عبارة “الصراع العربي – الإسرائيلي” كمفهوم جديد وهذا كذلك
من ممهدات التسوية.
ويعود البيان لاتهام إسرائيل وأمريكا “لا تزالان تواصلان العمل بشكل محموم من
أجل أن تأتي شروط هذه التسوية متوافقة مع أهدافها العدوانية )!!!( أليس موقفهما
هذا مثيرٌ للعجب.
ثم يكمل البيان في فقرة أخرى مستنجدا بحرب تشرين لتسويغ الإنتقال الجديد
وبطريقة فاضحة إذ ورد في أولا، الفقرة السابعة “إن النتائج الإيجابية التي أدت لها
حرب تشرين ترسي الإمكانيات الموضوعية لدحر وإحباط الحل التصفوي الأمريكي –
بين حل الدولتين وحل الدولة الواحدة
137
الإسرائيلي الرجعي الأردني..”.
الله أكبر! الله أكبر!! إذن، تعالوا هرولة أو زحفا إلى مستنقع التسويات وما
عليكم سوى التسلح ببرنامج جديد ينقض برنامج التحرير الكامل، وحرِّروا الشعب
الفلسطيني من “خرافات هذا الاتجاه القومي البرجوازي كمهمة ملحة على جبهة
الصراع الأيديولوجي”.
أي أنهم بعد أن قرروا طي صفحة الموقف الوطني قرروا أيضا خوض وتكثيف النقد
الأيديولوجي ضده.
وفي البلاغات يستمر الحديث عن النضال وعن الكفاح المسلح والوحدة الوطنية،
ولكن الجديد هو المهم وليس ما كان يقال سابقا. الجديد هو صياغات مثل النضال من
أجل طرد الاحتلال، وإمكانيات حل الصراع العربي – الإسرائيلي بالتسويات كمقدمة
لسياق جديد سيتواصل حتى أوسلو والمفاوضات الجارية حاليا.
وقد انتقل هذا الموقف من موقف فصيلي فتح والجبهة الديموقراطية، إلى موقف
منظمة التحرير الفلسطينية من خلال صياغات قرارات المجلس الوطني الفلسطيني في
دورته الثانية عشرة في القاهرة )زمن السادات( من 1- 9 / 6/ 1974 م:
“ 1 - تأكيد موقف منظمة التحرير السابق من القرار 242 الذي يطمس الحقوق
الوطنية والقومية لشعبنا ويتعامل مع قضية شعبنا كمشكلة لاجئين ...”، أي يكرر
ذات الموقف المطروح في الدورات السابقة، ثم ينتقل إلى الجديد ويقدمه مزخرفا:
“ -2 تناضل منظمة التحرير بكافة الوسائل وعلى رأسها الكفاح المسلح لتحرير
الأرض الفلسطينية وإقامة سلطة الشعب الوطنية المستقلة المقاتلة على أي جزء من
الأرض الفلسطينية التي يتم تحريرها، وهذا يستدعي إحداث المزيد من التغيير في ميزان
القوى لصالح شعبنا ونضاله”، وهذا هو الجديد في قرارات المجلس بل هذا هو البند المهم
الذي أدى إلى الانشقاق في الساحة الفلسطينية وظهور جبهة الرفض.
بعد ذلك، في بند “ثلاثة”، يكرر البيان الموقف من الاعتراف والصلح والحدود الآمنة،
وفي بند رقم “أربعة” يعاود طرح الدولة الديموقراطية.
ولكن البند رقم “اثنين” أعلاه يتغير بشكل جوهري في البند الحادي عشر من بيان
الدورة التالية، الثالثة عشرة ليصبح “يقرر المجلس الوطني الفلسطيني مواصلة النضال
بين حل الدولتين وحل الدولة الواحدة
138
من أجل استعادة الحقوق الوطنية لشعبنا وفي مقدمتها حقه في العودة وتقرير المصير
وإقامة دولته الوطنية المستقلة فوق ترابه الوطني”. وهنا غاب تعبير “تناضل بكل
الوسائل وعلى رأسها الكفاح المسلح”، كما يمكن للقارئ أن يقارن.
ولم يظل الموقف هكذا، بل تغير كذلك في الدورة التالية )الرابعة عشر( للمجلس
الوطني الفلسطيني، كما يلي:
“أ/ 1- التمسك بالحقوق الوطنية الثابتة لشعبنا في وطنه فلسطين وحقه في
العودة إليه وتقرير مصيره على أرضه دون تدخل خارجي وإقامة دولته المستقلة فوق ترابه
الوطني دون قيد أو شرط”
في الفقرات أعلاه أصبح تعريف )فلسطين( وتعبير )ترابه الوطني( محصورا في
الضفة الغربية وقطاع غزة. إن التراجع عن المواقف الوطنية العامة قد بدأ يتسلل رويدا
رويدا إلى الساحة الفلسطينية، وإن كانت حرب أكتوبر قد استخدمت كعبّارة لاجتياز
البرزخ بوضوح، فهذا لا ينفي المقدمات الكثيرة التي دلت على استعداد قيادة فتح وقيادة
الديموقراطية للانخراط في مناخات كهذه.
هنا غاب شعار التحرير الكامل لكل أرض فلسطين التاريخية وأصبح الخطاب
السياسي الفلسطيني ترجمة لهذا التغير.
ليت الأمر يقف هنا:
انقسمت الساحة الفلسطينية مجددا هذه المرة رفضا للموقف الجديد وتبعاته
وقبولا للموقف الجديد وتبعاته ولكنها ساحة “الفدائيين”.
أي إن فريق )القبول( هو ذاته كان جزءا من فريق الرفض في المحطات السابقة. القيادة،
وكانت جزءا من الرفض، أصبحت قبولا ولكنها ظلت القيادة؛ والجبهة الديموقراطية كانت
جزءا من الرفض وأصبحت قبولا، بل هي التي تكفلت بشق الطريق علانية. هنا يكون
تقييم المواقف صعبا ودقيقا. لم يعد الأمر منحصراً في بيان صغير يحوي عبارات الرفض
والتخوين للشخص أو الجهة التي تطرح المشروع التصفوي فيتم تصفيته ومواقفه
سياسيا ويتم نبذه جماهيريا.
الجديد في الأمر أن القيادة أصبحت مضطرة لتبرير سلوكها ومواقفها أمام القاعدة
الوطنية وأمام الجماهير الفلسطينية، وهي بطبيعتها “رفض”، وأن قيادة فتح أصبحت
بين حل الدولتين وحل الدولة الواحدة
139
مضطرة لتفسير وتسويغ )قبولها( أمام القواعد التي اعتادت على تعبئتها بالرفض
ونقد ونقض مواقف الرجعية العربية. كذلك أصبحت قيادة الجبهة الديموقراطية
مطالبة بشرح وتسويغ مواقفها لقواعدها التي سبقت وعبأتها بالرفض وأكثر.
أصبح غصن من الشجرة أداة لقطعها:
هنا تكفلت قيادة فتح وجهازها الناطق بنشر الدعاية للهبوط، وما أدراك ما الهبوط!
إن شعار النضال من أجل دولة في الضفة والقطاع هو في الوقت ذاته ذو وجه آخر لصيق
لا انفكاك بينهما. الوجه الآخر يقر بأن فلسطين المحتلة عام 1948 هي لليهود ولم نعد
نطالب بها وأن شعارنا يعني أننا نطالب حصرا بأراضي فلسطين التي جرى احتلالها عام
1967 م. وهو يعني ذلك بالتأكيد، وقد حصلت إسرائيل على حصتها كما هي القسمة
المرجوة من قبل قيادة فتح، وهي تحصل أيضاً على القسم الثاني الذي تطالب به قيادة
فتح، بينما إسرائيل لم تتنازل عن شبر واحد ولم تقدم وعدا بالتنازل ولم تكن هناك أية
مساومات ولا مفاوضات ولا وساطات، بل كان تنازلا مجانيا صرفا كما أوحت به النظم
العربية الرجعية وعرابو التسوية.
المعنى ذاته ينطبق بالنسبة للديموقراطية مع فارق أن المجلس الوطني الفلسطيني
في دورته الثانية عشرة قد أقر المنهج الجديد بناء على مشروع تقدمت به الجبهة
الديموقراطية. هنا من يطال رأس قيادتها؟. فهي لا تُنظّر لهذا الإنحطاط فحسب بل
تعتز به! كانت ولا زالت حتى يومنا هذا مما دفع أبو ليلى ليرفع صوته متباهيا
“نحن الذين كسرنا تابو التحرير الكامل”.
نعم، هم من كسروها. ولكن الاعتزاز والافتخار بهذا الموقف لا قيمة له أمام الوطنيين
الفلسطينيين بل أمام الأعداء دون أن يلتفتوا!
وهكذا أصبح من مهمة هذا الفريق أن يجند خطابه السياسي وكل ما لديه من
ماكنة إعلامية من أجل تسويغ هذا الهوان. أي أن فريقا من الفدائيين انتقل إلى المواقع
المضادة، وبدلا من أن يترك مهمة الإقناع للعدو- وزير خارجية العدو آنذاك، أبا إيبان، تطوع
ليتحملها بنفسه بطواعية. وبهذا رفع الحصار عن النظم العربية الرجعية التي تعترف
بين حل الدولتين وحل الدولة الواحدة
140
بإسرائيل وتتساوق معها، وهكذا تساوق مع مرحلة الردة العربية التي بدأت بفترة حكم
السادات وانقلابه الرجعي على الناصرية. وهكذا أيضا أفسح المجال للنظام العربي
الرجعي الرسمي ليستثمر حرب أكتوبر، ليس لتحرير فلسطين أو استرداد أراضيها التي
احتُلت عام 1967 ، بل ليتخلى عن حقوق الشعب الفلسطيني. لقد كان قرار المنظمة
موقفا مفتاحيا تقدمت بعده لتصبح جزءا من النظام العربي الرجعي المتهالك والذي
أعلن أن حرب أكتوبر 1973 هي خاتمة الحروب مع إسرائيل والسلم معها ليس سوى هدفا
لهذا النظام.
كانت هذه إذا محطة الاعتراف بإسرائيل بما تعنيه من تبديد للقضية الفلسطينية
من حيث أن المنظمة وقيادتها قد وقفت في ذلك الوقت على طرق التنازلات التي أوصلتها
إلى ما يسمى باتفاقات أوسلو. كانت محطةً كذلك لدحر مواقف اللاصلح ولا اعتراف
ولا سلام مع العدو الصهيوني.
إنه تبدل واسع في المواقف الوطنية أدى إلى تبدل واسع في الثقافة الوطنية طال
كل قطاعات شعبنا “إلا من رحم ربي” )حيث عاد الرفض واعتبر البرنامج المذكور
برنامجا مرحليا على طريق تحرير فلسطين وكأنه موقف تكتيكي يتوجب ربطه بالموقف
الإستراتيجي(.
إن ثالثة الأثافي تمثلت بالتنظير المستميت للسلام مع إسرائيل على أيدي ذات الفريق
الموصوف في بداية البحث: القيادة الرسمية للمنظمة وقيادة فتح والديموقراطية
ولفيف من الكتاب والصحفيين والمثقفين الفلسطينيين مع ما تحت أيديهم من ماكنة
إعلامية وقدرات كتابية وثقافية وتجنيد كل ما وقع تحت أيديهم لسنوات وسنوات، حيث
ساهموا في تطبيع عقل جزء من القواعد الوطنية الفلسطينية وتيئيس جزء آخر
وحصلوا مقابل ذلك على “عفارم” كبيرة ومناصب كبيرة.
ولم يتوقف الأمر هنا، بل ينضم لهم منذ أوسلو فريق واسع جدا من العاملين في
أجهزة الأمن الفلسطيني في الداخل والخارج وأصبحوا عاملين في مصلحة الأمن
الإسرائيلي. ولا زلنا لم نحصل من يومها على دولتنا المستقلة في الضفة والقطاع!
بين حل الدولتين وحل الدولة الواحدة
141
ملحق رقم 2-
اليهود والصهيونية وتغيير العقيدة
محمود فنون
2018/7/5
“تهدف الحركة الصهيونية العالمية إلى تجميع يهود العالم وإقامة دولة يهودية في
فلسطين” )الوكيبيديا(.
أي أن فكرة الصهيونية وربطها باليهودية وانتماء اليهود لفكرة الصهيونية قد أتى
ارتباطا بتجميع يهود العالم وإقامة دولة يهودية في فلسطين وعلى أساس عنصري.
واليهود الذين جسدوا هذه الفكرة مقيمون في فلسطين ارتباطا بصهيونيتهم.
وإذا تخلى اليهودي عن الصهيونية فإنه يتخلى عن الإقامة في فلسطين، علما أن هذه
الإقامة كما هو حاصل حاليا بقوة السلاح وبالعداء للعرب.
والصهيونية ليست قميصا يطالبون باستبداله إنما الصهيونية هي استيطان
استعماري اقتلاعي عنصري، وصفة الاستيطان الاستعماري الاقتلاعي هي التي تمارس
على الأرض الفلسطينية. فإذا غيّر اليهود صفاتهم الصهيونية قولا أو عملا فهم
بالتطبيق الملموس استيطانيون واقتلاعيون وهذا لن يتغير إلا برحيلهم.
ويقول أحمد سعدات الأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين )كموقف خاص
به( رأيا آخر مفاده: “كما ممكن عزل سكان فلسطين اليهود عن الأيديولوجيا الصهيونية
التي تحض على الكراهية وترويج العداء ضد العرب وكل من يناضل ضد الصهيونية”،
دون أن يذكر سعدات كيف سيتم هذا العزل مع أنه يكتفي بنتائجه وأنه سيزيل العداء
ضد العرب. وعليه، فهو يقبل ب “تعايش في إطار دولة ديموقراطية يعيش فيها الجميع
ونبذ كل أشكال القهر والعنصرية، وقناعتي أن الأمر ممكن،...” )أحمد سعدات. صدى
القيد ص 189 ، تحت عنوان وأخيرا(.
وهذا دون أن يتطرق إلى عزل الاستيطان والمستوطنات والمستوطنين عن فلسطين
واكتفى “بعزل السكان اليهود عن الأيديولوجيا الصهيونية” مع بقاء كل شيء على
حاله.
لقد حصر القضية الفلسطينية كلها في ما تثيره الأيديولوجيا الصهيونية من عداء
بين حل الدولتين وحل الدولة الواحدة
142
وكراهية ضد العرب، ويرى الحل في تغيير الأيديولوجيا. ولكنه يعلم أن هذا غير صحيح.
فالاستيطان قد تم والاقتلاع قد تم مدعوما بالسيطرة بقوة السلاح، والأمر لا يشبه
أقلية، كما في جنوب أفريقيا، أو جماعات عرقية منتشرة هنا وهناك يمكنها أن تتعايش
بين الفلسطينيين والعرب. بل إن الموقف هو تراجع وارتداد عن الموقف التحرري الثوري
الفلسطيني الذي تمسك به المناضلون الثوريون الفلسطينيون وسقط آلاف الشهداء
في سبيله.
ويأتي في هذا السياق رأي ماجد كيالي الذي يبسط الأمر لنا لاعتناقه فيقول:
“ سادساً: التحرر من الانحصار في الخيار السياسي الأحادي، المتمثل بالدولة في
الضفة والقطاع، سيما بعد افلاس خيار أوسلو، بالانفتاح على خيارات موازية، وضمنها
خيار الدولة الواحدة الديمقراطية، دولة المواطنين الأحرار والمتساوين، بكل أشكالها، في
كل فلسطين، باعتبار ذلك الحل الاجدى والأنسب للمسألتين الفلسطينية واليهودية في
فلسطين، وعلى أساس تقويض الصهيونية ومختلف تجلياتها الاستعمارية والعنصرية
والاستيطانية والأمنية والأيدلوجية، إذ إسرائيل تصارعنا على كل شبر في الضفة
والقدس، وباعتبار أن أية تسوية لابد ان تنبني على عنصري الحقيقة والعدالة، وعلى
التطابق بين أرض فلسطين وشعب فلسطين وقضية فلسطين”. )ماجد كيالي. بيان
للتوقيع. فيس بوك 8/ 12 / 20017 م(، وقد دعا كيالي إلى التوقيع على هذا البيان.
ويأتي مع كيالي على هذه الفكرة )فكرة التعايش وتخلي اليهود عن صهيونيتهم(
لفيف من الكتاب والبيانات التي تجتمع كلها على فكرة دولة واحدة في فلسطين بعد
تخلي اليهود عن عنصريتهم وصهيونيتهم. وذلك دون ربط فكرة التخلي هذه بالتخلي
عن الأرض التي استوطنوا عليها كملكية وجغرافيا؛ أي استيطانهم الاستيطاني
الاقتلاعي القائم على الأرض. أي أن يستبدلوا قميصا يلبسه اليهود بقميص يقترحه
هؤلاء فيزول عداء اليهود لنا وتنتهي مشكلة احتلال واستيطان فلسطين ويكون كل
شيء بخير.
بين حل الدولتين وحل الدولة الواحدة
143
ملحق 3
النكبة وحل الدولة الواحدة
محمود فنون
2018/7/6 م
إن تعريف المشكلة الفلسطينية يبدأ من عملية تهويد الوطن الفلسطيني بلدا
وممتلكات – أرض، وعلى قدم وساق، واستقدام المهاجرين اليهود والذين شكلوا الوجود
الإستيطاني في كل أنحاء فلسطين .. الخ.
ولا يبدأ من عنصرية ولا ديموقراطية اليهود وسلطتهم الحاكمة، ولا أهمية للعنصرية
والتمييز العنصري والأيديولوجيا الكولو نيالية لو أنهم لم يُستقدموا لاستعمار
فلسطين.
فلماذا كل هذا الحماس للدفاع عن المستوطنين الأجانب في فلسطين والتطبيع
معهم؟
كيف تستخدم كلمة الديموقراطية لتسويغ تطبيع العقل الفلسطيني لقبول
استيطان الصهاينة على أرض فلسطين؟
دور الكتاب والساسة الإنجليز والغربيين في التبشير باستعمار فلسطين:
يندرج الكثيرون من الراغبين في خدمة استيطان الصهاينة في فلسطين وكأنها
ضرورة ملحة، وبأقلام كتبة فلسطينيين وعرب. إنهم بهذا يأخذون، ويستمرون، بدور
الكتاب والساسة الإنجليز في القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين الذين كانوا
يُنظّرون لفكر الاستعمار الغربي ومن منطلقات استعمارية خالصة وظالمة. وبناء عليه،
تصدى الساسة الإنجليز لتجسيد فكرتهم الاستعمارية وعملوا وبالقوة العسكرية
على فتح الباب لتهويد فلسطين حتى أصبحت فكرة إقامة وطن قومي لليهود في
فلسطين سياسة عملية، ودفع ويدفع شعب فلسطين والأمة العربية أثمانا باهظة ولا
يزالون يدفعون من وجودهم وحياتهم وأمنهم وممتلكاتهم.
لقد كانت فكرة الغرب الإستعماري تقوم على الإزاحة من المكان منذ أول يوم. فتوطين
اليهود وبشكل تراكمي كان يستلزم الحصول على الحيز للسكن وبناء المستوطنات معززا
بفكرة الصهيونية، ومعززا بالدين اليهودي الذي استخدم كما هي العادة في استخدام
بين حل الدولتين وحل الدولة الواحدة
144
الدين، كخادم للسياسة الاستعمارية والرجعية. ومنذ اليوم الإول، كانت الإزاحة مدعومة
بالقوة العسكرية وكل أشكال التمكين بما فيها احتلال فلسطين من قبل الإنجليز وفرض
الانتداب عليها.
إن كل مستوطنة يهودية أقيمت في فلسطين قد أقيمت على أرض الفلسطينيين
وفي أمكنتهم.
وطوال الحقبة الممتدة منذ الاحتلال وحتى عام 1948 م كانت تجري عملية اغتصاب
وقلع متواترين رغم إرادة الشعب الفلسطيني.
كان هناك تواطؤ من البعض الفلسطيني والعربي، تواطؤ مع الفكرة وتواطؤ في
مقاومتها.
لا بد من استذكار أدبيات العقلية الاستعمارية التي جسدها المنظرون والكتاب
والدعاة والساسة منذ عام 1840 م )مقالات بالمرستون(، كي نفهم ما هو الدور الذي
يقوم بهم منظرو اليوم من كتبة ودعاة وساسة فلسطينيين وعرب لخدمة ذات الفكرة
الصهيونية، ولكن في محطة جديدة من تطور وتمكين عملية الاستيطان اليهودي في
فلسطين مع فارق أساسي وهو أنها بألسنة تنطق بالعربية.
كان منظرو الأمس يوجهون خطابهم للدول الاستعمارية تارة ولليهود تارة أخرى من
أجل القبول بفكرة تحويل فلسطين إلى مستوطنة في خدمة السياسة الاستعمارية
وكل ما يحيط بالفكرة، ويبررون دوافعهم بأن المسألة مهمة للاستعمار وضرورية لليهود
بوصفهم أداة مناسبة لخدمة هذه الفكرة، وموجهة لليهود بنوازع الفائدة والدين والخوف
لدفعهم للاستجابة للانتقال إلى فلسطين.
التنظير على لسان عرب وفلسطينيين
أما تنظير الخدم الفلسطينيين اليوم فهو موجه للعقل والثقافة الفلسطينية
والعربية باستهداف تدمير الثقافة التحررية الثورية المقاومة وخلق حالة من القبول
بالنتائج المريعة والإجرامية التي تحققت، وذلك ظاهريا بدوافع الديموقراطية ومناهضة
العنصرية، لكنها أفكار المهزومين المتهالكين والخائفين والمستعدين لخدمة العدو بآرائهم
وأفكارهم وتاريخهم الشخصي.
بين حل الدولتين وحل الدولة الواحدة
145
إنما يطرحون أفكارهم هذه بعد أن نجحت قوى متضافرة فلسطينية وعربية وصهيونية
ودولية في إنهاك الحركة الوطنية الفلسطينية وعزلها عن العملية الثورية التحررية،
وفي مناخات تراجع المد التحرري الفلسطيني والعربي، وحلول حالة من الرجعية في
الوطن العربي، وتعمق هيمنة الاستعمار الغربي على مجمل نواحي الحياة في البلاد.
هذه الحالة دفعت بالرجعية العربية المتآمرة أصلا، خفية، بالسر وبالعلن أحيانا، إلى
التصدي لخدمة العدو جهارا نهارا. وساقت معها الكثير من ناطقي الرأي والكتاب
والصحفيين ورجال الدين ومستخدمي السياسة، عربا وفلسطينيين، كانوا يحتاجون
أصلا إلى “دفعة إصبع”.
هؤلاء اليوم يحولون الفكر التحرري والثقافة التحررية إلى فكر وثقافة مهزومين وهم
خاضعون كذلك لرغبات العدو وفي خدمته. إنهم عملاء الاستعمار وأدواته في داخل
الوعي والثقافة الفلسطينية خاصة، والعربية عامة، في محطة جديدة وزمن جديد
وهم حالة استكمالية للتنظير الغربي في حينه.
لقد فاقهم فقط منظرو الدين الذين يدعون لقبول إسرائيل بل والدفاع عنها
والتنظير ضد من يقاومها جهارا نهارا وبشكل صريح )إن خضوع الدين واستخدامه من
قبل منظريه لخدمة فكرة تهويد فلسطين أشد خطورة من تنظير المثقفين، وكلٌّ يخدم
العدو بطريقته(. وهذا ليس مكانه هنا وسأفرد له مكانه لاحقا.
ماجد كيالي:
“خيار الدولة الواحدة الديمقراطية، دولة المواطنين الأحرار والمتساوين، بكل أشكالها،
في كل فلسطين، باعتبار ذلك الحل الاجدى والأنسب للمسألتين الفلسطينية واليهودية
في فلسطين، وعلى أساس تقويض الصهيونية ومختلف تجلياتها الاستعمارية
والعنصرية والاستيطانية والأمنية والأيدلوجية”. ماجد كيالي.
هنا يعزز كيالي فكرته بعبارة “تقويض الصهيونية ومختلف تجلياتها الاستعمارية
والعنصرية والاستيطانية والأمنية والأيدولوجية”، وبهذا يطمس عمدا أساس فكرة
تهويد فلسطين كفكرة استعمارية ويمر على مسألة الاستيطان على أنها مسألة قابلة
للتقويض مع بقاء المستوطنين في حيزهم الذي استولوا عليه واستوطنوا فيه. أي
بين حل الدولتين وحل الدولة الواحدة
146
أن عملية التقويض هي لفظة بلغة الإنشاء لا أكثر. فتقويض الصهيونية في نظره
ليس أكثر من لفظة يتغنى بها ويستخدمها لتمرير فكرته ودوره وخلق مناخات لزعزعة
الوعي القومي والتحرري.
ويضيف سلامة كيلة “المشروع الفلسطيني من أجل دولة علمانية ديمقراطية عربية،
تقبل وجود )اليهود( في إطارها، انطلاقاً من أنهم ينتمون إلى قوميات أخرى،” لتفكيك
الدولة الصهيونية كوجود سياسي وكيان عسكري وايديولوجية عنصرية. لتصبح دولة
إسرائيل غير صهيونية كهدف نهائي، وكفى الله المؤمنين القتال. ولا حديث عن إزاحة
المستوطن المستعمر من المكان، ويبقى كل شيء على حاله مع إدراج ألفاظ فارغة من
كل مضمون.
ويساهم محمود الشيخ:
“اللجوء إلى حل الدولة الواحدة ثنائية القومية ينال الجميع حقوقاً متساوية تماما
ومواطنة كاملة دولة لجميع مواطنيها”، أي للمستوطنين بعد أن يصبغوا وجوههم بناء
على طلبه وهم لن يفعلوا ما دام محمود الشيخ وأمثاله في صفهم.
أما نديم روحانا الذي يتجاهل بدوره قرنا كاملا من المعاناة والتشريد والنكبة
والمذابح والإزاحة المتواصلة والسيطرة الكاملة على الجغرافيا فهو يرى:
“إذا كان الفلسطيني يرى في الصهيونية حركة كولونيالية، فإن الهدف سيكون
واضحاً، وهو تفكيك النظام الكولونيالي”.
خلاصة: فلو كان استعمار فلسطين على أيدي قوى غيرعنصرية لما كانت هناك
مشكلة وفق هذا الرأي. فالحل إذن تفكيك النظام الكولونيالي. ولكن وجود الاستيطان
ليس مجرد جالية نزحت من مكان إلى مكان. إن وجودهم هو نظام كولونيالي. وإن
النضال الفلسطيني من أساسه كان لمنع وجودهم، وبعد ذلك من أجل إزالة وجودهم. إن
هذا الرأي هو تراجع عن رفض وجود الاستعمار الكولونيالي والانتقال إلى قبوله ليس إلا!
ويؤكد روحانا على فكرته: “.. ، واستبدال النظام الصهيوني بنظام يضمن الحرية
والمساواة والديموقراطية للجميع”.
بين حل الدولتين وحل الدولة الواحدة
147
إن هذه هي فكرة خالد الحسن الذي لخصها بقوله “ضمّونا ونشرع على الفور بالمطالبة
بالمساواة”. فخالد الحسن حسم رؤياه بشكل مباشر ودون حاجة للقول بتخليص
اليهود من صهيونيتهم ومن أيديولوجيتهم العنصرية كما طرح كثيرون من أجل تزيين
أفكارهم.
ولكن غانية ملحيس كانت أكثر مباشرة من روحانا وطالبتنا بالاعتراف ب “حقوق
المواطنة المكتسبة ليهود إسرائيل حصرياً )وليس عموم اليهود( في فلسطين، عند
تخليهم عن عقيدتهم الصهيونية الاستعمارية العنصرية، والقبول بالعيش المشترك
في دولة ديموقراطية عمادها المواطنة التي تكفل للجميع حقوقاً )أصيلةً ومكتسبة(
متساوية في العيش الآمن الحر الكريم وتقرير المصير... ويضمن تساوي حق جميع أفراد
المجتمع بالمشاركة في الحياة السياسية، وفي إدارة الشأن العام” .
انظروا غانية ملحيس تطالبنا بالاعتراف لليهود بحقوق المواطنة مع أننا نحن
المحرومون من هذه الحقوق، وهي تعلم أن السيادة والقرار في يد هؤلاء اليهود وهم ليسوا
أقلية صغيرة مهضومة الحقوق في بلادنا، بل نحن مهضومو الحقوق. إن هذا تدليس
يستهدف إزاحة وعينا بدل من إزاحة الاستيطان الكولونيالي. هي إذن تطالبنا بتغيير
فكرتنا بالقول بما يفيد أن هذا الاستيطان الاقتلاعي شرعي فأعلنوا من اليوم قبولكم
بتشريعه.
ماذا تقول وثيقة ميونخ عن كيفية الخلاص السحري:
“الدولة الديمقراطية الواحدة في فلسطين تُنهي التطهير العرقي والاحتلال وجميع
أشكال التمييز العنصري الذي عانى منها الشعب الفلسطيني تحت الصهيونية /
إسرائيل”
هكذا إذن! فقبول الاستيطان الاقتلاعي العنصري في وعينا وثقافتنا “تُنهي التطهير
العرقي والاحتلال وجميع أشكال التمييز العنصري الذي عانى منها الشعب الفلسطيني
تحت الصهيونية ..”
ولكن ما يعانيه الشعب الفلسطيني هو احتلال فلسطين والاستيطان فيها ووجود
المستوطنين المدججين بالسلاح والقوة بمختلف أشكالها ولا يقتصر الأمرعلى التمييز
بين حل الدولتين وحل الدولة الواحدة
148
ضدنا. نحن شعب فلسطين وفلسطين وطننا ولسنا جالية فيه. وفكرة وثيقة ميونيخ
تريد تخليص اليهود من الصهيونية وبقدرة قادر يزول الاحتلال والتمييز العنصري وجميع
أشكال المعاناة ولكن مع بقاء اليهود في فلسطين. أي مع بقاء الاحتلال والاستيطان
والقلع والتمييز العنصري. الأقوال الجميلة للفلسطينيين ووطنهم لليهود.
إن حصرتعريف الصهيونية بأنها أيديولوجيا عنصرية فقط يأتي في خدمة أهدافها،
فالصهيونية هي ابتلاع فلسطين وملؤها بالمستوطنات وما يلزم ذلك من كيانية وجيش
وإرهاب واقتلاع لتمكين مثل هذا المشروع.
ويدافع سلامة كيلة عن وجود الاستيطان وحقوقه في الأرض وحمايته من أية
أضرار قد تلحق به بقوله:
“...هنا، لا بدّ من التأكيد على أن كل المشكلات ... والمتعلقة بالملكية أو السكن، يجب
أن تحلّ من خلال مبادئ العدل، وفي إطار لا يفضي الى نشوء أضرار جديدة بحق التجمع
اليهودي المتَُخَلِص من مزاياه وامتيازاته التي كفلها له النظام الصهيوني العنصري.”
إياكم أن تمسّوا حق التجمع اليهودي المتخلص من صهيونيته، وحقوقه في الامتيازات
التي منحها له النظام الكولونيالي كما جاء في مكان آخر من فكرة سلامة كيلة.
وتحصر صرخة من الأعماق لصبري مسلم وأعوانه مشكلة
الفلسطينيين “في نوع العلاقة التي أقامها كيان المستوطنين” وهي بهذا ترى أن
على اليهود أن يحسنوا علاقاتهم مع السكان الأصليين وكل شيء سيكون “عال
العال” وتطمس بذلك ضياع فلسطين وتهجير سكانها وكل أشكال المعاناة
القاسية والتضحية الجسيمة التي عاشها الشعب الفلسطيني.
وتنفي الصرخة صراحة كل ما يتعلق بقضية الشعب الفلسطيني ومعاناته بحصر
المشكلة كما تنص: “ولهذا نرى ان المشكلة الفلسطينية لا تنحصر في وجود مهاجرين
مستوطنين من جهة وسكان أصليين )فلسطينيين( على أرضها التاريخية من جهة
اخرى،”. إن وجود الاستيطان كله ليس هو مشكلة الشعب الفلسطيني، المشكلة في
العلاقة السيئة بيننا وبين المستوطنين لا غير.
بين حل الدولتين وحل الدولة الواحدة
149
إن الورقة بحصرها هذا تقفز عن أساس المشكلة وصيرورتها بل تطمسها بصراحة
خدمةً لبقاء الاستيطان والتعايش معه وترى حلها بأنه حجر الزاوية.
وتعود الصرخة لتعريف عبارة تحرير فلسطين بشكل جديد وبصراحة ليس بعدها
وضوح حيث تقول:
“ومن هنا وعلى ضوء فهمنا هذا ننطلق نحو تحديد المضمون الحقيقي لشعار
تحرير فلسطين، الذي لا يعني في أية حال من الأحوال تحريرها من وجود المستوطنين
المهاجرين المقيمين فيها، بل تحريرها من نمط العلاقات الإستعمارية الإثنية الإحلالية التي
أقامها هؤلاء المستوطنون مع شعبنا الفلسطيني..”
هذا هو دور الصرخة وكتاب الصرخات كلهم وهو يبدأ من تغيير المفاهيم تعبيرا عن
تغيير الموقف من إسرائيل والإنتقال من رفض هذا الوجود إلى القبول به.
وأحمد قطامش يرفض “إلقاء اليهود في البحر أو طردهم من بلاد المسلمين”
أي طردهم من فلسطين حيث يقول:
“ هل يسمح العمل السياسي الأخلاقي بإزاحتهم من المكان والزمان أو إبادتهم
فيزيائيا؟ هل هم وباء أم بشر؟”
إنهم بشر ولكنهم معسكر سياسي ومدني وعسكري يحتل فلسطين. هم ليسوا
جالية من هذه البلد أو تلك وليسوا عرقا يعيش على هامش حياتنا، فلماذا يدافع عن
وجودهم بعد أن سبق ودافع عن تحرير فلسطين من وجودهم. إن قطامش يوظف فترة
تاريخه الكفاحي للارتداد عليها وإقناع المريدين بفكرته، ويسأل سؤالا استنكاريا تجب
الإجابة عليه مقدما:
“- هل ثمة إمكانية للفصل الإقليمي، هذا ملعبنا وذاك ملعبكم؟”
يجيب قطامش “إن الفصل الإقليمي مستحيل ..”، ثم يلجأ للعقل الخالص كي
ينقذ الموقف
وبعد ذلك يحذر إسرائيل “أي أن الإنتصار الإسرائيلي لا يفضي إلى سلام في المنطقة،
بل قد يفتح الباب للتعريب الجذري للصراع واشتعال جبهات أخرى” دون أن يشرح لهم
واقعية مثل هذا السيناريو في هذه المرحلة. ويقول: “أجد نفسي ... منحازا للرؤية
بين حل الدولتين وحل الدولة الواحدة
150
الأخلاقية التي تسعى لاجتثاث عوامل الصراع والحرب....”)؟(. كان هذا عام 2001 م بعد
بضع سنين من خروجه من السجن وظل يطرح ويكتب ويشرح حتى اليوم.
وإليكم ما تجاهله أصحاب هذه الفكرة بعنوان النكبة الفلسطينية بالأرقام:
النكبة الفلسطينية بالأرقام:
النسخة الأصلية كتبت في تاريخ 28 أيار، 2007
1.4 مليون فلسطيني أقاموا في فلسطين التاريخية قبل نكبة فلسطين في
العام 1948 605،000 يهودي أقاموا في نفس الفترة وشكلوا 30 % من مجمل سكان
فلسطين 93 % من مساحة فلسطين التاريخية تبعت للفلسطينيين مع بداية حقبة
الانتداب البريطاني على فلسطين.
%7 من مساحة فلسطين التاريخية، خضعت للصهاينة عند صدور قرار التقسيم
في تشرين ثاني، 1947
%56 من مساحة فلسطين التاريخية منحت “للدولة اليهودية” بموجب قرار
التقسيم في تشرين ثاني، 1947 .
تقريباً )نحو , 000 50 %/ 497 عربي فلسطيني( من سكان “الدولة اليهودية”
المقترحة كانوا من العرب الفلسطينيين.
%80 تقريباً من ملكية الأراضي في “الدولة اليهودية” المقترحة كانت تتبع
للفلسطينيين.
725,000 عربي فلسطيني مقابل 10,000 يهودي هم سكان “الدولة العربية”
المقترحة بموجب قرار التقسيم.
531 قرية ومدينة فلسطينية طهرت عرقياً ودمرت بالكامل خلال نكبة فلسطين.
%85 من سكان المناطق الفلسطينية التي قامت عليها إسرائيل )أكثر من 840,000 (
هجروا خلال النكبة.
%93 من مجمل مساحة إسرائيل تعود إلى اللاجئين الفلسطينيين.
%78 من مجمل مساحة فلسطين التاريخية، قامت عليها إسرائيل في العام 1948 .
17178000 دونم صادرتها إسرائيل من الفلسطينيين في العام 1948 .
بين حل الدولتين وحل الدولة الواحدة
151
150000 فلسطيني فقط بقوا في المناطق التي قامت عليها إسرائيل.
30,000 - 40.000 فلسطيني طهروا عرقياً داخليا خلال نكبة فلسطين.
15000 فلسطيني قتل خلال النكبة.
أكثر من 50 مذبحة “موثقة” وقعت بحق الفلسطينيين في العام 1949 .
700000 دونم صادرتها إسرائيل من الفلسطينيين بين الأعوام 1948 - 1967 .
%70 من الأراضي التابعة للسكان الفلسطينيين تحولت للأيدي الصهيونية بين 1948
وأوائل الخمسينيات.
%50 من الأراضي التابعة للفلسطينيين الذين بقوا في أراضيهم داخل إسرائيل تحولت
للأيدي الصهيونية بين الأعوام 1948 و 2000 .
%75 تقريباً من مجمل الفلسطينيين اليوم هم لاجئون ومطهرون عرقياً.
%50 تقريباً من مجمل تعداد الفلسطينيين يقيمون قسرا خارج حدود فلسطين
التاريخية
%10 تقريباً من مجمل أراضي فلسطين التاريخية تتبع اليوم للفلسطينيين.
)المصدر: صحيفة حق العودة، العدد رقم 17 )عدد خاص(، المركز الفلسطيني لمصادر
حقوق المواطنة واللاجئين، أيار 2006 (.
هذه الأرقام تبين مساهمة أصحاب حل الدولة الواحدة بلا عقيدة صهيونية في خدمة
الصهيونية واستيطانها وتهويدها لأرض فلسطين التاريخية.
بين حل الدولتين وحل الدولة الواحدة
152
ملحق رقم 4
في شعار الدولة الواحدة –الرفيق غازي - امد
2013/10/21 م
مرة أخرى في شعار الدولة الواحدة – تفاعل مع الرفيق غازي، أمد للإعلام
محمود فنون
2013/10/21 م
طرح الرفيق غازي الصوراني بوضوح وتحت شعار “...مواصلة النضال لإنهاء الكيان
الصهيوني وإقامة فلسطين الديموقراطية “هو هنا يبدأ بشكل واضح: بأن إقامة
فلسطين الديموقراطية يأتي زمانيا وبالتتابع بعد “إنهاء الكيان الصهيوني.” وليس
مطالبة الآن لإقامة هذه الدولة وكأنها مطالبة موجهة للكيان الصهيوني نفسه
كما طرحت مجموعة اللقاء بزعامة راضي الجراعي وغيره من العناوين التي تطرح هذا
الشعار”
والرفيق يقول في الخاتمة مشخصا الحال الحاضر بدقة:
“بعد أن بات قيام دولة فلسطينية كاملة السيادة على الأراضي المحتلة 67 ، أقرب
إلى الوهم في ظل ميزان القوى المختل راهناً، ولا يشكل حلاً أو هدفاً مرحلياً يلبي الحد
الأدنى من أهداف شعبنا، وإنما يمثل ضمن موازين القوى في هذه المرحلة – تطبيقاً للرؤية
الإسرائيلية الأمريكية، الأمر الذي يؤكد على ضرورة الحوار المعمق لتكريس التزامنا
بالهدف الإستراتيجي وتجاوز كل حديث عن حل مرحلي بوسائل تسووية بعد أن توضح
بأنه وهم قاد إلى انحدار نشهد اليوم نتائجه المدمرة”
هنا نزيد الأمر إيضاحا ونؤكد أن الهدف المرحلي، كما حددته الأدبيات الفلسطينية
في بداية السبعينيات وهي في طريقها لتقديم التنازلات، قد ولد ميتا بالأساس. فهو
قد جاء تحت عنوان إقامة دولة فلسطينية على أراضي الضفة والقطاع بما يعني حصرا
التخلي عن ما عداهما من الأراضي الفلسطينية وليس برنامجا للتطبيق لإقامة هذه
بين حل الدولتين وحل الدولة الواحدة
153
الدولة بالإستناد إلى النضال والتضحيات. لقد جاء هذا الشعار تعبيرا عن حسن نية
القيادة المتنفذة وجاء بالتحديد في سياق “إعادة تأهيل المنظمة لتصبح مقبولة
أ مريكيا وعربيا” دون أي إلتزام من أمريكا بأي شيء ولا حتى في حدود المساومة .
إن مرحلية النضال على العموم قد تنشأ بحكم الواقع كما تحرير فيتنام على مرحلتين
وقد لا تلزم كما تحرير الجزائر دفعة واحدة. ليس العيب في هذا بل العيب في أن المرحلية
كانت شعارا للتغطية على التنازل عن أراضي 1948 كما رأت القيادة الرسمية. مع العلم
أن الجبهة فهمت المرحلية على مقاسها الثوري وبشكل سليم من حيث المبدأ كمرحلية
على طريق تحرير باقي فلسطين، وهي كانت تدرك أن إقامة الدولة يأتي بنهج مختلف
عما طرحته القيادة اليمينية. وهذا ما عبرت عنه بالاعتقاد بأن إمكانية الدولة أصبحت
واقعية ولكن في ظل الإنتفاضة والكفاح الوطني.
بدون لبس أو إبهام: لا نطرح دولة ديموقراطية علمانية واحدة للشعبين من أجل
معالجة مشكلة اليهود. نحن لا يدفعنا القلق على مصير من يتبقى من اليهود في
أرض فلسطين بعد تحريرها وإسقاط الدولة اليهودية الصهيونية. نحن يدفعنا القلق
على شعبنا وقضيته وعودته إلى فلسطين المحررة، وما بعد التحرير تكون معالجة
الوضع الناشئ تحصيل حاصل ومهمة راهنة. أما طرح حل الدولة الواحدة اليوم، وعلى
أنقاض حل الدولتين، فهو يخلق وضعا ملتبسا مهما تم تزيينه بمظاهر الاستجابة
للظروف الإنسانية ومهما تم تشريطه بالشروط. إنه يعني اليوم وفقط التسليم
لليهود بفلسطين ولا شيء آخر مما يوجب الإنتباه والحذر الشديدين. إن الشروط تسقط
ويبقى جوهر الأمر كما ذكرت ويعود الطارحون من اليسار لموقف المعارضة بحجة أن
ما يجري ليس على مقاسهم كما فعل عرابو التسوية وشعار الدولتين لشعبين بعد
وصول المسار الهابط إلى أوسلو. أنا مع شعار تحرير فلسطين - فلسطين كلها، وليس
مع طرح شعار الدولة الموحدة، وضد التسلح بأقوال جورج حبش في زمن آخر وظروف
أخرى هي ظروف الثورة المتصاعدة وتسليح الجيوش العربية من أجل التحرير في عام
1969 م كما فعل الرفيق أحمد قطامش اليوم. فلست مع التسلح/التذرُّع المشوه بخبث
بأقوال جورج حبش من أجل التسويق اليوم لفكرة تستهدف التسليم بفلسطين
وطنا لليهود كما جاء في وعد بلفور وصك الإنتداب. فلو كان جورج حبش مع حل
بين حل الدولتين وحل الدولة الواحدة
154
الدولتين أو الدولة، كما يتبناها أهل هذه وتلك، لكان جاء إلى الأرض المحتلة. من الخبث
بمكان تحريف الأقوال، وخاصة في سياق ما لصالح سياق تاريخي ما وهو تحريف ليس
ت قديراً للحكيم ولكن للقضاء على مصداقيته من أجل أهداف وضيعة ولا وطنية.
تتعدد التلاوين التي تطرح حل الدولة الواحدة اليوم وتتباين في الشروط
وكثافتها وتنوعها .. فمن يطرح ضرورة الالتزام بحق العودة أولا .. ومن
يطرح ضرورة أن تتخلى إسرائيل عن عنصريتها وصهيونيتها أولا .. ومن يزين
بأن تسلم إسرائيل بالتساوي والحقوق الديموقراطية المتساوية أولا، ...الخ.
وكل هذه شروط ساقطة قبل رفعها ويعلم واضعو هذه الشروط أنهم يكذبون على
الشعب ويسوّقون مجتمعين لفكرة واحدة هي بقاء فلسطين في حدود اشتراطات
المشروع الصهيوني كما يريدها أصحابه والداعمون له من الدول الإستعمارية الغربية .
بين حل الدولتين وحل الدولة الواحدة
155
المصادر وثبت المراجع :
1 .1 عبد الهادي، مهدي المسألة الفلسطينية ومشاريع الحلول السياسية 1934 -
1974 م
2 .2 صحيفة الحوار المتمدن الإلكترونية
3 .3 جروزلم بوست الإسرائيلية
4 .4 وكالة الأنباء والمعلومات الفلسطينية “وفا”
5 .5 ويكيبيديا الموسوعة الحرة
6 .6 الموسوعة الفلسطينية
7 .7 صحيفة الركن الأخضر
8 .8 مسارات، صحيفة إلكترونية
9 .9 كيلة، سلامة. من سراب حل الدولتين إلى الدولة الديموقراطية الواحدة
1010 فيس بوك
1111 فلسطين. صحيفة إلكترونية
1212 قطامش، أحمد. التسوية الجارية إدارة أزمة أم حل أزمة
1313 قطامش، أحمد. مقاربة لفهم تسوية الصراع
1414 سعدات، أحمد. صدى القيد
1515 صحيفة وطن للأنباء
1616 الإتجاه. صحيفة إلكترونية
1717 مسارات. مجلة إلكترونية
1818 عرب 48 . صحيفة إلكترونية
1919 جريدة القدس الفلسطينية
2020 جريدة الأيام الفلسطينية
2121 المعرفة
2222 فنون، محمود. أزمة القيادة الفلسطينية – الحوار المتمدن
بين حل الدولتين وحل الدولة الواحدة
156
كتب أخرى للمؤلف
1 .1 فلسفة المواجهة وراء القضبان - أوراق حمراء، الطبعة الأولى عام 1982 وصدرت
عدة طبعات وهي لا تحمل اسم المؤلف. كتب في السجن عام 1979 م
2 .2 دراسة في اتفاقية عدن الجزائر، أوراق حمراء، كتب أثناء الاختفاء
3 .3 ملاحظات وآراء على بوابة دورة المجلس الوطني الفلسطيني السادسة عشر –
أوراق حمراء، كتب أثناء الاختفاء
4 .4 احكي القصة – أوراق حمراء، كتب في عمان أثناء الإبعاد
5 .5 أزمة القيادة الفلسطينية من اللجنة التنفيذية العربية الى اللجنة
العربية العليا والهيئة العربية العليا الى اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير
الفلسطينية - الحوار المتمدن وصحف أخرى، 2011 م
6 .6 ثورة 36 – 39 م مقدمات ونتائج الحوار المتمدن وكنعان وصحف أخرى، 2012 م
7 .7 مقالات مستمرة في الصحف الألكترونية – الحوار المتمدن، دنيا الوطن، أمد،
ساحات التحرير وكنعان وغيرها.
8 .8 مجموعة قصص قصيرة نشرت في الصحف الإلكترونية.
انشر المقال على: