الجمعة 29-11-2024

عباقرة الأمن والتعليم

×

رسالة الخطأ

موقع الضفة الفلسطينية

عباقرة الأمن والتعليم

تشهد مختلف دول العالم احتجاجات طلابية، فالعمل الطلابي المطلبي والسياسي أصبح سمة أساسية وضرورة اجتماعية لا يمكن لأيٍ كان التنكر لها، وفي الحالة الفلسطينية تحديداً كان للحركة الطلابية دور أساسي في الدفاع عن حقوق الطلبة، في ظل نسق متزايد من خصخصة التعليم باتجاه عام يتخذ الصيغ الربحية، ويتعامل مع التعليم كسلعة وليس كحق للطلاب، ورغم التراجع الكبير في كفاءة الحركة والأطر الطلابية ووزنها، إلا أنه لا يمكن التنكر لدورها النضالي العريق والمتجدد في الميدان السياسي الخاص بالنضال ضد الاحتلال، فلا زالت هذه الحركة هي الدفيئة التي تنتج فيها الأفكار السياسية، والحراكات المجتمعية، وكذلك يتقدم من بين صفوفها كوادر العمل السياسي الفلسطيني على اختلاف فصائله، ولن نتحدث هنا عما يقدمه الطلاب من تضحيات في مواجهة الاحتلال، فالحديث لن ينتهي أمام جبال من التضحيات التي راكمها الطلبة وشهداء الحركة الطلابية في المقاومة ضد الاحتلال بكافة اشكالها.
الغريب اليوم أن هناك من قرر وفي غفلة من هذا الزمن الرديء فلسطينياً، أن بإمكانه ارسال بضعة من رجال الشرطة، لينضموا لأمن الجامعات ويتناوبوا على قمع الطلاب وتكسير عظامهم بالمعنى العام، وذلك في ظل غياب لأي فهم لحقوق الطالب في الاحتجاج، والأسوأ تجاوز تام لحرمة الجامعات كبيئة آمنة للطلاب ولتفاعلاتهم الحية مع محيطهم، وذلك بناء على رغبة من إدارة هذه الجامعة أو تلك، والمشهد هنا على مستوى تقييمنا لإدارة الجامعة التي تتصل بالأمن لقمع طلابها هو سقوط وإفلاس كامل من هذه الإدارات، أما على مستوى النظر للأداء الأمني في المشهد الفلسطيني فهو أمر يطول الحديث فيه.
المؤسسة الأمنية القائمة حالياً في قطاع غزة يدرك عناصرها وقادتها جيداً حجم الأزمة المالية التي يمر بها أهالي القطاع، والظروف المعيشية والاقتصادية التي نعجز عن وصف بشاعتها وسوءها، ومع ذلك يتم إرسال العصي لضرب الطلبة، وهذا لا ينفصل بالمناسبة عن المفهوم الذي قام عليه الجهاز الأمني التابع للسلطة الفلسطينية منذ يومه الأول، القمع كرسالة أولى بدلاً من رسالة حفظ الحقوق الفردية والجماعية ومنع تجاوزها وهي الوظيفة الحقيقية المفترضة لأي جهاز أمني، رسالة القمع هذه هي ورث قديم لم يتخل عنه الجهاز الأمني الحالي في غزة، واذا كان طرفي الانقسام يختلفان على الكثير فيما بينهما، فإن حق الشرطي في ضرب المواطن او الطالب هو حق مُقدس يتفقان عليه، وتشهد على ذلك ساحات الوطن مجتمعة، وزنازين أجهزة الأمن.
وحتى نخرج من إطار توزيع المسؤوليات والاتهامات، فإنه من المهم اليوم أن يقول هذا المجتمع كلمته بوضوح في وجه التغول الأمني، ولتقف الفصائل ومؤسسات المجتمع المدني لتقوم بكامل مسؤولياتها ضد هذا السلوك، أولاً من قبل جهاز الأمن الذي تجاوز تماماً دور ومفهوم حفظ الأمن العام للمجتمع، ليتحول لدور الحارس لمصالح إدارات الجامعات كأداة لمنع الطلاب من المطالبة بحقوقهم، وثانياً تجاه هذه الإدارات التي يجب أن تدرك طبيعة المرحلة التي يمر بها أبناء شعبنا، وكذلك تدرك طبيعة دورها في العملية التعليمية، هذا الدور الذي جوهره توفير حق التعليم للطالب، والأساس في هذا أن يكون حق التعليم مجاني بشكل كامل، عوضاً عن تحويل الجامعات أولاً لنقاط جباية للأموال وثانياً لساحات قمع للطلبة.
وفي الإطار العام لا يمكن القفز عن ضرورة إعادة بناء المؤسسة الأمنية، ولدينا الحق هنا في القول أنه حتى ما اتفق عليه طرفي الانقسام لتوحيد المؤسسة الأمنية غير كافٍ وغير ملائم، فهناك حاجة لبناء عقيدة أمنية فلسطينية حقيقية قوامها إدراك دور هذه المؤسسة خصوصاً في ظل الاحتلال.
أخيراً، يعلم كل من رفع هراوة على رؤوس مواطنيه، أن هذه الرؤوس لن تكسر، وأن الكرامة وإرادة العيش الحر لن تخضع أمام هرواته البائسة، ففي هذه الأرض تعلمنا ببساطة أن ثمن الخضوع والاستسلام أمام القمع والترهيب هو أسوأ ألف مرة من مواجهة بعض الهراوات البائسة الخائفة التي ضلت طريقها، فهذه الجماهير الطلابية هي من ستقود مسيرات العودة بعد أيام معدودة وحينها سنرى معاً من هم هؤلاء الطلاب ومن هو الأحرص على هذا الوطن ومستقبله، وسنرى أيضاً أصحاب الهراوات أين سيقفون.

انشر المقال على: