الخميس 28-11-2024

روايات النساء والإصرار على العودة: "لا يتعوَّض الوطن"

×

رسالة الخطأ

د. فيحاء قاسم عبد الهادي

مساحة للحوار
روايات النساء والإصرار على العودة: "لا يتعوَّض الوطن"
بقلم: د. فيحاء قاسم عبد الهادي

"إحنا راجعين، صار لنا عمر وإحنا نقول راجعين، وبدنا نموت وإحنا نقول راجعين، هيدا اللي عم يخفف العبقة عننا، عرفتِ كيف؟! إحنا موعودين بخط الرجعة".
رسمية حمد يحيى حمد/ قرية فارة/ صفد
*****
في روايات النساء حول نكبة العام 1948م؛ (ضمن ملف نكبة مستمرة .. نضال متواصل/ مركز المعلومات العربي للفنون الشعبية/ مجلة الجنى) تحدَّثن عن رغبتهنّ في العودة إلى بيوتهن، التي طردن منها، وعن حلمهن المستمر بالعودة. ويرتبط إصرارهن على حقهن بالعودة، بدرس التهجير. تؤكِّد النساء انَّهنَّ تعلَّمن درساً قاسياً، بعد تهجيرهنّ، وهو مقاومة أيِّ مخطَّط قادم للتهجير، والتطهير العرقي.
تتحدَّث "رسمية حمد يحيى حمد"، المهجَّرة من قرية فارة/ صفد، إلى صيدا/ لبنان، عن وعود العودة، وعن خيبة أملها بتحقيق هذه الوعود، على مرّ السنين، من جانب، وعن إصرارها على العودة حتى الموت، من جانب آخر:
"ما هو إحنا أثّرت ع نفسيتنا كتير؛ بس إحنا كنّا موعودين بالرجعة، إحنا كنّا موعودين بالرجعة! والناس يضحكوا عالناس، والناس تهدّي الناس، والناس تبرِّد نار الناس بكلمة العودة (..)، إنّه إحنا راجعين، إحنا راجعين، صار لنا عمر وإحنا نقول راجعين (..) ، وبدنا نموت وإحنا نقول راجعين (..) هيدا اللي عم يخفف العبقة عننا، عرفتِ كيف؟! إحنا موعودين بخط الرجعة".
كما تعبِّر "فاطمة شحادة محمود الخواجا" - المهجَّرة من قرية سلمة/ يافا، إلى مخيَّم عسكر/ نابلس، عن حلمها المتكرِّر، في العودة، من خلال ترداد كلمات أغنية قريبة إلى قلبها، ومن خلال تأكيدها على عدم رغبتها في أي تعويض، أو أيّ شيء بديل للعودة. ويلفتنا من خلال شهادتها؛ أنها عادت مرّتين بعد التهجير، لرؤية بيتها، رغم قسوة العودة كزيارة:
"يا دارنا يا إم العنب والتين
وأقول يا ما أحلى هاي بيتنا والنومه بالزمزم
يا داري من عدت وعادك الله
بشيدّوا بالحنة ناطرك يا دارنا على اليوم ارجع
أنا بحلم ليل نهار! على اليوم لو يصحّ لي ارجع! أنا رحت مرتين بعد ما سقطت البلد، بقوا يخلونا نروح زيارات، مش زي هلأ يضيّقوا علينا. والله مرتين ثلاثة رحُت على البلد، ناخذ سيارات ونروح رحلات، ورحت على دارنا، لقيت بيوتنا، خمس بيوت بيتين من غربه وثلاثة من شرقهما في إلا الأرض، والسياج الذي كان بين الأرض تبعتنا وبين الحوش قايمينه والحنفيات قايمينهم، والله ما عرفت دارنا إلاّ من البلحة، لجيرانا كانت، ضايلة البلحة، عرفت إنها دارنا، ودار جيرانا مجرّفينها، ودار الخواجا ودار القرعان وكلهم جرَّفوهم، يعني ما فيه دور.
بفكِّر إني أرجع على تراب بلدي، أرجع وأخشّ وأروح على كرمنا، وأروح على حاكورتنا وأروح على دارنا (....)، على اليوم! على اليوم لو اني ارجع! والله مش دارنا هذه، والله لأقول: منشان الله خذوهم، وعلى بلادنا، على الأرض ننام، من غير فراش ننام، فيه أحلى من بلادنا؟! والله ما فيه أحلى من بلادنا. يرجّعونا على بلادنا، بدناش إشي، حابّه أرجع على بلادي من الصبح، أقول: يا ربي، لو أموت هناك في سلمة!".
وتعبِّر "ريا محمد هنيّة"- المهجَّرة من قرية أبو شوشة، إلى رام الله، عن رغبتها في العودة إلى بلدها، حتى لو كان بيتها مهدَّماً:
"أنا مرة اجت عندي صبية اسمها: "أماني أبو هنطش"، واجا معاها واحد من بيت فوريك، معاه تلفزيون حاطّه في الإرسال، بيقول لي: هان واللاّ بلدك؟
قلت له: لا ولهالقيت، ولهالقيت بدشِّر داري هذه، وبقعد في عريش، في بلدي عريش في بلدي. وطني وطني لا يتعوَّض الوطن، لا يتعوَّض الوطن!".
وعند سؤالها عن معنى الوطن، ما دامت تعيش في رام الله، وليس في المنفى؛ أجابت بما يعبِّر عن مفهومها للوطن: الوطن هو البلد الأصلي:
"لا، لا مش وطني، بيظل اسمي لاجئ بظل اسمي لاجئ، بس لما بكون في وطني، وطني بلدي".
ويتكرر حلم العودة، في شهادة "عايشة زغاريت"- المهجَّرة من عراق المنشية/غزة، حين تعبِّر بدورها، عن رغبتها في العودة إلى بيتها، في عراق المنشية، حتى لو كان خيمة:
"إيش بدي أحلم؟! بدي أرجع على فلسطين، هالحين على البلد بعد 77 سنة 77 سنة عمري اطلعت بنت 16، الحين كل مناي ارجع عليها، لو في خيمة، أو بخربوشة، 6 اكياس أقعد فيها تكون أظل في بلدي في وطني ولا القصر هان، يعني فيه أحلى من البلد؟! فيه أحلى من وطنك أحلى من بلدك؟! فيه ولو يطوّبوا لي كل الدنيا ومال الدنيا وقصور الدنيا؛ ما ببدّلهم بخربوشة اكياس في عراق المنشية. أنا عن زلمتي وعن اولادي بحكي".
*****
تأتي شهادة "يسرا سنونو"- المهجَّرة من قرية الكُويكات/ الجليل – قضاء عكا، والتي تقيم في قرية أبو سنان/ الجليل- لتدلِّل على أنه لا يمكن تعويض البلد التي هجِّر منها شعبها، حتى لو كان مكان الإقامة الجديد، لا يبعد سوى خمس دقائق، عن البلد الأصلي:
"آخر مرّه كنت بالكويكات، كان بعد التهجير بسنة أو سنتين، لما كنّا نشتغل بالزيتون، وبعدها ما شفت البلد، العيلة كبرت والاولاد كبروا وما فضيت، وغير هيك، البلد راحت وما عاد إلنا شغل فيها. صحيح خمس دقائق؛ وإحنا رايحين على نهاريا منمُرّ من جنبها؛ بس ولا مرّه فتت عليها. ولا مرّة فَكَّرت، بقينا نروح أيام البقل، نبقّل عِلت من جناب البلد وما يحكوا معنا، وحتى بطلّت أقبل من عشر سنين، وما عدت رُحت. بيوتنا تدمّرت، وبس بيوت قليله اللي بقيت، اليهود هبّطوا البلد وبنوا من الغرب، بس طلعنا بالثماني وأربعين، وما ضلّ ولا بيت واحد، غير اللي على الأطراف. بحلم بامي، بحلم كيف طلعنا وتركنا كل شي".

انشر المقال على: