المعارض الشيوعي فاتح جاموس لـ«السفير»:
رهان على حس شعبي يمنع الحرب الأهلية
طارق العبد
يبدو موقف المعارض الشيوعي فاتح جاموس من الشأن السوري متمايزاً عن غيره من معارضي الداخل والخارج، خصوصاً في ظل إصراره على دور لا بد أن تقوم به النخب الثقافية والسياسية في البلاد، بحيث تتمكن من قيادة حراك شعبي سلمي يهدف إلى تغيير النظام، ليشكل لاحقاً أحد أبرز ائتلافات قوى التغيير السلمي التي عقدت مؤتمرها في دمشق مؤخرا.
وفي حديثه إلى «السفير» يشير الكاتب المعارض فاتح جاموس إلى مسألة وحدة المعارضة، وموقفه من «هيئة التنسيق الوطني»، وضرورة العودة إلى الحراك الشعبي السلمي، فضلاً عن التعويل على كتلة شعبية ترفض العنف سبيلاً لتغيير النظام، مبدياً في الوقت ذاته تخوفاً من تراجع فرص الحل السياسي وتقدم فرص الحرب الأهلية.
وبالتالي يعتبر جاموس أن فرص الحل السياسي باتت شبه مستحيلة، والوضع في البلاد يتجه نحو الأكثر سوءاً مع تصاعد عاملين، الأول هو المزيد من تجاوز مجموعات واسعة لدور الدولة، فضلاً عن بروز مسلحين يحاربون السلطة ما يضاعف عوامل الحرب الأهلية. أما الثاني فيقتصر على المزيد من التدخل الخارجي، خصوصاً عبر كل من تركيا ولبنان المرشح للدخول في انقسام وحرب أهلية والتموضع بالحالة السورية على أرضية عصبيات وحسابات طائفية.
وعن الحسابات الطائفية، يلفت المعارض السوري إلى أنه وعلى عكس كثير من وجهات النظر التي تحدثت عن مصلحة النظام بجر البلاد إلى الطائفية فإن النظام لم يهدف لذلك، موضحا «لا أعتقد انه قد سعى إلى ذلك، ولو أراد لفعلها في مناطق مثل اللاذقية وجبلة وطرطوس وبانياس، لكن في الحقيقة لقد جرت عمليات تجاوز للدولة، وبأشكال طائفية خطيرة، ولا يزال ملف الخطف الطائفي خطيراً للغاية».
وأضاف «هناك قرار دولي بالاستمرار في الضغط على سوريا وأخذها لمآل أخرى، خصوصاً الموقف السعودي الواضح أنه غير مستقل وينسجم مع المراكز الغربية»، مشيرا إلى أنه «من الواضح أن الجهود السعودية تصب في الطائفية. من هنا أتخوف من إنزلاقات نحو الحرب الأهلية، خصوصاً بشقها الطائفي».
ويعتبر جاموس أنه لابد من الإشارة إلى شكلين للحرب الأهلية «الأول هو بين الجيش ومجموعات مسلحة، والآخر بدأ منذ حزيران العام 2011 مع مجموعات شعبية مباشرة، وهو مستمر ولو بنسب أقل نوعاً، وهناك مؤشرات لاستمرار الصراع في سوريا وخاصة مع إضافة العامل اللبناني المؤثر».
وفي معرض حديثه عن خطورة التدخل العسكري، اعتبر جاموس أن التدخل المباشر غير وارد، موضحا «ليس هناك في المدى المنظور أي بوادر لتدخل عسكري مباشر في سوريا، وربما هناك حشد على الجانب التركي، ولكنه يبقى احتمالاً، لو تراجع سيتقدم الاحتمال اللبناني اللوجستي والعسكري، بالتالي تتحول الساحتان بمختلف أشكال الصراع فيهما إلى ساحة صراع واحدة. في المحصلة، فانه احتمال أضعف بقليل من خيارات الصراع في الفترة السابقة لكنه لا يزال قائماً، خصوصاً إن بقيت النخبة التركية تفكر بذات العقلية في العمق الاستراتيجي التركي كما أشار وزير الخارجية التركي احمد داود أوغلو»، وأحد عوامل الإستراتيجية التركية هو «التفكير بأن سوريا أصبحت حلقة ضعيفة، وبالتالي ستستمر بالتحرش بها».
ويشرح جاموس «هناك أشكال كثيرة للتدخل التركي، كضباط الاستخبارات المشرفين على العمليات في الشمال، بالإضافة إلى آليات عسكرية ولوجستية، وتنفيذ طرق، ورفع الأعلام التركية داخل الحدود السورية»، ولكن ذلك كله «يتوقف على شروط دولية أبرزها الحالة الأميركية، وغياب الحلول السياسية والانقسام الداخلي، وهي حالة مرشحة للسلبية، لكن الانتخابات الرئاسية الأميركية ستزيد من وضوح مختلف التفاصيل».
وعن «ائتلاف التغيير السلمي» الذي يضم مجموعة من القوى السياسية المعارضة، يعتبر جاموس أن «هناك مجموعات واسعة لم تستقطب بطريقة طائفية، وتتمتع بحالة وعي لاستمرار الدولة ومنع غيابها، وضرورة الحفاظ على الجيش خشية من الحرب الأهلية، وتوسعها لزمن طويل جدا»، لكنه يضيف «لا بد من الإشارة إلى أن هذه القوى فاجأها من جهة العنف الذي يحصل في البلاد، ومن جهة ثانية النخب التي خانتها في إستراتيجية التغيير السلمي، وخصوصاً تلك التي ذهبت باتجاه هيئة التنسيق ومجلس اسطنبول، والشخصيات التي كانت في قمة الانتهازية في السلطة لتتحول اليوم إلى نخب مثقفة للثورة».
ويضاف إلى مآخذ جاموس على تلك الشخصيات «سبب التوقعات والأخطاء المقبلة مع ما يسمى بالربيع العربي وأن سوريا ستتحرر بسرعة كبيرة، ولن يستغرق الأمر طويلاً، متناسين تحليلات عميقة قمنا بها على مدى سنوات طويلة عن أهمية المركب السوري وحساسيته، وأن سوريا لا تشبه أي حالة عربية أخرى، فضلاً عن ضرورة خلق شرعية معارضة داخلية، وقطع الطريق على النظام والمتطرفين الإسلاميين، سياسياً وعسكرياً، بأي حجة، وخلق تغيير سلمي».
وقال «لعل التخلي عما سبق هو نوع من الخيانة الوطنية الفكرية»، مشيراً إلى «مراجعات جدية في هيئة التنسيق حيال هذه المسألة، وبدأت تخرج فعاليات وقوى سياسية في قوى التغيير السلمي لتطور مواقفها السياسية». ويضيف «نحن اليوم نحاول تحرير طاقة هذا الشارع، واليوم هناك الآلاف من لجان الإغاثة التي ترفض أن تكون درعاً للمسلحين وتخشى من استهداف النظام، كما أنها تفرز يومياً تعبيرات ضد العنف والتدخل الخارجي»، واصفاً ذلك «بالحس الشعبي الرافض للتدخل والعسكرة والطائفية»، لكنه فوجئ «بالعنف وموقف النخب الثقافية والسياسية، والعلاقة بين المعارضة نفسها وبين طرف معارض يطالب بالتدخل الخارجي، ويرفع العلم التركي».
أما المطلوب اليوم، بحسب جاموس، فهو «العمل بطريقة سلمية تضغط على النظام الذي لا يمكن أن يصلح نفسه ذاتياً، ولا أن يتحول لديموقراطي بقواه الذاتية، بل يحتاج إلى حركة شعبية وفق الأسس السلمية لإرغامه على التغيير، وليس إصلاحه». ويشرح أن «التغيير مستحيل أن يحصل بوسائل عسكرية، خصوصاً أننا جربنا عنف الديكتاتورية ونعرف جيداً إلى أين أوصلنا»، لذلك «لابد من الإقرار بأن العنف الحالي يستحيل معه الوصول إلى بر الأمان، بل لا بد من حراك سلمي تقوده معارضة الداخل، كما لا بد من الإشارة إلى قوى جديدة بدأت تظهر على الساحة السورية».
وما يُحسب للنظام، وفقاً لجاموس، أنه «أعطى رخص لإنشاء أحزاب جديدة، تغادر اليوم حقل النظام إلى المعارضة، وبعضها شارك في مؤتمر الإنقاذ الوطني، وأحزاب أخرى شاركت في مؤتمر التغيير السلمي». واللافت بنظره «كان قبول هيئة التنسيق لها، ولم تعتبرهم إلا معارضة، بينما اعتبرت أننا حديقة خلفية للنظام، ما يزيد من انقسام المعارضة». ويشرح «في النهاية لا بد من القول إن التعويل هو على خلق حركة شعبية جديدة، وإطلاق حراك أكثر اتساعاً من الحركة الشعبية الأولى، وليس التركيز على العامل الطائفي، الذي بدأ العمل عليه منذ الفترة الأولى للحراك»، مضيفاً إن «هذا العامل المتراكم بمشاركة النظام منذ فترة طويلة أضعف الحراك، وبالتالي لا بد اليوم من خلق حركة شعبية تتجاوز هذه السلبيات إلى سمات جديدة بحيث تتمكن كل الأثنيات والطوائف من المشاركة، لخلق ضغط على طرفي الصراع العنيف، وتحقيق تغيير ديموقراطي».
وهذا الحل، برأيه، «يتطلب وقتاً وعملاً كبيراً، وقيما عالية جداً، ومن الضروري التركيز على دور كل من الصين وروسيا اللتين أعلنتا أنهما لا تؤيدان النظام، ولا تدافعان عنه، كما أنه ليس رقماً صعباً في معادلتهما»، وبالتالي يعتبر ذلك «عاملاً يجب الاعتماد عليه عبر الحراك السلمي».