شروط الموت الامريكية
ما تنشره وسائل الاعلام حول الشروط الامريكية على السلطة الفلسطينية في ملف التسوية، والذي لم تنفيها السلطة، يظهر مجدداً عبثية الرهان المستمر على الدور الامريكي، خصوصا مع وجود الفريق الحالي للإدارة الامريكية، ولكن هذا ليس الجانب الاخطر، فهذه القضية تفصح عن جملة من الكوارث في الواقع السياسي المحيط بالقضية الفلسطينية، وتنذر بوجود مشروع جديد للتصفية السريعة والكاملة للقضية الفلسطينية.
في المشهد السياسي الفلسطيني يتم اخذ القرارات، وادارة عمليات التفاوض في الغرف المغلقة، حول اكثر القضايا مصيرية، دون الرجوع للرأي العام، او للهيئات المقررة، فعمليا ان الطرح الامريكي الذي يعصف بمصير القضية الفلسطينية، ويهدد الوجود الفلسطيني ككل، لم يتم اطلاع الشارع عليه، ولو من باب حشد الإسناد للمفاوض الفلسطيني، إذا كان راغباً في رفضة، وكذلك تم تجاوز الهيئات الرسمية التي يفترض انها تقود الشعب الفلسطيني، لحساب اتخاذ القرارات في دائرة ضيقة.
لمن لا يعلم فمجرد التفاوض حول سلة الاوامر والشروط الامريكية، يشكل تجاوز لقرار اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، بعدم العودة للمفاوضات دون وقف كامل للاستيطان واطلاق سراح الدفعة الرابعة من الاسرى، في حين ان الشرط الامريكي الاول هو العودة للمفاوضات دون قيد او شرط، فيما تشكل بقية الشروط الامريكية تجاوزات اكبر تفتح الباب امام مخاطر على العلاقة بين السلطة وكافة مكونات الشعب الفلسطيني، بل ان الادارة الامريكية تضع نفسها كمتصرف اول بالقرار الفلسطيني عبر شروطها، فهي تحدد اتجاهات الصرف في الموازنة الفلسطينية، وتحظر انفاق اي جزء منها على قطاع غزة، او على عائلات الشهداء والاسرى، وكذلك تحدد وظيفة الاجهزة الامنية الفلسطينية عبر مطالبتها برفع وتيرة ارتهانها للتنسيق الامني تحولا للعمل الكامل كملحق بجيش الاحتلال.
هذا كله لم يستشار فيه الشعب الفلسطيني الذي يدفع الثمن من دمه، وكذلك كل القوى والفصائل، لم يسألها احد من الذاهبين للتفاوض على شروط الاستسلام والعبودية عن رأيها، وهو ما يفتح الباب امام عزل السلطة والقيادة الرسمية الفلسطينية عن جماهير الشعب الفلسطيني وقواه الحية، وخلق شرخ لا يمكن ترميمه في العلاقة بين الطرفين، وفي شرعية تمثيل هذه القيادة لشعبها، بما يعنيه ذلك من تفرد امريكي بهذه القيادة ووضعها كرهينة للارادة الامريكية.
الجانب الاخر في ما تمثله هذه الشروط من دلالات على استمرار التدهور والنزيف في الموقف العربي، فما تعكسه الشروط هو قبول عربي واضح، بلعب دور ضاغط على القيادة الفلسطينية في مسار التفاوض الجماعي الذي تفترضه الادارة الامريكية، وهو بدوره ما يشكل مخالفة لقرارات جامعة الدول العربية، وحتى لما نصت عليه مبادرة السلام العربية على رداءتها وسوءها وتجنيها على الحق الفلسطيني، ويفتح الباب واسعا امام تحول القضية الفلسطينية والتفاوض حولها لمدخل لتطبيع كامل للعلاقات العربية مع الكيان الصهيوني.
ان الشروط التي تطرحها الادارة الامريكية هي مساومة بخسة بل شروط استسلام، تعني فعلياً الغاء كل تضحيات الشعب الفلسطيني، والدوس على دماء الشهداء، وعذابات الاسرى، وكل حرف في سطور التاريخ النضالي الطويل لشعبنا العربي الفلسطيني، والقبول بهذه الشروط يعني اطلاق رصاصات الموت على اي افق للوحدة الوطنية الفلسطينية، ولاشتقاق مسار نضالي وحدوي مشترك لأجل الحق الفلسطيني.
ما عرضناه ما هو الا نذر يسير من الكوارث التي تحملها الشروط الامريكية، فالمطلوب هو العودة للتفاوض بموجب المعايير الصهيونية، وتجويع قطاع غزة، والتنكيل باهالي الشهداء والاسرى عبر قطع مخصصاتهم، وشن حرب على المقاومة الفلسطينية، واطلاق يد الكيان الصهيوني للاستيلاء على الارض الفلسطينية بالاستيطان، واذا كان البديل عن قبول هذه الشروط هو الحصار او قطع التمويل، او اقرار الادارة الامريكية بنقل سفاراتها للقدس، فإن هذا تحدٍ يجب أن نخوضه، أمّا الشروط الامريكية فهي الموت بعينه، الموت للقضية الفلسطينية، والموت للوحدة الفلسطينية، وللهوية النضالية للمشروع الوطني الفلسطيني، ولو عثرت الادارة الامريكية على مسؤول فلسطيني يقبل بهذا الموت، فإن شعب فلسطين سيرفض هذا الاستسلام وسيقاتل ضده، وسيواصل نضاله، فرسالة ابناء هذا الشعب كانت ولا زالت، رغم كل الاهوال الذي تعرض له، " نموت وتحيا فلسطين".
فلسطين الواحدة الموحدة، فلسطين المقاتلة في وجه المشروع الاستعماري الصهيوني، وكل القوى الامبريالية والرجعية الداعمة له، والتي يعرف شعبها طريق حريته وانتصاره جيدا.