أزمة مالية.. ومصاريف مكتب الرئيس 130 مليون!
قرارٌ تعسفي، أجمعت على مُجابهته كافة القوى الوطنية والإسلامية في قطاع غزة، بل ودفع المئات للتُظاهر في ساحة الجندي المجهول غرب مدينة غزة رفضاً لمجزرة الرواتب، والغريب هذه المرّة أنّ المجزرة كانت من حكومة الوفاق برام الله، وبحق من؟، بحق موظفيها في قطاع غزة، حيث قررت خصم ما قيمته 30% وأكثر، من رواتب موظفي القطاع دون سابق إنذار.
دقائق حتى انتشر الخبر الصاعق في أرجاء قطاع غزة، لتخرج علينا الحكومة برام الله في بيانٍ توضيحي تزعم من خلاله ما الأسباب وراء هذا الخصم، والذي كان أهمها هو الأزمة المالية التي تعاني منها الحكومة.
ولكن السؤال، لماذا اقتصر الخصم على موظفي قطاع غزة دون الضفة الغربية، علماً بأنّ عدد الموظفين في غزة لا يزيد عن 60 ألف مدنياً وعسكرياً، أمّا في الضفة فيصل عدد الموظفين إلى 92 ألف، ما يُثبت عدم دقة ما زعمته الحكومة بأنّ الخصم على موظفي غزة جاء من باب الأزمة المالية الخانقة.
غير ذلك، وقبل أسبوع من اليوم، تبرعت السعودية بمبلغ 30 مليون دولار لصالح دعم الموازنة العامة الفلسطينية، عقب انتهاء القمة العربية الـ28 في العاصمة الأردنية عمّان.
الخبير الاقتصادي، د. أسامة نوفل، يوضح لـ"بوابة الهدف"، عدة نقاط هامة، يقول "في الفترة الأخيرة دخلت إيرادات إلى خزينة السلطة بشكلٍ جيد، كما أنّ أموال المقاصة ازدادت بنسبة معقولة في أول ثلاثة أشهر من العام الحالي، نتيجةً لزيادة عدد البضائع الواردة إلى الأراضي الفلسطينية".
إذاً مفهوم العجز الذي تحدث عنه الناطق باسم حكومة الوفاق برام الله يوسف المحمود، غير موجود، الأمر الذي يدل على وجود مُخطط لممارسة مزيد من الضغط والحصار على قطاع غزة.
وبجانب فزّاعة الأزمة المالية، قالت الحكومة في بيانها يوم أمس، أنّ "تشكيل اللجنة الإدارية التي بدأت تعمل كحكومة موازية في غزة، ومواصلة حماس جباية الإيرادات وعدم إعادتها إلى الخزينة، أثّر بشكلٍ سلبي وفاقم الأزمة المالية إلى هذا الحد الذي وصلنا إليه"!.
وربطاً بما سبق، كان رئيس السلطة محمود عباس، قد هدد قبل يومين بـ"ردود غير مسبوقة" رداً على تشكيل حركة "حماس" بغزة لجنة إدارية لإدارة القطاع.
للوهلة الأولى، لا يوجد أي ربط بين تشكيل لجنة إدارية بغزة، وبين ارتكاب "مجزرة" بحق رواتب موظفي السلطة بغزة من قبل الحكومة الأم لهؤلاء الموظفين، إلّا أنّه وكأول الردود الغير مسبوقة التي توعد بها عباس حركة حماس، هو ارتكاب هذه المجزرة بحق الفئة الأكبر في القطاع، مما ينعكس على الحركة الشرائية، وبالتالي ينعكس على إيرادات حركة حماس بشكلٍ أو بآخر.
الغريب هُنا، أنّ كثيرين طالبوا ويطالبوا الرئيس عباس، بإقالة رئيس الحكومة رامي الحمد الله، بسبب فعلته هذه بحق الموظفين، ولكن كيف هذا والحكومة وغيرها من حكومات سابقة، لا تتخذ أي إجراء كان صغيراً أو كبيراً إلا بمشورة من رئيس السلطة "عبّاس".
يُضيف الخبير الاقتصادي، د. نوفل، بأنّ "الأيام القادمة ستشهدُ مزيداً من التصعيد، وأنّ هناك تخوفاً كبيراً من أن تطال هذه السياسة – قطع أو استقطاع الرواتب – مُخصصات الشؤون الاجتماعية والمساعدات الإنسانية، مما ينعكس بشكل سلبي فوري وسريع على كافة مناحي الحياة في قطاع غزة".
كان الأجدر بالسلطة في رام الله، أنّ تُخفّض من الإنفاق العام بعيداً عن أرزاق الناس، سيما وأنّ ميزانية مكتب الرئيس في حالة تضخم مُستمرة، حيث بلغت في عام 2016، 130 مليون شيكل، ما بين رواتب لموظفي المكتب، وما بين نثريات وبدلات، وسفريات..إلخ. بحسب الخبير.
ومن باب الذكر وليس الحصر، يؤكّد الخبير الاقتصادي، على أن "هناك تضخم أيضاً في نفقات السفراء والسفارات في الخارج وغيرها، فكان الأجدر تخفيض هذه النفقات، وليس على حساب المواطن".
مجزرة الرواتب هذه، لم يتنكر لها سوى البعض، ومنهم التلفزيون الرسمي "تلفزيون فلسطين" الذي خلا برنامجه الصباحي من أي حديث عن هذه الفاجعة التي مسّت عشرات آلاف الموظفين في قطاع غزة، بخلاف معظم وسائل الإعلام المحلية.
وعن الأثر المُتوقع لهذا الخصم من الرواتب، يؤكّد الخبير "سينعكس سلباً على الموظف نفسه، كون جزء كبير من موظفي الحكومة حصلوا على قروض من البنوك المُختلفة، فبالتالي سيتم خصم نسبة القروض من البنوك، فيلجأ الموظف لتخفيض استهلاكه من السلع الأساسية".
النشاط الاقتصادي في قطاع غزة، سيتأثر على نحوٍ سلبي، في ظل أنّه من المعروف أن ذروة انتعاش الاقتصاد الغزي، تكون بعد أيام من صرف رواتب موظفي سلطة رام الله، من كل شهر. الآن سيلجأ المُوظّف إلى التقليل من الاستهلاك.
وأضاف د. نوفل، أنّ "التخوّف الحقيقي ليس من القرار الذي صدر يوم أمس، وإنما التخوّف من قرارات جديدة قد تطال قطاعات أخرى على تماس مُباشر بحياة المواطنين الفقراء والمرضى في القطاع".
وأكد لـ"الهدف" على أنّ "هذا القرار لن يمس إيرادات الحكومة في غزة فقط، بل سيطال كافة نواحي الحياة في القطاع. والسلطة الفلسطينية بدلاً من أن تُخفف الحصار المفروض على القطاع، تقابله بمزيد من الحصار، وهي بذلك تُشارك الاحتلال في هذا الموضوع".
سلطة النقد الفلسطينية، أصدرت اليوم، تعميماً إلى البنوك العاملة في القطاع، طالبتها فيه الالتزام بخصم ما نسبته 70% من القسط الشهري المستحق على المقترضين لهذا الشهر، مُعللةً هذا التعميم بأنّه "مراعاةً لظروفهم" أي الموظفين، لكنّها لم تعلم أنها لم تزد الطين إلا بلّة، سيما وأنّ أحد الموظفين أصيب مساء اليوم الأربعاء، بنوبة قلبية حادة أمام بنك فلسطين غرب مدينة غزة، بعد أنّ اكتشف مبلغًا بسيطًا جدًا تبقى في راتبه.
"بوابة الهدف" تواصلت مع مجموعة من موظفي السلطة بغزة، الذين تلقوا رواتبهم اليوم بعد هذا القرار، أحدهم تلقى 24 شيكل!، وغيره تلقى 57 شيكل.
الخبير الاقتصادي، استشهد بحادثة قديمة، رداً على قرار الحكومة الجائر، يقول "في عهد الرئيس الراحل ياسر عرفات، أغلق الاحتلال المعابر أمام حركة عمال قطاع غزة في عام 2000، أصدر عرفات قراراً بفتح باب التعيين للمواطنين في قطاع غزة على حساب الضفة الغربية، للتخفيف عنهم، على عكس ما يحصل اليوم".
في عام 2006، كان عدد موظفي السلطة في قطاع غزة 67 ألف موظف، وانخفض هذا العدد في عام 2016 إلى 62 ألف موظف، أي أنّ هناك 5000 موظف من القطاع فقدوا عملهم، إما بسبب التقاعد أو بسبب الوفاة.
في المُقابل، عدد موظفي السلطة بالضفة الغربية كان في عام 2006، 65 ألف موظف، أمّا في عام 2016، فبلغ عددهم 92 ألف موظف، أي أنّ هناك زيادة في عدد موظفي السلطة بالضفة بمقدار 27 ألف موظف، بحسب الخبير الاقتصادي.
يبدو أنّ الحكومات تختلف على الكثير من القضايا، إلا أنّ جميعها تتفق على شماعة الأزمة المالية التي تتحدث عنها الحكومة الفلسطينية بشكلٍ مُستمر، وما هي إلا أزمة مصطنعة وسياسية بامتياز فلا يوجد مبرر منطقي لها، كيف لا، والاستيراد وجبي الضرائب مستمر بلا توقف.
الحكومات الفلسطينية المُتعاقبة كانت دوماً تعلق فشلها على شماعة الموظف، ونُذكّر هُنا، أنّ الراتب ليس ملكاً للموظف بل لعائلة كاملة, فلا يجوز الاقتراب من أرزاق المواطنين، وهذا ما أجمع عليه الكل الوطني في قطاع غزة، عقب قرار الحكومة.
قطاع غزة الذي تعرض لثلاثة حروبٍ صهيونية طاحنة، لا ينتظر المزيد من العراقيل والقرارات التقشفية من رام الله أو ممن يُدير القطاع، السكان هُنا ينتظرون يوماً جميلاً هادئاً، بعيداً عن كل التجاذبات والحركات "الصبيانية" التي يتبعها طرفي الانقسام. فهذا عقابٌ جماعي للقطاع وأهله.