الجمعة 07-02-2025

الشرق الاوسط والسلاح النووي

×

رسالة الخطأ

د. فوزي الأسمر

الشرق الاوسط والسلاح النووي
د. فوزي الأسمر

يعلم الجميع ، حتى كتابة هذه السطور ، أن إسرائيل الرسمية لم تعترف أن بحيازتها ترسانة نووية ، على الرغم من كل الإثباتات والأدلة القاطعة التي تناقلتها وسائل الإعلام العالمية وعرضت على الرأي العام العالمي . وعلى الرغم من شهود العيان ، خصوصا شهادة مردخاي فانونو الذي كان يعمل في المفاعل النووي الإسرائيلي الموجود في مدينة ديمونا في جنوب فلسطين ، والذي أختطفته المخابرات الإسرائيلية من أوروبا وحكمت عليه بالسجن الإنفرادي ، بتهمة " كشف أسرار ، ونشر صور المفاعل النووي الإسرائيلي في الصحف العالمية .
وفي أكثر من مناسبة ، خصوصا على شبكات التلفزيون الأمريكية ، طرح على المسؤولين الإسرائيليين أسئلة حول الترسانة النووية الإسرائيلية ، وكان ردهم موحد : إن إسرائيل لن تكون أول دولة في الشرق الأوسط تستعمل قنبلة نووية . وعندما يقول مقدم السؤال أن المسؤول لم يجب على السؤال ، يجيء الرد موحدا أيضا : موقفنا الرسمي هو أن إسرائيل لن تكون أول دولة شرق أوسطية تستعمل هذا السلاح .
ورفضت إسرائيل وما زالت ترفض ان تكون عضوة في " الوكالة الدولية لمنع إنتشار الأسلحة النووية " ، لأن ذلك معناه أن عليها ان تسمح لمراقبين من تلك الوكالة مراقبة مفاعلها النووي ، وطريقة واستعماله، وتقديم التقارير عن النشاطات التي تقوم بها . ولكن إسرائيل عضوة في " الوكالة الدولية للطاقة النووية " ، ويمثلها فيها الدكتور شاؤول حورب . وقد عقدت هذه الوكالة ندوة في مدينة فينا النمساوية قبل أسبوعين حول موضوع شرق أوسط خال من السلاح النووي .
وفي تصريح لحورب حول هذه الندوة ومقاطعة إسرائيل لها ،كشف بشكل غير مباشر عن وجود ترسانة نووية إسرائيلية ، بل إنه اعطى تبريرا عن سبب عدم تأييد إسرائيل لفكرة شرق أوسط منزوع من السلاح النووي .
قال حورب ، حسب ما نشرت صحيفة " هآرتص " ( 24/9/2012 ) :" إن الوضع اليوم في منطقة الشرق الأوسط يحمل الكثير من العداء ويمكن أن يتفجر . وبسبب هذا الوضع في المنطقة فإن إسرائيل تقاطع اللقاء الذي يحاول أن يقلل من خطر الإنفجار النابع من المشاكل التي تمر بها المنطقة كلها " .
وأضاف ، حسب "هآرتص : " إن إسرائيل ستأيد فكرة عدم وجود أسلحة نووية في المنطقة عندما يسود السلام فيها ، على أساس أن تكون مبادرات السلام نابعة من المنطقة نفسها وليس عن طريق ضغط خارجي " .
فليس غريبا أن نسمع مثل هذا الكلام الخادع ، وحورب يعرف كل المعرفة أن العقبة الأساسية لعدم وجود سلام في المنطقة هي رفض إسرائيل أي حل معقول للقضية الفلسطينية . فبدلا من أن تبني جسور السلام عن طريق العمل على إنهاء الإحتلال الغاشم ، تقوم ببناء المستعمرات اليهودية على الأراضي الفلسطينية المحتلة ، وتدفع بعشرات الآلاف من المستعمرين اليهود المتطرفين للسكنى في المستعمرات ، وتمنحهم حرية التصرف ، والقيام بأعمال إرهابية بكل أنواعها .
ولكن هناك أكثر من بُعد لتصريح حورب هذا . ليس فقط جاء كتبرير لعدم الموافقة للإنضمام إلى الإجماع العالمي حول المنطقة ، بل جاء ليشهر سيفا في وجه الدول التي تريد أن يكون الشرق الأوسط منطقة خالية من السلاح النووي . بمعنى : إسرائيل تريد أن تصل إلى سلام وفي جعبتها ترسانة نووية تستطيع أن تلوح بها حتى أثناء أية مفاوضات تجري حول هذا الموضوع ، وبالتالي تفرض إرادتها ، وتحصل على مبتغاها .
كما أنها تريد أن تبقى الدولة الوحيدة في المنطقة تملك مثل هذا السلاح الفتاك ، لذا قامت بتدمير المفاعل النووي العراقي ، والمواقع النووية السورية ، وتراقب بناء المفاعل في مصر،وطبعا تقيم الدنيا وتقعدها بالنسبة النشاط النووي الإيراني لدرجة أنها تحاول أن تدخل العالم في حرب مدمرة .
كما عرقلت إسرائيل بناء مفعال نووي أردني للأغراض السلمية حيث إتهم الملك عبدالله مؤخرا ، ونقلت صحيفة " يدعوت أحرونوت " ( 12/9/2012 ) أقواله ، إسرائيل بأنها كانت تتصل مع كل دولة يحاول الأردن شراء مواد لهذا المفاعل ، وتطلب من هذه الدول عدم تقديم أية معلومات أومساعدات في هذا المجال للأردن .
وحاولت تجنيد الرأي العام العالمي ضدّ النووي الباكستاني ، واستعملت أرخص السبل المعادية لتنفيذ مآربها ، فأطلقت عليه كنية " القنبلة النووية الإسلامية " ، بل كانت هناك محاولات للقيام بأعمال إرهابية عن طريق الحدود الهندية ، ولكنها فشلت بعد أن القي القبض في حينه على خلية دخلت الأراضي الهندية بدون علم حكومتها . في حين لم يثر أحد مسألة تخوف باكستان من القنبلة النووية الهندية . وكان لا بدّ أن تحتوي وتتدارك الدول المسؤولة المشكلة قبل أن تتفاقم .
لقد حان الوقت أن يتحرك المجتمع الدولي ، حكومات وشعوب من أجل تنفيذ أن تكون منطقة الشرق الأوسط الإستراتيجية، والمهمة للتطور البشري ، خالية من السلاح النووي ، وفي المقدمة نزع هذا السلاح من أيدي إسرائيل أو مراقبته على الأقل ، هذه اليد التي برهنت على أنها أخطر يد في المنطقة ، وأن ترسانتها النووية ، هكذا تعتقد ، هي التي منحتها هيبتها . ومع ذلك فقد تبين أثناء حرب لبنان الثانية عام 2006 ، أن هذا السلاح لم يخف المقاومة اللبنانية ، والتي إستطاعت أن تمرغ أنف إسرائيل في وحول جنوب لبنان .

انشر المقال على: