رد الجبهة الشعبية على اغتيال أمين عامها أبو علي مصطفى لم يكن رداً عادياً، بمقدار ما كان رداً مميزاً أذهل العدو الصهيوني، والرد جاء سريعاً باغتيال وزيراً صهيونياً لا يقل بعنصريته عن عنصرية وجرائم "شارون"، وزيراً صهيونياً تخرج من مدرسة القتل والجريمة والعنصرية، جاءت عملية الرد لتذهل الكيان الصهيوني ولتؤكد أن الجبهة الشعبية على هذا المستوى من القدرة والمواجهة، فجرائم الكيان مهما كبرت وكانت فهو غير قادر على إيقاف المقاومة وردعها، فهي مقاومة من أجل استرداد الحق الفلسطيني لأصحابه.
السلطة الفلسطينية شاركت بالمعركة ضد الجبهة الشعبية من خلال ملاحقة عناصرها التي نفذت عملية الاغتيال وعلى رأسهم اعتقال أمينها العام أحمد سعدات، فالسلطة متهمة بكل التفاصيل بهذه الشراكة القذرة مع الكيان الصهيوني بملاحقة الجبهة وعناصرها وكوادرها واعتقالهم حتى يومنا هذا.
الاتهام لم يأتِ من فراغ، وإنما عن قناعة تامة، وهي تنبت أصلاً من قناعات الجبهة الشعبية، حيث من يمارس النضال والعمل العسكري يدرك جيداً أن عدوه لن يبقَ صامتاً، وعندما أقدمت الجبهة واتخذت عناصرها وأطرها التنظيمية والقيادية قرار تصفية وزير السياحة للكيان الصهيوني كرد على اغتيال الأمين العام، كانت تدرك أن نجاح العملية سيأتِ بردة فعل عند الكيان الصهيوني وأجهزته العسكرية والأمنية، وتدرك حجم الرد، وبالتأكيد أخذت الجبهة كل احتياطاتها لمرحلة ما بعد نجاح عملية التصفية.
رغم الاعتراف غير الرسمي من طرف السلطة الفلسطينية بأن اعتقال خلية الجبهة وأمينها العام هو من أجل حمايتهم من الاعتقال والاغتيال، فإن الأحداث اللاحقة أثبتت بأن هذا الموقف هو للاستهلاك المحلي، ولتحميل الجبهة الشعبية مسؤولية التصعيد، وأن السلطة لم تكن عندها استعدادات لمواجهة بهذا الحجم مع الكيان الصهيوني.
ورغم كل الادعاءات، جاءت الأيام والأسابيع اللاحقة تفند كل ادعاءات السلطة، وأن كوادر الجبهة وأمينها العام كانوا حلقة من حلقات تفاوض السلطة مع العدو، وكانت حلقة من سلسلة التنازلات التي عودتنا عليها القيادة الفلسطينية والتي ترضخ لضربات العدو الصهيوني وعناده وتنكره لحقوق الشعب الفلسطيني، رغم البطولات الكبيرة التي قدمها شعبنا خلال انتفاضة الاقصى، إلا أن القيادة الفلسطينية لم تكن بمستوى استعدادات تضحيات شعبناـ التي كان من المفترض أن ترفع درجات التنسيق بين كافة القوى الفلسطينية، وتصعيد العمليات العسكرية وتوجيه ضربات مؤلمة أكثر لآلته العسكرية وجنوده ومستوطنيه من أجل ردعه ليدفع ثمن احتلاله، القيادة الفلسطينية بتفردها بكيفية إدارة الانتفاضة سهل للكيان الصهيوني بأن يوجه لها ضربات مؤلمة وموجعة من خلال تصفية العديد من القيادات السياسية والعسكرية، واعتقال العشرات من قيادات الصف الأول لكافة القوى الفلسطينية.
الكيان الصهيوني لم يغتال فقط الأمين العام للجبهة الشعبية أبو علي مصطفى، وإنما اغتال العديد من القيادات السياسية والعسكرية أمثال الشيخ احمد ياسين، عبد العزيز الرنتيسي، وصولاً إلى تسميم الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات، وقام باعتقال عشرات القيادات الفلسطينية والتي ما زالت ترزح بسجون نازية الكيان الصهيوني، ومنهم نواباً محسوبين على العديد من الفصائل الفلسطينية.
عندما أقدمت قوات الاحتلال الصهيوني بهدم سجن أريحا، واعتقال الأمين العام ورفاقه، كان الرئيس الفلسطيني وصائب عريقات خارج فلسطين، وصرحت القيادة الفلسطينية بأنها لم تكن تعلم بأن المراقبين الأمريكيين والبريطانيين سيخلوا مواقعهم كمراقبين وسيغادروا السجن، حيث كذبت الادارتين الأمريكية والبريطانية ادعاءات القيادة الفلسطينية بعدم علمها، وهنا يضع شكوكاً على معرفة القيادة الفلسطينية المسبقة بخطوة ونية الكيان الصهيوني باقتحام سجن أريحا، وأقل تقدير أن تكون شكوكاً عند هذه القيادة حول أي نوايا صهيونية، ويبقى السؤال: هل سفر الرئيس الفلسطيني وعريقات إلى أوروبا كان لها علاقة بعملية هدم سجن أريحا واعتقال أبطال الجبهة؟
الجبهة الشعبية ليس تنظيماً عادياً بالساحة الفلسطينية بمرحلة التحرر الوطني، وإنما تنظيماً مميزاً، يعرف الكيان الصهيوني قوة وصلابة هذا التنظيم، وقدرة خلاياه العسكرية والسياسية على الصمود والتصدي والرد، فإن اعتقاد العدو بأنه من خلال عمليته يعمل على تصفية الجبهة الشعبية وقواعدها، أثبتت الأيام والأشهر والسنين اللاحقة بأن الجبهة الشعبية وكوادرها غير قابلة للكسر، فها هو أمينها العام وأبطالها ومنفذي عملية قتل "رحبعام زئيفي" العنصري يسطروا بطولاتهم اليومية بمواجهة السجان وعدم الاعتراف بشرعية الكيان ومحاكمه العنصرية والنازية.
فما زالت الجبهة الشعبية شامخة بمبادئها بالصفوف الأمامية في كل ساحات النضال، حارسة على الثوابت الوطنية والتاريخية للشعب الفلسطيني، رافعة رايات النضال بكل الساحات، عازمة على مواصلة المسيرة التحررية مهما كلفت من تضحيات حتى ترفع رايات فلسطين فوق كل قرية ومدينة وساحة من ساحات الوطن، إن الشهادة من أجل فلسطين ليس إلا افتخاراً وأن السجن ليس إلا مواجهة، ففي ذكرى عملية الرد واغتيال وزير السياحة الصهيوني لا يسعني إلا أن أوجه التحية للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين واخص بالذكر أمينها العام الرفيق أحمد سعدات والرفاق عاهد أبو غلمى ومجدي الريماوي ومحمد الريماوي وحمدي قرعان وباسل الاسمر وصالح علوي، فأنتم من أرعبتم الكيان الصهيوني رغم كل وحشيته وفاشيته ونازيته، تحية لكم ولبطولاتكم وصمودكم الذي نتعلم منها الدروس تلو الدروس. والعار كل العار لمن اعتقلكم أو شارك باعتقالكم أو أعطى الأوامر باعتقالكم.
جادالله صفا - البرازيل
15/10/2012