يافا تبحث عن أهلها تحت التراب: جرائم الاحتلال في مقابر جماعية
غزة - السفير
امجد سمحان
الصدفة وحدها قادت إلى اكتشاف مقابر جماعية في مدينة يافا يعود بعضها إلى ما قبل النكبة الفلسطينية في العام 1948، ويبدو أنها تضم رفات مئات الشهداء، وبينها أطفال، ومئات الحكايات الدفينة التي واراها الاحتلال تحت رمل السنوات، ربما مراهنا على نسيانها.
وإذا كان الفلسطيني لا يحتاج إلى دليل جديد على جرائم الاحتلال وعصاباته الصهيونية قبل عام النكبة وبعدها وحتى اليوم، إلا أن هذه المقابر الجماعية لمئات الهياكل العظمية، تثير تساؤلات حول موقف القانون الدولي منها، وحقوق الفلسطيني الضائعة في الوصول إلى نهايات تحمل بعض الإنصاف إلى معاناة عائلات الضحايا وأحفادهم.
وقد شاءت الصدف أن يكتشف أهالي مدينة يافا قبوراً إضافية في مقبرة «الكزخانة» كان أخفاها الزمن، وهي لفلسطينيين وعرب ربما استشهدوا برصاص الاحتلال "الإسرائيلي" منذ 65 عاماً أو أكثر، ودفنوا جماعيا. وما زالت حكايات رفات الضحايا في هذه القبور غامضة وتثير تساؤلات حول كيف ومتى تم إعدامها ودفنها.
وفي حديث إلى «السفير»، يقول مسؤول ملف المقدسات في مؤسسة «الأقصى للوقف والتراث» عبد المجيد إغبارية: «اكتشفنا قبوراً جماعية كانت اختفت بحكم الزمن داخل مقبرة الكزخانة التي تبلغ مساحتها 25 دونماً، وتضم رفات أشخاص دفنوا بشكل جماعي»، مضيفا: «هذه القبور قد تكون معروفة لبعض كبار السن في يافا، لكن قصتها الحقيقية ليست معروفة، واليوم شاء القدر أن نكتشفها من جديد لنتابع حكايتها ونعرف قصتها الحقيقية».
وعن تفاصيل القصة، يوضح الباحث والمؤرخ محمود عبيد، وهو من مدينة يافا، لـ«السفير» أنه «اكتشفنا ستة قبور جماعية، فتحنا اثنين منها فقط، ونقدر أنه يوجد داخلهما حوالي 200 جثة، ولا نعلم كم يوجد في البقية، والجثث هي لأشخاص من أعمار مختلفة، لأطفال ونساء وشيوخ، وعلى بعضها علامات عنف». ولكنه أشار إلى أن «الجثث مدفونة على الطريقة الإسلامية، وبالتالي فمن المرجح أن يكون هؤلاء من ضحايا النكبة، ولكن فعلياً لا يوجد تفاصيل».
وبحسب عبيد، فإن الأيام المقبلة ستكشف المزيد من الضحايا في هذه القبور. وبيّن أن أهالي يافا بانتظار فتوى من المحكمة الشرعية لفتح بقية القبور ومعرفة ما فيها، لافتاً إلى أنه «عند فتحها قد نعثر على وثائق تدلنا على من دفن هناك».
وينقل عبيد عن أحد سكان المدينة أن والده استدعي من قبل الحاكم العسكري الإسرائيلي بعد احتلال المدينة، وطلب منه مع مجموعة من السكان «جمع الجثث المتناثرة في المدينة ودفنها». وبالتالي يرى عبيد أنه «لا شك أن هذا المكان يحوي هذه الجثث».
ونقلت «مؤسسة الأقصى» عن محمد أشقر، وهو المسؤول عن مشروع ترميم مقبرة «الكزخانة»، قوله إن المقابر الجماعية قد يعود تاريخها إلى النكبة الفلسطينية والثورة ضد الاحتلال البريطاني في العام 1936.
أما إغبارية ففضل عدم بت هذه القضية، ويوضح «نحتاج إلى عمليات توثيق وبحث وتقصٍّ مطولة لنعرف الحقيقة الكاملة لهذه القبور، ونحن متأكدون أن من فيها هم أجدادنا الذين قتلهم الاحتلال». أما من دفن هؤلاء الضحايا، فيبقى سؤال من دون جواب واضح، وعن ذلك يقول إغبارية: «نحن لسنا متأكدين إن كانت الرفات في هذه القبور كلها دفنت من قبل أهلنا أم أن منها من دفنه الاحتلال سراً واكتشف أمره لاحقاً».
ويجري البحث حالياً لمعرفة قصة ضحايا القبور الجماعية الجديدة. ويشير إغبارية إلى أن ذلك سيستغرق وقتاً، حيث تبحث «مؤسسة الأقصى» عن الشخصيات التاريخية في يافا التي بإمكانها تقديم معلومات حول هذه القبور وحكايتها.
ومن الممكن أن يشكل الاكتشاف الجديد أملاً للفلسطينيين الذين هجروا من أرضهم لتجميع قصتهم. ويقول أبو العبد تفاحة، وهو أصلاً من يافا وهُجِّر إلى الضفة الغربية: «كان عمري 12 عاماً حين تم طردنا من يافا. لا أعلم إن كان من قتل من أهلنا دفن فيها. لا اعرف أين تم دفنهم. قد تكون قبورهم».
يذكر أن الجماعات الصهيونية ارتكبت مجازر عدة قبل وخلال احتلال يافا والقرى والمناطق المحيطة بها في العام 1948.
«نحن دورنا الآن يقوم على كشف حقيقة هذه القبور ومعرفة من فيها، من أجل توثيق مجازر الاحتلال حتى إن توجهنا يوماً إلى القضاء الدولي نكون قد جمعنا الأدلة لإدانته، وذلك بالرغم من أن أفعال الاحتلال واضحة كالشمس لا تحتاج أدلة بقدر ما تحتاج أرادة دولية للمحاسبة»، يقول عبيد.