الجمعة 07-02-2025

نكبة مستمرة: حمدة أبو نحلة/ لولاهم سـبـوعـة مـا بـعـيـشـوا الفـلسـطيـنـيـة

×

رسالة الخطأ

د. فيحاء قاسم عبد الهادي

نكبة مستمرة: حمدة أبو نحلة/ لولاهم سـبـوعـة مـا بـعـيـشـوا الفـلسـطيـنـيـة
بقلم: د. فيحاء قاسم عبد الهادي

"والله نكبة، والله نكبة، دشّرنا محلاتنا ومخازنا وبيوتنا في الـ 67، وين ما بنينا في المهجر راحت، في القسطل راحت، بنينا في عقبة جبر راحت، في بيت نتيف راحت، كلها دمار، دمار، مليح اللي إحنا الفلسطينية لسَّه عايشين، ولولاهم سبوعة ما بيعيشوا؛ بس سبوعة، سبوعة الفلسطينية".
حمدة أبو نحلة/ بيت نتيف

*****
في روايات النساء حول النكبة المستمرة (مركز المعلومات العربي للفنون الشعبية/ مجلة الجنى)، وحين الحديث عن تفاصيل النكبة عام 1948، وتفاصيل هزيمة 1967؛ تختلط الأحداث لدى النساء، حين يتذكرن معاناتهن، ويؤكدن، أنهن يعشن في نكبة مستمرة منذ النكبة الأولى. وحين يروين عن هزيمة عام 1967؛ تختلط احداث التهجير الأول بالتهجير الثاني.
أكدت "حمدة محمد جابر أبو نحلة" أن أحداث عام 1967 هي نكبة ثانية، من خلال وصفها معاناتها بعد التهجير الثاني، حيث هجِّرت من بيت نتيف/ الخليل، إلى مخيم عقبة جبر/ أريحا، مروراً بالخضر/ بيت لحم، إلى عمان:
"نكبتين، والله نكبتين، إحنا طلعنا بنكبتين".
وتتحدث عن تفاصيل التهجير الأول:
"طردونا، وين نجري؟ على منطقة "المشاين"، على طرف البلد، رحنا لقينا سيارة "تراك"، وصاروا يهرّوا فينا بالسيارات، والشوفير ودّانا على "الخضر"، قضا بيت لحم، قعدنا بها الكروم، والله نمنا لا معانا غطا ولا معانا أواعي. قعدنا بيجي أسبوع بالخضر، وبعدين رحنا على بستان في أريحا، قعدنا تحت الشجر، يجيبوا طحين ويخبزوا على الصاج، قالوا: يا عم فيه صار مخيم، إسمه عقبة جبر، كل عيلتين بخيمة، إحنا وعيلة تانية، وصاروا يديروا حبة هالطحين على حبة هاالمؤن، ونقول: بكره بنروِّح، بعده بنروِّح، وهاالناس يسمعوا الأخبار على الراديو، وطالت هجرتنا، وإجت الـ 67، والله نكبة، والله نكبة".
ولا تختلف معاناة "حمدة أبو نحلة" عام 1967، عن معاناتها الأولى؛ بل ضاعفتها، حين ضاعت ابنة أخيها في الطريق، اختصرتها بقولها: "والله كله صعبة، والله يمّه كلها صعبة"، وتابعت لتصف أحداث عام 1967:
"ضاعت بنت أخوي، والله ما أدري وين ضاعت؟! في الـ 67 والله ضاعت. صاروا الطيارات يطلعوا علينا، إشي جنون، بيبقوا راكبين في السيارة من هادول الشحن، والطيارت يرجمن عليهم، يحرقن السيارة واللي فيها، بدك أزوَد من هيك؟!
من أوّل العرب قالوا: صارت حرب، وسوّوا ملاجئ، ولاد جوزي بَحَشوا هالملجأ، ضلوا يبحشوا وسوّوا لنا هالملجأ، وصاروا يقولوا: صار ضرب بالقدس في جبل النار، وإحنا يمّه يصير ضرب بها الطيارات، وصاروا يقولوا لنا: إلبسوا ثياب سُمُر، والضرب علينا، عشان ما نبيِّن، وننحشر جوّه الملاجئ، ونار الملاجئ حامية، إذا حطيتِ خبز بيصير حطب، حطيتِ بندورة لياكلوا هالأولاد بتخرب، إحنا بهالخيم، وهاي بنت أخوي ضاعت، صارت إحنا بشقة وهي بشقة.
مع الساعة 7 الطيارات صارت زي الطيور، المغرب والصبح طيارات ما بنعدّن، طلعوا الناس، طفَّشوهم، آه والله يمّه، طلعنا على عمان، زيّ ما طلعنا إحنا على هوى ضربة دير ياسين، اللي ذبحتنا ذبح. مشينا من عقبة جبر للشريعة-نهر الأردن. كنا بدنا ندبّ حالنا بالشريعة؛ واللا جاي هاالتراك، حطينا حالنا فيه كبير صغير، ليرة ليرة ليرة، وين أخدنا؟ على بلد بيقولوا لها: القسطل. الزلام رجعوا -ما احنا النا كان دكان بأريحا البلد على الدوار تلات أبواب-، الزلام رجعوا، وأمَّنوا الصغار. صعوبة وضرب وقتل. أخدت معنا بيجي تلات أيام، ندفش في هالطرق".

*****
وتصف معاناتها الاقتصادية والنفسية، بعد التهجير الثاني:
"أقسم بالله ان بنتي اللي بقى عمرها احداشر سنة ما فيه قرش نشتري لها كعكة، وكلهم ولاد صغار كتاكيت، في الـ 67 طلعوا معاي ست أطفال، وكل الشعب هيك، والله فيه ابن جوزي أكل وحل، وفيه اكم من يوم وهو مفقود، والله تلات أربع أشهر، وانحط عليه انه انفقد، وبعدين الله حنّ علينا، وطلع باقي في مستشفى الصليب حاطينه، دشّرنا أغراضنا، وطلعنا بلبسنا، والحاج حامل "حكمت" (ابنه) على راسه واحنا ماشيين، ونشوف من هنا نار حوالينا، ومن هنا نار حوالينا، ما تفكري الفلسطينية طلعوا هيك يمّه، طلعنا بالدبح والقتل، متفكريش هيك طلعنا من بلادنا؛ بلادنا أغلى من أرواحنا".

*****
من خلال رواية "حمدة أبو نحلة"؛ يتبين دور متميز من أدوار المرأة الفلسطينية، رسخ في ذاكرة المهجرين، أيام النكبة الأولى، وهو الدور الاجتماعي. تذكر دور والدتها في تحمل مسؤولية تدبير شؤون العائلة منذ طفولتها المبكرة:
"منعرفش أبونا. أمنا تشتغل وتصرف علينا، أمنا، ما حدا صرف علينا غير أمنا، تزرع في أرضنا وتصرف علينا، وعايشين بخيرنا ببلادنا، لحد ما اجونا هاليهود، شتتونا، شتتووونا (وتشدد على الكلمة) والله طول الوقت. والله دبرت أمورها وربتنا أحسن التربية، وأخونا طلع أحسن واحد. وعشنا وضلينا قاعدين في مخيم عقبة جبر. ومن الوكالة ناكل، والله أكلنا وحل، والله هاللاجئين والنازحين، أكلنا وحل. وصاروا يشتغلوا زلامنا بـ 10 قروش. اتجوَّزنا وصاروا يشتغلوا. أنا اتزوجت وعمري 12 سنة، هو كان فيه مصاري؟!".
كما يتبين دور آخر، استقر في ذاكرة المهجرين، أيام نكبة عام 1967، هو الدور العسكري. تذكر "مريم عبد الفتاح"، من بيت نتيف؛ من بين أسماء النساء اللواتي ساهمن في العمل السياسي والعسكري بعد النكبة الأولى:
"كانت تحط القنابل على خصرها "مريم عبد الفتاح"، كان جوزها فدائي، وتروح على الحدود، تحط في سلة خضرة، وتخفي القنابل والأسلحة، وإحنا بأريحا. يعني يسمعوا عنها إنه هي تروح وتحط اللي بدها تحطه بسلة الخضرة، وتدخلهن للمناضلين".

*****
تعيش "حمدة أبو نحلة" على أمل العودة، الذي يمدها بالقوة، والقدرة على التحمل:
"على أمل نرجع، أنهوه بيفوت بلاده (تشدِّد) أنهوه؟! والله العظيم إني لأروح على بيت نتيف لموت هناك، من كترة اشتياقي! وأنا بنت 10 سنين طلعت، هالقيت لو أروح بدلّك على المناطق اللي بقيت أمشيها، بتذكَّرها".

انشر المقال على: