نظرة على تصويت فلسطينيي 48 للأحزاب الصهيونية
جبريل محمد
الإثنين 22 ابريل 2019
يشكل التهويل والتبهير وتضخيم الذات والإنجاز مهما كان ضئيلًا، أحد مظاهر التخلف التي تعبر عن سلوك إنسان مقهور، يحاول أن يخلق ميكانيزمات للدفاع عن ذات مهددة، هذا هو حال الكتل العربية التي خاضت غمار انتخابات الكنيست الصهيوني، كل فرح بما حقق ونفخ أوداجه وتمنطق بكل أسلحة البهرجة والتدليس معًا؛ ليعلن انتصارًا لا معنى له، لكي ينسى الحقيقة المرة وهي أن قرابة ثلث المصوتين من فلسطينيي الجليل والمثلث والنقب دون المدن التي سموها "مختلطة" قد صوتوا للأحزاب الصهيونية، نعم صوت 29.7% من فلسطينيي الداخل لأحزاب صهيونية بواقع 123 ألف صوت، وبما يساوي تقريبًا اجتياز نسبة الحسم للحصول على أربعة مقاعد، هي حجم ما حصل عليه تحالف عزمي بشارة مع الأخوان المسلمين الجنوبيين، فلدينا أيضًا أخوان مسلمون شماليون لا يعلنون موقفًا بالمقاطعة، لكنهم لا يرشحون أنفسهم ويطلقون العنان لأنصارهم بحرية التصويت أو المقاطعة.
وبالتمعن في تفاصيل هذه الصورة المشوهة، نجد أن هذه الأصوات العربية المهدرة والمغتربة عن ذاتها، توزعت بين اليمين واليسار الصهيونيين اللذين تعادلا في كسب الأصوات العربية (ميرتس 35 ألف صوت وجانتس 35 ألف صوت)، حتى نتنياهو وليبرمان كان لهما نصيب في الأصوات العربية، عدا عن شاس التي فازت بأصوات عربية أكثر من حزب العمل الذي طالما سيطر سابقًا على حوالي 50 ألف صوت، ليحصل هذه المرة على 5500 صوت، بينما حصل شاس على 8600 صوت.
أما الدالة التي تسم التصويت العربي للأحزاب الصهيونية فهي متأرجحة؛ فمن 17% عام 2003، إلى 26.2% عام 2006، إلى 16% عام 2009، إلى 18% تقريبا عام 2013، وهذا يعكس أن هناك كتلة كبيرة من الجسم الفلسطيني لا زالت خارج دائرة التأثير السياسي الوطني، وهذه مشكلة لم تتصدَ لها كل الأحزاب الكنيستية، ومعها أيضًا المُقاطعة، رغم كل الشعارات الكبرى حول "كنس الشارع العربي من الأحزاب الصهيونية".
هنا يغمض الكنيستيون العرب أعينهم عن هذه الحقيقة ويستلون كل الشتائم ويطلقونها رماحًا طائشة باتجاه من قاطعوا الانتخابات لمختلف الأسباب، وهذا وحده يشكل انحرافًا عن تحديد الحلقة المركزية وتأكيد على السقف الواطيء لهم، باعتبار الكنيست هو ميدان الكفاح والصراع.
الواضح، أن هناك 30% من العرب يصوتون لجلاديهم، فكيف تنقذونهم من ورطة الاستلاب القومي أيها المرشحون وأيها المقاطعون؟
إذا تعددت أسباب المقاطعة، فإن كل التعدد في أسباب انتخاب الأحزاب الصهيونية لا مبرر له وساقط، أي تبرير في هذا المجال ساقط وطنيًا وقيميًا، فأنت هنا لست العامل المغيب وعيه الذي عليك أن تختار بين مُستغِل ومُستغَل. أنت هنا تختار من سلب أرضك، من يمنعك من بناء بيتك، من يحرمك من وطنك، وبالتالي فإن مجرد البحث في الأسباب يشكل تمرينًا ذهنيًا لا يفيد إلا بقصد البحث الأكاديمي لا غير.
من يقول من الناس أن العرب الدروز انتخبوا الليكود، نقول لهم إن نسبتهم كعرب دروز لا تزيد عن 7%، وهم موزعون بين كل الكتل، ومن يقول أن البدو المجندين انتخبوا الأحزاب الصهيونية، نقول لهم وهؤلاء أيضًا نسبتهم أقرب إلى العرب الدروز، وهم موزعون على كل الاتجاهات، وهناك من يقول إنها المصلحة، نقول لقد جرب العرب والدروز خاصة وعودات الأحزاب الصهيونية طوال 70 عامًا وأكثر، ولم يحصلوا كما قال رئيس ومؤسس لجنة المبادرة العربية الدرزية الشيخ جمال معدي إلا: "على مساواة في التوابيت"، لقد جرب العرب حزب المفدال الذي كان مسيطرًا لحقبة طويلة على وزارة الداخلية المشرفة على البلديات والمجالس المحلية ولم يحصلوا على شيء، وها هم الآن يعيدون نفس التجربة مع شاس التي دينها وديدنها التحكم بالتربية والتعليم ووزارة الداخلية، وكأنهم يعيدون اكتشاف العجلة.
هنا أحيل إلى الباحث والمفكر العربي المعروف أمل جمال حين قال ما فحواه " إن كل الأعضاء العرب في الكنيست سواء كانوا في القوائم العربية، أو الصهيونية، متشابهون إلى حد التطابق في برامجهم حول القضايا اليومية لفلسطينيي 48، وبالتالي لا يمكن التمييز بينهم في هذا المجال، إلا بقدر تنفذ هذا العضو أو ذاك لدى المؤسسة الصهيونية"، وهنا أضيف عليه، أن الكنيست ليست ميدان كفاح قومي، وقد ثبت ذلك بالبرهان القاطع منذ زمن، فقد مر قانون ضم القدس وفرض القانون الإسرائيلي عليها، ومر قانون ضم الجولان، ومر قانون يهودية الدولة.. وستمر قوانين أخرى، بينما الوجود العربي في الكنيست لا يعادل أكثر من صرخة في واد تُسقط الواجب وتشكل تغطية وتمريرًا "ديمقراطيا للقرار"، فلا يغرنكم الصراخ العالي فإن أمامه سد من الإجماع الصهيوني من ميرتس حتى شاكيد.
هناك من يرى أن ارتفاع نسبة التصويت للأحزاب الصهيونية هو وجه آخر للمقاطعة، بمعنى أن لكل أسبابه الموجبة للسلوكين، لكننا نرى أن هذا التبرير لا يشكل سوى تضليلًا يحاول أن يشرعن دخول البعض إلى الكنيست، ويغطي على العجز في القوى السياسية عن مواجهة تغلغل التيارات الصهيونية في الشارع العربي، وهذا كله تحت سقف الكنيست؛ حيث تم خصي مناسبة يوم الأرض الخالد وتحويلها إلى إضراب احتفالي لا عملًا متراكمًا في الشارع العربي، وبالمناسبة فإن يوم الأرض لم يأتِ بفعل وجود العرب في الكنيست؛ بل نتيجة نشاط هيئة شعبية مجيدة اسمها "لجنة الدفاع عن الأراضي العربية" والتي تم وأدها ودفنها دون مراسم نتيجة تنافس الكنيستيين عليها.
لقد تبين أن كل محاولات بناء جسم عربي موحد يقود جماهير فلسطينيي 48، ظلت عاجزة عن أن تكون ممثلًا حقيقيًا لهذه الجماهير وبشكل ديمقراطي؛ حيث إنها كانت تأتي من فوق وعبر توافق النخب لا عبر الانتخاب الديمقراطي، ولذلك عجزت لجنة المتابعة العليا للجماهير العربية عن فرض قائمة عربية موحدة، لتبرر عجزها عن تنفيذ برنامج قومي ينظم الجماهير الفلسطينية على أساس برنامج قومي بحقوق قومية، يتوجه للشارع، ولا يتلطى بالكنيست وأعضائه. فالمطلوب هو ترسيخ قيادة للجماهير العربية في الداخل تكون منتخبة وديمقراطية، والمطلوب من هذه القيادة أن تراهن على جماهيرها وعلى شارعها لا أن تحصي عدد الأصوات في كنيست صهيوني مرر كل قوانين الاستعمار العنصري، بدءًا من قانون الغائب الذي شرع مصادرة الأرض وصولًا الى قانون يهودية الدولة.
لا المقاطعون قاطعوا نكاية بعدم تشكيل قائمة عربية موحدة، ولا من انتخب الأحزاب الصهيونية فعلوا ذلك نكاية في الطهارة، ربما تكون هناك مصالح فردية، أو مراعاة عائلية وبلدية لعرب رشحوا أنفسهم على قوائم صهيونية، إنما الحقيقة العارية هو أننا لم نصل بعد إلى التعامل مع قضيتنا القومية بجدية في الداخل، فهذه قضية تحتاج إلى نيلسون مانديلا فلسطيني، أو جيري آدمز زعيم حزب الشين فين الإيرلندي.