الخميس 06-02-2025

نظرة على الاقتصاد الفلسطيني

×

رسالة الخطأ

عبد المجيد الخندقجي

نظرة على الاقتصاد الفلسطيني
عبد المجيد الخندقجي

الحديث عن الوضع الاقتصادي في فلسطين المحتلة، يدمي القلب، ويجرح الفؤاد، ويرفع الضغط، ويأتي بالجلطات القلبية والدماغية لما يسببه من قهر لدى كل متابع للشأن الفلسطيني.
عندما شاهدت مظاهرات الجوعى والعاطلين عن العمل وذوي الدخل المحدود، والمحرومين من أي دخل، قررت أن أدخل لأرى واقع الاقتصاد الفلسطيني، الذي مع الأسف لا أحد يلقي له بالاً سواء من الدول العربية والإسلامية أو حتى من رجال وخبراء الاقتصاد العرب، وكأنه لا يوجد هناك شعب يعاني ما لم يعانيه بشر على الكرة الأرضية، لكن ما خفف من قهري ومعاناتي، أنني تذكرت أن الشعوب العربية تعاني هي الأخرى، ولها هموم وتعيش أزمات معيشية تفوق كل تصور بسبب وجود أنظمة مستبدة وفاسدة عميلة ومرتبطة.
على الجميع أن يتذكر، أننا عندما نتطرق إلى أمور الاقتصاد الفلسطيني، فإننا لا نتحدث عن اقتصاد دولة لها حدود مفتوحة على العالم الخارجي وتتحكم بمنتجاتها وصادراتها مثلما تتحكم بوارداتها، دولة لها اقتصاد مخطط أو شبه مخطط، دولة منتجة لها سياسة اقتصادية ذات مرتكزات اجتماعية، دولة تستثمر وتجذب الاستثمارات، بل نحن أمام كيان يتشكل من معازل يتحكم فيها وبشعبها احتلال بغيض، يسيطر ويتحكم بكل موارد هذا الكيان الاقتصادية والتجارية والبشرية والمالية والمائية، ولا يتوقف عند تدمير الأرض وإحراق المحاصيل، واعتقال العمال ونشر الحواجز، واقتلاع الأشجار المثمرة، وحرق المنشآت.
عند النظر إلى أي اقتصاد، عليك في البداية أن تنظر إلى المؤشرات الاقتصادية التي تدلل على ماهية الاقتصاد وإمكانية تطوره وطبيعته، مثل مؤشرات الناتج المحلي الإجمالي وسوق العمل، والأسعار، ومستويات الفقر والبطالة، وميزان المدفوعات التجارية الخارجية، والأداء الاقتصادي، ومساهمة الأنشطة الاقتصادية في الناتج المحلي الإجمالي.
بالنسبة للناتج المحلي الإجمالي، من الصعب أن تتحدث عنه على أنه ناتج ثابت أو يتطور بصورة منتظمة، فقد شهد تذبذباً كبيراً خلال السنوات العشر أو الاثنتي عشر سنة الماضية، فقد تراجع خلال سنوات 2000 – 2002، ثم أخذ يتحسن في الفترة 2003 – 2005، ثم تراجع مرة أخرى عام 2006 بسبب الأوضاع السياسية، حيث توقفت عملية صرف رواتب الموظفين لدى السلطة البالغ عددهم 160 ألف موظف. وبدأ بالانتعاش مرة ثانية ابتداءً من عام 2007 وارتفعت معدلات النمو خلال 2011، حيث وصلت 9,9%، ولكن هذا النمو لم يكن إلا بسبب طفرة الإنشاءات في قطاع غزة والذي بلغ 23% مقارنة مع الضفة الغربية 5,2%، إضافة إلى سبب آخر هو المساعدات الخارجية والمعونات حيث خفضت إسرائل من القيود على دخول بعض المواد الخام ومواد البناء، إضافة إلى تجارة الأنفاق مع مصر.
وقد بلغ الناتج المحلي الإجمالي لقطاع غزة حوالي 1,15 مليار دولار عام 2011 تمثل 29,3% من إجمالي الناتج المحلي الفلسطيني البالغ 6,32 مليار دولار. وكان الناتج المحلي قد بلغ عام 2010 ما مقداره 5,754 مليار دولار، وإذا عرفنا أن عدد السكان عام 2010 كان 3,813 مليون نسمة ارتفع عام 2011 إلى 3,927، فإن نصيب الفرد يكون قد ارتفع بنسبة 6,6%، حيث بلغ عام 2010 ما مقداره 1,509,9 دولار وارتفع عام 2011 ليصل إلى 1,609,6 دولار.
وهنا نلاحظ أن الناتج المحلي الإجمالي قد حقق نمواً فاق النمو السكاني، ومع ذلك، فإن نصيب الفرد من الناتج المحلي لم يتحسن إذا ما حسبنا ذلك بالقيمة الحقيقية، إذ أن نصيب الفرد من الناتج المحلي من المؤشرات التي تقيس مستوى معيشة الأفراد. فقد انخفض الأجر اليومي الحقيقي بنسبة 2,8% مقارنة مع عام 2010، وهذا يدل على انخفاض القدرة الشرائية وارتفاع مؤشر غلاء المعيشة بنسبة 2,88% خلال 2011 ليصل إلى 132,7 نقطة مقارنة مع 129 نقطة خلال 2010 إذا اعتبرنا سنة الأساس (2004)، ويعزى ارتفاع مؤشر غلاء المعيشة خلال 2011 إلى ارتفاع أسعار كافة المجموعات الرئيسية.
ولأهمية مكونات الناتج المحلي الإجمالي، سوف نحاول معرفة أكثر الأنشطة الاقتصادية مساهمة في هذا الناتج لسنة 2011.
في الضفة الغربية، ساهمت الإنشاءات بنسبة 10%، والصناعة 14,2%، والزراعة 4,9% أما الخدمات فساهمت بنسبة 17,9%، وتجارة الجملة والتجزئة 9,5%. أما في قطاع غزة فقد ساهمت الإنشاءات بـ 14,1%، والصناعة 8,8%، والزراعة 6,8%، أما الخدمات فساهمت بـ 31,3%، وتجارة الجملة والتجزئة 5,9%، وهنا نلاخظ أن الإنشاءات والخدمات هي الأكثر مساهمة، في حين كانت مساهمة القطاعات الإنتاجية ضعيفة للغاية، وهي التي تؤدي إلى التنمية الحقيقية.
أما بالنسبة لميزان المدفوعات، فقد ارتفع عجز الحساب الجاري عام 2011 ليصل 1,894,4 مليار دولار، وهذا العجز هو الأعلى منذ عام 2000، ويعود ذلك إلى الارتفاع في قيمة الواردات من السلع والخدمات بصورة مضطردة، مقابل بقاء الصادرات ضمن مستواها العام والذي زاد من عجز الميزان التجاري بنسبة 9,2% مقارنة مع 2010.
فقد ارتفع إجمالي الصادرات من السلع والخدمات (بالأسعار الجارية) بنسبة 6,9% عام 2011 ليصل إلى 1,600 مليار دولار، بينما ارتفع إجمالي الواردات بحوالي 7,9% ليصل إلى 5,930 مليار دولار. وهكذا فإن عجز الميزان التجاري بلغ نسبة 9,2%، مقارنة مع العجز عام 2010 الذي وصل إلى حوالي 4,33 مليار دولار، أي أن نسبة العجز إلى الواردات تجاوز 73%. فالتجارة الخارجية تتركز وتنحصر مع الكيان الصهيوني إذ بلغت الواردات المرصودة من إسرائيل عام 2010 ما نسبته 69,4% من إجمالي السلع المستوردة، بينما شكلت الصادرات المرصودة إلى إسرائيل ما نسبته 92% من إجمالي السلع المصدرة من الأراضي الفلسطينية، وهذا يعكس حجم ارتباط وتبعية الاقتصاد الفلسطيني للاقتصاد الإسرائيلي نتيجة سيطرة قوات الاحتلال على المعابر، وكذلك العراقيل والإجراءات العنصرية التي يضعها الاحتلال أمام الصادرات الفلسطينية.
لقد ارتفع عدد الحواجز المفروضة على تنقل السلع والأفراد في الضفة الغربية من 500 حاجز عام 2010 إلى 523 حاجزاً عام 2011، الأمر الذي أضعف التجارة الداخلية.
إضافةً إلى ذلك، تعاني السلطة الفلسطينية من أزمة مالية مستعصية نتيجة اعتمادها في موازنتها العامة على المعونات والمساعدات والقروض الخارجية بشكل رئيسي، ويتوقع أن يصل حجم العجز في موازنة هذا العام 2012 ما يزيد عن مليار دولار، مما أدى إلى وقف التعيينات في الوظائف في السلطة وأدى كذلك إلى زيادة البطالة، بحيث تحول خريجو الجامعات من مهندسين وكفاءات أخرى، للعمل في المقاهي وفي أعمال المياومات في أراضي عام 48 لدى الصهاينة. فقد ظلت معدلات البطالة تتراوح حول 26% من حجم القوى العاملة، وفي القدس الشرقية وصلت معدلات البطالة إلى 78%، ولم يؤد التوسع الاقتصادي الذي شهده الاقتصاد العام الماضي إلى خفض معدلات البطالة، ويعزى ذلك إلى الاحتلال واستمرار الحصار، وكذلك استمرار عمليات ضرب وتدمير القطاع الزراعي. وبشكل عام الاقتصاد الفلسطيني بكل قطاعاته للنيل من صمود المواطن، إذ تهدد السلطات المحتلة باقتلاع حوالي (50) ألف شجرة نخيل مثمرة ما يشكل نسبة 33,8% من الاستثمار الزراعي حيث تشعر سلطات الاحتلال بتنافسية المنتج الفلسطيني الذي يتمتع بجودة عالية وأسعار تفضيلية كما وتشعر سلطات الاحتلال بالحنق نتيجة مقاطعة عدد من دول العالم منتجات المستوطنات.
وفي ظل تراجع معدلات النمو يستبعد المحللون إمكانية أي تقدم في الاقتصاد الفلسطيني لعام 2012، غير أن المتفائلين من أركان السلطة يعولون على حدوث انفراج سياسي، وعلى دخول فلسطين في منظمة اليونسكو ويراهن البعض كذلك على نجاح جهود المصالحة.
لقد تحول المواطنون خلال المظاهرات والمسيرات من طرح الشعارات السياسية إلى الشعارات المطلبية التي تتعلق بحياتهم اليومية وذلك بعد تفاقم أزمة غلاء الأسعار، فقد شهدت الضفة الغربية ارتفاعاً فاحشاً في أسعار السلع الأساسية، ويترافق ارتفاع الأسعار وزيادة معدلات التضخم مع ازدياد معدلات الفقر إذ تبلغ نسبة الفقر في الضفة الغربية حوالي 18,3% وفي غزة 38%.
أما التحويلات الخارجية، فقد انخفضت لتصل إلى 1,552,5 مليار دولار، مقابل 2,476,5 مليار دولار عام 2010، واستمرار الضعف المالي يعود إلى غياب السيادة الحقيقية على الأرض والمعابر وتسرب الإيرادات إلى الكيان الصهيوني، وبالإضافة إلى أسباب أخرى.
وقد حذرت الأمم المتحدة من تراجع شديد في أداء الاقتصاد خلال السنوات المقبلة بفعل النقص الحاد في الموارد الفلسطينية. ويرى خبراء أن من أهم العراقيل أمام التنمية، التقشف المالي وانعدام الأمن الغذائي، وتراجع القطاع الزراعي، وآثار الاحتلال السلبية، وانخفاض الدعم المالي المقدم من الجهات المانحة، وكذلك التعدي المستمر على القاعدة الإنتاجية من خلال الاحتلال والمستوطنات. ومقابل ذلك، تطرح بعض الحلول كأن تقوم السلطة بالعمل على زيادة النشاط التجاري، وتحفيز نمو القطاع الخاص وعدم الاعتماد على المساعدات الخارجية، وإلا فإن استمرار هذا الوضع في التدهور سيفتح باب الهجرة للشباب وهو ما يريده ويسعى إليه الكيان الصهيوني والدول الاستعمارية الرأسمالية، كما طرحت مؤخراً بعض التوصيات خلال ندوة أقامتها السلطة ضرورة مراجعة السلطة للسياسات الاقتصادية والمالية والضريبية، وتنويع مصادر السلع الأساسية والبحث عن مصادر جديدة خاصة بالمحروقات، التي عادة ما يؤدي ارتفاع أسعارها إلى ارتفاع أسعار العديد من السلع والخدمات.

*ملاحظة: الأرقام والإحصائيات مأخوذة عن الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني _2012_ أداء الاقتصاد الفلسطيني _ 2011 رام الله _ فلسطين.

انشر المقال على: