نص كلمة مروان عبد العال في افتتاح اللقاء اليساري العربي والدولي حول فلسطين مائة عام على المقاومة
26 مارس, 2017
فلسطين - وكالات
أيها الرفاق الاعزاء
التحية لكم قوى ثورية عربية وأممية، والتحية الى تونس الكبيرة، بعظمة شهدائها وثورتها، بكرامتها ودفئها ونبضها العروبي والفلسطيني وشعبها الحبيب. تونس العبور المستمر على وقع الدم من المغرب الى المشرق يربط في فلسطين حدود الوطن من شكري بالعيد الى ابو علي مصطفى، ومن تونس الى فلسطين يوم شربت ترابه دم الشهيد ابو جهاد الوزير .
مائوية بلفور المشؤوم، تطرح الكلمات في طياتها معنى للمراجعة، وهو الوعد الذي يرمز للشراكة التاريخية بين الاستعمار والصهيونية، هي مائة عام على مقاومة المشروع الصهيوني الاستعماري العنصري، مائة عام ويزيد من عمر الكفاح الفلسطيني، وهي مائوية أخرى، لها وقع خاص في قلوب الثوريين هي ذكرى انتصار ثورة اكتوبر المجيدة عام ١٩١٧.
وكل التحية للذين هبوا ضحايا الاضطهاد والاستغلال والاحتلال والاستعمار، والتفرقة العنصرية، والظلم الطبقي والقومي، وفي سبيل التقدم والتحرر والحرية، للذين قاموا منذ صيف 1917 عندما تم إقامة كتيبة يهودية في الجيش البريطاني، أطلق عليها اسم (الكتيبة 38) وعُيّن جابوتينسكي ملازماً فيها. ننحني للذين كتبوا أبجدية الثورة يوم اندلعت الانتفاضة الأولى في آب 1929، اندلعت انتفاضة عرب فلسطين احتجاجا على سلب أراضيهم، وثم ثورة القسام عام 1935 عصيان وثورة عام 1936 الى اليوم وهذه الساعة. قدرنا المقاومة.
نحني لكل هؤلاء، لمن قدموا أرواحهم على مذبح الوطن لن ننساهم، ولهم التحية مني ومن الأمين العام الأسير أحمد سعدات، لكل الأسماء لأنهم ليسوا أرقاما لأعدهم بل قامات ترتفع في ذاكرتنا وتاريخنا. في هذا اللقاء نقول بأن فلسطين هي قضية الحق والأرض، والإنسان، وقضية حرية، وهوية نضالية ".
هذا اللقاء له دلالة كبرى كرد حقيقي بالقول (كلنا فلسطينيون ) في وجه محاولات تجريدنا من قيمنا، وهويتنا، وفكرنا، وتاريخنا، من حقوقنا وحريتنا وحقنا في النضال، خلع فلسطين برمزيتها من وجدان العرب وأحرار العالم، لكنها فرصة للنقاش الجدي بعد قرن من مقاومة شعب لا يستكين في الكفاح ومع ذلك فهو لم ينتصر بعد!
قوانين التاريخ العلمي يعلمنا أن النصر يحتاج لتضافرعوامل موضوعية وذاتية، ولا يستقيم الأمرمن دون طرح سؤال الهزيمة لا يعني الاستسلام لها، بل وعي علمي لها كي ننتصر. لست مهزوماً ما دمت تقاوم. كي نحقق شروط النصر علينا حشد مكامن القوة. هل تم تفشيل سعينا لضفرالذاتي والموضوعي لتحقيقه ؟
بعد مائة عام على المقاومة ماذا حلّ بالتضامن العربي والأممي مع القضية الفلسطينية؟
عندما لم تعد بعض أنظمة العرب ترى أن الكيان الصهيوني عدوهم المركزي، ففي المقلب الآخر يعني أن فلسطين لم تعد قضيتهم المركزية، ولا بد لنا من الاعتراف أن هناك قصوراً ذاتياً في قوى اليسار العالمي في رؤيته للترابط بين الإمبريالية والصهيونية، وأن العنصرية القائمة على مشروع الدولة اليهويدية هي أعلى مراحل الصهيونية ! واليسار العالمي لا يزال حذراً من أن يشتبك فكرياً مع المسألة اليهودية باعتبار أنه اقتحام للتاريخ اليهودي الديني، ولو من مدخل المسألة التاريخية السياسية، ما يفسر قيام الصهيونية بابتزاز(الضمير الأوروبي) بإثارة شفقة الرأي العام والضغط على القوى المدنية، لتجريم كل من ينتقد سياسة دولة إسرائيل، وكل من يقوم بمقاطعة بضائع الاستيطان تتم ملاحقته تحت طائلة جريمة (المعاداة للسامية)، وحيث تصير كل السياسات الصهيونية وجرائمها التي ترتكبها يوميا ضد الشعب الفلسطيني الأعزل ليس فوق قواعد القانون الدولي فحسب، وإنما فوق أي نقد.
ولا بد من الاعتراف أن هناك قصوراً في إطار الحركات القومية اليسارية العربية التي تقع في مركز الصراع، وفي بيئة متحركة باستمرار تطرح أسئلة متعددة وملحة، يصبح السؤال هل هي قادرة على الإجابة عن تحديات الواقع المتشكل باستمرار؟ أم أنها ما زالت تحت رحمة البيروقراطيات القيادية اللاديمقراطية التي تتميز في معظمها بأنها ضعيفة الكفاءة، والعاجزة، أوالمترهلة، أوأحيانا المرتدة فكرياً وهابطة سياسياً، التي أودت بأحزابها وفصائلها إلى الابتعاد عن الممارسة الصحيحة، والغرق في مستنقعات الردة، أوالمناهج التقليدية والعقلية الجامدة، أو الهابطة والانتهازية، الذي كانت نتيجته بيئة سلبية تحتضن مزيدًا من التراجع والتهميش في أحزاب وقوى اليسار، ما أدى إلى خلط الأولويات، وكسر المسارات التاريخية، ومعاندة التحديات والهروب من الأسئلة، وعليها تقع مسؤولية تحديد مستقبل الصراع .
بل بعد مائة عام لم تنتج بعد نظريتها الأصيلة للصراع، ليست قضية مشروع نهضوي أيديولوجي مجرد، القضية رؤية نظرية معرفية تأسيسية استراتيجية نابعة من حقائق واقعنا وعصرنا واحتياجاتها وتحدياتها، وتأسيسا على النكبة فالنكسة التي تحتاج لمراجعة تاريخية جادة تبدأ من سايكس- بيكو وظروفها، وليس من 1967. هناك من رأى أنها هزيمة لتيار القومية العربية والخيار القومي قولا واحدا، فصعدت أيدلوجيتين متناقضتين ومتفقتين الإسلامية والشعبوية الفلسطينية. هوية اليسار تتحدد برؤية جديّة مسؤولة وموضوعية مسلحة بالعلم والارادة الشعبية الجماعية الواعية على مستوى كل بلد عربي وعلى المستوى القومي العام والذي يبرز في المشهد الحالي مفهومين متناقضين :
1- إدارة نزاع من خلال خيار التسوية الذي جسده تواطؤ الطبقي اللانظمة المرتبطة مصالحها مع الامبريالية ومشروعها يبدأ بحفظ مصالحها واعتمادا على واقع الهزيمة بتبني واقع التسوية ذاتها اي بنظرة قاصرة للصراع باعتباره يمكن ان ينتج الحل الوسط، وأن التفاوض وسيلة متاحة لتحقيق الإنجازات، الاختلال الحقيقي هو بنظرتها للصراع، أي أنه ليس صراعا اصلاً، بل هو نزاع أومعضلة، لذلك فالأمر يكمن في تحسين مسار التسوية، أو بتغيير المعاملة بين المستعمر والمستعمر.
٢- إدارة الصراع على قاعدة وعي حقيقة هذا الصراع ، وهو ليس حصرياً ولا يمثل فئة، بل له عمقه التاريخي من مائة سنة، وأبعاده القومية والوطنية والطبقية ومدها العالمي، اي علاقتها بالسيطرة والهيمنة والتبعية الرأسمالية، والذي يحتاج إلى استراتيجية شاملة ومتتعددة وموحدة للصراع بوسائل متحركة وهدف، تطرح فكراً ومفهوما ومتجددا لحركة ثورية تحررية عربية مقاومة شاملة وجديدة ، تشكل البديل للهمجية والظلامية والرجعية والأنظمة التابعة، وليس خطة خاصة محلية ووطنية فحسب، بل إن الاستراتيجية الشاملة هي حصيلة تكاملية لجميع الخطط الجزئية. الحقيقة التي علينا أن نعترف بها ان مفهوم الصراع العربي الصهيوني مغيباً ومعطلاً في ظل انتشار أوضاع الاحباط واليأس وانتشار الصراعات الطائفية الدموية وتزايد مظاهر ما قبل السياسة وممارسات الاستبداد والتخلف والتجزئة والفقر في أوساط شعوبنا العربية، وهنا لا بد من الاعتراف بقصورنا الذاتي اليساري الفلسطيني سواء من حيث تواصلنا التفاعلي الداخلي وادارة حوار بالعمق يبدأ من ترابطنا وتفاعلنا الفكري والسياسي والتنظيمي. المصداقية السياسية التي تقول بالمراجعة الوطنية وتماري ما تقول فعلا وليس قولاً ، فالهروب من استحقاق المراجعة هو انانية تنظيمية مغلقة تجعل الاخطاء تتعمق وتنتشر ولن تحمي اي حزب من التستّر على الأمراض الفظيعة والاخطاء التي وقعت فيها قيادة الشعب الفلسطيني . إذ أن الحرص على الشعب الفلسطيني وقضيّته تقتضي المصارحة، انطلاقاً من أن حالة الشعب الفلسطيني المحتلّ والمشتت في المنافي تسوء باستمرار، وهناك ضرورة للتغيير.
وذلك يدعونا لتجديد بنيتنا ورؤيتنا للأمور عبر قرائة الحقائق التالية في الصراع :
الحقيقة الأولى: فشل "احتواء الصراع " من خلال الانكشاف الاستراتيجي للكيان الصهيوني، فكلما ازدادت عنصريته تسقط شرعيته الأخلاقية ، "إسرائيل" تتقدم إلى نهايتها واحتلال اكثر يعني المقاومة أكثر، والذي جعل من الاحتلال باعتراف كبار الاستراتيجيين أنه تحت مظلة حماية أمريكية وركائز رجعية بالمنطقة تستخدم التطبيع والتسويات الجائرة، كستار خادع تتمدد تحته على حساب حقوق الشعب الفلسطيني. في آخر صراعات ما أسماها ترامب بالصفقة الكبرى، الحل الاقليمي، وتسويق اليمين الصهيوني بالمناداة بتحويل غزة الى انفصال رسمي بعد انقسام، وخطة انطواء في الضفة بحمولة سكانية أقل ودولة يهودية واحدة، لا دولة علمانية ديمقراطية واحدة. الحل المطروح هو دولة اللادولة، ايقاد جديد للكفاح الفلسطيني و الصراع حتما سيتجدد كلما تجدد الاحتلال، ويزول الوهم المبني على أنه مجرد نزاع، وحله عن طريق التفاوض العبثي، والحوار والاتفاقات والإملاءات، وتطوير الاقتصاد والتنسيق والتنمية البشرية، لخلق بنية ذهنية واجتماعية تقبل بالتسليم بالأمر الواقع، أي احتواء الفعل المقاوم، فقد قال الصهاينة: الكبار يموتون والصغار ينسون، لكن الذي ثبت ان الكبار يموتون والصغار يقاومون.
الحقيقة الثانية: (تحويل الصراع ) جعله جزءاً من فتنة اقليمية بهويات مختلفة، وحرب اهلية تهدف الى تفكيك المشروع الفلسطيني الذي سعى له اتفاق اوسلو الى انقسامات جغرافية وأهلية وفئوية و بين منطقة" أ "واخر "ب " و " ج" وداخل وخارج وقدس ومناطق عام ٤٨ وإلى آخر، والانقسام المقيت الذي يزيد الطين بلة، وما ألحقه بالقضية الفلسطينية نتيجة التمادي بالمصالح الفئوية والطبقية لليمين الليبرالي والديني والتنافس السلطوي، وما قاله تقرير الاسكوا الأخير: إن ارتكاب إسرائيل لجرائم العنصرية والتطهير العرقي وتدمير وحدة الشعب الفلسطيني، لكننا ندرك أن هذا لن يوقف الفعل الكفاحي والوعي مترسخ في الوجدان الفلسطيني والعربي وبأولوية التناقض الرئيس مع الاحتلال وليس بين مكونات واجزاء وقوى الشعب الفلسطيني والعدو معروفاً للجميع وليس فاعلا مجهولا . وهذه ما الحس الشعبي يشكل قوة دفع جديدة للروح الوطنية الفلسطينية.
الحقيقة الثالثة: ادامة الصراع، بين ادامة وحل الصراع فقد اختارت اسرائيل ادامة الصراع ، هدف قوانينها العنصرية الاخيرة القضاء على حل الدولتين ونزع المواطنة عن فلسطينيي 48، وسلب اللاجئين حقهم بالعودة وتكريس احتلال الضفة والقدس، اي قوننة العنصرية والتطرف في إسرائيل لذلك اشعلت الفعل التحرري المتجدد للاجيال الفلسطينية ، لقد اخترق الفتى الفلسطيني الجديد وخارهم كان نموذج باسل الاعرج الذي يمثل تيار تحرري يسيرعكس ما حاولته مختبرات وبنوك ومؤسسات الدول الغربية واخترق العجز وأمد قدرته بالاعتماد على الذات وبروح الامل والتضحية وترجمتها والتفاؤل الثوري بالفعل الذاتي والمبادرات الفردية المعبرة عن روح جماعية في مواجهة وحش الاستيطان، ولم يعد بسهولة ان يتنزهوا في شوارع الوطن وان يدنسوا الارض ويعتدوا على اهلها. يقتلون كل من يتحرك ومن المسافة صفر وبدم بارد وعلى الهواء مباشرة ، لن يروض الشعب الفلسطيني ولن يتوقف الصراع تحرري المقاوم الذي يعيد فيها الانسان صياغة نفسه وهويته، مدركا قول فرانز فانون "محو الاستعمار إنما هو حدث عنيف دائماً لأن ذلك يبدل الكون تبديلاً تاماً، لذلك لا يمكن أن يكون ثمرة تفاهم ودي ."
لذلك الدعوة للتضامن الفعلي وحماية النضال الفلسطيني والذي يسير على ثلاثة خطوط:
١- الحماية السياسية وترجمتها الفعلية من خلال بلورة رؤية سياسية جديدة تقطع مع الاتفاقات السابقة وتمنع انخراط الانظمة في الحل الاقليمي التصفوي و تحمي إستراتيجية المقاومة الشاملة وفعلها التكتيكي الانتفاضي وترفدها بطاقة جديدة وترسم اهدافها.. في خطاب سياسي هجومي يقدم عربيا ودوليا لعزل وتعرية الاحتلال وتطارد الاجرام الصهيوني قانونياً عبر تفعيل المشاركة بمحكمة الجنايات الدولية وغيرها وعزل الكيان العنصري .
٢- الحماية العملية ، الشعب الفلسطيني ودعم صموده بشتى الوسائل الشعبية والاعلامية والقانونية والدبلوماسية والاقتصادية وتأطير الانشطة وتنسيقها وبناء وتنظيم الفعل النضالي "التنظيم يضاعف القوة".. مثل المقاطعة BDS والمطالبة بنشر تقرير " الاسكوا الذي طالب الامين العام للأمم المتحدة بسحبه ولأجل ذلك سجلت المديرة الشجاعة ريما خلف موقفا بالاستقالة ونوجه لها التحية ولتشكيل لجان خاصة في الاحزاب تتابع ملف القضية الفلسطينية وشؤون الشعب الفلسطيني في الشتات ذاكرة صبرا وشاتيلا ويوم الارض وذكرى النكبة ولجان المقاطعة وحق العودة ، ودعم الوجود الفلسطيني وكرامة اللاجئ المناضل والصابر في الدول المضيفة فلا يجوز ان تكون مع عدالة قضيته ولا تعامله الحكومات بعدالة نسبية ، والعدالة تبدأ بالحقوق الانسانية وتنتهي بالتمسك بحقه في العودة الى وطنه، واعتبار حرمانه من العودة الى وطنه هي ذروة العنصرية.
٣- تطوير ودعم الوطنية الفلسطينية ليس كهوية إقليمية، بل كامتداد للهوية العربية الجامعة عبر الحق الفلسطيني والعربي و بوحدة الارض والشعب والهوية اثانياً وشرعية الكفاح والمقاومة التحررية ثالثاً، وتشكيل لوبي ايجابي لدعم خط بناء المؤسسة الوطنية الجامعة والجماعية، بمنظمة تحرير فلسطينية تشمل مكونات المشروع الوطني الفلسطيني التحرري في الشتات والوطن وبصيغة المشاركة الوطنية والشعبية.
اختم بكلمات رفيقنا القائد الدكتور جورج حبش: إن الصراع مع عدو، كالصهيونية – وإسرائيل – والامبريالية، هو صراع تاريخي مفتوح لن تختزله لحظات انكفاء عابرة، هذا الفهم يدفع عملياً نحو ضرورة إدارة الصراع بطريقة شمولية، وبصورة يتساند ويتشابك فيها النضال التحرري القومي مع النضال الاجتماعي الديمقراطي، وهذا يعني وعي الديمقراطية كأداة للنهوض وقيم للسلوك والفكر والممارسة لتحرير المجتمع، فالديمقراطية، هي في حد ذاتها، ليست هي الحل وإنما بوابة للحل، أما الحل فهو قوى المجتمع وحريته القادرة على تحديد الأهداف والطموحات والنضال من أجل تحقيقها.