ندوة مئة عام على القومية العربية: وأهمية تجديد الفكر القومي
بقلم: د. فيحاء قاسم عبد الهادي
في الندوة التي هدفت إلى تخطي إحياء الذكرى التاريخية للمؤتمر العربي الأول العام 1913، عبر وقفة نقدية لمئة عام من القومية العربية؛ برز دور مميّز للنساء؛ الأمر الذي أجاب وبشكل عملي، عن بعض التساؤلات والإشكاليات التي طرحتها أوراق الندوة، والتي تحدَّثت عن أسباب فشل تحقيق المشروع القومي: العوامل السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والتربوية، وركَّزت على انعدام الديمقراطية بمعناها الشمولي، والذي يتضمن مشاركة المرأة بفاعلية في الحقل العام.
*****
ومن اللافت مشاركة العديد من النساء، بشكل فاعل؛ بدءاً بالتفكير بموضوع الندوة، ثم إنجاحها، - والذي يعود إلى جهد ودأب الدكتورة "نهى خلف"، الباحثة الأكاديمية، والمنسقة العلمية للندوة، والتي تواصلت مع الباحثين والباحثات، ومع المراكز البحثية العلمية، بالتعاون مع لجنة تنظيمية حيوية، منها: "ماري"، و"نادية" و"دلال"، و"علا"، و"هند" -، ومن خلال اللجنة العلمية للمؤتمر، - التي تضم باحثين وباحثات من مختلف البلدان العربية -، وعبر المشاركة بأوراق عمل، هدفت إلى طرح قضية تجديد الفكر القومي العربي، وإجراء وقفة نقدية، تناقش الحاضر، بربطه بالماضي، وتستشرف المستقبل.
شاركت في تقديم الأوراق البحثية: "ليلى داخلي" (رجالات مؤتمر 1913: هل هم قوميون عرب؟)، و"سابين صليبا" (القومية العربية كما رأتها ماري عجمي)، و"مريم بن رعد" (القومية العراقية وتغيير ملامحها في الفترة المعاصرة)، و"فادية عبد الهادي" (القومية العربية لدى عوني عبد الهادي)، و"جولييت هونفو" (القومية العربية في اليمن)، و"راندي ديغليم" (الصحافة الفرنسية والمؤتمر العربي الأول)، و"سارة أحمد منير" (تحليل مقارن بين قومية القرنين الثامن والتاسع عشر وما بعد ثورة 25 يناير)، و"ريم مرسي" و"داليا عباس" (تحليل المطبوعات الدعائية والمواد التصويرية للنساء زمن الدولة الناصرية القومية).
*****
من بين القضايا التي أثيرت في الندوة، ما طرحه د. "ماهر الشريف"، ضمن ورقته، التي ناقشت الثغرات المتعددة داخل أيديولوجية القومية العربية، وهي: النظرة الماضوية والمثالية للقومية العربية، - باعتبار أن القومية العربية هي ظاهرة حديثة تبلورت بعد الحرب العالمية الأولى -، والنظرة الإرادوية للوحدة العربية، - والتي تعتبر أن الاستعمار هو الذي فكَّك الدولة الإسلامية، وتغفل أن الدولة الإسلامية بدأت بالتفكك قبل الاستعمار -، والموقف من الحرية، - مثل غياب الحريات الفردية، وحرية المرأة -، والموقف الملتبس من العلمانية، - الذي رفض اعتبار الدين الإسلامي مكوِّناً أساسياً من مكوِّنات الفكر القومي -، وتغييب الصراع الطبقي، والنزعة الإنسانية. أما الثغرة الأولى، فهي: الاستناد إلى التصور اللغوي للأمة! والتي نبعت من "اصطدام القوميين العرب حين نزلوا إلى الواقع بحقيقة غياب لغة موحِّدة تلعب دوراً موحِّداً"!
*****
في اشتباك مع ما طرح، حول أهمية العامل اللغوي في الفكر القومي العربي، وحول موضوع الدين الإسلامي، باعتباره مكوِّناً أساسياً من مكوِّنات القومية العربية، لدى بعض المفكرين القوميين، وفي حوار خلاق، هدف إلى البحث العلمي، في وجهات نظر جديدة، يمكن أن تساهم في تجاوز المأزق الحالي، الذي يعيشه الفكر القومي العربي، بالإضافة إلى التأريخ للحركة القومية العربية وأقطابها؛ أستضيف اليوم، ملخصاً للورقة التي أعدَّتها د. "بسمة الدجاني"، ود. "فاطمة العمري"، والتي تناولت "اللغة العربية وسيرورة الفكر القومي: أحمد صدقي الدجاني أنموذجاً".
*****
"تناول البحث اللغة العربية بوصفِها أحد أهم أبعاد الفكرِ القَومي العربي، وذلك من خلالِ ما قدَّمه المُفكِّر الراحل د. "أحمد صدقي الدجاني" في مُجملِ نتاجِه على أنَّه أنموذجٌ للشخصيةِ القَوميةِ العربية في بُعديها الشَّخصي والعملي.
ونهض البحث على دراسةِ مؤلفات الدجاني ومَشروعِه الذي رسم ملامحَ عُروبية قَومية إسلامية من أجلِ تحقيقِ المشروعِ الحضاري العربي ومُكوّنِه اللغوي، والمُتمثّل في إحياءِ اللغةِ العربية وآدابِها، والذي يُعدُّ أولَ مَهَمّة لإحياءِ العُروبية.
يقوم البحث على ثلاثة محاور رئيسة هي: اللغة والمُصطلح: نظرةٌ في البُعدِ السياسي. الإسلامُ والعُروبةُ وَجهان لِهُويةٍ عربيةٍ واحدة. المؤتمر القومي العربي الإسلامي.
وإنّ مَن يستطلعُ مؤلفاتِ الدجاني يرَى بجلاءٍ تَوجُّه الرَّجل العربي الإسلامي، ففي مؤلفاتِه التي تربو على الخمسين في حُقولِ السِّياسة والإعلام والتاريخ تبرزُ مؤلفاتٌ مِن مثل:
(عرب ومسلمون وعولمة، مسلمون ومسيحيون في الحضارة العربية الإسلامية، في مواجهة نظام الشرق الأوسط، وحدة التنوع وحضارة عربية إسلامية، عروبة وإسلام ومعاصرة، العرب في مواجهة عالمٍ مُتغيّر، نحو استراتيجيةٍ عربيةٍ للمُواجهة، مدرسةٌ عربيةٌ في عالمِ السياسة، تفاعلاتٌ حضاريةٌ وأفكارٌ للنهوضِ، الحِوار العربي الأوروبي، مُستقبل الصراع العربي الصهيوني، نظراتٌ في قضايا معاصرة، بدايةُ الصَّحوةِ العربية في مُواجهةِ الغَزوِ الصّهيوني، العربُ وتحدياتُ المُستقبل، الحِوارُ العربي الأوروبي – وجهةُ نظرٍ عربية، رؤى مُستقبلية عربية للثمانينات).
ولعلَّ في أعمالِ المؤتمر القومي الإسلامي الذي يُعدُّ الدجاني بحقٍّ صاحبَ فِكرتِه ورائدَ العملِ على القيامِ به ومُنسِّقَه العام، ما يُقدِّم أنصعَ الشَّواهد على قابليةِ الرجلِ للحوارِ العربي العربي، العربي الغربي، العربي وغيرِه على حدٍّ سواء، الإسلامي الإسلامي، الإسلامي المسيحي، الإسلامي اليهودي، الإسلامي وسائر الأديان.
هي إطلالة على فكرِ أحمد صدقي الدجاني في بُعديهِ اللُّغوي والقَومي إذ تبيَّن مِن الاطلاعِ علَى كُتبِه ومؤلفاتِه وسائر نتاجه أنه:
يمكننا أن نعُدَّ أبا الطيب مفكراً عروبياً قومياً إسلامياً جسَّد الأبعاد الثلاثة في شخصه وفكره ونتاجه.
سارت مؤلفات الدجاني على منهجية واضحة تلتزم بالبعد اللغوي مهاداً لطروحاته الثقافية والسياسية والإعلامية أيّا كانت.
اتَّخذ الدجاني منهج بسط المصطلحات وتوضيحها في بداية كل فكرة يعرض بها فكان يُبيّن معاني المصطلحات من الناحية اللغوية ثم الاصطلاحية.
ناقش الدجاني المصطلحات وبيَّن الفرق بين مصطلحات الآخر والآخر الصهيوني وفاضل بين كثيرٍ من المصطلحات، وكان ينتخب بعضها مقترحاً على جماهير الباحثين استعمالها.
انطلق الدجاني من الإسلام والعروبة بوصفهما كُلاً لا يمكن فصله بأية حال، وكان يصل إلى نقطة البداية نفسها غير مرّة مؤكداً عمق العلاقة وأهمية التشديد عليها.
بيَّن دَورَ الاحتكاك الحضاري في الساحة العربية الإسلامية، وتحدَّث في أثر التفاعل السلبي والإيجابي، وفي تأثيره على اللغة العربية".