مَزْارع من خزاعة يروي قصته مع المجزرة التي ارتكبها الاحتلال في البلدة
تختلط الشوارع والاتجاهات حتى على أبنائها، فبلدة خزاعة الواقعة شرقي محافظة خان يونس، والتي دمر أكثر من ثلثيها بشكل كامل، تَنّشر قصصها فوق الركام المنتشر في أرجاء البلدة، ترتسم قصص الموت على وجوه أبنائها، الذين هربوا من شبِحه وهم غير مصدقين لما حصل لهم.
"والله الذين ماتوا ارتاحوا، ذهبوا لرحمة الرحمن، يتركوننا لكي نموت ألفَ مرة من مشاهدة هذا الدمار "، هذا ما يقوله المزارع محمد أحمد النجار، في الستين من عمره، والذي قابله العاملين في مؤسسة الإغاثة الزراعية أثناء تفقدهم للأراضي الزراعية في بلدة خزاعة.
المزارع النجار يجلس في خيمة وضعها أمام بيته المدمر بالكامل، ويحاول استعادة تفاصيل ما جرى منذ اليوم الأول للمجزرة التي حلت بالبلدة، ويقول النجار" خرجنا قبل يومين من دخولهم للبلدة، حملنا أرواحنا وهربنا، كانت القذائف المدفعية تسقط بشكل جنوني من حولنا، كنا من أوائل من خرجوا من البلدة وذلك لأننا أكثر قرباً من الحدود الشرقية، وكانت القذائف لا تتوقف مطلقاً، هربنا إلى بلدة بني سهيلا، ذهبنا إلى مدرسة تابعة لوكالة الغوث، بعد يومين سمعنا عبر الإذاعات المحلية بأنهم دخلوا البلدة وقاموا بتدميرها وقتل من فيها."
ويتابع النجار " لم نستطع معرفة ما يجري داخل البلدة، كل ما عرفناه كان ما تقوله الإذاعات المحلية ،تمكنّا من دخول البلدة بعد خمسة أيام، لم نكن نتصور حجم الدمار الحاصل فيها، لم يبقوا حجرًا واحدًا سالماً، بعدها عرفنا أن غالبية من تبقى في البلدة قد مات، منهم زوج ابنتي، حيث بقيت جثته تحت الركام حتى استطاع الدفاع المدني إخراجها وتمكنا من دفنه، وكان اثنان من أقاربي لم نعرف مصيرهم، إلا بعد فترة عرفنا أنه تم اعتقالهم وإطلاق سراحهم."
قصص الموت وهوّل الدمار الذي لحق بالبلدة لم يكّن الشيء الذي آلامه، فهو تعّود على هذه القصص على مدار الستين عاماً التي أمضاها من عمره ، ما آلمه حقاً هو تجريف أرضه والتي تبلغ مساحتها ثمانية عشر دونماً، غالبيتها مزروعة بأشجار الزيتون، حيث يبلغ عمرها خمسة وعشرين عاماً، ويوضح النجار :" لقد ربيتها مثلَ أبنائي، خمسة وعشرون عاماً من الشقاء، ذهبت هكذا في لحظات ،لم أشعر بالوجع في حياتي مثلما شعرت عندما رأيت أشجاري كلها جرفت ."
يبلغ عدد أشجار الزيتون المزروعة حوالي 600 شجرة مثمرة، تم تجريفها بالكامل، بالإضافة لتجريف أربع دونم كانت مزروعة بالخضار الموسمية، عدا عن تدمير كافة المعدات الزراعية التي يمتلكها النجار، وقتل الحيوانات من دواب وأغنام .
يضيف النجار:" ليتنا ذهبنا مع من ماتوا، لقد ارتاحوا من رؤية هذا الدمار، الموت الحقيقي هو رؤية كل هذا الخراب، لم أستطع استيعاب أن كل أرضي جرفت، من سيعوضني عن خمسة وعشرين عام ذهبت في لحظات، كم بقي في العمر لكي أستعيد ما فقدت ."
لعل أبشع أنواع الخسارة، هو الخسارة البشرية، حيث لا يبقى للحياة معنى بعدها، لكن الخسارة التي توّجع بشدة هي خسارة المعنى المرتبط بالحياة، هي أن تتّرك وسط دمار وخراب لتنتزع معاني الحياة من مغتصبيها، فمن مات بالأمس استراح.