من الذي خدّر ملف استعادة جثامين الشهداء؟ عن المؤامرة المُزدوجة.. ووجعِ الأهالي !
خمسة شهور وعشر أيام مضت على ارتقاء أوّل الشهداء المُحتجزة جثامينهم في ثلاجات الاحتلال، وسط مماطلة السجّان الصهيوني في الإفراج عنهم، وتسليمهم لذويهم ليتنعّموا "بدفنهم"!.
قال المحامي محمّد عليان ووالد الشهيد بهاء، بطل عملية الحافلة بحي جبل المكبّر بالقدس المحتلة، نحن بحاجة لإعادة تفعيل الضغط الشعبي والسياسي في ملف احتجاز جثامين الشهداء، مضيفاً "آن الأوان لدفن أبنائنا".
وتحتجز السلطات الصهيونية جثامين 17 شهيداً، بينهم 13 من محافظة القدس وحدها، بقرار أمني من وزارة الداخلية في الكيان، في محاولة لمنع تفجّر الأوضاع الأمنية، والتسبّب في مواجهات ضخمة وغاضبة، قد تتبع تسليم وتشييع الجثامين.
وأوضح عليان خلال اتصال هاتفي لـ"بوابة الهدف" أن التوجه لما تُسمى "محكمة العدل العليا"، في دولة الاحتلال، هو آخر خطوة في الكفاح القانوني في هذا الملف، وكانت الخطوة الأخيرة، مشيراً إلى أنه من المقرر أن ترد نيابة الاحتلال خلال الأسبوع الجاري، على الالتماس المُقدّم لتسليم الجثامين، وفي حال رفضت ستُحدد المحكمة جلسة للبت في القضية.
وكان محامي مؤسسة الضمير لحقوق الإنسان، محمد محمود، قدّم التماساً، لأعلى سلطة قضائية، في الكيان، لمطالبة حكومة الاحتلال إلزام الشرطة "الإسرائيلية" والنيابة العامة، بتحديد موعد فوري لتسليم جثامين شهداء انتفاضة القدس، المحتجزين في الثلاجات، لذويهم، لدفنهم حسب الأصول والشرائع السماوية.
وقال والد الشهيد بهاء عليّان "الاحتلال يُماطل منذ أشهر، بالإفراج عن الشهداء المقدسيين، الذين يحتجز جثامينهم، رغم صدور قرار بتسليمهم، من قِبل جهاز المخابرات الصهيوني".
يُشار إلى أنّ وزير جيش الاحتلال موشيه يعلون، اعترف سابقاً، بأن "احتجاز جثث الفلسطينيين لا يردع منفذي العمليات الُمفترضين"، كما رأى مسؤولون أمنيّون بـ"إسرائيل" أنّه لا يوجد أي هدف إستراتيجي لمواصلة احتجاز الشهداء الفلسطينيين.
وأضاف عليّان لـ"بوابة الهدف"، "لا نتوقع الكثير من محكمة المظالم العليا، لأن موقفها وحُكمها سيتماهى مع الموقف السياسي الأمني الصهيوني"، مؤكّداً على أنه في حال قررت المحكمة رفض الالتماس، ستكون بيد أهالي الشهداء المحتجزة جثامينهم ورقة هوية للمحاربة بها، أمام الإعلام العربي والدولي، وكذلك "الإسرائيلي".
ولفت إلى ضرورة تفعيل الضغط الشعبي والسياسي، في المرحلة الراهنة، من خلال الحملة الشعبية الوطنية لاستعادة جثامين الشهداء، وتكثيف الفعاليات المطالبة بتسليم الشهداء الأسرى.
وعن التواصل مع السلطات الفلسطينية، أفاد عليّان أنه "مضى أسبوع، على تواصله مع عدد من المسؤولين، أبرزهم مسئول ملف المفاوضات صائب عريقات، ومستشار ديوان الرئاسة لشؤون القدس، أحمد الرويضي، وأكدوا جميعاً أن الجهود لا تزال تُبذل في ملف استعادة جثامين الشهداء، على المستوى المحلي والدولي".
وشدّد خلال حديثه لـ"بوابة الهدف" على أن ما يهمّ أهالي الشهداء هو نتائج ملموسة على أرض الواقع تُعيد لهم جثامين أبنائهم، مطالباً بأن يُغير المستوى السياسي من سياسته التي يبدو أنها لا تُجدي نفعاً، ولا تتقدم بالملف أي خطوة للأمام.
ولفت إلى أن جيش الاحتلال ودولته استفردوا جميعاً بالقدس المحتلة وشهدائها، وسكّنوا المطالبات بالإفراج عنهم، من خلال الإفراج عن شهداء محافظات الضفة الأخرى، كما أن قضايا أخرى شغلت جدول الكفاح الفلسطيني.
"بوابة الهدف" تواصلت مع الناشطة سلوى حمّاد، إحدى القائمين على الحملة الوطنية لاستعادة جثامين الشهداء، التي طالب عليّان، بتكثيف فعالياتها للضغط والتأثير على قرار محكمة الاحتلال، نحو الإفراج عن الجثامين.
وأوضحت حمّاد أن ما تسبّب بانخفاض وتيرة الفعاليات، وغيابها عن الشارع الفلسطيني، هو مؤامرة قادها الاحتلال بالتعاون مع السلطة الفلسطينية التنسيق الأمني.
وقالت "إن سلطات الاحتلال تتلاعب في ملف احتجاز جثامين الشهداء، من خلال اتخاذ خطوات تُخدّر الملف والفعاليات الناشطة فيه"، مضيفةً أن الاحتلال أفرج عن شهداء الخليل دفعةً واحدة، ولا يحتجّز الآن من يستشهد من أهلها، على اعتبار أنها المحافظة التي شهدت أكبر حراك ومواجهات نتيجة استمرار احتجاز الشهداء، لكن في ذات الوقت يُبقي الاحتلال على احتجاز شهداء القدس".
وأكّدت الناشطة حمّاد على أن "سياسة الاحتلال الحالية تكمن في تخدير كل منطقة يتشكّل فيها حراك قوي مطالب بإعادة وتسليم الشهداء".
"وعلى الصعيد المُجتمعي، فإن عدّة قضايا شغلت الشارع الفلسطيني، أبرزها كان قضية إضراب المعلمين الذي استمر لشهر، والتي تركزت ضمنها الفعاليات" حسبما أوضحت حمّاد، التي لفتت كذلك إلى أن وضع القدس له خصوصيّته في "صعوبة تنظيم الفعاليات والتشديد الأمني الذي تُمارسه سلطات الاحتلال على الشباب الناشطين في أي حملة وطنية".
وقالت لـ"بوابة الهدف"، "هذا كلّه يتلاقى مع سياسة التنسيق الأمني التي تُمارسها السلطة الفلسطينية والتي تُطلق الإشاعات بأن الاحتلال سيُسلّم جثامين شهداء، وبالتالي تنخفض وتيرة المطالبات، من قبل العائلات والنشطاء، ويكون الانتظار هو سيد الموقف، فحسب".
وأشارت حمّاد أن الأسبوعيْن الجاري والمقبل سيشهدان تفعيلاً أكبر وزخماً في ملف احتجاز شهداء انتفاضة القدس، وكذلك المطالبة باستعادة شهداء الأرقام المحتجزين منذ سنوات، بما يُخالف القانون الدولي واللوائح الشرعية الدولية، ومواثيق حقوق الإنسان، وحتى القانون "الإسرائيلي".
ولا يزال الاحتلال يحتجز مئات الشهداء الفلسطينيين ضمن ما تُسمّى بـ"مقابر الأرقام" وهي أماكن سرّية مغلقة عسكرياً يُمنع الوصول إليها، وهي مدافن غير مُجهّزة مُسبقاً للدفن بالظروف المُلائمة، ويقول مختصّون بأنّ العديد من الأضرحة تدمّرت بفعل العوامل البيئية والإهمال من الجانب "الإسرائيلي".
مُعطيات "ليست رقميّة" !
وارتفع عدد الشهداء الذين يحتجز الاحتلال جثامينهم، إلى 17، بعد رفض السلطات الصهيونية تسليم شهيديّ عملية سلفيت الأخيرة للجانب الفلسطيني، منهم: 13 شهيداً من مدينة القدس وضواحيها، وشهيديْن من مدينة بيت لحم، وآخرَين من سلفيت وقلقيلية.
وأول الشهداء المحتجزين هو ثائر أبو غزالة (19 عاماً)، ويعتقل الاحتلال جثمانه منذ تاريخ 8 أكتوبر الماضي، وبعده الفتى حسن مناصرة (15 عاماً)، في ذات اليوم.
وفي 13 أكتوبر، رفض الاحتلال تسليم جثمان الشهيد بهاء عليان (22 عاماً)، بعد تنفيذه عملية مزدوجة داخل حافلة "إيجد" صهيونية، بالقدس، برفقة بلال غانم الذي تعتقله سلطات الاحتلال، بالتزامن، استشهد علاء أبو جمل (33 عاماً)، واحتجز الاحتلال جثمانه.
إضافة لاحتجاز جثامين: معتز عويسات (16 عاماً) منذ تاريخ 14 أكتوبر، ومحمد نمر (37 عاماً) منذ 19 أكتوبر، وعمر سكافي (21 عاماً) منذ 6 ديسمبر، والشهيد عبد المحسن حسونة (21 عاماً)، منذ 14 ديسمبر الماضي.
كما يحتجز الاحتلال الشهيد محمد أبو خلف (20 عاماً)، منذ 9 فبراير الماضي، والشهيدة فدوى أبو طير (51 عاماً) منذ الثامن من آذار الجاري، و بعدها بيوم ارتقى الشهيديْن فؤاد أبو رجب "التميمي" (21 عامًا) وعبد الرحمن محمود رداد (17 عامًا)، وبشار مصالحة (22 عامًا)، واحتجز الاحتلال جثامين ثلاثتهم، والشهيد عبد الملك أبو خروب ومحمد الكالوتي، وآخرهم الشهديْن علي جمال طقاطقة (21 عامًا) وعلي عبد الرحيم ثوابتة (20 عامًا)، يوم الخميس الماضي.
#بدنا_ولادنا
والد الشهيد بهاء عليان الذي اشتاق لاحتضان ابنه وتقبيله، يتشوّق الآن لـ"دفنه"، وأطلق عبر صفحته الشخصية على "فيسبوك" وسم #بدنا_ولادنا ، تفعيلاً للقضية، وإيصالاً للرسالة، إضافة لنشره بين الحين والآخر، مناشدات ومنشورات تحمل الكثير من الألم ووجع الانتظار.
وقال "أهالي الشهداء المحتجزة جثامينهم، لا يستطيعون العودة لحياتهم الطبيعية، رغم مرور أشهر على استشهاد أبنائهم، فهم –حتى اللحظة- لا يصدقون أن أبناءهم راحوا دون رجعة، كيف وهم لم يروهم ولم يُشيّعوهم، ولم يدفنوهم؟!".
وأضاف "نحن في حالة موت مستمر، وكأن الشهيد فارقنا للتو، هناك قبور مفتوحة، نزورها كل يوم، نتمنى أن ندفن أبناءنا داخلها"، وأكمل "تخيّلوا كيف تفكّر عائلة الشهيد.. كيف تنتظر كل يوم قرار الإفراج عن الجثمان، كيف ستكون هيئته، وتفكير أمه التي تتساءل كيف ستخترق قُبلتها قالب الجليد لتصل لوجنتيّ الشهيد،..، الاحتلال يحتجز الشهداء في ظروف قاسية وغير قانونية ومؤلمة".
عليّان كتب رسالة من جزأين، ونشرها عبر صفحته على "فيسبوك"، وجهّها للرئيس الفلسطيني محمود عباس، قال فيها "أبناؤنا في صقيع يزداد سمكاً يوماً بعد يوم، جرحنا يزداد عمقاً ونزفاً،...، والوطن بات مكتئباً حزيناً لأن أحداً فيه لم يوقف دموع النساء.. سيدي أنا لا أرجو ولا أتوسل، بل ألفت النظر إلى أن أعمق الحزن هو حزن الأقوياء"، خاتماً الرسالة بـ "إن وصلتكَ، فاقرأ ما وراء السطور، كي تدري".