كانت الأوضاع السياسية الإسرائيلية تسير ظاهريا بهدوء في حين كانت تشهد في القاع تحركات صاخبة. فالأوضاع الأمنية، ورغم الحديث عن الخطر الإيراني وعن احتمالات التسخين على الجبهة الشمالية ورغم الربيع العربي والصواريخ من غزة لم تكن لتشير إلى تغيير جوهري قريب ولا إلى خطر شامل. كما أن الظروف الاقتصادية - الاجتماعية في إسرائيل ورغم التدهور الذي ظهر مؤخرا والاحتجاجات الاجتماعية المتزايدة لم تكن أيضا تنبئ بتغييرات جوهرية مقبلة. وكان تقديم موعد الانتخابات احدى الشارات لشعور ما بالقلق من جانب رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، الذي آمن بأنه بمرور الوقت بات يخسر ولو بشكل طفيف. وربما لهذا السبب أراد انتخابات سريعة قدر الإمكان.
لكن ما كان يجري في الطبقات السفلى من الحياة السياسية الإسرائيلية كان مغايرا لما يحدث ظاهريا. كان الخوف من العواصف يخلق عواصف وأعاصير. ومن الجائز أن الإشارة الأولى التي أوضحت أن الصورة تحت تختلف عن الصورة فوق كان انسحاب موشي كحلون من التنافس على مكان في قائمة الليكود للكنيست. ووفق ما أشيع فإن كحلون، وهو أكثر الوزراء شعبية في الليكود، والشرقي الانتماء الاجتماعي الهوى، رأى في خياله كارثة قادمة. وآمن بأن الليكود، رغم كل التقديرات واستطلاعات الرأي سوف يخسر الانتخابات المقبلة حتى لو بقي نتنياهو رئيسا للحكومة. وقيل ان كحلون لاحظ أن التقليصات المقترحة في الميزانية والناجمة عن تراجع نمو الاقتصاد الإسرائيلي والخطوات اللاحقة سوف تبعد الطبقات الشعبية عن تأييد الليكود.
لكن استطلاعات الرأي المنشورة في كل الصحف ومن إعداد كل معاهد البحث كانت تشير إلى استقرار الحكم لمصلحة اليمين ولمصلحة بنيامين نتنياهو. وأن التذبذب الواقع في مكانة الليكود وعدد المقاعد التي سينالها في الانتخابات المقبلة ليس كبيرا وأنه لا يشهد انتقالا للأصوات لمصلحة جهات خارج معسكر اليمين. وباختصار قادت كل الاستطلاعات الناس للاعتقاد بأن معسكر اليمين، بقيادة نتنياهو، سيشكل الحكومة المقبلة من دون مشاكل وبسهولة. بل ان الحديث عن سيناريوهات تتوحد فيها أحزاب الوسط بقيادة إيهود أولمرت أو تسيبي ليفني لم يرق لمستوى الاعتقاد بتشكيل خطر حقيقي على زعامة نتنياهو.
لكن نتنياهو، وفق أغلب التعليقات، كان خائفا. خاف من أحزاب الوسط وخاف من أحزاب اليمين ويبدو أنه خاف من نفسه. وبحسب ما نشر في «معاريف» فإن استطلاعات الرأي الداخلية في الليكود كانت تشير إلى أن نتنياهو يخسر مقعدا ونصف المقعد كل عشرة أيام حتى موعد الانتخابات في نهاية كانون الثاني المقبل. وعمليا، ليس مؤكدا أن هذه الاستطلاعات أكثر صحة من الاستطلاعات الشائعة لكن يبدو أن قيمتها عند نتنياهو كانت أكبر. وهكذا اندفع للتحالف مع أفيغدور ليبرمان وحزبه «إسرائيل بيتنا» لتشكيل الائتلاف الجديد، «الليكود بيتنا».
ويقال ان ليبرمان نفسه، الطامح لزعامة اليمين والمنافس الأهم لنتنياهو، كان أيضا يخشى على نفسه من الانتخابات خصوصا لجهة اندماج الشبان الروس في المجتمع الإسرائيلي وعدم تمسكهم، خلافا لأهلهم، بالخصوصية الروسية. وثمة من يقول ان ليبرمان كان طوال الوقت يفكر، بأشكال مختلفة، في العودة لليكود لزعامة اليمين بعد أن كان في الماضي مساعدا لربان «غواصته».
وأيا يكن الحال، لا خلاف حول أن دوافع نتنياهو وليبرمان واضحة. وربما أن دوافع «إسرائيل بيتنا» أشد وضوحا لأنه حزب الرجل الواحد الذي يدور حول شخصية أفيغدور ليبرمان نفسه وفعاليته. وبالتالي ليس هناك من يشك في أن رجال إسرائيل بيتنا يشعرون بأنهم رابحون في كل الأحوال خصوصا في القائمة المشتركة. ولكن هذا ليس شأن قادة الليكود. فهذا حزب تاريخي سواء بتأليفه في مطلع السبيعينات أو بامتدادته إلى حزب حيروت مع قيام الدولة اليهودية أو حتى إلى الحركة التنقيحية بزعامة زئيف جابوتينسكي في ثلاثينيات القرن الفائت. وهذا يعني أن أجيالا من أبناء «العائلة المحاربة» يشعرون بأنهم اليوم أمام مفترق طرق حاسم. هل سيبقى الليكود حزب وسط يمين أم سيتدهور ليغدو حزب اليمين المتطرف ذا الطبيعة الفاشية.
ولا يختلف اثنان على أن ليبرمان ونتنياهو يتقاسمان القيم الفاشية نفسها إلا أن وجود نتنياهو في الليكود كان يقيده بعض الشيء. وكان ليبرمان المعجب بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين قد تحرر من قيود الليكود وصار أشد عدائية ليس فقط للعرب وإنما أيضا للقيم الديموقراطية. ولذلك فإن الصراع يحتدم الآن داخل الليكود مع وضد خطوة الاتحاد مع ليبرمان وضد فكرة «الليكود بيتنا».
ورغم أنه يصعب تخيل فشل نتنياهو في إقرار خطوة الاتحاد مع إسرائيل بيتنا في مركز الليكود إلا أن المشكلة الأساسية لا تكمن هنا. إن المشكلة تكمن في موقف الناخب الإسرائيلي. ومن المؤكد أن الحجر الذي ألقاه نتنياهو بخطوته هذه في بركة العلاقات الداخلية الإسرائيلية سيظل يطلق أمواجا حتى ما بعد الانتخابات.
فالجميع بانتظار الرد من قوى الوسط واليسار وهل تبقى مشرذمة أم تدخل في ائتلافات واتحادات تقود إسرائيل نحو نظام الحزبين بدلا من المعسكرين. والأهم من ذلك أن الجميع بانتظار النتائج الفعلية لهذا الاتحاد وهل سيكون حاصله أكبر من مجموع مكوناته أم العكس. يشير خبراء من أهل بيت الليكود إلى أن هذا الائتلاف سينال 45 مقعدا في الانتخابات المقبلة. وقيل ان ليبرمان يتوقع خمسين مقعدا. خبراء كثر يشككون في ذلك ويعتقدون أن حاصل الاتحاد سيكون أقل من مجموع مكوناته وأن الائتلاف الجديد لن يصل إلى أربعين مقعدا.
أيا يكن الحال، بات بالوسع الحديث عن مفاجآت، لكنها حتى الآن لا ترقى لمستوى التغيير الجوهري في العلاقة بين اليمين واليسار. إنها في الغالب مفاجآت بين اليمين المعتدل واليمين الأكثر تطرفا.