الخميس 21-11-2024

مصر وقيود إتفاقية كامب ديفيد

×

رسالة الخطأ

د. فوزي الأسمر

مصر وقيود إتفاقية كامب ديفيد
بقلم : د. فوزي الأسمر

منذ سقوط نظام حسني مبارك في مصر والحديث عن القيود التي كبلت فيها إتفاقية "كامب ديفيد " أكبر دولة عربية ، وأخرجتها رسميا ، وليس شعبيا ، خارج حلقة الصراع مع إسرائيل ، منذ ذلك الوقت والحديث يتزايد والنقاش يتطور ، وبدأ يأخذ منعطفا مهما بالنسبة لإعادة تقييم هذه المعاهدة ، من حيث التنفيذ ، والأبعاد التي أثرت على حياة الإنسان المصري بسببها.
فقد كانت هناك بنود تجاهلت إسرائيل تنفيذها تتعلق بالقضية الفلسطينية ، وقبل موقفها هذا نظام أنور السادات ، ونظام حسني مبارك بعده، تمشيا مع التنازل للموقف الأمريكي . وكان هناك رابط مادي بحيث يتم تقديم مساعدة مالية لمصر تصل إلى 1,3 مليار دولار سنويا طالما إتفاقية السلام مع إسرائيل قائمة . وفي التعامل مع نظام مبارك الفاسد إستطاعت إسرائيل أن تحصل على الغاز الطبيعي بأسعار تقل عن أسعار في الأسواق العالمية ، وبالتالي كان ذلك على حساب الإنسان المصري في حين أستفادت من ذلك طبقة معينة في مصر لم يكن يهمها مصلحة الشعب أو الوطن.
وحسب هذه الإتفاقية أيضا ، فإنه لا يحق لمصر إدخال أسلحة ثقيلة إلى شبه جزيرة سيناء ، رغم أنها أرض مصرية ، ومع ذلك فإن إسرائيل إعتبرت أن مصر هي المسؤولة عن السلام والهدوء فيها . ولكن إسرائيل أصرت على هذا البند ، وتراجع أنور السادات وقبل الشرط الإسرائيلي واصبح جزءا من هذه الإتفاقية.
ولكن العملية التي هاجم فيها إرهابيون ثكنة عسكرية للجيش المصري في سيناء ، يوم 5/8/2012 وقتلوا 16 جنديا ، فتحت أعين كثيرة ، وشعر المصريون أنه قد حان الوقت لأن يأخذوا الأمور إلى أيديهم . فالدفاع عن سيناء يشكل جزءا من الأمن القومي المصري ، والأمن القومي العربي على حد سواء.
ففي نفس الوقت قامت إسرائيل بالتحدث عن الأمن في سيناء ، وكيف أن مصر غير قادرة على السيطرة على هذا الأمن ، وكيف أن الوضع قد يصبح خطيرا بالنسبة لأمن إسرائيل. فإسرائيل تطالب أن تتحمل مصر مسؤولية وعبء حماية حدودها كي لا تضطر هي القيام بهذا العمل . بمعنى آخر أن تقوم مصر بحماية إسرائيل ، حسب الشروط الإسرائيلية ، أي بدون إدخال معدات عسكرية ثقيلة إلى شبه جزيرة سيناء.
ولكن الأمور لم تتوقف عند ذلك ، وكان لا بدّ أن تقوم مصر بإدخال الدبابات والأسلحة الثقيلة لحماية أراضيها ، أخذت الأمور ا الأمنية إلى أيديها . فبدأت إسرائيل تتحدث عن خرق مصر لإتفاقية " كامب ديفيد " . ولكنها لم تتوجه بذلك إلى الحكومة المصرية ، بل توجهت إلى البيت الأبيض ، وطلبت من الإدارة الأمريكية أن تضع ضغطا على القاهرة كي تسحب قواتها والأسلحة الثقيلة من سيناء ( معاريف 21/8/2012 ) بصفتها عراب الإتفاقية و الشريك القوي فيها . إلا أن مصادر البيت الأبيض أوضحت أن الإدارة الأمريكية غير منزعجة من التحرك المصري.
الأمر الذي أزعج إسرائيل ، أن مصر لم تقم بالتنسيق معها بتحركاتها العسكرية الأخيرة ، خصوصا قرار إدخال الدبابات الثقيلة إلى شبه جزيرة سيناء ( يدعوت أحرونوت 21/8/2012 ) فقد تعودت إسرائيل أن يقوم النظام السابق بالتنسيق معها بكل التحركات التي يريد أن يقوم به.
وتحركت العناصر الصهيونية الأمريكية تدعم إسرائيل ، فنشر الصهيوني دينس روس والذي كان مستشار الرئيس الأمريكي باراك أوباما لشؤون الشرق الأوسط ، مقالا في صحيفة "واشنطن بوست " ( 20/8/2012 ) ، طالب فيه الرئيس الأمريكي أن يكون إستمرار تقديم المساعدات الإقتصادية لمصر مرهون في استمرار السلام بينها وبين إسرائيل.
إن عدم التنسيق مع إسرائيل في هذا المجال ، قد يكون جزء من المحاولات الجارية لبناء شخصية مختلفة للرئيس المصري محمد مرسي ، والتي تتماشى مع تطلعات الشعب المصري في صراعه مع إسرائيل . فقد رفض هذا الشعب منذ البداية أي تطبيع مع إسرائيل ، واتخذ موقفا واضحا في هذا المجال ،وصل إلى حد رفض أي تعاون أدبي أو إجتماعي أو مهني أو ثقافي أو حتى رياضي . ولم تهتم إسرائيل الرسمية بهذا الموقف الشعبي ، طالما هناك من يحمي حدودها ، وينفذ لها مطالبها.
إن إتفاقية " كامب ديفيد " بحلتها الحالية لا تتماشى مع الأمن القومي المصري ، صحيح أن مصر تحصل على مساعدة إقتصادية من أمريكا تصل إلى 3،1 مليار دولار سنويا ولكنها تدفع الكثير مقابل ذلك . هذه الإتفاقية منعت مصر من التقدم إقتصاديا ، ومنعتها بالعودة إلى مكانها القيادي القومي العربي الطبيعي ، حيث كانت الثقة معدومة.
ويبدو أن الرئيس مرسي واع لهذه الحقيقية ، ولكنه لا يزال غير واضح في مواقفه ، وغير قادر ، لغاية الآن ، على كسر الطوق الذي يحيطه . إنه يعرف أن السياسة الأمريكية تعمل لصالح إسرائيل أولا ، وكل تنازل لها يعني تنازلا لإسرائيل . ويعرف أيضا أن الشعب المصري اليوم واع لما يدور حوله ويرفض أن يعود به ، أي رئيس ، إلى الأواضاع المزرية التي عاشها تحت حكمي السادات ومبارك.
ويعرف السيد مرسي أن القضية الفلسطينية تلعب دورا حيويا في حياة الشعب ولا تزال تمثل القضية الأولى بالنسبة له ، وهي ميزان حقيقي لتقيم لمواقفه . فهل سيقوم محمد مرسي بكسر هذا الطوق ويتخذ مواقف تتماشى وتطلعات أغلبية الشعب في مصر ، أم أنه سيسير على طريق سابقه ، مع تغيير بسيط في أسلوب التحرك ؟

انشر المقال على: