دخل الجيش المصري، أمس، على خط الأزمة السياسية في البلاد، في ظل استمرار المواجهات في شوارع القاهرة ومدن بورسعيد والسويس والإسماعيلية، وفشل الرئيس محمد مرسي في فرض حالة «الطوارئ» المعلنة في مدن القناة، حيث دعا وزير الدفاع عبد الفتاح السيسي الأطراف كافة إلى تجنب «عواقب وخيمة» قد تؤدي الى «انهيار الدولة».
وفي مؤشر إلى خطورة الموقف، قرر مرسي أن يقصر زيارته لألمانيا، اليوم، على بضع ساعات، بعدما كان مقرراً أن تستغرق يومين، فيما أعلن قصر الإليزيه عن تأجيل زيارة مرسي لباريس، والتي كانت مقررة يوم الجمعة.
ولليوم السادس على التوالي، استمرت المواجهات في وسط القاهرة، وخصوصاً في الشوارع المحيطة بميدان التحرير، فيما واصل أهالي بورسعيد والسويس والإسماعيلية تحدي قرار حظر التجوال المفروض على مدن القناة الثلاث خارجين بالآلاف في تظاهرات مطالبة بإسقاط نظام «الإخوان».
وفي مواجهة هذا التحدي، أبدى مرسي استعداده لإلغاء حالة الطوارئ في مدن القناة، إذ شددت رئاسة الجمهورية في بيان على ان «خيار إعلان الطوارئ، وبرغم قانونيته، لم يكن الخيار الأمثل بالنسبة للسيد الرئيس إنما الأصعب... وخلال الأسبوع المقبل سيكون هناك تقرير مطول يعرض الحالة الأمنية بوجه عام... وبناء عليه سيكون القرار المناسب».
وفي تطوّر لافت، خرج وزير الدفاع المصري عبد الفتاح السيسي عن صمت التزمه منذ بدء الأحداث الأخيرة، حيث دعا، خلال لقاء مع طلاب الكلية الحربية»، «كافة الأطراف» الى معالجة الأزمة السياسية في البلاد تجنبا لـ«عواقب وخيمة تؤثر على استقرار الوطن» و«قد تؤدي الى انهيار الدولة».
ـ1ـ
كلهم يبحث عن القناع.
النائب العام أصدر قراراً بإلقاء القبض على القناع الأسود، أو مجموعة «بلاك بلوك»، بينما دافعت كتل إسلامية تميل إلى العنف مثل «حازمون» عن مكانتها في العنف، وأعلنت عن تشكيل مجموعة «وايت بلوك». الصراع ليس بين ابيض واسود، ولكن بين السيطرة على كتلة إثارة الفزع، فـ«حازمون» تخصص فزاعات خارجة عن السيطرة، بينما «الكتلة السوداء» ظهرت فجأة لتصبح كلمة السر في منعطف العنف.
هم فعلاً مجرد كلمة أو فكرة، لا يعرف احد كيف تصور النائب العام انه قادر على إلقاء القبض عليهم، أو تحريض المواطنين ضدهم، ليصبح الملثمون هدفاً للمطاردة أو الانتقام، أو تبريراً لعنف السلطة باختراع جسم يتحمّل العنف الذي تدفع إليه قطاعات محبطة من الثورة.
وبرغم أنه يبدو لمن يدقق ان «بلاك بلوك» استلهام سياسي لظاهرة «الألتراس» في الكرة، وأنها نوع من التواصل بين حركات مهمتها حماية المتظاهرين منذ العام 2005، خاصة في الاحتجاجات ضد العولمة، إلا انه لا بد من وضع قناع العدو على كيان ما... وإذا لم يكن الـ«بلاك بلوك»، فإنه الإمارات، حيث تحدث اللواء عماد الدين حسين، مساعد الرئيس للأمن المجتمعي عن تورطها في عنف الجمعة الماضية... «مؤامرة» أعلن عنها مساعد الرئيس، وتسربت بموازاتها معلومات عن «إماراتي قدم 20 ألف بطانية و20 ألف وجبة»، وآخر» جهز أكثر من خمسة آلاف قطعة سلاح لقتل الثوار».
ولأن الغرام بحديث المؤامرة يشل التفكير، فإن أصحاب القناع الإماراتي لم يهتموا بغير الكلام المرسل، لأنه مريح للأعصاب، وسيعتبر رسالة إلى الإمارات رداً على اعتقال «الخلية الإخوانية»، وهي رواية أيضاً مستوحاة من تراث كل الأنظمة السلطوية عن «أجندات خارجية» وأصابع تلعب من الخلف... أصابع أجنبية رفع الرئيس إصبعه في مواجهتها.
المهم أن رواية الـ«بلاك بلوك» تحوّلت على يد النائب العام إلى هزلية جديدة مع مطاردات لكل من يرتدي اللون الأسود... وفي الهزليات البوليسية، يختلط الضحك والعنف كما ستكشف الأيام المقبلة.
ـ2ـ
دوري الحظر.
استمرّ رد مدن القناة على قرار مرسي إعلان الطوارئ، فكانت الدعوة إلى مسابقة فرق كرة قدم تتم يومياً في الإسماعيلية. وفي اليوم الأول شارك فيها فريق اصفر من لاعبي فريق المدينة («الإسماعيلي») في مواجهة فريق اخضر من ضباط وجنود الجيش.
تعبير اتخذ بعداً غامضاً بعد تصريح الفريق عبد الفتاح السيسي وزير الدفاع عن «انهيار الدولة»، وذلك إذا «استمر الصراع السياسي في البلاد».
غموض تعددت تفسيراته بين «وعد بالانقلاب»، أو «تهديد للمتظاهرين»، وهو كما يبدو في توقيته لحظة انتشار القوات المسلحة في مدن القناة يحاول صنع مسافة بين موقف الرئاسة وموقف الجيش، ويؤكد على انه ليس شريكاً في «عملية الانتقام» من المدن تحت حظر التجوال.
حديث «انهيار» يعني بشكل ما ان الجيش مازال هو «سر هذه الدولة»، وانه في طريقه إلى ترميم «كيانه» الذي تعرض لاهتزاز كبير بعد فشل المجلس العسكري في إدارة المرحلة الانتقالية.
القيادة الجديدة عادت بعد إبعاد المشير خطوة إلى الخلف كي لا تكون في لوحة التصويب والانتقام، وها هي الآن تستعيد مساحتها باستدعائها في مجال عمل قديم (المدن المحيطة بقناة السويس) ومن قبل سلطة (منتخبة) تتآكل شرعيتها، وتبحث عبر استدعاء الجيش ومنحه الضبطية القضائية عن قوة تمثل الغطاء الرسمي لحماية الرئيس الإخواني.
كما يمكن لنزول الجيش من جديد أن يعيد ذاكرة العداء مع الثورة، فتنقطع كل خطوط يمكن أن تلتقي عندها كتل متصارعة ضد الرئيس.
ـ3ـ
ضباط أحرار.
ظهروا هذه المرة في الشرطة، ووجهوا ثلاثة بيانات نشرت مزاج التمرد بين ضباط رفضوا تعليمات وزير الداخلية بضرب المتظاهرين، وسلموا المدرعات وانسحبوا من المواجهات التي اعتبروها تنفيذاً لمخطط إخواني يجر الشرطة إلى الدفاع عن الرئيس.
الوزير يبحث عن «الضباط الأحرار»، وهم أرسلوا إليه «نحن أقرب إليك مما تتخيل... موجودون في كل الإدارات والمديريات، ولن تثنينا عن مواصلة هدفنا الأسمى في حماية شعبنا».
هل هي حركة مقاومة لعودة الدولة البوليسية؟ أم اعتراض على العلاقة الحميمة بين الوزير والإخوان؟ أو رغبة في الدفاع عن المسافة التي لعب عليها الوزير السابق؟ أسئلة تصلح خلفية للحكاية الممتدة حول فندق «سميراميس»، حيث اختارت الشرطة موقعها لمواجهة المتظاهرين إلى مجلس الشورى، وهو موقع بين سفارات (أبرزها الولايات المتحدة وبريطانيا) وفنادق مهمة، وبينما تلقى قنابل الغاز بهستيرية ويُستخدم الاعتقال العشوائي، هاجم اللصوص والبلطجية الفندق، ولم يواجههم بحسب إدارة الفندق إلا الثوار. لكن أجهزة الدعاية الإخوانية كان لها رواية بطلها طبعاً الـ«بلاك بلوك».